دراسة حلوى الهلام: لا تفكر ملياً في القرارات الصعبة

فكر في قرارٍ ما تواجه صعوبةً في اتخاذه، قد يكون اختيارَ حاسوبٍ جديد أو توجهاً مهنياً جديداً أو شيئاً مختلفاً تماماً.



يجب عليك في البداية أن تنشط عقلك قليلاً وتمارس بعض ألعاب العقل، ثمَّ فكِّر بعد ذلك: أيُّ خيار يبدو الأنسب الآن؟ هذا هو الذي يجب عليك اختياره.

هل يمكن أن يكون الأمر بهذه البساطة؟ أنت لم تقضِ ساعاتٍ في موازنة الإيجابيات والسلبيات، ولم تنشئ جدول بيانات للتفاصيل الصغيرة، ولم تسأل أصدقاءك وعائلتك لمعرفة رأيهم، لم تفعل أيَّاً من تلك الأشياء التي تستنزف دماغك والتي تقوم بها عادةً عندما تحتاج إلى اتِّخاذ قرار صعب، ولكن وفقاً لزوجٍ من الدراسات النفسية من مدرسة كيلوغ للإدارة (Kellogg School of Management) فإنَّك الآن قد اخترت أفضل خيار ممكن إحصائياً.

كلما أكثرت التفكير لن تكون متأكداً ممَّا تريد:

لنفترض أنَّك تتسوق لشراء خاتم خطوبة، وقد عُرِض عليك خمسة خواتم مختلفة وطُلِب منك اختيار الخاتم المفضل لديك وسبب إعجابك به، وبعد نصف ساعة عليك إعادة هذا التمرين. قد تظن أنَّك ستختار الخاتم نفسه وتقدِّم التفسير نفسه؛ لكنَّ الأمر ليس كذلك.

أجرى باحثان في الولايات المتحدة هذا الاختبار بالضبط؛ ليكتشفا كيفية اختيار الأشخاص للأشياء التي يفضِّلونها، ولكن بدلاً من المتسوقين درسا طلاب الجامعات، وبدلاً من خواتم الخطوبة استخدما حلوى الهلام.

كانت النتائج مذهلة؛ فالطلاب الذين طُلِب منهم سبب منطقي لاختيارهم كانوا الأكثر تغييراً لرأيهم عندما طُرح عليهم السؤال نفسه بعد 40 دقيقة فقط، أمَّا الطلاب الذين اختاروا قطعة الحلوى دون تفكير ثبتوا على رأيهم كل مرة.

أجرى الباحثان أيضاً تجربةً أخرى يُطلَب فيها من الأشخاص الاختيار بين الشقق بناءً على تسعة معايير مختلفة، وقد حصلوا على النتائج نفسها؛ فالأشخاص الذين أمضوا وقتاً أقل في التفكير كانت اختياراتهم ثابتة.

يبدو الأمر غير متوقع؛ لكنَّه منطقي؛ فكلما تعمقت في التفكير سمحت لمتغيراتٍ أكثر بتشويش قرارك، حتَّى مزاجك الحالي، والطعام الذي تناولته، ومجريات صباحك، أو أي شيءٍ آخر كلها عوامل قد تغير قرارك.

لكن عندما تختار بسرعة وبحزم فإنَّك لا تمنح هذه المتغيرات الوقت للتأثير في قرارك، بدلاً من ذلك يمكنك تجاوزها لتختار ما تفضله مباشرةً، وهو أمر أفضل على الأمد الطويل.

على سبيل المثال إنَّ سوق العقارات حالياً مشتعلٌ جداً وتوجد منافسة على كل منزل، فإذا أردت إيجاد مكانٍ تعيش فيه ناهيك عن مكان ستشعر بالرضى عنه لفترة طويلة فسوف تُسدي لنفسك معروفاً عندما تقضي وقتاً أقل في التفكير في المكان الذي تفضله.

شاهد بالفيديو: كيف تتعلَّم فن اتخاذ القرارات الصحيحة

كلما أمعنت التفكير اخترت الخيار الأسوأ:

لم يكن الهدف من ألعاب الذهن التي طُلِب منك ممارستها في البداية المتعة فقط؛ بل تحسين جميع القرارات الكبيرة التي ستتخذها في الحياة.

أراد الباحثان اللذان ذُكرا سابقاً أن يكتشفا ما إذا كان التفكير المفرط يعوق اتخاذ قرارات أفضل على نحو ملموس وليس فقط اتخاذ الخيارات؛ لذلك ابتكرا اختباراً آخر، في هذه المرة قسَّما المشاركين إلى مجموعتين وطلبا منهم تقييم جودة سيارةٍ بناءً على عدد من الميزات الواضحة والقابلة للقياس كالمسافة المقطوعة في لتر واحد من الوقود، والمساحة المتوفرة للأرجل، وما إلى ذلك.

طُلب من نصف المجموعة التفكير ملياً في متغيرات السيارة، ومن ثمَّ ترتيبها حسب الأهمية، في حين طُلب من النصف الآخر حل ألغاز الكلمات لبضع دقائق، ومن ثمَّ ترتيب السيارات.

كانت النتائج لا تُصدَّق؛ فعندما لم تمتلك السيارات سوى عدد قليل من المتغيرات البسيطة فإنَّ التفكير المتعمق قد ساعد على تحديد أفضلها، ولكن مع ازدياد عدد الميزات وتعقيدها فإنَّ المجموعة التي حلَّت ألغاز الكلمات ولم تمعن التفكير في الميزات كان أداؤها أفضل، قد يبدو الأمر غير منطقي، ولكن ربَّما يمكنك تفهم النتائج إذا فكرت ملياً في الأمر.

حاول أن تتذكر حادثة كان عليك فيها اتخاذ  قرار صعب، ربَّما كانت لديك عدة متغيرات تجب مراعاتها، وسيكون لاختيارك تأثير كبير في حياتك، لقد فكرت ملياً وطويلاً، وسألت الأصدقاء، وأجريت البحث، ثمَّ قررت في الوقت المناسب؛ لكنَّك ربَّما أغفلت بعض النقاط الهامة ولم تتخذ الخيار الأفضل.

فكر الآن في موقف مشابه؛ لكنَّك ذهبت في نزهة أو لعبت مع أطفالك أو فعلت أيَّ شيء آخر لإلهاء نفسك عن القرار بدلاً من التركيز في التفاصيل، ربَّما ذهبت في إجازة حتى، وعندما عدت كانت الإجابة واضحة؛ ليس الأمر محض خيال؛ إنَّ تقليل التفكير يساعدك على التوصُّل إلى نتائج أفضل في حياتك بصورة قابلة للقياس.

تشبه هاتان الطريقتان - أي اتخاذ القرار بوعي وبغير وعي - عملية البحث في غرفة مظلمة باستخدام ضوء كشاف مقابل ضوء خافت، إنَّ اتخاذ القرار بعقلك اللاواعي يشبه استخدام ضوء الليل؛ فالغرفة معتمة بعض الشيء، ولكن كل شيء فيها مضاء بدرجة ما يمكنك رؤية جميع الجوانب المختلفة لقرارك والنظر فيها، أمَّا استخدام عقلك الواعي فهو أشبه بالبحث باستخدام ضوء الكشاف؛ إنَّك تضيء منطقةً صغيرة بضوء ساطع جداً؛ لكنَّك تُهمل مناطق هامة أخرى ولا تستطيع رؤيتها إطلاقاً.

إقرأ أيضاً: عملية اتخاذ القرارات: كيف تتخذ قرارات أفضل؟

افعل ذلك في الدقائق العشر القادمة:

ربَّما تُحضِّر نفسك لشراء منزل أو سيارة أو غرضٍ كبير آخر، أو ربَّما تحاول اختيار مهنة أو تقرر الزواج أو إنجاب الأطفال؛ بل وربَّما تواجه فقط مشكلة في تحديد وجهة الإجازة التالية.

مهما كان القرار الكبير الذي عليك اتخاذه فإنَّ الدراسات قد أثبتت ما يأتي: لاتخاذ القرار الأفضل إحصائياً وليس القرار الأفضل بالنسبة إليك شخصياً فقط فلا تُفرِط في التفكير.

إقرأ أيضاً: المبالغة في التفكير تضر بسلامتك

في الختام:

قبل أن تتخذ قرارك تمشَّ قليلاً أو العب مع أطفالك أو حل مكعب روبيك، مهما فعلت شتِّت انتباهك عن القرار لفترة قصيرة على الأقل، عندما تعاود التفكير في الموضوع ستعرف مباشرةً ما عليك فعله.




مقالات مرتبطة