خماسية العقلية القمعية!

القمع الفكري له أشكال مختلفة وصور متنوعة ونتيجة واحدة هي الوصول بالمقموع إلى حالة الصمت أو إظهار خلاف ما يؤمن به للحفاظ على مكتسباته! يقول Brimacombe في كتابه "جميع رجال الملكة": "إنّ تقييد حريّة التعبير يكون من خلال الرقابة والاعتقال وحرق الكتب"، ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك؛ الحملات التي قادها الاتحاد السوفيتي ضد حرية التعبير معارضاً أبحاث الجينات لحساب نظرية تعرف باسم الليسينكووية، وحملات حرق الكتب في ألمانيا النازيّة، ومعاداة الفكر في كامبوديا تحت حكم بول بوت، والمعوقات الصارمة التي تفرضها الحكومة الشيوعية في جمهورية الصين على حرية التعبير، وكذلك في كوبا، أو خلال حكم الديكتاتوريات اليمينية مثل أوغستو بينوشيه في تشيلي أو فرانشيسكو فرانكو في إسبانيا.



وهذا يوضح عبر التاريخ أنّ هناك دولاً كبرى مارست القمع ولكن وصلت إلى قناعة حديثة أنّ القمع ليس حلاً، وأصبحنا نسمع عن تنظيمات وقوانين تكفل حرية التعبير في تلك الدول وغيرها. وبالنسبة لي أختلف مع Brimacombe حول تضييقه لمفهوم القمع لأني أراه بأشكال متعددة، ولعل الشكل الذي ذكره (القمع السياسي) يعتبر الأبسط والأضيق مقارنةً بالأشكال الأخرى التي نراها اليوم! لذا حاولت جمع أشكال القمع والعقلية القمعية في خماسية أتمنى القضاء عليها جميعاً:

1. القمع الديني (حرام):

للقمع الديني صورٌ متعدّدة، ولعلّ أبرز تلك الصور عندما يمارس رجل الدين سلطته، من خلال فهمٍ ضيّقٍ وإجبار الجميع على هذا الفهم، ومن يخرج عن هذا الفهم يُعْتَبَرُ فاسقاً ومخالفاً! بالرغم من أن القرآن الكريم دعا للنظر في 129 موضعاً، وللتبصر في 148 موضعاً، و20 موضعاً للتفقه، و16 موضعاً للتفكر.

2. القمع المجتمعي (عيب):

القمع الأسري والمجتمعي ينطلق من العادات والتقاليد والموروث والعرف والمألوف، والخروج عن هذا النّسق يُعْتَبر من العيب والفضيحة وسواد الوجه، حتى لو كان الخروج منطقياً والالتزام بالموروث غير منطقي! وقد يتعدى القمع الإطار اللفظي ليصل إلى درجة الإقصاء والاستبعاد.

3. القمع المدرسي (جاهل):

القمع في إطار الجامعة أو المدرسة يتم من خلال مفهوم "لا أريكم إلا ما أرى"، وعدم السماح للمتعلّم بالاختلاف مع المعلم، وهذا الاختلاف لا يعتبر من الأدب، بل هو تعدّ وخروج عن النص في جوّ قمعي فيه وجهة النظر أحادية، ومصدر المعلومة أحادي، وطريقة الإجابة عن الأسئلة والاختبارات كذلك أحادية.

إقرأ أيضاً: عندما يَتنمّر المعلّمون!

4. القمع الالكتروني (التنمر):

القمع من خلال العالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي يعتبر القمع الأشرس والأشهر في هذا الزمان، لأن عدد ممارسيه ضخم ويختبئون خلف معرفات (أسماء) وهمية، ويمارسون أساليب متنوعة للقمع، ولعل أشهرها القمع من خلال (هاشتاغ)، لذا في كل يوم وليلة تسأل الله أن يكفيك شر الهاشتاغات والتنمر الالكتروني لأنهما شرارة سريعة الاشتعال والانتشار.

5. القمع السياسي (خوارج):

القمع السياسي من خلال الأنظمة الدكتاتورية وقد تم ذكره في مقدمة هذا المقال وقد كتب عنه كثيرون، ومعه تُصَاب الشعوب بحالة الصمت الجبري حفاظاً على أرواحها ومكتسباتها ليس من السلطة، بل حتى من الشعب نفسه، لأنّه سينقسم إلى فريقين إن كنت معي فأنت وطني وإن كنت ضدي فأنت غير وطني!

 

المصدر: صحيفة مكة.




مقالات مرتبطة