خطوات للتخلص من الإرهاق في العمل

لقد أصبح الإرهاق في العمل أمراً شائعاً في عديد من القطاعات، فقد أكَّد 83% من العمال أنَّهم يعانون من ضغوطات مرتبطة بالعمل، وتعدُّ الولايات المتحدة أكثر الدول المتقدمة التي يثقل العمل كاهل مواطنيها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "كات ترومان" (Kat Truman)، وتقدِّم لنا فيه 16 خطوة للتخلص من الإرهاق في العمل.

تشير البيانات المقدَّمة من "مكتب إحصاءات العمل الأمريكي" (U.S. Bureau of Labor Statistics) إلى أنَّ متوسط ​​إنتاجية العمَّال الأمريكيين قد زاد منذ عام 1950، لكن منذ ذلك الوقت بقيت الأجور دون تغيير إلى حدٍّ كبير - إذ عُدِّلت وَفقاً لتكلفة المعيشة ونسبة التضخم - وهذا يعني أنَّه من أجل جني نفس ما كان يجنيه الناس في عام 1950، يتعيَّن علينا العمل نحو 11 ساعة إضافية كل أسبوع، و572 ساعة في السنة.

يبدو الأمر مرهقاً بعض الشيء:

لوضع الأمور في نصابها، إليك بعض الإحصاءات التي يجب التفكير فيها:

  1. يشعر الناس بالإرهاق في العمل لدرجة أنَّ الأمر يُكلِّف الشركات الأمريكية أكثر من 300 مليار دولار سنوياً، وأكثر من 190 مليار دولار لتكاليف الرعاية الصحية، وهذا لأنَّ الشعور بالإرهاق في العمل يتجلَّى في زيادة الإجازات المرضية، وانخفاض الإنتاجية، وضعف الصحة العقلية والبدنية، وزيادة الأخطاء في العمل، وارتفاع معدل دوران العمالة.
  2. علاوةً على ذلك، فإنَّ ضغط العمل لا يكلِّفنا المال فحسب، بل حياتنا أيضاً، ومع 120 ألف حالة وفاة سنوياً بسبب ضغوطات العمل، ثمَّة شيء ما يحتاج إلى التغيير.

لقد حُفرت في أذهاننا فكرة أنَّ العمل الجاد يكسبك الإعجاب، في حين الاعتراف بصعوبة إنجاز أمر ما يعني أنَّك شخص ضعيف وكسول، ويُسمَّى هذا السلوك "الرأسمالية الداخلية"، فوفقاً لأستاذ العلوم السياسية في "جامعة دالهوزي" (Dalhousie University) "أندرس هايدن" (Andres Hayden): "الرأسمالية الداخلية هي فكرة أنَّ قيمتنا الذاتية مرتبطة ارتباطاً مباشراً بإنتاجيتنا".

قد يتَّسم الشخص الذي يعاني من الرأسمالية الداخلية بما يأتي:

  1. تفضيل العمل على صحته وعافيته.
  2. الشعور بالذنب عند الراحة أو المشاركة في نشاط ترفيهي.
  3. الشعور بالكسل أو القلق عندما يصاب بالمرض أو الأذى أو عند التعامل مع محنة شخصية أو جسدية تعوقه عن القيام بعمله.
  4. الشعور بأنَّ كل ما يفعله غير كافٍ.

لا تفهمني فهماً خاطئاً، فمن الرائع أن تكون عاملاً مُجدَّاً، لكن عندما تتأثر قيمتنا الذاتية وحياتنا بسبب الطلب الهائل الذي لا يتوقف على الإنتاجية والربح والأداء، فعلينا إعادة النظر فيما يحدث، وإليك السبب الحقيقي لذلك؛ يصبُّ هذا السلوك في مصلحة قِلَّة قليلة من الأشخاص الذين يستفيدون على حساب الكثيرين، فيبدو الأمر كما لو أنَّنا تعرضنا لغسيل دماغ للعمل ضد مصلحتنا الذاتية.

بعد أن فهمنا كيفية وصولنا إلى هذه الحالة، فإنَّ السؤال هو: كيف يمكننا التغلُّب على نظام عقيم وتفكير مختل؟

فإنَّنا لم نصل إلى هذه الحالة بين ليلة وضحاها، ولا توجد عصا سحرية من شأنها أن تغيِّر الأمور للأفضل على الفور؛ إذ سيتحقق التغيير الحقيقي بمزيج من التعديلات النظامية والفردية، أو من خلال بعض عمليات الإصلاح.

لنلقي نظرة على بعض الحلول والتغييرات التي يمكننا تنفيذها بوصفنا أفراداً، ولنكن صريحين ونقول إنَّ هذه المشكلات لن تُحل من خلال تذكير الناس بالاعتناء بأنفسهم جيداً فحسب، فتحمُّل مسؤولية رعاية ذاتك هي جزء من الحل، لكنَّ هذا الأمر أعمق بكثير من ذلك، فنحن نتحدَّث عن إلغاء معتقدات راسخة تحكم احترامنا وتقديرنا لذاتنا؛ إذ يعد العثور على متنفس صحي لعواطفنا جانباً أساسياً من المعالجة والقدرة على المضي قدماً.

لقد تحدث الطبيب "دان سيجل" (Dr. Dan Siegel) عن فاعلية تصنيف المشاعر لتقليل تأثيرها، ومن بعض الأمثلة عن ذلك كتابة اليوميات أو مناقشة الأمور مع الأشخاص من حولك، فيجب أن تكون هذه أول خطوة، لأنَّه من الصعب التفكير بوضوح عندما نشعر بعاطفة شديدة.

شاهد بالفيديو: 7 استراتيجيات للتعافي من إرهاق العمل

16 خطوة للتخلُّص من الإرهاق في العمل:

1. إدراك الحديث الذاتي السلبي والمليء بالأحكام:

هل تبقى وقتاً طويلاً في المكتب ولا تقضي أي وقت مع أصدقائك لأنَّ صوتاً ينتقدك من الداخل ويُخبرك أنَّك إذا لم تنجز ما عليك إنجازه، فأنت شخص كسول ضعيف الأداء؟ لن يؤدي هذا النوع من الحديث الذاتي إلى أن تكون منتجاً، وهو غير صحي.

لكن يمكنك التغلُّب عليه من خلال إدراك ما تقوله وأحكامك على نفسك، فهذا الكلام والانتقادات التي نقولها لأنفسنا والتي تجعلنا نعمل لساعات طويلة وتثير قلقنا، هي نفس الأشياء التي تمنعنا من قضاء الوقت الذي نحتاج إليه للاعتناء بأنفسنا.

2. التشكيك في معتقداتك:

عندما تلاحظ الكلام الذي تقوله لنفسك، تمهَّل قليلاً وحاول رؤيته على حقيقته، واسأل نفسك: "هل هذا صحيح حقاً؟ لماذا أُصدِّق هذا الكلام؟ وهل يوجد أي دليل يثبت خلاف ما أقوله؟".

3. تكوين معتقدات جديدة:

أعِد كتابة قصتك بما تشعر أنَّه مناسب لك، فنحن من نتحكَّم بسير حياتنا، وعلينا أن نختار الأشياء التي نقولها لأنفسنا، ومن الممكن أن تكون قوة المنظور والتفكير الإيجابي الحقيقي هائلة؛ لذلك من الصحي أن نقيِّم معتقداتنا الداخلية ونتحدَّث مع أنفسنا من وقت لآخر.

4. توضيح ما تريد:

كن واضحاً بشأن ما تريد وكيف تريد أن تتغيَّر بعض الأشياء، واسأل نفسك: "هل أريد أن أعمل آلاف الساعات في الأسبوع، ثمَّ أكون متعباً أو قلقاً أو غاضباً جداً لفعل أي شيء آخر في حياتي؟ ما هي أولوياتي في الحياة وهل يعكس وضعي الحالي ذلك؟".

5. التحدث إلى مشرفك:

تحدَّث إلى مشرفك لتوضيح توقعاتك، فهل تُلزم نفسك بتوقعات تفرضها على نفسك؟ أو فرضها رب عملك بكل وضوح؟

6. الحصول على نظام دعم قوي:

يساعد وجود نظام دعم قوي على منعك من الإرهاق نتيجة العمل، ويمكن أن يتألَّف نظام الدعم هذا من أصدقائك أو عائلتك أو كوتش حياة أو طبيبك النفسي أو زملائك في الفريق أو من المجموعات الاجتماعية، فلا يهم ذلك إذا كانوا يشعرونك بالدعم والإيجابية والتشجيع.

7. تقييم ما يمكنك وما لا يمكنك التحكُّم به:

تعدُّ هذه الخطوة بمنتهى الأهمية؛ وذلك لأنَّها تُملي عليك الإجراءات التي يجب عليك اختيارها للمضي قدماً، فبالنسبة إليَّ لقد كنت أتمنَّى أن أفوز باليانصيب، لكنَّ الوقت والجهد اللذين بذلتهما على ذلك لم يؤديا إلى أي شيء، بل تغيير ساعات عملي وأخذ بعض الدروس وتقليل بعض النفقات أدَّت إلى تغيير كل شيء.

8. تطوير خطة عمل:

ضع خطة عمل بناءً على النتائج التي توصَّلت إليها في الخطوة السابقة، فلن يتغيَّر كل شيء دفعة واحدة؛ لذا ابدأ بشيء صغير، واستمر في الخطة تدريجياً حتى تصل إلى حيثما تريد.

9. التحدث إلى شخص من قسم الموارد البشرية:

تحدَّث إلى مشرفك أو أي شخص من قسم الموارد البشرية عن مخاوفك ومعاناتك، واعرف خياراتك والمساعدة التي يمكنهم تقديمها لك.

10. وضع حدود وقيود:

إذا كان في إمكانك العمل من المنزل، والتحقُّق من بريدك الإلكتروني حتى في الساعة 2 صباحاً، فهذا لا يعني أنَّه يجب عليك فعل ذلك؛ لذا تعلَّم كيفية وضع حدود والتقيد بها.

11. إنجاز كل مهمة على حِدة:

لا يسعنا سوى التركيز على مهمة واحدة فقط؛ إذ إنَّ تعدُّد المهام هو مجرد خرافة، وعند محاولة القيام بذلك، تبيَّن أنَّ إكمال كل مهمة يستغرق وقتاً أطول بنسبة تصل إلى 40%؛ لذا لا تضيِّع وقتك الثمين وطاقتك في القيام بعديد من الأشياء في وقت واحد، بل ركِّز على إكمال كل مهمة على حِدة.

12. التنظيم والواقعية:

لا تزد على نفسك الضغط والقلق الشديد من العمل المرهق عن طريق وضع كمية غير معقولة من الأشياء في قائمة "المهام" الخاصة بك خلال فترة زمنية قصيرة، حدِّد ما يجب فعله بحسب الأولوية، وحدِّد أطر زمنية محدَّدة وواقعية للانتهاء منها.

13. عدم الدخول في التفاصيل الصغيرة:

لا تغرق نفسك في التفاصيل الصغيرة، وتكلِّف نفسك بساعات من العمل غير الضروري بإعادة قراءة رسائل البريد الإلكتروني 14 مرة قبل إرسالها، بل اقرأها مرتين فقط وأرسلها.

14. عدم مقارنة نفسك بالآخرين:

يوجد قول يعجبني: "المقارنة هي لصُّ السعادة"، ليس لديَّ أدنى فكرة عمَّن قالها، لكنَّها رائعة، والأهم من ذلك كله أنَّها صحيحة؛ وذلك لأنَّ إضاعة الوقت والطاقة في مقارنة أنفسنا مع الآخرين لن تقودنا إلى شيء جيد أبداً، بل اسأل نفسك عمَّا إذا كنت تبذل قصارى جهدك في الظروف الخاصة بك.

شاهد بالفيديو: 6 وسائل للتغلب على الإرهاق الذهني

15. أخذ الوقت لاستعادة طاقتك:

إنَّ ممارسة التأمل و"اليوجا" (Yoga) والتمرينات الرياضية والاستراحة والتنفس والنوم الجيد والتغذية الجيدة وشرب الماء الكافي - على سبيل المثال لا الحصر - كلها طرائق مثبتة علمياً لتقليل قلقنا الداخلي وإدارة طاقتنا جيداً، وبالإضافة إلى عادات الرعاية الذاتية الجيدة، فإنَّ قضاء الوقت في القيام بكل ما يجعلك تستعيد طاقتك هو أمر بالغ الأهمية لتقليل الشعور بالإرهاق من قلق العمل.

16. إعادة صياغة وجهة نظرك:

اعتدنا جميعاً على رؤية الأشياء من منظور واحد فقط، على سبيل المثال، لقد اعتادت صديقتي أن تقول لي دائماً: "توجد ثلاثة جوانب لكل قصة: جانبك، وجانبهم، وشيء في المنتصف"، لقد كانت على حق، فيوجد جوانب أكثر من ذلك.

لذا حاول التفكير بطريقة إبداعية لترى تبعات الخيارات المتاحة لك، وحاول ألا تتجاهلها على الفور؛ وذلك لأنَّها قد لا تتناسب مع النظرة الضيقة أو مع التوقعات التي كنت تحملها سابقاً، فاسمح لعقلك بأن يفكِّر بحرية، وكن مبدعاً، وابحث عن الحلول.

إقرأ أيضاً: أسباب الإرهاق أثناء العمل وطرق التخلص منه

ما يمكن أن تفعله المنظمات حيال ذلك:

كما ذكرنا سابقاً، إنَّ مشكلة الإرهاق من العمل هذه ليست ذي بُعدٍ واحد؛ إذ يقع جزء كبير من العبء على النظام نفسه، والذي تكون فيه المنظمات غير مستعدة لتقديم الالتزام الكامل الضروري، فتشجِّع معظم المنظمات موظفيها على "الاعتناء بأنفسهم"، أو "إعطاء الأولوية للتوازن بين العمل والحياة الشخصية"، وفي الوقت نفسه تقدِّم مطالب غير واقعية في أعباء العمل والوقت إمَّا بطريقة سرية أو بطريقة علنية.

فالجانب الإيجابي هو وجود شركات قد أخذت مهمة دعم موظفيها بوصفهم أشخاصاً لديهم حياة شخصية ومهنية على محمل الجد؛ إذ تقف هذه المنظمات في الطليعة من خلال تقديم أجور عادلة، وتوظيف عدد كافٍ من الموظفين، ووضع توقعات عمل وحدود وأهداف واقعية.

توظف بعض المنظمات الكبرى كوتشز للحياة وعلماء نفس وموظفي دعم آخرين، وتقدِّم برامج لتعزيز عافية الموظفين، وتشجِّع على التغذية الجيدة من خلال تقديم وجبات صحية مجانية في العمل، وتوفِّر إمكانية الدخول إلى غرف اللياقة البدنية والألعاب، وتوفِّر إجازة غير محدودة مدفوعة الأجر، وجداول زمنية مرنة، والقدرة على العمل عن بعد، بالإضافة إلى الموارد للمساعدة على الرعاية النهارية، والمسائل القانونية، والرعاية المنزلية على سبيل المثال.

يعدُّ تدريب المديرين وموظفي الموارد البشرية بفاعلية على معاملة الموظفين بإنسانية، وأخذ بعض العبء عن عاتقهم لإيجاد حلول للمشكلات التي تنبع من مكان العمل، عنصراً هامَّاً أيضاً لدعم الموظفين بنجاح.

إقرأ أيضاً: الإرهاق في العمل وطرق مواجهته

في الختام:

إنَّ زيادة دعم الأشخاص في مكان العمل هو أمر مفيد لجميع الأشخاص؛ فهو أفضل لصحة الناس وعافيتهم، وأفضل للإنتاجية ولتقليل الأخطاء، وأكثر فاعلية من حيث التكلفة للشركات ولنظام الرعاية الصحية، ويزيد من صافي أرباح الشركات أيضاً.

وكما ناقشنا سابقاً، لن يتغيَّر كل شيء بين ليلة وضحاها؛ لذلك حاول في الوقت الحالي أن تتحكَّم بما تستطيع التحكُّم به، وإذا لم تكن هذه التغييرات كافية لإحداث الفرق الذي تبحث عنه، فقد يكون تغيير بيئة عملك أو الانتقال إلى شركة أخرى تحمل نفس معتقداتك حلَّاً مناسباً.

المصدر




مقالات مرتبطة