خطأ التحفيز: علم النفس الذي يفتح فرصاً هائلة

اجلس واسترخِ وأغلق عينيك، ما الذي يخطر الآن في ذهنك؟

في أواخر القرن التاسع عشر كان الطبيب الألماني فيلهلم فونت (Wilhelm Wundt) رائداً لأحد الأساليب الجديدة في مجال علم النفس أراد معرفة كيفية الحصول على أفكار الناس الواعية وتقسيمها إلى أجزاء أصغر قابلة للدراسة، سُمي هذه الأسلوب بالاستبطان، وسرعان ما أصبح أحد أساليب البحث الرائدة في هذا المجال.



لكن كانت ثمة مشكلةٌ صغيرة في هذا الاستبطان؛ وهي أنَّ العديد من المرضى قيد الدراسة لم يكن لديهم القدرة على إجراء استبطانٍ عميق لأنفسهم، ولم يعرف معظم علماء النفس كيفية إقناعهم بذلك، فقد يسأل الباحث أحد المرضى: "ما الذي تفكر فيه الآن؟"، فيجيب ببساطة: "أظنُّ أنَّني أرى طاولة"، فالنتيجة إذاً غير محددة ولا تقدم للباحث أيَّ فائدة.

لم تُحَل هذه المشكلة إلَّا بعد بضع سنوات عندما صاغ عالم النفس البريطاني إدوارد تيتشنر (Edward Titchener) هذه الظاهرة باسم "خطأ التحفيز" وشرع في إيجاد إجراء يحلها، ويمكنك استخدام النتائج التي توصل إليها لتحسين حياتك.

خطأ التحفيز: عليك أن تفكر أكثر

تقول فرضية تيتشنر إنَّ أفكار العقل الواعي هي مجرد بوابات لأفكار أعمق، ومسارات تصل إلى الأجزاء الخفية من العقل التي تحتوي على معلومات حساسةٍ عن الفرد، ويحدث خطأ التحفيز عندما ينشغل الشخص أو الباحث كثيراً في موضوع الفكرة الواعية؛ كالطاولة على سبيل المثال، ويتجاهل المعنى الحقيقي وراءه.

علَّم تيتشنر طلابه ضرورة البحث بصورة أعمق، علَّمهم اتباع مجموعة صارمة من الإرشادات لإقناع الفرد موضع الاختبار النفسي بشرح أفكاره الخفية.

إذا أبلغ الفرد عن رؤية طاولة في أفكاره يجب أن نعرف ممَّا صُنعت هذه الطاولة، ومكان وجودها، وتصميمها الدقيق، من خلال هذا التحقيق يمكنك أن تربط الطاولة بحاجة أساسية وأعمق في حياة الفرد لامتلاك شيء متين، أو قد تكتشف أنَّ الطاولة تعني بالنسبة إليه وقت العشاء مع العائلة، بالنسبة إلى هذا الشخص بالذات فإنَّ التفكير الواعي في الطاولة يرتبط ببعض المشاعر القوية تجاه الأسرة.

إنَّ التغلب على خطأ التحفيز أتاح لعلماء النفس اليوم أن يتجاوزوا أفكار الناس السطحية، وأن يتعمقوا في المعاني الأعمق التي تتحكم فيها، وأدَّت هذه العملية إلى تقدم كبير في نظرية الاستبطان، وهو شيء ما يزال يُستخدم على نطاق واسع حتَّى يومنا هذا كأداةٍ قيمة في علم النفس.

يمكن أن يساعدك الاستبطان على فهم أفكارك والمعاني الكامنة وراءها فهماً أعمق؛ لكنَّه قد يكون أكثر فائدةً كأداة لتغيير طريقة تفكيرك حتى ترى المزيد من الفرص في حياتك وتولِّدها.

شاهد: 8 طرق تفكير ستضعك على طريق النجاح

عكس مفهوم الاستبطان لتُصبح شخصاً أكثر سعادة:

ما بدأه فونت وتيتشنر كان طريقةً لإيجاد روابط بين العقل الواعي والعقل الباطن، ويمكنك استخدام العملية نفسها لإنشاء روابط إيجابية في عقلك، وهو نوع من الهندسة العكسية لاستبطان فونت، فبدلاً من التفكير في شيء ما ومحاولة اكتشاف معناه، أجبر نفسك على التفكير في نقاطه الإيجابية حتى لو لم تصدقها بالضرورة.

لنعد إلى الطاولة، عندما تُفكر في طاولةٍ ما حاول رؤية جميع فوائدها العظيمة حتى لو لم تكن هذه الفوائد في متناولك على الفور؛ على سبيل المثال:

  1. توفر الطاولة مساحةً كبيرةً للقيام بعملك.
  2. إنَّها أفضل مكان في المنزل لتناول العشاء والتحدث مع عائلتك.
  3. يمكن بيعها لشراء أشياء أخرى قد تحتاجها لاحقاً.

هذا مفيد خصوصاً لأمور حياتك التي تُعِدُّها مشكلات حقيقية.

في بعض الأحيان قد تُسبِّب الطاولة بعض الإزعاج، حيث يتطلب الأمر كثيراً من الجهد لتنظيفها، وإذا أسقطت شيئاً تحتها فعادةً ما يصطدم رأسك بها في حين تحاول التقاطه، ولكن من خلال تغيير طريقة تفكيرك بها سوف يشجعك ذلك على تذكر فوائدها، وسرعان ما ستشعر بالسعادة مرةً أخرى.

ربَّما تعمل في وظيفة تكرهها؛ ممَّا يمنعك من إيجاد الوقت للسعي وراء شيء آخر، وإذا سمحت لعقلك بخلق هذه العلاقة السلبية سوف تكون وظيفتك مشكلة، وقد يجعلك ذلك تشعر بالعجز كأنَّك لن تفعل أبداً ما تريده حقاً.

لكن ماذا لو نظرت إلى هذه الوظيفة على أنَّها فرصة لجمع المال الذي سيسمح لك بالسعي وراء شيءٍ مختلف في الوقت المناسب؟ بل ربَّما قد تكون مكاناً رائعاً لتكوين شبكةٍ من العلاقات التي من شأنها أن تخدمك في المستقبل، وقد تُعلِّمك مهارةً يمكنك استخدامها في مشاريع أخرى في حياتك.

يمكنك تطبيق ذلك في أيِّ موضوعٍ في حياتك، عندما تنظر إلى شيء ما وتجبر نفسك على عدِّه فرصة وليس مشكلة، فسوف تتحسن حياتك على نحو هائل مهما واجهت من مشكلات.

إقرأ أيضاً: كيفية الهروب من فخ التفكير الزائد

إنَّ الأبواب التي كانت مغلقة سوف تنفتح على مصراعيها، وكلَّما أجبرت نفسك على رؤية الفرص استطعت رؤيتها تلقائياً في أجزاء أخرى من حياتك؛ فهذا النوع من الأفكار يضاعف الفرص.

عندها يصبح التفكير الإيجابي عادةً لديك مثل أيِّ سلوك آخر قد تجبر نفسك على تبنيه؛ لكنَّه عادةٌ خارقة؛ لأنَّها تُعزز عاداتك الحسنة الأخرى كلها وتحسنها.

إقرأ أيضاً: 5 تغييرات في طريقة التفكير ستحتاجها لبدء عمل خارج المألوف

في الختام:

يمكنك أن تشكر فونت وتيتشنر على جعل الاستبطان أداةً مفيدة، ولكن يجب أن تشكر نفسك أيضاً على استخدامه لتجعل نفسك إنساناً أسعد، فما هي الفرصة التي سوف تختلقها اليوم؟




مقالات مرتبطة