خجل الأطفال: كيف يمكن أن يكون مفيداً؟

تقف فتاة عمرها ست سنوات على العشب في الخارج، مُتشبِّثة بخوف بساق أمها في أول يوم لها في المدرسة؛ إذ تحاول معلمتها وأهلها إقناعها بالدخول إلى المدرسة؛ ولكنَّ الطفلة تبدأ بالبكاء بمجرد معرفتها أنَّها ما إن تدخل، فسوف تنفصل عن والديها وتبدأ رحلتها في مبنى جديد مليء بالأشخاص الجُدد، والوقت الوحيد الذي تتوقف فيه الفتاة عن البكاء هو عندما تلاحظ أنَّ الآخرين ينظرون إليها.



وخلال الأسابيع الأولى التي تمضيها في صفها الجديد، لا تبادر الطفلة بالمشاركة حينما تطرح المعلمة سؤالاً ما، وفي أثناء الاستراحة تقف بمفردها بجانب الحائط وهي تراقب الأطفال الآخرين يركضون حول الملعب؛ ولكنَّ سلوكها يختلف حين تعود إلى المنزل؛ إذ تضحك وتثرثر بصوت عالٍ وبجرأة أكثر بكثير مما هي عليه في المدرسة؛ إذ حينما تعتاد المدرسة أكثر وتصبح هذه البيئة مألوفة بالنسبة إليها، ستبدأ سلوكاتها بالتبدل لتصبح أقرب إلى ما هي عليه في المنزل، فهذه الطفلة التي في الصف الأول هي فتاة خجولة.

في حال كنت والداً/ والدة أو مقدم رعاية أو معلماً/ معلمة، فإنَّك بالتأكيد قد تعاملت مع حالة كهذه من قبل؛ فالأطفال يتفاعلون مع الأشخاص والمواقف الاجتماعية غير المألوفة إليهم بطريقة مشابهة، وعلى الرغم من اختلاف التعريفات، إلَّا أنَّ الخجل غالباً يترافق مع الحذر والخوف والتمهل في أثناء التعامل مع حالات اجتماعية مختلفة وجديدة.

في الحقيقة عنصر التجدد هذا له دور هام جداً كما ذكرنا في المثال السابق؛ ولكنَّنا نعتقد أنَّ سلوك الأطفال الخجولين في المواقف الجديدة سيتحول مع مرور الوقت ليصبح أقرب إلى سلوكهم المعتاد في المواقف المألوفة، ويُنظَر إلى القدرة على التواصل الاجتماعي والحيوية بشكلٍ إيجابيٍ جداً في أماكن مختلفة حول العالم؛ إذ يُشجَّع الأطفال على التحدث بمختلف الموضوعات وعلى التواصل مع زملائهم والثقة بمعلميهم؛ كنتيجة لذلك ينظر الأهل والمعلمون للخجل عند الأطفال على أنَّه مرض وسمة سلبية يجب التغلب عليها.

ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أنَّه وبنسبة 10 إلى 15% من الأطفال يظهر عليهم الخجل باستمرار، وكما هو معلوم فإنَّ الميل إلى إبداء الخوف وتجنُّب المواقف أو الأشخاص غير المألوفين هو أمر منتشر بين الثقافات والأجيال المُختلفة، وعلى عكس اضطراب القلق الاجتماعي الذي يُشخَّص على أنَّه اضطراب نفسي يؤدي إلى تدهور كبير في الحياة اليومية، فإنَّ الخجل عادة ما يُعَدُّ سمة شخصية طبيعية من قِبَل الباحثين والمتخصصين في الصحة العقلية، وإنَّ انتشار الخجل انتشاراً كبيراً يشير ربما إلى أنَّه يمتلك على الأرجح بعض الوظائف التكيفية وإلَّا لما كان تطور واستمر، ويوجد ما يُثبِت أنَّ الخجل ليس بالضرورة أن يكون عيباً أو مشكلة، وأنَّه من الممكن التكيف معه في بعض الأحيان.

يمكن للأطفال الخجولين ملاحظة وجود زميل غير لطيف أو متنمر بسهولة؛ وذلك كون لديهم قدرة أكبر على اكتشاف التهديدات، وكما كشفت دراسة أُجريت حول هذا الموضوع، فإنَّ الأطفال الخجولين قد يكونون أكثر استعداداً إلى إدراك واكتشاف التهديدات والأخطار الاجتماعية في بيئتهم مُقارنةً بالأطفال غير الخجولين، فعند التعرُّض لموقف اجتماعي جديد كتعريفهم لأول مرة إلى زميل دراسة أو شخص أكبر سناً - على سبيل المثال - غالباً ما سيجد الأطفال الخجولون هذا الأمر مخيفاً.

وفقاً لذلك فإمَّا سيحترسون من خلال التحديق عن كثب إلى الشخص مثلاً، أو التجنب كإبعاد نظرهم عمَّن أمامهم، وسيستخدمون هاتين الطريقتين على التوالي كاستراتيجيات سلوكية إما ليحاولوا معرفة معلومات أكثر حول التهديد الاجتماعي المحتمل حدوثه أو ليحموا أنفسهم من هذا التهديد الممكن تلقيه.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتنمية العلاقات الاجتماعيّة لدى الطفل

عادةً ما يصاحب الاستجابات السلوكية في المواقف الاجتماعية الجديدة عند الخجولين من الأطفال تغيرات في عقولهم وأجسادهم، فمثلاً من المُرَّجح أنَّه عندما يُوضَع الطفل في حالة اجتماعية مختلفة، سوف يشعر بزيادة في دقات قلبه أو حتى قد يشعر بالحر، وقد تكون الاختلافات في الاستجابات السلوكية والعصبية والفسيولوجية التي تحدث حينما يواجه الأفراد الخجولون حدثاً اجتماعياً جديداً، سبباً يكمن وراء خصائص أخرى ذات صلة كالحذر المرتبط بالخجل عند النساء.

على الرغم من أنَّه قد يبدو أنَّ الحذر للكشف عن التهديدات هي خصائص سلبية؛ ولكنَّ هذه الخصائص يمكن أن تؤدي وظائف تكيفية هامة بالنسبة إلى الأطفال كون البشر كائنات اجتماعية استثنائية؛ فبالإضافة إلى إمكانية مواجهة تهديدات جسدية ممكنة في بيئاتهم كالجوع والعنف، فإنَّ البشر يواجهون تهديدات اجتماعية ممكنة كالنبذ؛ لأنَّ الأطفال الخجولين غير متسرعين في التأقلم وقادرون على كشف الأخطار الممكنة؛ الأمر الذي يدفعهم إلى التصرف بحذر في المواقف الاجتماعية.

ولكون الطفلة الخجولة تستطيع ملاحظة الزملاء غير اللطيفين والمتنمرين بسهولة لقدرتها على تحسس التهديدات؛ فإنَّ هذه الطفلة سوف تمتنع عن مشاركة معلومات شخصية خاصة مباشرة أو أن تأخذ قراراً حساساً بتكوين صداقة مع شخص ما؛ فمن الممكن هنا أن يحمي الحفاظ على مسافة، الطفلَ الخجول من أن يصبح هدفاً للمتنمر؛ لذا فقد تساعد هذه العوامل على حماية الأطفال الخجولين من الانخراط في صراعات اجتماعية والتعرُّض من ثم إلى تقييمات اجتماعية سلبية.

إنَّ الأسلوب اليقظ الذي يُظهره العديد من الأطفال الخجولين في أثناء مشاهدة أقرانهم عن بُعد، قد يخدم أحد وظائف التطور الاجتماعي المعرفي؛ إذ اختبر الباحثون نظرية عقلية وهي جانب من الإدراك الاجتماعي الذي يُمكِّن الشخص من القدرة على فهم الأمر من خلال وجهة النظر الأخرى، ومن خلال قراءة قصص الأطفال أمامهم ومطالبتهم بوصف وشرح سبب اختيار الشخصيات لخيارات معينة أو قيامهم بأفعال معينة، ومن ثم أشارت النتائج إلى ارتباط خجل الأطفال الصغار بتفسيرات للقصص أكثر تقدماً.

قد يتعلم بعض الأطفال الخجولين ويفهمون بشكل أفضل كيفية تكوين الصداقات الاجتماعية من خلال المشاهدة الدقيقة لأقرانهم ولكونِهم مستمعين جيدين في المواقف الاجتماعية، وبينما يلاحظ الطفل أنماطاً عديدة من التفاعلات الاجتماعية، تساعده هذه المهارات على بناء وتطوير والحفاظ على الصداقات؛ إذ إنَّ الخجل بحد ذاته ليس حكماً على الحياة بالصعوبة والوحدة.

من الممكن أيضاً أن ينظر أقران ومعلِّمو وأولياء أمور الأطفال الخجولين إليهم على أنَّهم يتمتعون بصفات إيجابية مرتبطة بخجلهم، وقد تدل التعبيرات السلوكية الشائعة حول الخجل كالابتسام الخجول واحمرار الوجه إلى أنَّ هؤلاء الأطفال يولون أهمية حقاً للتفاعل الاجتماعي مع الآخرين؛ ولكنَّهم ربما يشعرون بالقلق حيال نظرة الآخرين إليهم، وغالباً ما يكون الخجولون من الأطفال أكثر ميلاً إلى الالتزام بالأعراف الاجتماعية نظراً لكون العديد منهم يُفضلون تجنُّب الصراعات الاجتماعية أو فعل أمور تحتمل التعرُّض للعقاب كي يبقوا بعيدين عن دائرة الضوء.

يُقدم بحثٌ نوعيٌّ أدلة تثبت أنَّ الأطفال الخجولين هم عادةً جيدو التصرف ومجتهدون؛ ويشير امتلاك هذه الخصائص إلى الحصول على تقييمات اجتماعية إيجابية.

شاهد بالفديو: 8 طرق لتنمية الذكاء الاجتماعي للطفل

على الرغم من المزايا المحتملة للأطفال الخجولين، إلَّا أنَّه من الضروري الأخذ في الحسبان أنَّ الخجل قد يكون أحياناً سبباً في تدهور حالة طفل/ ة، فلو تخيلنا الآن أنَّ الطفلة البالغة من العمر ست سنوات، والتي تحدثنا عنها في بداية مقالنا لم تتكيف مع بيئتها المدرسية بعد أسابيع أو أشهراً عدَّة على دخولها المدرسة، ومن المحتمل أنَّها ستكون أكثر عرضة لمواجهة صعوبات نفسية واجتماعية كأعراض القلق الاجتماعي.

لكن في الصين مثلاً، يُنظَر إلى الخجل بشكل أكثر إيجابية؛ إذ اقترنت بعض سمات الخجل بالقدرة على التكيف الاجتماعي النفسي، بما في ذلك ارتباطها الإيجابي بالقبول الاجتماعي وارتباطها السلبي بالوحدة. وتشير الأبحاث إلى أنَّ التصورات المجتمعية والأبوية حول الخجل قد يكون لها تأثير في التهديدات والمخاطر المرتبطة بها.

والآن لكل الأهل ومقدمي الرعاية والمعلمين المهتمين والمعنيين بالخجل عند الأطفال، نقترح رؤية بديلة عن تلك التي تحدد الخجل كمرض، والبدء بالنظر إليه كقيمة معاكسة ولكن مكملة للصفات الاجتماعية.

فبدلاً من محاولة تبديل طباع أطفالنا الخجولة، علينا الأخذ في الحسبان أنَّ الاختلاف الفردي بين الشخصيات المختلفة هو ما يجعل العلاقات الاجتماعية غنية، وبعدَ النظر في الوظائف التكيفية للخجل، أصبح في إمكاننا أن نهدئ ونخفف من القلق بشأنه؛ إذ إنَّه أصبح في إمكاننا الآن رؤية الأطفال الخجولين بنظرة إيجابية أكثر.

المصدر




مقالات مرتبطة