حسِّن صحتك مع الصيام المتقطع

لقد أقسم "لا فيرساليه" (Laz Versalles) أن يسترجع لياقته البدنية؛ وهو لاعب كرة قدم سابق لفريق جامعي، على الرغم من كونه قوياً إلا أنَّ الزواج والأبوة قد زادوا من وزنه بضعة باوندات. لم يكن "فيرساليه" مهتماً بأن يبدو أفضل؛ لكنَّه أراد تحسين صحته. واحدةٌ من فوائد عمله في "مختبرات أكسيسا" (Accesa Labs) هي إجراء تحاليل دم دورية، وقد أظهرت نتائجها بعض المشكلات غير المتوقعة؛ فقال إنَّ أول عينة من التحاليل التي ظهرت كانت سيئة، وأضاف أنَّ طبيبه قد أخبره أنَّه مهيأ للإصابة بحالة مقدمات السكري وباختلاجات قلبية.



علم "فيرساليه" أنَّه إذا أراد تجنب الوصفات الطبية، فعليه أن يجعل نظامه الغذائي صحياً أكثر؛ لذا بدأ بتجنب العناصر الأكثر تهديداً على صحته، كالسكر والكربوهيدرات الخفيفة، ولاحقاً تجنَّب كل شيء تقريباً عدا المياه من طعامه اليومي.

تدعى هذه الطريقة بتنظيم الوجبات الغذائية بالصيام المتقطع، أو تناول الطعام في توقيت محدد؛ إذ نما الاهتمام بها بشكل متزايد خلال العقد الأخير، فلا يمكنك تسميته بحمية غذائية، كونه لا يعتمد على إحصاء السعرات الحرارية أو تجنب أنواع معينة من الأطعمة؛ بل على العكس، الهدف هنا هو التركيز على فترات تناول الطعام.

إن تتبعت الوجبات الخفيفة والمشروبات والوجبات التي يتناولها مواطن أمريكي، فسوف تجد أنَّه يأكل خلال مدة قدرها 15 ساعة؛ يعني هذا إن تناولت فطورك عند السابعة صباحاً فستكون قد استمررت بتناول الطعام حتى العاشرة ليلاً. يهدف الصيام المتقطع إلى تقليل هذه المدة لبضع ساعات أو حتى لبضعة أيام.

في حقبة تتوفر فيها الوجبات السريعة على مدار الساعة، وتوجد العديد من الوجبات الخفيفة والأطعمة لنملأ أفواهنا بها، يضع الصيام حدوداً لأوقات تناولك الطعام، ولكن لماذا ستقيد حريتك في أكل ما تريد وقت ما تشاء؟ لأنَّ الحدود التقليدية اختفت. في عام 1977، كانت حصص الأكل (متضمنة الوجبات الرئيسة والوجبات الخفيفة معاً) بمعدل ثلاث وجبات يومياً، وبحلول عام 2003 ازداد هذا المعدل ليصبح ست وجبات في اليوم.

يرى العلم الناشئ أنَّ الاستمرار في تناول الطعام بالطريقة الحالية سيؤذي صحتنا؛ فإنَّ واحداً من أهم الباحثين المؤثرين في مجال الصيام المتقطع، عالم البيولوجيا "ساتشيداناندا باندا" (Satchidananda Panda)، في عام 2012 راقب فريق الباحث سلوك طعام مجموعتين من الفئران:

المجموعة الأولى كان لها حرية تناول الطعام، والمجموعة الثانية حُدِّد وقت تناولها للطعام كل ثماني ساعات يومياً.

كلا المجموعتين استهلكت نظاماً غذائياً غنياً بالسكريات والدهون؛ إذ أنَّ الفئران التي كان لديها حرية تناول الطعام أصيبت بالسمنة ومرضت، بينما مجموعة الفئران التي كانت مواعيد وجباتها محددة لم يصبها شيء.

لا تعكس الدراسات التي تُجرى على الحيوان دوماً ما سيحصل مع البشر؛ لكنَّ دراسة أُجريت على مشاركين من البشر، ونُشِرَت عام 2018 كشفت عن حالة شائعة: حدد الباحثون لمجموعة من الرجال الذين لديهم حالة مقدمات السكري فترة تناول طعام قدرها 12 ساعة لمدة خمسة أسابيع، ثم لاحقاً قُدمت لهم الوجبات نفسها، ولكن خلال فترة زمنية مدتها 6 ساعات؛ وكانت النتيجة أنَّه كلما حُدِّدت الفترة الزمنية لتناول الطعام، تحسنت حساسية الأنسولين وانخفض الإجهاد التأكسدي ومعدل ضغط الدم بعشر نقاط.

نجح الأمر مع "فيرساليه" أيضاً، فمنذ بدئه بالصيام المتقطع خسر 16 باونداً، وقال إنَّه أصبح أكثر حيوية، ويستطيع التفكير بصفاءٍ أكبر، كما أنَّ مهاراته في لعبة الغولف تطورت بشكلٍ ملحوظ، بالإضافة إلى تحسن واضح أظهرته تحاليله؛ فبعد بضعة أشهر فقط، شعر "فيرساليه" أنَّ جسده البالغ من العمر 46 عاماً قد أصبح كمن كان يبلغ من العمر 26 عاماً، وقال إنَّ نظرته للطعام قد تغيرت حقاً.

الشراهة والحرمان:

إنَّ كنتَ تظن أنَّ الصيام فكرة سيئة، فأنت لست الوحيد، فعندما استشار "فيرساليه" طبيبه بفكرة الصوم لسبعة أيام ظنَّ أنَّه مجنون، ومع ذلك، استُعمِل الصوم بوصفه مفهوماً للتطهير الروحي والجسدي منذ فجر الإنسانية، ووصولاً إلى بداية القرن العشرين؛ حيث عُدَّ الصوم علاجاً موثوقاً للعديد من الأمراض، ويكشف بحث جديد عن فوائده المتعددة؛ وهذا يجعل من الصعب تجاهل فوائد الصيام الصحية.

أظهرت الدراسات أنَّ الصوم لمدة يومين أو أكثر قد يقلل من الالتهابات، ويحسن أداء جهاز المناعة، ويخفض مخاطر الإصابة بأمراض التحلل العصبي مثل الزهايمر؛ إذ ألهم هذا فكرة تناول الطعام بصورة طبيعية لمدة خمسة أيام، ثم التوقف عن تناوله ليومين، ولكن هل هذه المنافع مرتبطة بالصوم فقط، أم أنَّها نتيجة التقليل من تناول الطعام؟

وفقاً لـ "سوزان ديكسون" (Suzanne Dixon)، اختصاصية معتمدة في النظم الغذائية في مركز "ميزوثيليوما" (The Mesothelioma Center)، يمكن الحصول على نتائج مماثلة نتيجة تناول وجبات غذائية أقل ضمن نظام غذائي منتظم، كما تستند إلى تجربة مدتها عام كامل تقارن بين الصوم (عبر تناول الطعام يوماً والتوقف عن تناوله في اليوم التالي) والنظام الغذائي المنتظم (تحديد السعرات الحرارية يومياً)، التي لم تُظهر نتائج مختلفة بالنسبة إلى فقدان الوزن وضغط الدم وسرعة نبضات القلب والدهون الثلاثية ومقاومة الأنسولين وغيرها.

تقول "ديكسون": "بالإضافة إلى أنَّ المجموعة التي صامت، تعرضت لارتفاع في مستويات الشحوم السيئة مقارنةً مع المجموعة التي اتبعت نظاماً غذائياً منتظماً بعد 12 شهراً من التجربة، يثير هذا الاكتشاف سؤالَ ما إذا كان هناك تأثير سلبي لأنواع الصيام المختلفة في الأيض".

إنَّ "ديكسون" ليست ضد الصيام بالمطلق؛ لكنَّها تنوِّه إلى إنَّّه كلما طالت الفترة التي نتوقف فيها عن تناول الطعام، احتجنا إلى ضبط أنفسنا كيلا نسرف في تناول الطعام عندما تسنح لنا الفرصة بذلك.

تقول "ديكسون": "من خلال ملاحظتي الشخصية، بعد القيام بتجارب متنوعة مثل الصيام لخمسة أيام وتناول الماء فقط لسنوات عدة، والعمل مع العملاء على نظامهم الغذائي، اكتشفت التالي: الشخص الذي يستطيع أن يصوم بشدة ولا يسرف في تناول الطعام عند انتهاء فترة الصيام هو أمر نادرٌ بالفعل".

كلما طالت فترة انقطاعك عن الطعام، ازداد توقك لتأكل بشراهة عندما تنتهي فترة الصوم، فيمكن للشراهة أن تزيل بسهولة الفوائد الصحية للصيام الطويل؛ إذ إنَّ الأكل الشره هو طريقة شائعة لرفع نسبة الكوليسترول وإضعاف مقاومة الأنسولين.

جميعنا نصوم عند النوم، (إلا إذا كنت تتفقد الثلاجة مرات عدَّة خلال الليل)، وننهي صيامنا مع أول وجبة لنا في اليوم. فترة عدم الأكل المعتادة هذه لها وظيفة بيولوجية هامة؛ فإنَّها تعطي أعضاء جهازنا الهضمي العاملة استراحة وتقلل من مستوى هرموناتنا ونسبة الدهون لدينا.

إن كان باستطاعتنا إطالة فترة عدم تناولنا الطعام قليلاً (لتكون 12 ساعة بدلاً من 9 ساعات المعتادة)، فسيكون بمقدورنا أن نؤثر تأثيراً إيجابياً في صحتنا دون حالة الشراهة غالباً.

تقول "ديكسون": أومن أنَّ تناول الطعام خلال فترة زمنية محددة هو طريقة سهلة في الغالب لتحسين الصحة وخسارة الوزن؛ إذ تشير المزيد من المعطيات إلى الرابط بين فترة الصوم خلال النوم الطويل وتحسن الصحة".

إقرأ أيضاً: كيف يساعد الصيام المتقطع في العيش لمدة أطول وبصحة أفضل؟

ترميم الأنسولين:

 أصبح الطبيب "جايسون فانغ" (Jason Fung)، اختصاصي أمراض الكِلى، من أكبر مناصري الصيام المتقطع نتيجة تجاربه السريرية؛ فغالبية مرضاه هم مرضى سكري، ومثل معظم الأطباء الذين يعالجون مرض السكري، ركز "فانغ" سابقاً على وصف جرعات الأنسولين، أما اليوم فيشجع مرضاه على تجربة الصيام المتقطع.

تغير رأي "فانغ" المفاجئ هذا حدث عندما عَدَّ الأنسولين هرموناً لتخزين الدهون، والتأثير السلبي الذي يمكن أن يُحدِثه وصف كميات كبيرة منه.

يفرز البنكرياس الأنسولين عند تناولنا للطعام؛ إذ يرسل الهرمون هذا المواد المغذية إلى خلايانا لتولد الطاقة، وعند تناولنا أكثر مما نحتاج يعطي الأنسولين إيعازاً للجسم بتخزين طاقة هذا الطعام كدهون لاستهلاكها لاحقاً.

في النوع الثاني من مرض السكري يفرز الجسم كمية أنسولين أكثر من اللازم؛ لكنَّ الخلايا تصبح مقاومة للأنسولين، مؤديةً إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم؛ لأنَّ المواد المغذية لا تستطيع الدخول إلى الخلايا.

تعالج الحقن هذه المشكلة بشكل مؤقت عن طريق حقن كمية كبيرة من الأنسولين في الجسم، مجبرة الخلايا على هضم ما نأكل، وفي النهاية تصبح الخلايا مقاومة لهذه النسبة المرتفعة من الأنسولين مطالبة برفع مقدار الجرعة كيلا تنخفض نسبة السكر في الدم.

تنشِّط الكاربوهيدرات (خاصة السكرية منها) الأنسولين بقوة، ولكن كل مرة نتناول فيها الطعام يرتفع الأنسولين في جسدنا.

يحقق الصيام هدفين؛ يخفض نسبة الأنسولين إلى المستوى الأدنى؛ وهذا يسمح للخلايا المقاومة سابقاً أن تصبح حساسة للهرمون مجدداً؛ ونظراً لعدم دخول سعرات حرارية إلى الجسم، سيبدأ جسدنا باستعمال مخازن الدهون الموجود فيه.

إقرأ أيضاً: لماذا يمكن للصيام المتقطع أن يعزِّز صحة الدماغ؟

التوقيت والطعام:

لا يعطِ "فانغ" قواعد صارمة حول الصيام، بما أنَّ جسم ومواعيد طعام كل شخص يختلف عن غيره؛ ولكنَّه على غرار "ديكسون"، يقول "فانغ" إنَّه من الأفضل للمرضى تخفيض فترات تناول الطعام عوضاً عن إرغام أنفسهم على التوقف عن تناول الطعام لفترة طويلة.

ولا يشجع "فانغ" الأطفال والنساء الحوامل والأشخاص الذين لديهم اضطرابات، على الصيام، أما بالنسبة إلى معظمنا فيشجعنا "فانغ" على الصيام لـ 16 ساعة، ويقول إنَّه في الغالب غير مؤذٍ أو مؤلم كون معظم هذا الوقت سنقضيه ونحن نائمون.

ومع ذلك، إنَّ كنت معتاداً على المنبهات وتناول الطعام ليلاً، فستشعر بهذا التغيير الصغير في التوقيت بأنَّه تضحية في البداية، فأنت لن تشعر بالجوع فحسب؛ بل سيكون محرجاً أن تجلس بينما يأكل الآخرون.

يفيد الأشخاص أنَّ الأيام الأولى من الصيام المتقطع هي الأصعب كون عاداتنا وهرمونات الجوع لدينا تحتاج إلى وقت لتتأقلم، لكن يمكننا التلاعب بعاملَين كي نجعل الأمر أسهل؛ أولاً، التوقيت: إنَّ الصيام المتقطع يتمحور حول وضع حدود؛ إذ يمكنك أن تضع هذه الحدود كيفما تشاء.

بالنسبة إلى الصائمين لمدة 16 ساعة ممن يفضلون عدم تناول وجبة الفطور وتناول العشاء مع عائلاتهم، فإنَّ الفترة بين 11 صباحاً و7 مساءً هي مدة مناسبة.

تذكر بما أنَّك تتناول الطعام أقل من المعتاد، يجب أن تكون الوجبات أكبر لتلبي حاجتك من السعرات الحرارية والمواد المغذية، ولكن حتى عند تناول وجبات أكبر، يرى "فانغ" أنَّ خسارة الدهون خلال فترة ثماني ساعات من تناول الطعام هي ثابتة وبطيئة.

والعامل الثاني الذي يمكنك السيطرة عليه هو ما تأكله، ينصح "فانغ" بنظام غذائي قليل الكربوهيدرات لمرضاه، ولكن ستؤدي أيَّة حمية غذائية صحية نسبياً وذات مدة تناول طعام قصيرة إلى خسارة الدهون.

ومع ذلك، كي ينجح الأمر، يجب أن تكون خياراتنا في الطعام معقولة، فحسب "جيك ديرمير" (Jake Dermer)، استشاري مساعد للصحة العامة ومدرب خاص معتمد، هناك حدود لتأثير الصيام المتقطع، فيقول: "إن كنت ستصوم طوال النهار وستأكل البيتزا والمعجنات طوال الليل، فسوف تكسب وزناً على الرغم من ذلك".

أما بالنسبة إلى الديمومة، فالعديد من عملاء "ديرمير" اتبعوا الصيام المتقطع بنجاح لسنوات عدة. يؤمن "فانغ" أنَّ الأشخاص يحققون الاستفادة الأكبر عندما يفهمون أجسادهم ويعرفون حدود طاقتهم.

إنَّ الفترات الزمنية القليلة لتناول الطعام تعطي نتائج أسرع، فهي تحتاج إلى انضباط أكبر، ولحسن الحظ، إنَّه ليس بسباق، ومعظم الخبراء يرون أنَّه كلما كانت سرعة خسارة الوزن أبطأ حافظنا على النتائج أكثر، فإن كنت قد أطلقت العنان لشهيتك سابقاً، فسيعطيك وضع حدود معقولة بعضاً من التقدم الملحوظ.

المصدر: 1

شاهد بالفيديو: 4 أسباب تزيد وزكك رغم الحمية




مقالات مرتبطة