حرب العقول: الهدف والقلق الوجودي

إضاءات سريعة



  1. إنَّك لست الوحيد؛ إذ إنَّ جميع البشر يشعرون بالقلق.
  2. يتجلى هذا القلق في الشعور بعدم وجود هدف أو وجهة.
  3.  نحن في صراع داخلي مستمر مع أنفسنا لإيجاد هدفنا.
  4. مجرد العثور عليه، سيُترجم هذا الهدف من خلال إعطاء حياتنا معناها الفريد.
  5. نظرَّيتنا وبحثنا: سيكون لدى كل منَّا القدرة على إيجاد هدفنا والمغزى المباشر.

هل تُعرَّف الإنسانية بأنَّها التوق والحاجة ولا شيء غير ذلك؟ لا يمكن لهذا أن يكون كل شيء؛ إذ يجب أن يكون هنالك المزيد.

لقد جلب تطور للبشرية تياراً كامناً من القلق الوجودي، تياراً يصدر في الخلفية صوتاً هادئاً بما يكفي لجعلنا معتادين عليه، لكن بصوت عالٍ بدرجة تكفي أن يؤثر في أفكارنا وتصوراتنا ومن ثم أفعالنا وتوقعاتنا.

وهنا سنشرح القلق الوجودي والذي يُسلط الضوء على حقيقة أنَّ البشر يبحثون باستمرار عن معنىً أعمق، ولكنَّهم يعلمون في النهاية أنَّه ليس للحياة معنىً؛ لذلك فإنَّ الهدف الوحيد من الحياة هو المعنى الفريد الذي يمنحها إياه كل فرد، مما يُحمِّلنا ضغطاً بسبب حقيقة أنَّنا وحدنا المسؤولون عن غايتنا وسعادتنا، ولا يمكننا أن نلوم أحداً غير أنفسنا على إخفاقاتنا وتعاستنا المطلقة.

لكن بصرف النظر عن السبب وراء التوتر والإحباط والقلق، إلا أنَّنا نحن فقط من يمكننا التحكم بمشاعرنا؛ فالأمر الذي إذا فكرنا فيه، سيمنحنا القوة كلها الموجودة في العالم لتحويل الحالة الإنسانية إلى حالة إيجابية هائلة.

حرب ضد أنفسنا:

كانت هناك معركة مستمرة، وقد وصلتُ أخيراً إلى نقطة معينة، يبدو سبب مواجهتنا لهذا الصراع الداخلي أمراً منطقياً أكثر بقليل كون المعركة تتصاعد طوال مئتي ألف عام مضى.

لقد كُتب عن ذلك سابقاً، لكن يُعتقد أنَّ الإنسان العاقل قد تطور منذ نحو 195000 عام، الأمر الذي يعني أنَّنا وبطريقة مدهشة لم نتغير من الناحية الفيزيولوجية منذ ذلك الحين، لكنَّ الذي تغير هو ما يحيط بنا.

الأكل والنوم وانخفاض التوتر وانخفاض المخاطر فجميعها احتياجات متأصلة فينا؛ إذاً سيكون الخروج من منطقة راحتنا أمراً خطيراً على هذا المستوى، فلماذا نقلل من راحتنا إن كان الهدف من الوجود هو البقاء والتكاثر؟ لذلك يخبرنا عقلنا الأدنى أن نلعب اللعبة بأمان: لا تضع نفسك في ورطة مخاطراً من أجل شيء لا يُعد ضرورياً لبقائك على قيد الحياة.

مع ذلك، لقد حققنا مستويات أعلى وأعلى من تحقيق الذات مع توسع فهمنا الجماعي للعالم، وقد زاد مستوى تفكيرنا الداخلي من خلال فهمنا المتزايد للعلم والفلسفة والفن، فلم نعد مندفعين بعقلية الكر أو الفر، الآن تجذبنا رغبة كبيرة لتحقيق هدفٍ وإرثٍ بقدر ما تدفعنا غرائزنا.

هذه الرغبة في تحقيق الذات يُشار إليها على أنَّها "عقلنا الأعلى"؛ وهذا هو تفكيرنا الحديث الذي يخبرنا بأنَّ حياتنا لها معنى أعلى وأنَّنا نحتاج إلى اتباع هدفنا، إنَّه أمر عظيم جداً، فهل ستغتنم يومك وتعيش اللحظة، أو تتبع ما يقوله لك عقلك الأعلى؟

تكمن جذور قلقنا هنا، ويوجد صراع دائم بين عقلنا الأدنى وعقلنا الأعلى، هذا الصراع الذي لا يبدو أنَّنا قادرون على التصالح معه؛ ففي بعض الأحيان يُخبرنا عقلنا الأعلى أن نخطو خارج منطقة راحتنا وأن نغتنم الفرص ونتبع قلوبنا، ويطلب عقلنا الأدنى بأن نبقى داخل منطقة راحتنا وأن نحدَّ من المخاطر ونتبع غرائزنا، الأمر الذي يرغمنا على الاختيار بين أمرين أحلاهما مر، فبصرف النظر عن العقل الذي نستمع له، سنشعر بعدم الرضى نسبياً.

فإذا تجاهلنا عقلنا الأدنى سنكون في حالة دائمة من الاضطراب، فنحن نعارض غرائزنا في الأمان والنجاة، أما في حال تجاهلنا عقلنا الأعلى، سنكون في حالة مستمرة من الاضطراب؛ وذلك لأنَّنا نشعر بأنَّ سعينا وراء المعنى الأعظم لحياتنا غير مُنجَز لذلك فهذا السبب الأول لقلقنا.

شاهد بالفيديو: كيف تضع خطة وتصل إلى أهدافك في الحياة؟

يدفعنا الهدف إلى الأمام:

لا يتوقف شعورنا الوجودي بعدم الارتياح مع انقسام شخصيتنا، فقد يكون من الآمن القول إنَّه بمجرد أن نتعرف إلى كلا العقلين، سيختار الجميع تقريباً أن يتبعوا عقلهم الأعلى؛ واسمحوا لنا أن نكرر فكرة أنَّ ذلك يحدث بمجرد أن تتعرفوا إلى كلا العقلين، لأنَّ كثيراً منَّا غير مدركين تماماً لحالتنا الإنسانية؛ لذا هم عالقون باستمرار بين وجهات نظر داخلية متعارضة.

لكن حتى لو كنت من القلائل المحظوظين الذين قد تعرفوا إلى عقلهم الأعلى واتبعوه في محاولة لأن تعيش شغفك، فإنَّ مشكلاتك لن تتوقف عند هذا الحد؛ لأنَّه بعد قرارنا اتباع تفكير عقلنا الأعلى؛ فإنَّنا سنواجه أصعب سؤال يُطلب منا الإجابة عنه وهو: ما هو هدفك الفريد؟

في حين أنَّ الحياة ليس لها معنى مطلق، إلَّا أنَّها لها معنى حقيقي وشخصي للغاية نحن من نمنحها إياه، وهذا الشعور الذي يكمن بأنَّ حياتنا ليس لها معنى مطلقاً، ولكَّننا نريد أن نمنحها مغزى استثنائياً وفي نفس الوقت هناك كثير منَّا لا يستطيع تحديد ماهية هذا الهدف؛ هو ما يسبب إحباطنا وتوترنا الوجودي؛ فهذا هو السبب الثاني لقلقنا.

توجد خطوتان يجب أن يتخذهما عقلنا الأعلى من أجل تحقيق هدفنا الفريد وتقليل قلقنا، أولاً: يجب علينا جميعاً، ولأجلنا، اكتشاف هدفنا الفردي، ثانياً بعد اكتشافه نحتاج إلى إظهار هذا الهدف في العالم الحقيقي، وعندها هذا ما سيكون عليه النجاح بالنسبة إلينا: تحقيق هدفنا الفريد.

لكنَّ معظمنا لا يستطيعون حتى تحديد هدفهم، ناهيك عن تحقيقه؛ ومن هنا يأتي إحباطنا وتوترنا، وما إن نصبح قادرين على تجاوز الإحباط واكتشاف هدفنا، فإنَّنا سنشعر بالقلق بسبب عدم قدرتنا على تحقيق هذا الهدف.

إقرأ أيضاً: أهمية وضوح الهدف وطرق الوصول إليه

اتبع مشاعرك:

هدفك الفريد هو تحقيق شعور داخلي محدد، ويمكن أن يظهر التجسد الحسي لهدفك من خلال الإحسان أو العمل الخيري أو وظيفة جديدة أو عن طريق زيادة في دخلك، لكنَّ الغرض الأساسي هو الشعور الكامن وراء هذه المظاهر المادية.

وعندما تفكر في الأمر بهذه الطريقة، بدءاً من سعيك وراء هدفك وسعيك إلى التعرف إلى عقلك الأعلى، يجب على جميع هذه الأفعال السابقة أن تولد لك مشاعر إيجابية، الأمر الذي سيجعل هدفك يستحق العناء.

إذاً، الحل هو أن تصبح مُوجَهاً نحو العملية؛ لذا فكِّر بعمق وحدد اتجاهاً، ثمَّ ركِّز على العملية اليومية التي ستجعل منك الشخص الذي يمكنه عبور خط النهاية من ذلك الاتجاه التي حددته.

من المفيد تحقيق هدفك في أسرع وقت ممكن، عندها فقط ستكون قادراً على التعامل مع القلق والإحباط والتوتر الذي يشعر به جميع البشر، فإذا قمنا بالنظر لعملية الانتقال من العقل الأدنى إلى اكتشاف وتحقيق هدفنا، سنكون أكثر استعداداً للتعامل مع مشاعرنا الوجودية، ومن ثم زيادة سعادتنا، وسنجد هدفنا الاستثنائي عند الالتزام بخوض تجارب استثنائية.

إقرأ أيضاً: كيف نتقن فن إدارة المشاعر والتحكم بعواطفنا؟

في الختام:

إنَّ محاولة التعامل مع مشاعر القلق الوجودية والإحباط والتوتر لا يعني أنَّنا سنتخلص منها، فإنَّ هذه المشاعر هي ما تجعلنا بشراً، وفصل أنفسنا عنها سيجعلنا - حسب تعريفها - شيئاً آخر غير ما نحن عليه، لكن في حال فهمنا أنَّنا لسنا وحدنا في هذه الرحلة وأنَّ هذه الرحلة بحد ذاتها هي ما تجعلنا مميزين وفريدين، فسنكون في طريقنا لإظهار هدفنا بطريقة تغير حياتنا، وتغير حياة الناس من حولنا أيضاً.

المصدر




مقالات مرتبطة