جانبان من خصائص الجسد الإنساني يلهمانك التخلص من القيود الذهنية

لا جدوى من سؤال طفلٍ صغير عن هدفه في الحياة؛ فالهدف مفهوم مبهم بالنسبة إليه، والإشباع في نظره يكمن في امتلاك الأشياء، والتلبية الفورية لرغباته وحاجاته في هذه المرحلة العمرية.



بيد أنَّ هذا السؤال طُرِح على مجموعة من الأطفال الآسيويين، وتفرض مثل هذه البيئات المجتمعية على الطفل الرغبة في أن يصبح طبيباً أو مهندساً أو محامياً، بسبب الاعتقاد المتوارث بأنَّ هذه المهن تجلب النجاح والحياة الكريمة، وبالنتيجة يتخلى الطفل عن شغفه ومهاراته وموهبته ويخسر الكون مزيداً من الفنانين والمبدعين.

عندما يغير الإنسان طريقة تفكيره، ويتخلص من العوائق الذهنية التي تفرضها العائلة أو المجتمع عليه منذ نعومة أظفاره، فإنَّه سيعي قدراته وشغفه في الحياة، وعندها سيتسنى له أن يستثمر موهبته ورسالته الوجودية في وظيفة لائقة.

تجدر الإشارة إلى أنَّ هذه العوائق الذهنية المتوارثة راسخة ولا تزول من تلقاء نفسها؛ بل يتعين على الإنسان أن يستمر بالمحاولة حتى يكتشف غرضه الوجودي؛ أي إنَّ السعي وعدم الاستسلام شرطان لازمان في هذه الرحلة الاستكشافية، ولن يحقق لك التمني أي تقدُّم يُذكَر؛ بل يجب أن تباشر العمل بجد حتى تعثر على غرضك الوجودي.

يكمن العائق الأكبر في طريق إيجاد الغاية التي وُجِدنا من أجلها واستثمارها في وجود القيود الذهنية التي نشأنا عليها منذ الصغر، وتنجم هذه القيود بدورها عن المعايير والقواعد المفروضة من قبل العائلة أو الثقافة أو المجتمع؛ إذ تتشكل وجهة نظر جماعية ثابتة على مر الأجيال. خلق الله تعالى الإنسان، وأنعم عليه بنعمة الانتباه والملاحظة والتعلم من الطبيعة المحيطة به.

شاهد بالفديو: 5 أسباب تجعلك تمتلك هدفاً في الحياة

ونقدم فيما يأتي جانبين بارزين من خصائص الجسد الإنساني يُشتَق منهما مفاهيم فلسفية عدة:

1. التحرك إلى الأمام:

صُمِّم الجسد الإنساني ليدعم الحركة إلى الأمام وليس إلى الخلف؛ لأنَّ المشي إلى الوراء لا يتيح لك إمكانية الرؤية ولا الاتزان؛ أي إنَّه غير آمن ومحفوف بالمخاطر، وينطبق هذا المفهوم على نهج الحياة عامة.

بناءً عليه، يرتبط اكتشاف الغرض الوجودي بالتركيز على المستقبل والعمل الجاد، وتجاوز تجارب الماضي؛ لأنَّها انقضت ولا جدوى من إفراط التفكير فيها، ويفرض علينا غرض حياتنا مواصلة التقدم مهما ساءت الأحوال حتى نعثر عليه في نهاية المطاف.

إقرأ أيضاً: نصائح لتجاوز الماضي

2. الرؤية المحيطية:

لا يعني التركيز على الهدف المستقبلي والتقدم أن يهمل الإنسان الزمن الحاضر وما يحدث في محيطه، وتستطيع خاصية الرؤية المحيطية رؤية ما يقع خارج نقطة تثبيت البصر؛ أي بعيداً عن مركز الرؤية.

أحياناً تكون التفاصيل الواقعة خارج نطاق تركيزنا هامة جداً؛ وذلك لأنَّها تعزِّز فهمنا وإدراكنا لما يحدث حولنا في الوقت الراهن، ولا يستطيع الإنسان التقدم في حياته ما لم يدرك الفرص والمخاطر المحيطة به؛ أي عندما ينهج ما يسمى مجازاً "بالرؤية النفقية".

توجد مواقف معينة في الحياة يتوقف نجاحها على الرؤية النفقية؛ وذلك عند الحاجة إلى تركيز الانتباه في نشاط ما مثل الرماية، وفي هذه الحالة يتقصد الدماغ إيقاف الرؤية الجانبية، ومن الهام اكتساب هذه المهارة لزيادة التركيز، لكن عندما يفرض المجتمع الرؤية النفقية في الحياة عموماً، أو النظام التعليمي أو عوامل التنشئة الأخرى ضمن بيئة الفرد، فإنَّها تلغي وجود الرؤية المحيطية التي تساعدنا على توسيع مداركنا والاطلاع على ما يحدث حولنا في الحياة.

تؤدي الرؤية النفقية إلى تشكيل العوائق الذهنية التي تحدثنا عنها آنفاً، والتي تقف حائلاً دون إدراك الكون على حقيقته، وبالنتيجة تحرمنا من فرصة اكتشاف غرضنا الوجودي.

سنستشهد هنا بالفيلة الموجودة في السيرك لتوضيح فكرتنا، ومن المثير للعجب كيف تبقى ثابتة في مكانها على الرَّغم من أنَّها مربوطة بحبل رفيع، وتستطيع التحرر منه في أي وقت؛ لكنَّها لا تحاول الإفلات من قيدها.

يعود سبب هذا الاستسلام إلى تقييد الفيلة الصغيرة بالحبل الرفيع نفسه، وهو قيد كافٍ لتثبيتها في تلك المرحلة العمرية، ومع تقدُّمها في العمر، ترضخ لفكرة عجزها عن التحرر وأنَّ الحبل ما زال يقيدها، وبالنتيجة تتوقف عن المحاولة.

إقرأ أيضاً: هل تحتاج لمهرب من القيود التي تواجهك؟ إليك هذه النصائح

يحدث الأمر نفسه مع معظمنا عندما يقيد المجتمع، أو النظام التعليمي، أو الثقافة المحيطة بنا، إمكاناتنا ووجهات نظرنا منذ نعومة أظفارنا، ويدفعنا إلى الاعتقاد باستحالة تحقيق أهدافنا وحتمية فشلنا.




مقالات مرتبطة