ثنائي القطب، أخطر الأمراض النفسية على الإطلاق

لفترات زمنية طويلة، اتفق العلماء والأطباء على أنَّ الصحة النفسية تعني عدم وجود أمراض نفسية، ولكن بعد أبحاث عدة، قام العلماء بتعديل هذا التعريف، بعد أن اكتشفوا وجود أشخاص لا يعانون من فصام أو اكتئاب أو قلق أو أي مرض نفسي، غير أنَّ صحتهم النفسية ليست سليمة تماماً، ويعانون من اختلال في التوازن النفسي، أي أنَّ الصحة النفسية قد لا تعني بالضرورة ألَّا يعاني الإنسان من مرض نفسي.



ونستنتج من ذلك، أنَّ أغلب الناس قد تعاني من مرض نفسي؛ الأمر الذي يحتِّم علينا نشر الوعي بخصوص هذه الأمراض، ورفع غطاء الأوهام والخرافات عنها.

ومن أهم وأخطر الأمراض النفسية هو ثنائي القطب؛ حيث سنقدم في هذا المقال لمحة مبسطة عن هذا المرض، تُمكِّنك من أخذ فكرة عامة عنه وعلاجه، وكيفية تقديم الدعم النفسي الحقيقي لمرضى ثنائي القطب.

ما هو اضطراب ثنائي القطب؟

يمثل هذا المرض اضطراباً أساسياً في العواطف، يعقبه خلل في السلوك الحركي والتفكير: سرعة أي (هوس)، أو بطء أي (اكتئاب).

يشمل ثنائي القطب طورين سريريين، يتناوبان فيما بينهما مناوبة منتظمة أو غير منتظمة، وأحياناً لا يظهر على المريض إلا طور واحد فقط.

يجب أن يصاب المريض بنوبة هوس واحدة على الأقل، ويمكن أن تتلوها نوبة اكتئاب، أو قد لا تحصل؛ أي أنَّ وجود الاكتئاب ليس شرطاً ضرورياً لتشخيص ثنائي القطب، على عكس الهوس.

وإذا أردنا أن نُعرِّف ثنائي القطب تعريفاً دقيقاً: فهو مرض ذهاني، نشاهد فيه اضطراباً انفعالياً متطرفاً، تتكرر فيه أطوار متوالية من الهوس والاكتئاب، أو قد نشاهد مزيجاً من أطوار الهوس والاكتئاب، التي قد تأتي بينها فترات انتقالية يبدو فيها المريض طبيعياً نسبياً.

ثنائي القطب هو اضطراب نفسي مهم، يتميز باضطرابات شديدة في المزاج، فنرى مزاج المريض يتقلب بين السعادة المفرطة للغاية والتي نسميها بالهوس، ونوبات من الحزن والاكتئاب؛ لذلك يُسمَّى أحياناً بالاكتئاب الهوسي.

يمكن أن يصيب ثنائي القطب كل الأعمار، ولكن عادةً ما يتم تشخيصه في مرحلة المراهقة أو بداية العشرينيات، وقد تتفاوت أعراضه من مريض إلى آخر، وقد تتباين وتتبدل مع مرور الوقت.

تبلغ نسبة انتشار ثنائي القطب بين الناس حوالي 0.5 – 2 %، ولكن يشيع حدوثه في أوساط المثقفين والطبقات العليا. كذلك فإنَّ نسبة حدوثه عند الإناث أكثر منها عند الذكور.

ما أعراض مرض ثنائي القطب؟

يكفي الطبيب عادةً تسجيل نوبة هوس واحدة فقط، لكي يشخِّص للمريض مرض ثنائي القطب؛ لذلك سنقوم معاً بالتعرفُّ إلى أهم الأعراض والعلامات التي توجِّه إلى تشخيص نوبة الهوس:

1. مزاج عالٍ بشكل مفرط؛ أي سعادة شديدة:

ولكن على الرغم من ذلك، يكون مزاج المريض مستثاراً بشكل ملحوظ في أغلب الحالات؛ إذ إنَّه عندما نخالف المريض في رأيه أو تحقيق رغبته، ينتابه الغضب الشديد، فيثور ويزمجر وربما يحاول إيذاء من حوله.

2. فرط النشاط النفسي الحركي:

يتظاهر فرط النشاط النفسي الحركي بقلَّة احتياجه إلى النوم؛ حيث إنَّه قد لا ينام أبداً لأيام عدة، أو ينام فترات قصيرة جداً.

3. فرط شديد في كمية وغزارة الكلام:

يزداد كلامه من حيث الكمية والسرعة والمحتوى؛ حيث إنَّ هاتفه لا يهدأ في جميع الأوقات، وخصوصاً وقت الفجر.

4. الشعور بالقوة المفرطة والعظمة والثقة الزائدة بالنفس:

حيث يشعر أنَّه قادر على فعل كل شيء، وقد تنتابه توهمات العظمة، فيتوهم بأنَّه نبيٌّ أو رئيس أو قائد عسكري؛ الأمر الذي قد يدفعه مثلاً إلى زيارة المسؤولين المهمِّين والمشهورين لشعوره بأنَّه مثلهم، ثم إنَّه حين يتكلم مع الطبيب قد يناديه باسمه فحسب، من دون لقب.

5. زيادة في الرغبة الجنسية أو زيادة في التعبير عن هذه الرغبة:

فتقوم الأنثى عادةً، بارتداء الأزياء ذات الألوان الفاقعة والزاهية، كالأحمر والأخضر والأصفر، وتبالغ في وضع كثيرٍ من المكياج بصرف النظر عن بيئتها الاجتماعية والثقافية والدينية، وقد يضعف الرادع الديني والاجتماعي نتيجة المرض؛ إذ قد يقوم المريض بممارسة الجنس مع أي شخص، أو مع عدة أشخاص.

6. تطاير الأفكار وكثرتها، وكثرة مشاريعه:

لذا قد ينفق أمواله من دون حكمة، وقد يصرف الملايين خلال فترة قصيرة؛ كأن تقوم مريضة على سبيل المثال، بتوزيع كامل مجوهراتها على أناس لا تعرفهم خلال ساعة.

يسمى هذا الطور من الأعراض آنفة الذكر، بنوبة الهوس، وبعد زوال هذه النوبة، واستقرار حالة المريض بمدة طويلة أو قصيرة، سيعاني المصاب من انحدار مرضي شديد في المزاج، يتميز بالأعراض الآتية:

  • يصبح المريض حزيناً وهامداً ومهملاً لواجباته.
  • يشعر بالدونية والحزن.
  • يهمل نظافته الشخصية.
  • يتمنى أن يموت، وقد يحاول الانتحار.

وهذا الطور هو القطب الثاني، أي القطب الاكتئابي.

شاهد بالفديو: 7 طرق لتجنب التفكير الثنائي

ما أسباب اضطراب ثنائي القطب؟

يمكن تلخيص أهم أسباب المرض فيما يأتي:

1. أسباب وراثية:

تلعب الوراثة دوراً مهيئاً للإصابة بالمرض؛ إذ وجد العلماء أنَّه إذا أُصيب أحد التوائم المتماثلة بهذا المرض، فسيصاب التوءم الآخر بنسبة 35%، وتتفاوت النسبة بين أبناء المصابين بالمرض بين 9 – 14 %، ويعتقد العلماء أنَّ طريقة انتقال اضطراب ثنائي القطب تكون على هيئة مورثات قاهرة.

ويكثر هذا المرض عند الأشخاص من ذوي المزاج المتقلب، أي الذين يتفاوت مزاجهم بين الفرح والحزن مباشرةً.

2. أسباب بيئية:

وجد العلماء أنَّ الشخص البدين أكثر عرضة لردِّ الفعل العاطفي، وأنَّ هنالك علاقة بين اضطراب ثنائي القطب، واضطرابات الغدد الكظرية والجنسية.

ويربط بعضهم كذلك بين ثنائي القطب واضطرابات الجهاز العصبي، مثل سفلس الجهاز العصبي وسرطانات الفص الجبهي.

ثم إنَّه يمكن لاختلال توازن المعادن في الجسم أن يسهم في ظهور المرض.

3. أسباب نفسية:

نذكر من هذه الأسباب على سبيل المثال:

  • اضطراب العلاقة بين الطفل والأبوين، وانعدام التوازن في العلاقات الاجتماعية عموماً.
  • الضغوط البيئية والعاطفية، ومشكلات الحياة وصعوبة التعامل معها.
  • الاضطراب الانفعالي للأبوين خلال طفولة المريض، والذي يتجلَّى بضعف الحب والانسجام بين الأزواج.
  • السلطة، والمعايير الجامدة، والعقاب الصارم للطفل، ونقص المكانة الاجتماعية للأسرة عموماً.

وفضلاً عمَّا سبق، يؤمن أصحاب نظرية التحليل النفسي أنَّ أهم أسباب هذا المرض، هو اضمحلال شعور الحب داخل المريض، مع نكوصه للمرحلة الفموية.

4. أسباب غدِّية:

قد تلعب الأسباب الغدِّية دوراً أساسياً، خصوصاً عندما يظهر المرض خلال بدء التغيرات الفيزيولوجية، مثل سن اليأس عند النساء.

وقد دلَّت الكثير من الأبحاث الحديثة على علاقة هذا المرض بنسب المعادن في جسم المريض، وكذلك بعمليات الاستقلاب الغذائي المختلفة.

إقرأ أيضاً: 7 علامات تدل على اضطراب الهرمونات في جسمك

العلاج الدوائي لاضطراب ثنائي القطب:

يمكن تصحيح حالة المريض تماماً بالعلاج المناسب؛ الأمر الذي يؤدي إلى استقرار حالته، فلا يتعرض لنوبة هوس ولا لهجمة اكتئاب.

يُعدُّ ثنائي القطب مرضاً مزمناً، ولذلك يجب الاستمرار بالأدوية حتى بعد تحسُّن المريض، ويمكن تخفيض العلاج الدوائي أو تغييره، لكن من دون الاستغناء عنه كاملاً.

يجب الانتباه أن مدة العلاج يجب ألَّا تقل عن أسبوع، وإذا كانت هذه أعراض شديدة، من الممكن تحويل المريض إلى المستشفى لكيلا يؤذي نفسه ومن حوله.

وقبل العلاج، يجب أن نتأكد بألَّا يكون سبب نوبة الهوس هو تعاطي المخدرات أو الكحول، كما يجب أن ننفي احتمالية أن تكون الأعراض ناجمة مرض عضوي، مثل فرط نشاط الغدة الدرقية.

يستخدم الطبيب عدداً من الأدوية لعلاج الاضطراب ثنائي القطب؛ حيث يختار أنواع وجرعات الأدوية بحسب الأعراض الموجودة عند المريض.

وقد تشمل الأدوية على الآتي:

  • مثبتات المزاج: يستخدم الطبيب هذه الأدوية من أجل ضبط نوبات الهوس، ومن الأدوية المثبتة للمزاج: الليثيوم وحمض الفالبرويك وثنائي فالوبروكس الصوديوم وكاربامازيبين ولاموترجين.
  • مضادات الذهان: تُستخدم في حال استمرت الأعراض على الرغم من العلاج بمثبتات المزاج، على سبيل المثال: أولانزابين أو ريسبريدون أو كيتيابين أو أريبيبرازول أو زيبراسيدون أو لوراسيدون أو أسينابين.
  • مضادات الاكتئاب: قد يضيف الطبيب مضادات الاكتئاب من أجل السيطرة على الاكتئاب؛ وذلك ولأنَّ مضاد الاكتئاب، في بعض الحالات، قد تحرِّض على نوبة هوس؛ لذلك يصفه الطبيب مع مثبت المزاج أو أحد مضادات الذهان.
  • الأدوية المضادة للقلق: مثل البنزوديازيبينات، وهي مفيدة لعلاج القلق وتحسين النوم، ويمكن أن تسبب الاعتماد؛ لذلك يصفها الطبيب فترة قصيرة.
إقرأ أيضاً: الأدوية النفسية: ما أهميتها؟ وكيف تستخدم؟

ما العلاجات الأخرى لاضطراب ثنائي القطب؟

1. العلاج النفسي:

إنَّ الأدوية آنفة الذكر، تجعل المريض أكثر استفادةً من العلاج النفسي، الذي يهدف هنا إلى تقديم المساندة والمساعدة والدعم والحماية في أثناء فعَّالية المرض؛ حيث يجب حل وفهم مشكلات المريض وصراعاته وإحباطاته، فضلاً عن إعطائه الأمل في التخلص من المرض.

ويعمل العلاج النفسي التدعيمي والتفريغي على إحداث تغيير جذري في شخصية المريض، يسمح له بالتعبير عن هذه الطاقة الداخلية بأسلوب منتظم ومستمر وبنَّاء، بدلاً من ظهورها على شكل نوبات هوسية مرضيِّة.

2. العلاج الاجتماعي والبيئي:

وذلك من أجل تخفيف الأعباء والضغوط المحيطة بالمريض، وتشجيعه على الانخراط في المجتمع على الأمد الطويل.

ويتضمن هذا العلاج العمل على إثارة اهتمام المريض، وتخليصه من أفكاره السوداوية، ومن التمركز حول نفسه في طور الاكتئاب، فضلاً عن ضبط وتنظيم طاقة ونشاط المريض في الطور الهوسي، حتى يتم تدريبه وتعليمه نمطاً أفضل من التعامل والتفاعل يواجه به صعوبات الحياة.

في الختام:

يشكل ثنائي القطب، كغيره من الأمراض النفسية، تحدياً اقتصادياً واجتماعياً وصحياً كبيراً أمام المجتمعات؛ وذلك لأنَّه يمنعها من الاستفادة من طاقات أفرادها؛ ممَّا يحتم علينا نشر الوعي المجتمعي بهذا المرض؛ وذلك لأنَّه قد يكون فتَّاكاً في حال الامتناع عن العلاج.

نرجو أن نكون قد وُفِّقنا في إيصال شرح مبسط عن هذا المرض، يُمكِّنكم من تقديم نصيحة إلى محيطكم بمراجعة الطبيب النفسي في حال وجود أعراض مشابهة، وهذه أهم خطوة على طريق العلاج.

المصادر:




مقالات مرتبطة