ثلاثة أنواع من الاستقلال الذي يحتاجه الجميع

أنا أتعامل مع ثلاجتي على أنَّها حساب توفير، ولأنَّني أم مطلقة ودخلي غير مستقر أعلم أنَّه عندما أواجه حالة طارئة، سأستخدم إمَّا أموال الإيجار أو الأموال التي أدَّخرها من أجل الطعام لحل المشكلة التي أواجهها، لكن بصرف النظر عمَّا هي حالة الطوارئ، بالطبع لا يمكنني دفع ثمنها بالطعام المجمد في الثلاجة، لكن بفضل هذا الطعام لن نجوع أبداً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة بينيلوبي ترانك (Penelope Trunk)، وتعطينا فيه ثلاثة أنواع من الاستقلال الذي يحتاج الجميع إلى التمتع به.

إنَّ أبنائي يكرهون الأطعمة المجمدة، وقد فرحوا جداً عندما لم تتسع الثلاجة لقرنبيط مجمد كنت قد اشتريته؛ إذ قال لي ابني الأصغر: "تخلصي منها، لقد قلنا لك إنَّنا لا نحب القرنبيط"، وفي هذه اللحظة فكرت في نفسي؛ هل أتخلص منها فعلاً لأنَّني أريد أن يتمتع أبنائي بالاستقلالية في اختيار طعامهم؟ أم هل أحتفظ بها لأنَّني بحاجة إلى أن يفهموا المسؤولية المالية؟ أم هل أصرُّ على أن يأخذوا في الحسبان مشاعري عندما يرفضون خياراتي أم أنَّ ذلك غير مناسب؟

إليك ثلاثة أنواع من الاستقلال الذي يحتاج إليه الجميع:

1. الاستقلال العاطفي:

كان زوجي السابق في أثناء هذا الحوار يُعيد ترتيب الخزانات، وقد قال إنَّه يمكنه توفير مساحة أكبر في الثلاجة لكي يتَّسع القرنبيط، لكن ردَّ ابني: "أبي، لا نريدك أن توفر مساحة أكبر في الثلاجة"، فاستدار نحوه وكانت العصبية واضحة على وجهه وقال: "لا يمكنك التخلص من الأشياء بهذه البساطة، فهي ليست قمامة لمجرد أنَّها ليست مثالية، أو لأنَّها ليست الشيء الذي تريده، في إمكانك التعامل مع الأمر والتأقلم مع الوضع، ولا يجب أن ترمي الأشياء التي لا تعجبك".

ردَّ عليه ابني: "انتظر قليلاً، أبي هل تمزح معي؟ لقد انفصلت عن عائلتك، ورميت عائلتك حرفياً لأنَّها لم تعجبك بما يكفي وأنت الآن تقول إنَّني لا يجب أن أتخلص من الطعام؟ لا أعتقد أنَّك في وضع كفيل بإعطائي درساً عن تقبُّل الأمر والتأقلم مع عيوب الحياة".

إنَّ هذا الأمر كان صادماً، لكن في الواقع هذا الأمر منطقيٌّ بالنسبة إلى عائلتنا، فتظاهر زوجي السابق بأنَّه لم يسمع شيئاً، وأبنائي يغضبون دوماً في مثل هذه المواقف.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات لتحقيق الاستقلال العاطفي

2. الاستقلال الفكري:

أتت خدمة رعاية الأطفال إلى منزلنا بعد بضعة أيام، وهذا الأمر اعتيادي بالنسبة إلينا؛ إذ لا بدَّ أنَّ قرَّاء المدونات التي أكتبها هم من اتصلوا بخدمة رعاية الأطفال ليخبروهم بأنَّني أم سيئة، أو ربما عائلتي هي من فعلت ذلك لا أدري، ولكنَّنا عشنا في ويسكونسن (Wisconsin) وبنسلفانيا (Pennsylvania) وماساتشوستس (Massachusetts)، وزارتنا خدمة رعاية الأطفال في كل ولاية عشنا فيها.

تُعَدُّ خدمة رعاية الأطفال انعكاساً لسياسات الدولة التي يعيشون فيها؛ إذ يريد مزارعو ولاية ويسكونسن أن يدعوهم وشأنهم ليفعلوا ما يريدون، وكانت فحوصات رعاية الأطفال شكلية وتهدف إلى حماية حقوق الوالدين الذين نشؤوا مع مرشد اجتماعي.

أمَّا في ولاية بنسلفانيا فكانت خدمة رعاية الأطفال تهتم في الغالب بإدخال أبنائي إلى المدرسة، وكان تكتيكهم هو إخبار ابني بأنَّه يمكنه العزف على التشيلو في أوركسترا المدرسة، لكن كان هذا الأمر فاشلاً، ولكنَّني أقدِّر خدمة رعاية الأطفال لأنَّهم أبعدوني عن منزل والديَّ عندما لم أكُن أعرف أنَّني بحاجة إلى الإنقاذ؛ لذلك بقيت على تواصل معهم عندما أتوا للاطمئنان علينا.

بالنسبة إلى بوسطن تُعَدُّ الخدمات الاجتماعية رائعة بسبب الأعداد الهائلة من طلاب الدراسات العليا الذين يدرسون هنا والتمويل الذي يدعم مشاريعهم، وإنَّني أحب الإصغاء إلى القصص التي تخبرنا عنها المرشدة الاجتماعية أماندا (Amanda) عن حياتها في العمل، وعندما أتت إلى منزلنا قالت لأبنائي: "بماذا يمكنني أن أساعدكم اليوم؟ كيف حال والدكم؟".

أخبرها الأولاد ألَّا تتحدث إليهم عن أبيهم وقالوا: "أمي ستخبره أنَّه عليه المغادرة"، فوجِئتُ بكلامهم ولكنَّني وافقت على ما يقولونه.

فقالت آماندا: "هل هذا ما تريدونه جميعاً؟".

فأجبتها: "الأولاد يريدون ذلك".

ثم قال ابني الأكبر: "أمي مصابة بمتلازمة ستوكهولم (Stockholm Syndrome) مع كل الأشخاص في حياتها؛ لذلك لو كان القرار يعود إليها ربما لن تطرده وحدها، ولكنَّها ستفعل ذلك لأنَّنا نريدها أن تفعل ذلك".

فقالت أماندا لأبنائي: "إنَّني أحب المجيء إلى منزلكم لأنَّكم أنتم وأمكم منسجمون مع بعضكم انسجاماً رائعاً".

فسألتها: "ماذا تفعل الأمهات الأخريات؟".

فأجابت بأنَّ معظم تفاعلاتها مع الأهالي تستلزم الحصول على إذنهم بأخذ الأطفال بعيداً عن المنزل، وعندما يحدث ذلك تقول الأمهات: "لا يمكنني أن أكون أكثر سعادة".

أنا مصدومة فعلاً، هذا بالضبط ما قالته أمي عندما أخذتني خدمة رعاية الأطفال من المنزل،  لقد اعتقدتُّ أنَّها الأم الوحيدة في العالم التي ستقول ذلك.

إقرأ أيضاً: 3 مسارات للسعادة: الأهمية والاستقلالية والصبر

3. الاستقلال المالي:

ذات ليلة دخل ابني الصغير إلى المنزل وقال: "لقد قدمت لنا أماندا هدية".

فسألته: "ما هي هذه الاستقلالية المالية؟".

فسلمها إلي وقال: "إنَّها بطاقة هدية بقيمة 200 دولار للشراء من السوبرماركت لأنَّني أخبرتها بأنَّه ليس لدينا ما يكفي من الطعام".

بعد أن سمعت هذا الكلام ضاق صدري ولم أستطِع التحدث، وأردت أن أتصرف تصرُّفاً مناسباً، فقد كان من الواضح عليه بأنَّه سعيد ببطاقة الهدايا هذه، حاولت أن أقول شيئاً مناسباً، ولكنَّ كل ما كان يمكنني التفكير فيه هو: "ليس لدينا ما يكفي من الطعام؟".

ثم قال لي: "نعم، أمي لا تبكي يا أمي، فأنتِ ما زلتِ أماً جيدة، ولقد أخبرت أماندا الأسبوع الماضي بأنَّنا لم نتناول الطعام فيه بشكل كافٍ، فقالت إنَّه لا بأس بالتحدث عن مشكلات الأمن الغذائي؛ إذ يعتقد الكثيرون من الناس أنَّهم لا يستطيعون التحدث عن مشكلات الطعام إلَّا عندما يتضورون جوعاً، ولكنَّ انعدام الأمن الغذائي هو فعلاً مشكلة حقيقية".

لم أستطع الكلام فأومأت برأسي وحاولت ألَّا أُظهر له مدى صدمتي من الكلام الذي قاله، ولأنَّني رأيت أنَّه كان فخوراً بنفسه للحصول على المساعدة.

ثم سمع ابني الأكبر حديثنا وقال: "لماذا قلت للناس بأنَّنا ليس لدينا ما يكفي من الطعام؟" فردَّ عليه: "نعم، نحن لدينا انعدام في الأمن الغذائي، ولكنَّنا اعتدنا عليه لدرجة أنَّنا لم نَعُد نحسبه مشكلة".

فقلت له: "إنَّه على حق، لقد جعلنا هذا الأمر وكأنَّه أمر عادي؛ لقد قمت بعمل جيد في طلب المساعدة، وطلب المساعدة هو مهارة هامة جداً".

ثم قلت للأولاد اذهبوا إلى السوبر ماركت واستخدموا بطاقة الهدايا؛ إذ حاولت الاستخفاف بالأمر لكن كان كل ما أحتاج إليه فعلاً هو أن يغادروا المنزل حتى أتمكن من الصراخ والبكاء.

في الختام:

بعد أن غادروا أخبرت زوجي السابق عن الحال، وقلت له: "لقد أعطت خدمة رعاية الأطفال أبناءك بطاقة هدية بقيمة 200 دولار لكي يشتروا الطعام لأنَّهم يعانون من الشعور بانعدام الأمن الغذائي".

فقال لي: "أنا لا أستطيع التحدث إليكِ عندما أكون في العمل، لقد فعلت ذات الأمر في الأمس".

فقلت له حسناً وأنهيت المكالمة، وبدأت بالبكاء، ثم عاد الأولاد إلى المنزل وكانوا سعداء لأنَّهم سيتناولون اليوم طعاماً طازجاً بدلاً من الطعام المجمد، وقد وفروا أيضاً 25 دولاراً من بطاقة الهدايا في حالة حدوث حالة طارئة.

المصدر




مقالات مرتبطة