توقف عن محاولة التركيز الذهني الكامل فهذا قد يقتل إبداعك

ثمَّة على هاتفي عدة تطبيقات تهتم بالتركيز الذهني الكامل وتهجع جميعاً في سباتٍ عميق، وقد كان برنامج (Headspace) أطولها استخداماً من حيث المدة الزمنية إذ إنَّني استخدمته مدة 30 يوماً إلَّا أنَّني توقفت عن ذلك بعد أن رأيت ألَّا فوائد إيجابيةً منه. وبعد أن أنهيت علاقتي مع الـ (Headspace) شعرت بالذنب لأنَّني تخليت عن التركيز الذهني الكامل ولا سيما أنَّني أسمع جميع الأشخاص ذوي الإنجازات الكبيرة يتحدثون عبر المدونات أو في المقالات عن اتباعهم لعادات التأمل والتركيز الذهني.



بيد أنَّ الخبر السار بالنسبة إلى أولئك الذين يخفقون في بلوغ التركيز الذهني الكامل أنَّ ثمَّة دراسةً حديثة ذكرَتْ أنَّ التركيز الذهني الكامل قد لا يحمل كل تلك الفوائد التي يُشاع بأنَّه يحملها. ففي استعراض لـ 124 اختباراً تضمنت العلاج من خلال التركيز الذهني الكامل ساءَتْ النتائج الإيجابية بنسبة 60% موازنةً بما كان مرجحاً من الناحية الإحصائية، بالإضافة إلى أنَّه من ضمن 21 اختباراً تم تسجيلها استعداداً لإجرائها بقيت 62% من هذه الاختبارات طيَّ الكتمان مدة ثلاث سنواتٍ لاحقةٍ تقريباً مما يدل على أنَّ ثمة نتائج سلبية جرى الامتناع عن نشرها.

ونظراً لمحاولاتي العديدة التي أخفقت فيها في السعي إلى بلوغ التركيز الذهني الكامل، كنت متحمساً للغاية لقراءة بعض الأبحاث التي تشير إلى أنَّ الناس أصحاب الأذهان التي تصاب بالشرود بكل سهولة قد يكونون في الواقع أذكى وأكثر إبداعاً من أولئك الذين يحافظون على حالة التركيز الذهني الكامل. ويبدو أنَّ عدم قدرتي على التركيز الذهني الكامل قد يكون مؤشراً إلى امتلاكي مواهب في مجالاتٍ أخرى.

ففي البحث الذي قاده مجموعة من الباحثين من قسم علم النفس في جامعة "جورجيا تيك" (Georgia Tech) جرى إحضار 100 شخص إلى المخبر وعرضهم جميعاً على آلة الرنين المغناطيسي. وطُلِبَ من المشاركين تركيز اهتمامهم على بقعةٍ ساكنة مدة خمس دقائق وجرى مراقبة حجم الشرود الذهني لديهم قبل أن ينجز كل واحدٍ منهم اختباراً للذكاء واختباراً للإبداع في نهاية المهمة.

وجد الباحثون أنّ الشرود الذهني لم يكن مرتبطاً بارتفاع الذكاء فحسب بل بارتفاع مستويات الإبداع كذلك. حيث قال الأستاذ المساعد في علم النفس "أيريك شوماخر" (Eric Schumacher)، وهو أحد مُعِدِّي الدراسة، في إحدى المقابلات التي أجراها حول الدراسة أنَّ الناس الذين تعالج أدمغتهم المعلومات بكفاءةٍ أكبر قد يكونون أكثر ميلاً إلى الشرود الذهني.

يقول "شوماخر": "تذكرني النتائج التي توصّلنا إليها بالشخص المُشتّت الذهن وهو الشخص الذي يكون ذكياً ولكنَّه متقوقعٌ في عالمه على نحوٍ قد يكون واضحاً بالنسبة إلى محيطه في بعض الأحيان أو بأطفال المدرسة الذين يكونون ذوي قدراتٍ ذهنيةٍ متقدمةٍ جداً موازنةً بمستوى صفوفهم، فبينما قد يحتاج أصدقائهم خمس دقائق لتعلم أمرٍ جديد يتعرفون هم عليه خلال دقيقةٍ واحدة، ومن ثمَّ يتحققون منه، ويبدؤون بتأمله".


اقرأ أيضاً:
تعرّف على أسباب الشرود الذهني وأهم طرق علاجه

 

كانت النتيجة التي توصلت إليها بعد قراءة هذه الدراسة – على سبيل الدعابة – هي أنَّه من الواضح أنَّ مستويات الذكاء والإبداع لدي تفوق الوسط. ولكننَّا إذا تركنا المزاح جانباً فإنَّك إذا كنت شخصاً تحاول بلوغ التركيز الذهني الكامل وأخفق في ذلك فقد تساعدك هذه الدراسة في توضيح مسببات ذلك.

بالنسبة إلي حينما يكون لدي مشروعٌ أحاول تطبيق بعض الأفكار الإبداعية عليه فإنَّ الاستراتيجية التي أتبعها تبدأ بجعل العقل مستعداً لحل المشكلة ومن ثمَّ إفساح المجال أمامه لبعض الشرود. فعلى سبيل المثال كان يجب علي أن أمشي مدة عشر دقائق للوصول من فندقي إلى مكتب إحدى الشركات فجعلت هدفي أن أسَتغل هذا الوقت للسماح لعقلي بالبحث عن حلولٍ محتملة للتحدي الذي أتعامل معه في هذا الأسبوع.

فإذا وجدتَ نفسك تواجه مشكلةً شائكة فاسعَ إلى تخصيص وقت للتأمل فيها، وقد يكون من الأفضل ألَّا تفكر فيها أبداً. حيث تتجسد فوائد القيام بذلك في أنَّ عقلك الباطن سيتابع العمل وسيقدم حلولاً إبداعية دون أن يتوجب عليك بذل الكثير من الجهد.

وإذا كان يتضمن عملك حل المشكلات بالتعاون مع فريقٍ من الأشخاص ففكر في كيفية تخصيص وقت للتأمل، فإذا كنت تشارك في ورشة عمل عن العصف الذهني على سبيل المثال فقدم التحدي الذي ترغب في أن يتعامل معه المشاركون قبل بضع أيام الأمر إذ سيمنحهم هذا قدراً كبيراً من الوقت للتأمل. ويمكنك كذلك تخصيص خمس دقائق للتأمل خلال الاجتماعات الدورية للفرق.

فإذا صادف أن أخفقت في التركيز الذهني الكامل مثلي أنا فآمل أن تمنحك هذه المقالة مسوغاً للاحتفال بميلك نحو الشرود الذهني.

المصدر




مقالات مرتبطة