تنمية الوعي البيئي لدى الطلاب باستخدام التعليم البيئي

بدأ الإنسان حياته على وجه الأرض باستغلال كل ما يوجد في بيئته التي يعيش فيها من أجل أن يضمن بقاءه واستمراره، وأدى سعيه المتواصل إلى ذلك إلى الإخلال بالتوازن الحيوي وغير الحيوي في النظام البيئي.



تمثل البيئة الوسط الذي يعيش فيه الإنسان ويؤثر فيها ويتأثر، ويزداد شعوره يوماً بعد يوم بأهميتها وحمايتها؛ إذ أصبحت قضية البيئة في الوقت الحالي قضية اجتماعية وسياسية واقتصادية رئيسة في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، فحماية البيئة من مختلف أنواع التلوث أصبح مطلباً ضرورياً لحماية الحياة الإنسانية، وذلك يتطلب اكتسابه السلوكات البيئية الصحيحة للدفاع عنها والمحافظة على مواردها واستغلالها بالشكل الأمثل الذي يقلل من هدر مواردها.

غالباً ما ترتبط التربية والتعليم بتقويم الأفعال وتصحيحها من أجل الحصول على الحياة الأفضل؛ لذا كانت التربية البيئية عاملاً فعالاً في نشر الوعي المعرفي المتعلق بالبيئة ونظمها ومتطلباتها، ونشر الوعي الوقائي لكيفية حمايتها سواء من الأضرار الطبيعية أم الأضرار التي يصنعها الإنسان، بالإضافة إلى إسهامها في تحقيق الاستغلال الأمثل للبيئة الذي يحقق التوازن بين حاجات الإنسان وحماية النظام البيئي.

أولاً: مفهوم التربية البيئية

إنَّ العلاقة بين التربية والبيئة قديمة قدم الإنسان، لكنَّها كانت علاقة تلقائية غير منظمة تحاول إيجاد التوافق الإيجابي مع البيئة، إلا أنَّ الاهتمام بها بشكل رسمي وظهور مصطلح التربية البيئية بدأ في أواسط السبعينيات في مؤتمر "ستوكهولم" عام 1972، وبدأ منذ ذلك الحين بالتطور على المستوى الدولي؛ إذ جاء ميثاق "بلغراد" في عام 1975 محاولة لحل المشكلات الناشئة عن العلاقة بين البشر والبيئة؛ لذا حاولت التربية التركيز على إعداد الفرد الذي يمتلك المعرفة ويتحلى بالمسؤولية والقادر على المشاركة النشطة في إحداث التغيرات البيئية والاجتماعية والتربوية لتحقيق الأمن البشري الذي يعني في طياته الأمن الاقتصادي، الأمن الاجتماعي، الأمن الغذائي، الأمن العسكري، الأمن الشخصي، أمن الجماعة والمجتمع.

نتيجة للنظرة الجديدة للبيئة، اتجه العالم في مطلع السبعينيات إلى تضمين البعد البيئي ضمن مناهج التعليم وجعله هدفاً رئيساً من أهداف المؤسسات التعليمية؛ لذا عملت العديد من الدول على تعديل مناهجها وإدخال البرامج البيئية ضمن خططها الدراسية ولكافة المراحل التعليمية؛ وذلك انطلاقاً من كون هذه الفئة تمثل الشريحة الأهم في المجتمع، بالإضافة إلى كونهم صناع القرار في المستقبل ويحملون المسؤولية الكبرى في حماية البيئة.

تُعرَف البيئة بأنَّها مجمل الأشياء التي تحيط بنا من ماء وهواء وتربة ومعادن ومناخ وكائنات، أما التربية البيئية، فهي جهد تعليمي ونشاط موجه لتكوين المدركات المتعلقة بالعلاقة المعقدة بين الإنسان والبيئة بأبعادها المختلفة الثقافية والبيولوجية والاجتماعية والطبيعية، بحيث يصبح واعياً بالمشكلات التي تواجهها وقادراً على حلها والإسهام في صيانتها وحمايتها، والهدف الأول من ذلك هو تحسين نوعية الحياة لنفسه ولأسرته وللمجتمع والعالم بأسره.

جاء في ندوة "بلغراد" في عام 1975 أنَّ التربية البيئية هي ذلك النمط من التربية الذي يهدف إلى تكوين جيل واعٍ ومهتم بالبيئة وبالمشكلات المرتبطة بها، ولديه من المعارف والقدرات العقلية والشعور بالالتزام ما يتيح له أن يمارس فردياً أو جماعياً حل المشكلات القائمة.

أما من الناحية الإجرائية، فالتربية البيئية تعني إكساب التلاميذ المعلومات والمهارات والمعارف البيئية، وتنمية مهاراتهم التي تساعدهم على صيانة بيئتهم وتنمية مواردها، مع اكتساب التلاميذ للميول والقيم والاتجاهات الإيجابية التي تتصل بحماية البيئة وتحسينها، فالتربية البيئية تمثل القاعدة التربوية الفعالة في بناء الثقافة والوعي البيئي بين أبناء المجتمع، فهي الأساس الأول في نجاح حماية البيئة.

ثانياً: أهداف التربية البيئية

  1. تعريف الأفراد بالبيئة الطبيعية التي يعيشون فيها ونظامها ونوعية العلاقة التي تربط بين مكوناتها المختلفة الحية وغير الحية.
  2. توضيح المفاهيم البيئية وتوضيح العلاقة التي تجمع بين الإنسان والبيئة.
  3. توضيح أهمية المصادر الطبيعية واعتماد النشاطات البشرية عليها اعتماداً كاملاً.
  4. إبراز مشكلة سوء تعامل الإنسان مع البيئة واستغلالها بالطرائق الخاطئة.
  5. المشاركة الإيجابية لبناء فلسفة بيئية متكاملة للأفراد تسمح لهم بحسن التصرف مع البيئة.
  6. إدراك آثار المشكلات البيئة المستقبلية وأسلوب حلها.

شاهد: 10 طرق سهلة لتكون صديقاً للبيئة

ثالثاً: التربية البيئية والطفل

حين نتحدث عن مستقبل البيئة فلا بد من وضع الأطفال في الحسبان، ففي الحقيقة الأطفال هم المستفيد الأول من أي نشاط يستهدف حماية البيئة، فهم أبناء المستقبل الذين سوف يعيشون ضمن هذه البيئة، ولقد فطن المعنيون بالبيئة في العالم لهذه الحقيقة وركزوا على البعد البيئي في تربية الأطفال، وقد برزت حقيقة هذا الاتجاه بشكل واضح في مؤتمر قمة الأرض في عام 1992 أو المعروف بمؤتمر "ريو دي جانيرو"؛ إذ تمخض عنه ثلاثة مؤتمرات خاصة بالطفولة.

المؤتمر الأول كان في "إنجلترا" عام 1995، والثاني عُقد في عام 1998 في "نيروبي"، والثالث كان برعاية الأمم المتحدة في عام 2003 بعنوان "مؤتمر الألفية الدولي"؛ إذ أعلن هذا المؤتمر عن وجود أكثر من ألف طفل من 160 دولة حول العالم للتعرف إلى تفكيرهم عن البيئة والتصريح عن مخاوفهم تجاهها من خلال هذا المؤتمر.

من القضايا البيئية التي حددها هذا المؤتمر هناك: التعايش على كوكب الأرض، الماء هو الحياة، الحياة في المدن، ورشات العمل الميدانية، وانتهى المؤتمر إلى وضع ميثاق وقُدِّم لحكومات العالم عن طريق الأمم المتحدة.

إنَّ تدهور البيئة يسبب الضرر للطفل ويمنعه من حقه الطبيعي في تمتعه بالصحة الجيدة، فقد يصاب بالأمراض التي تنشأ عن سوء التخلص من النفايات، ومن تلوث المياه وتلوث الهواء الناجم عن النشاطات الصناعية والانبعاثات الناتجة عن عوادم السيارة التي تسبب الأمراض التنفسية والصدرية، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ تدهور الغطاء النباتي والتربة والثروة الحيوانية سوف يمنعه من الحصول على الغذاء المتوازن، والزحف العمراني الذي يؤدي إلى القضاء على الغطاء النباتي يحرم الطفل من اللعب في بيئة خضراء نظيفة، وبالوصول إلى الضوضاء التي تصل إلى داخل المؤسسات التعليمية المختلفة لتحرم الطفل من البيئة التربوية المثالية لنمو معارفه.

أمام هذه التحديات الجمة تبرز التربية البيئية بإمكاناتها الكبيرة للقيام بإجراءات عملية مدروسة ومقصودة وموجهة؛ وذلك لتكوين وتنمية السلوكات نحو التفاعل الإيجابي مع بيئته ومواردها؛ عبر التنشئة الاجتماعية التي تصل بإدراكه إلى الضمير، ويتحول الموضوع لديه إلى قيم إيجابية وضوابط داخلية ورادعة للسلوك في الحفاظ على البيئة.

رابعاً: وسائل التربية البيئية

1. وسائل الإعلام:

تُعَدُّ وسائل الإعلام بأنواعها المرئية والمسموعة والمقروءة مصدراً جيداً وهاماً لتقديم المعلومات البيئية ولفت النظر إلى المشكلات البيئية الموجودة والمحتمل حدوثها كذلك، وزادت أهميتها في الآونة الأخيرة لا سيما مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة؛ إذ يمكن الاستفادة من الإقبال الكبير عليها في نشر التربية والوعي البيئي؛ لذا يمكن التنسيق بين كافة الوسائل للقيام بتقديم برامج بيئية بشكل دوري ومنظم لزيادة وعي الجماهير ومن كافة الأعمار لأهمية البيئة والمخاطر المحدقة بها.

2. المؤسسات التعليمية:

تستطيع المؤسسات التعليمية المختلفة التأثير في طلابها وتعديل سلوكاتهم الخاطئة التي تضر بالبيئة من خلال إكسابهم القيم الإنسانية أولاً، وتدريبهم وتعويدهم على احترام البيئة ثانياً؛ إذ يمكن لهذه المؤسسات أن تركز على إدخال التربية البيئية في مناهجها لكافة المراحل، بالإضافة إلى تنمية النشاطات العملية والتجارب من البيئة وفي البيئة.

3. جمعيات حماية البيئة:

تمثل الجمعيات الإطار المدني المناسب لنشر الثقافة البيئية؛ لذا تعمل هذه الجمعيات على تقديم المعارف المناسبة للأفراد التي تنمي الشعور بالمسؤولية لديهم، وتكمن أهمية هذه الجمعيات في أنَّ نشاطها ليس خاصاً بفئة معينة؛ بل تشمل جميع أفراد المجتمع.

شاهد أيضاً: 8 حلول للحد من ظاهرة التلوث البيئي

خامساً: أفكار تربوية لتنمية الوعي البيئي لدى التلميذ

1. الوحدات الدراسية:

وتعني إدخال وحدة درسية إلى المناهج التعليمية في الكتب المدرسية بحيث يكون توجهها نحو البيئة بشكل كامل.

2. اعتماد دمج موضوعات البيئة بالوحدات الدراسية الأخرى:

فمثلاً يمكن معالجة موضوع تلوث الهواء عند الحديث عن الغطاء النباتي.

3. برنامج دراسي مستقل:

بمعنى تجهيز مادة علمية كاملة عن البيئة والتربية البيئية وإدخالها ضمن مقررات المناهج الدراسية.

4. اعتماد طرائق عدة لتدريس التربية البيئية مثل:

1. طريقة حل المشكلات:

فهي من أفضل الطرائق لطرح مشكلة وإيجاد الحل لها؛ إذ يمكن طرح مشكلة والبدء بالبحث عن الحل البديل عن طريق اتباع طرائق عدة كالملاحظة والتجريب للتوصل إلى النتيجة النهائية من بعدها.

2. صناعة مواقف تعليمية ضمن الحصص الدراسية:

مثل زراعة بعض أنواع النباتات في حديقة المدرسة بوصفها نشاطاً تابعاً لمادة العلوم.

3. طريقة إثارة الذهن:

التي تقوم على طرح المشكلة ومن ثم إيجاد مجموعة من البدائل للحل واختيار البديل الأمثل.

4. طريقة القصص:

من أكثر الأساليب المحببة لدى التلاميذ؛ وذلك نظراً لاعتمادها في الغالب على الخيال والتشويق؛ إذ تعرض القصص الكثير من معلومات البيئة ومشكلاتها وما يترتب عليها، وتساعدهم على تنمية العادات الصحية في الغذاء والنظافة والبيئة وغيرها.

5. الاشتراك في النشاطات البيئية:

إذ يمكن دفع التلاميذ للمشاركة في حملة التشجير أو حملة النظافة ونشاطات أخرى داخل المدرسة، مثل تنظيم نشاطات مختلفة ضمن أسبوع البيئة.

6. تشجيع الأطفال:

عند رغبتهم في شراء الألعاب أن يقوموا بشراء الألعاب الصديقة للبيئة.

7. تعليم الأطفال طرائق إعادة التدوير الصحيحة للأشياء.

إقرأ أيضاً: دور الإعلام في تنمية الوعي البيئي

8. تعليمهم عادات الحفاظ على الماء وتوفير الإنارة:

وأهمية ذلك للحفاظ على الطبيعة.

9. تعليمهم ألا يربوا الحيوانات داخل المنزل:

وذلك لأنَّ الموطن الطبيعي لتلك الحيوانات هو في الطبيعة.

إقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن يوم البيئة العالمي

في الختام:

إنَّ العلاقة بين الإنسان والبيئة قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض، وقد ظلَّ الإنسان يحاول حماية نفسه وبقائه تارة والاستفادة من ثروات البيئة تارة أخرى، ومع مرور الوقت أصبح الإنسان لا يكترث بسلامة البيئة ومكوناتها، وخاصة بعد المرور بالثورة الصناعية وما نتج عنها من تقدُّم تكنولوجي والتوجه نحو الاتساع في العمران البشري.

من هنا بدأ الخلل يسود هذه العلاقة، وحدثت الاختلالات التي أصبحت تهدد حياة الإنسان ووجوده، ومن هذه النقطة ظهرت الحاجة الملحة لتنمية سلوك الأفراد وتعديله بالطريقة التي تجعل أجيال الحاضر والمستقبل تبصر بإمكانات البيئة ودرجة قدرتها على تحمل تطبيق الفكر الإنساني فيها، بحيث تكتسب هذه الأجيال الاتجاهات الإيجابية التي تدفعهم للمحافظة على البيئة ووقايتها.

المصادر:

  • 1
  • حنان مساعديه، التربية البيئية وعلاقتها بتنمية الوعي البيئي لتلميذ المرحلة الابتدائية، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد خيضر، 2011
  • أسماء مطوري، مؤسسات التنشئة الاجتماعية ودورها في تنمية القيم التربية البيئة، جامعة حمة لخضر، الجزائر، 2016



مقالات مرتبطة