تمارين التنفس العميق وفوائدها لصحة الجسم

"تنفس ببطء"، "خذ نفساً عميقاً"، "شهيق، زفير"،

كلها عبارات نرددها بعفوية أمام من نجده متوتراً أو قلقاً أو خائفاً أو حتى متألماً، وكأنَّنا ندرك بفعل التجارب الشخصية والفطرة أنَّ التنفس العميق واحد من أهم العلاجات ووسائل التهدئة والتخفيف من الانفعال والتوتر، ففي اليوغا وتمرينات التأمل يكون التنفس العميق جزءاً ضرورياً لاستكمال الممارسة، وفي الولادة الطبيعية التي يواجه فيها جسد الأم ما لا يمكن احتماله من الألم يكون التنفس العميق طوق نجاة من كل ذلك العذاب والنفق الذي يفضي نحو الخلاص.



كذلك الأمر في حالات الانفعال والغضب الشديد التي تتسارع فيها الأنفاس، فتعجز الخلايا الهامة عن الحصول على قسطها الكافي من الأوكسجين، فتعمل بشكل منقوص أو تُدخِل الجسم في ثقب الإغماء والغياب عن الوعي.

إنَّ تمرينات التنفس العميق وفوائدها على الجسم من أعظم منح الخالق للأرواح البشرية؛ وذلك لأنَّها تملك ميزة التخلص من الهموم والآلام ونفثها بزفرات متلاحقة؛ لذا فقد قررنا الإضاءة على هذه الهبة الإلهية في هذا المقال.

ما هي تمرينات التنفس العميق؟

إنَّ تمرينات التنفس العميق هي مجموعة من عمليات الشهيق والزفير التي من شأنها أن تعيد توازن نسب الأوكسجين وثنائي أوكسيد الكربون في الدم، بعد حدوث خلل فيها نتيجة لعارض صحي جسدي أو نفسي، وعلى الرغم من أنَّ عملية التنفس هي عملية لا إرادية يقوم بها الجسم بشكل تلقائي، إلا أنَّها قد تتعرض أحياناً إلى تشوهات في الأداء يكون سببها نفسياً أو عضوياً، فيضيق نفس الإنسان ويشعر بالاختناق بسبب التنفس السريع وغير العميق الذي لا يوفر للجسم كفايته من الأوكسجين.

لذا فإنَّ تمرينات التنفس العميق هي عمليات شهيق وزفير واعية وإرادية، من شأنها إدخال كمية وفيرة من الأوكسجين إلى الرئتين لتقوم بتوزيعها بشكل عادل على خلايا الجسم، فتقوم بوظائفها الحيوية على أكمل وجه.

إنَّ تمرينات التنفس العميق هي عمليات التنفس التي تسبب أخذ شهيق كبير يملأ الرئتين على اتساعهما مسبباً توسيع الصدر عن طريق تحرك عضلة الحجاب الحاجز وانتفاخ البطن، وهي تمرينات منتظمة تشبه عمليات التنفس التي يقوم بها حديثو الولادة، وهي نقيض لعمليات التنفس الصدري - كالذي يحدث في حالات القلق - والذي يكون عبارة عن أنفاس سريعة ومباشرة من الصدر، وهذا ما يسبب الدوخة وارتفاع معدل ضربات القلب والشد العضلي وغيرها من الاضطرابات الناجمة عن عدم حصول الخلايا على كفايتها من الأوكسجين.

شاهد: 8 طرق للتخلص من التوتر

كيف يتم إجراء تمرينات التنفس العميق؟

يتم إجراء "التنفس العميق" (Deep breathing) من البطن عبر اتباع الخطوات الآتية:

  1. الاستلقاء على السرير أو الأرض ووضع وسادة تحت الرأس وتحت الركبتين، أو الجلوس على الكرسي وإسناد الرأس والظهر والكتفين إلى ظهر الكرسي.
  2. وضع يد على البطن واليد الثانية على الصدر لاستشعار عمليات الشهيق والزفير، والتأكد من اندفاع البطن نحو الأمام وانفتاح الصدر عند الشهيق، ومن ثم انخفاض البطن إلى ما دون مستوى الصدر عند الزفير.
  3. أخذ نفس عميق من الأنف حتى ملء البطن بالهواء وانتفاخه أكثر من الصدر.
  4. إخراج الزفير من الأنف حتى يصبح البطن متراجعاً عن الصدر.
  5. تكرار العملية ثلاث مرات على الأقل.

فوائد تمرينات التنفس العميق على صحة الجسم:

من فوائد التنفس العميق التي تنعكس إيجاباً على صحة الجسم نذكر ما يأتي:

1. تمرينات التنفس العميق تُخلِّص الجسم من السموم:

من فوائد التنفس العميق في صحة الجسم أنَّه يخلصه من السموم والفضلات الناتجة عن عمليات الاستقلاب والبناء والهدم، وتشير الدراسات إلى أنَّ الجسم يتخلص من 70% من سمومه خلال عملية التنفس التي تطرح غاز ثنائي أوكسيد الكربون وغازات أخرى يشكل بقاؤها في الجسم خطراً عليه، كما أنَّ تمرينات التنفس العميق هي حلول فعالة للأشخاص الذين يعانون من ضعف وظائف الرئتين ومشكلات التنفس.

2. تمرينات التنفس العميق تخلِّص الجسم من الآلام:

من فوائد تمرينات التنفس العميق على صحة الجسم أنَّها تساعده على التخلص من آلامه وأوجاعه، فهي تحفز استرخاء العضلات المتوترة، وهذا يساهم في التخفيف من الشعور بالألم، كما أنَّ تمرينات التنفس العميق من شأنها أن تحوِّل تركيز الجسد عن الألم وتشغله بعملية التنفس.

هي أيضاً تحسن الدورة الدموية بحسب دراسة سريرية منشورة في مجلة (PLOS one)، فضلاً عن دورها في تسهيل عملية التبادل الغازي بين الخلايا والدم؛ أي الخلايا تعطي الدم ثنائي أوكسيد الكربون الناتج عن الاستقلاب وتأخذ منه الأوكسجين المستخلص من الشهيق.

3. تمرينات التنفس العميق تقلل من التوتر والقلق:

من فوائد تمرينات التنفس العميق على صحة الجسم أنَّها طريقة مذهلة للتخلص من علامات القلق والتوتر والطاقة السلبية التي يتم تفريغها من الجسم عبر الشهيق والزفير، وتساعد تمرينات التنفس العميق على الحفاظ على توازن الجهاز العصبي اللاإرادي، والسيطرة على درجة حرارة الجسم، وأداء العمليات الحيوية بسلاسة، وهذا يسبب تخفيف مظاهر التوتر والاضطرابات العصبية المرتبطة به كالاكتئاب، بحسب الدراسة السريرية المنشورة في مجلة (International Journal of Applied Engineering Research).

4. تمرينات التنفس العميق تساعد الأشخاص المصابين بأمراض التنفس والهضم:

من فوائد تمرينات التنفس العميق على صحة الجسم أنَّها تكون عنصراً هاماً في العلاج للأشخاص الذين يعانون من الأمراض التنفسية، وعلى رأسها الربو وكوفيد-19 والتهاب الشعب الهوائية، فهي تزيد من فاعلية الرئتين وتعيد لهما المرونة والقدرة على أداء مهمتهما.

تحسن تمرينات التنفس العميق من صحة جهاز الهضم، كونه يساعد على إمداده بالأوكسجين الكافي لإتمام عملية الهضم، وكونه يقضي على الإجهاد والتوتر الذي يؤثر سلباً في عملية هضم الغذاء، وهذا ما يفسر لجوء الذين يعانون من مشكلات هضمية لممارسة اليوغا التي تكون تمرينات التنفس العميق عماداً لها.

5. تمرينات التنفس العميق تضبط معدل ضربات القلب وتحسن وظائف الرئة:

من فوائد تمرينات التنفس العميق على صحة الجسم أنَّها تقوم بضبط معدل ضربات القلب والتقليل من إجهاد العضلة القلبية وضغط الدم، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على صحة القلب وكفاءته، كما أنَّ تمرينات التنفس العميق تحسن وظيفة الرئة؛ وذلك بسبب سماحها بدخول كميات كبيرة من الأوكسجين التي تنتقل بدورها إلى عضلات الجسم كافة، وهذا يزيد من قدرة الإنسان على احتمال التمرينات الشديدة كالملاكمة والجري.

6. تمرينات التنفس العميق تحسن عملية التمثيل الغذائي:

من فوائد تمرينات التنفس العميق على صحة الجسم أنَّها تساعد الخلايا على إتمام عملياتها الاستقلابية من بناء وهدم، كون هذه العمليات تحتاج إلى كميات كبيرة من الأوكسجين الذي يمكن الحصول عليه بوفرة عبر تمرينات التنفس العميق، وبحسب دراسة أُجريت ونُشرت في موقع (health line) فإنَّ تمرينات التنفس العميق تساعد على حرق الدهون وخسارة الوزن، كونها تساعد على وصول غاز الأوكسجين إلى الخلايا الدهنية وحرقها محررة غاز ثنائي أوكسيد الكربون، الذي يُعَدُّ من السموم التي تخرج مع الزفير؛ لذا فإنَّ تمرينات تنفس عميق أكثر تعني كمية أوكسجين أكثر، ومن ثمَّ حرق دهون أعلى.

شاهد أيضاً: 7 طرق تساعد على تصفية الذهن

كيف نضيف تمرينات التنفس العميق إلى حياتنا؟

إنَّ إضافة تمرينات التنفس العميق إلى حياتنا لا يعني الاستغناء عن التنفس العادي الطبيعي وتحويل عملية التنفس إلى فعل إرادي دائماً؛ إنَّما هو تطبيق لهذا النوع من التنفس في فترات متقطعة خلال اليوم.

من أجل إضافة تمرينات التنفس العميق إلى روتيننا اليومي لا بد من الالتزام بما يأتي:

1. ابدأ بإضافة تمرينات التنفس العميق إلى حياتك:

عبر تطبيقه لمدة خمس دقائق يومياً، ومن ثم زيادة هذه المدة كلما أصبح القيام بتمرينات التنفس العميق أسهل.

2. إذا كنت تجد أنَّ مدة خمس دقائق يومياً من تمرينات التنفس العميق كثيرة:

فاجعل هذه المدة دقيقتين، فليست المدة هامة بقدر ما هو هام أن تبدأ.

3. ابدأ بتطبيق تمرينات التنفس العميق كلما شعرت بالحاجة إلى ذلك:

واحرص على تطبيق تمرينات التنفس العميق مرات عديدة خلال اليوم.

4. احرص على أداء تمرينات التنفس العميق وأنت ترتدي ثياباً مريحة:

وذلك لأنَّ الملابس الضيقة من شأنها أن تزعجك في أثناء عملية ملء البطن بالهواء، وهذا يعرقل أداء تمرينات التنفس العميق التي يكمن جوهرها في التركيز على الشهيق والزفير بعيداً عن أيَّة مشتتات.

إقرأ أيضاً: تمارين اليوغا والتنفس وفوائدها للصحة

5. كن لطيفاً مع نفسك:

ولا ترغمها على أداء تمرينات التنفس العميق إذا لم تشعر بالرغبة للقيام بذلك؛ لأنَّ هذا يرفع معدل توترك.

6. احرص على اختيار مكان هادئ ومريح:

كالسرير أو أرضية الغرفة أو كرسي مريح في حديقة المنزل، فمن أساسيات أداء تمرينات التنفس العميق التركيز في عملية التنفس وخطواتها؛ لذا فإنَّ أداء هذه التمرينات في مكان مزدحم ومليء بالمشتتات ليست فكرة مناسبة.

إقرأ أيضاً: فائدة تمارين التنفس في تخفيف التوتر وتقليل الإجهاد النفسي والبدني

في الختام:

إنَّ تمرينات التنفس العميق هي عمليات تنفس إرادية يتم فيها التحكم بالشهيق والزفير، فيجب القيام بها على فترات متقطعة خلال اليوم؛ وذلك من أجل حصد نتائجها الإيجابية على صحة الجسم بفضل إدخالها لكميات كبيرة من الأوكسجين إليه، ومن ثمَّ فإنَّ تمرينات التنفس العميق تؤدي دوراً كبيراً في تخفيف التوتر والقلق والحفاظ على صحة القلب والدماغ والأعصاب والرئتين، كما تشكل عاملاً هاماً في حرق الدهون وأداء الجسم لعملياته الحيوية على أكمل وجه؛ لذا فلنتأمل جميعاً في هذه الهبة التي منحها الخالق لنا، ولنأخذ نفساً عميقاً ثم نشكره على كرمه وعطاياه.

المصادر: 1،2،3




مقالات مرتبطة