تقييم سلوكيات الأطفال الخاطئة

يصدر عن الأطفال سلوكات عديدة في أثناء ممارستهم لحياتهم اليوميَّة، فلكلِّ طفل طريقته في الاستجابة للمؤثِّرات التي تحيط به، فبعض سلوكاتهم تلقى قبولاً من جانب المجتمع والأهل، في حين أنَّ بعضها الآخر تلقى رفضاً واستهجاناً من الآخرين، فيحكم معظم الأشخاص مباشرة على سلوكات الأطفال بأنَّها خاطئة، وقد يكون في ذلك مبالغة وتعدٍّ على تصرفات طبيعية يفعلها الطفل من باب الفضول واستكشاف العالم؛ لذا علينا أن نتذكر دائماً أنَّ مقياس الطفل للخطأ والصواب مختلف تماماً عن مقاييسنا نحن الكبار.



في هذا المقال سنتعرف أكثر إلى الطريقة التي يجب أن تُقيَّم بها سلوكات الأطفال الخاطئة، والمعايير التي يُحكم من خلالها على تصرفاتهم وتقويمها، فليس كل صراخ قلة أدب، وليس كل هدوء وسكون تهذيب واحترام.

سلوكات الأطفال:

يتلقى الطفل المؤثرات من البيئة المحيطة به، فيعتمد عليها في تكوين سلوكاته وتصرفاته؛ وذلك من خلال ملاحظته لكل ما يجري حوله وللطريقة التي يتصرف بها الكبار وردود أفعالهم وعاداتهم، فيبدأ بتقليدهم والتصرف بالطريقة التي يتصرفون بها، ولا يكتفي الطفل بتقليد الأشخاص من محيطه؛ بل أيضاً يقلِّد كثيراً من التصرفات والسلوكات التي يشاهدها في التلفاز وفي الوقت الحالي ما يشاهده على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد أن يكبر الطفل وتتسع دائرته الاجتماعية، يصبح أكثر عرضة للمؤثرات الخارجية، وهذا ما سينعكس بالتأكيد على سلوكاته وأفعاله.

يفرض كل مجتمع من المجتمعات تقييماته الخاصة بشأن السلوكات، فتجد  قائمة بالمحظورات والممنوعات التي يسعى الأهل من خلال تربيتهم إلى توجيه أطفالهم منذ الصغر للابتعاد عنها، رغبة في تحقيق أكبر قدر من تكيف الأطفال مع المجتمعات التي ينتمون إليها، وبناء على ذلك تجد أنَّ كل أسرة تمتلك تقييماتها الخاصة التي يتم من خلالها تصنيف سلوكات الأطفال بين سلوكات خاطئة يجب تجنبها وإبعاد الأطفال عنها، وسلوكات صحيحة يجب توجيه الأطفال لها وتعليمهم إياها.

معايير تقييم سلوكات الأطفال الخاطئة:

يبدي معظم الأطفال تصرفات وسلوكات غير مُحبَّبة، وتُصنَّف ضمن السلوكات الخاطئة، ويرجع هذا لأسباب عديدة؛ منها اندماج الأطفال مع مجتمعات مختلفة غير مجتمعه الأسري الصغير، كمجتمع الروضة، ثمَّ المدرسة، وجماعة الأقران وغيرها، ناهيك عن التربية الأسرية نفسها التي تؤدي دوراً كبيراً في تشكيل سلوكات الأطفال وطريقة تصرفاتهم؛ إذ يسهم الأهل كثيراً بالشكل الذي يعبِّر فيه الأطفال عن أنفسهم.

مع تطور الطفل وانتقاله من مرحلة عمرية إلى أخرى يجد نفسه أمام عالم كبير يسعى إلى اكتشافه والتعرف إليه، فمنذ اللحظات الأولى لتعلم الطفل المشي، تجده يحاول أن يقلِّد الكبار بطريقة مشيتهم وحركتهم، وعندما يعجز عن القيام بهذه الحركات بصورة دقيقة يعبِّر عن غضبه من ذلك بالصراخ والانفعال والبكاء، ولا يتوقف الأمر هنا؛ بل يمكن إسقاطه على كل أفعال الطفل وتصرفاته وسلوكاته.

دور الأهل يبدو واضحاً في هذه المرحلة التي يعملون فيها على تعديل سلوكات أطفالهم وتوجهها بما يتناسب مع عادات الأسرة خاصة وعادات المجتمع عموماً، وهنا كما ذكرنا منذ قليل قد تؤدي تربية الأهل إلى نتائج عكسية على سلوكات الأطفال، فبدلاً من تعديلها وتحسينها من الممكن أن ترسخ السلوكات الخاطئة دون أن تعلم؛ لذلك على المربين أن يمتلكوا المؤهلات والمهارات التي تخولهم لأداء مهمة التربية؛ لأنَّ هذه المهمة في الواقع ليست مهمة سهلة أبداً؛ بل على النقيض من ذلك تماماً، فعملية التربية عملية معقدة وصعبة وهامة جداً في الوقت نفسه.

هنا لا بدَّ أن يخطر في بالكم الأسئلة الآتية، متى يمكننا تصنيف سلوكات أطفالنا على أنَّها خاطئة؟ وهل جميع السلوكات التي يقوم بها الأطفال ويبدي الآخرون انزعاجهم منها هي حقاً سلوكات خاطئة؟ هل توجد معايير محددة نستطيع من خلالها الحكم على سلوكات أطفالنا؟ متى علينا البدء بتعديل سلوكات أطفالنا؟

الإجابة عن جميع الأسئلة السابقة قد تكون بسيطة جداً، فلا يمكننا أن نقول عن كل تصرُّف أو سلوك يقوم به الأطفال إنَّه سلوك خاطئ، حتى ولو سبَّب لنا بعضاً من الانزعاج، فمثلاً قد يجعل معظم الأشخاص رسم الأطفال على الجدران سلوكاً خاطئاً، والحقيقة غير ذلك تماماً، فالسلوك بحد ذاته ليس خاطئاً، ولكنَّ الطريقة التي عبَّر بها الطفل عن رغبته هي الخاطئة، فقد يدل سلوك الطفل هذا على كثير من القدرات الإبداعية الموجودة لديه، فهل الحل هو أن نمنع الطفل عن الرسم؟ بالتأكيد لا، الحل يكون بتوجيه الطفل نحو الأماكن الصحيحة التي يمكنه الرسم فيها والتعبير عن مشاعره.

شاهد بالفديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

فيما يأتي سنقدِّم لكم مجموعة من المعايير التي يمكن من خلالها الحكم على سلوكات الأطفال وتحديد فيما إذا كانت سويَّة أو خاطئة:

1. المعيار المعرفي:

قد يبدي أطفالنا بعض السلوكات التي تُظهِر اختلالاً معرفياً لديهم، أي خللاً في بعض العمليات العقلية، مثل التفكير والانتباه والتذكر، كأن ينسى الطفل دائماً واجباته المنزلية، أو يعجز باستمرار عن الانتباه والتركيز، وقد يكون ذلك إشارة لإصابة الطفل بمتلازمة فرط النشاط وقلة الانتباه.

2. المعيار الاجتماعي:

مخالفة الأطفال للنظام والخروج عن القواعد العامة باستمرار ودون التعرض لمؤثر خارجي، كأن يصرخ الطفل بمجرد دخوله السوبر ماركت، وقد يتعدى الأمر هذا ليصل مرحلة مخالفة للقواعد العامة للمجتمع، كأن يتبول الطفل في الشارع أو في الحديقة على الرَّغم من نهيه عن هذا الفعل.

إقرأ أيضاً: غيرة الأطفال، أسبابها وكيف نتعامل معها؟

3. عدم قدرة الطفل على التحكم بسلوكاته:

أي غياب الضبط الذاتي لأفعاله، حتى إنَّك قد تشعر في بعض الأحيان أنَّ الطفل يتصرف دون إرادته.

4. مخالفة سلوكات الطفل للسلوكات الاعتيادية التي يبديها أقرانه في نفس مرحلته العمرية:

من الممكن وضع معيار للسلوكات الخاطئة والصحيحة بناءً على ما يعدُّه طبيعياً، فعندما يتعرض الطفل لمثير معيَّن يفترض أن يكون رد فعله متناسباً مع المؤثر الطبيعي الذي تعرَّض له، أي سلوك منحرف أو مخالف يعدُّ سلوكاً خاطئاً، مثلاً من الطبيعي ألا يضرب طفل في عمر السادسة أمه في حال وبَّخته على تصرف خاطئ، السلوك الخاطئ تعبير الطفل عن غضبه من أمه بمحاولة ضربها، ففي هذه الحالة تكون استجابة الطفل للمؤثر الذي تعرض له ليست طبيعية.

5. تصرُّف الطفل بأسلوب لا يتناسب مع مرحلته العمرية:

هذا في بعض الأحيان ما يغفل عنه بعض المربين، فيعدون الأطفال الذين يتصرفون كالأطفال الأكبر منهم عمرياً دليلاً على وعيهم، ولكنَّه في الواقع سلوك خاطئ من الواجب تعديله، ومن جهة أخرى قد يتصرف أطفال بعمر الخمس سنوات كما يتصرف الأطفال في السنتين، وهذا أيضاً خطأ، فلكل مرحلة عمرية مجموعة من الخصائص والمظاهر السلوكية المتناسبة مع المرحلة النمائية التي يمرون بها.

تعديل سلوكات الأطفال الخاطئة:

مسألة تعديل سلوكات الأطفال ليست مستحيلة، لكنَّها تحتاج إلى تضافر الجهود والتعاون بين الأهل والمعلمين في سبيل ذلك، عادة ما يرتبط سلوك الطفل الخاطئ بمجموعة من العادات والمواقف الخاطئة؛ لذلك فإنَّ العمل مبدئياً على تغيير هذه العادات والمواقف، سيشكِّل خطوة جيدة في سبيل إحداث التغيير الإيجابي في سلوك الطفل، لكن تبقى المسؤولية الكبرى على عاتق المُربِّين وعلى أساليب التربية التي يخضع لها الطفل في المنزل.

شاهد بالفديو: 18 طريقة تجعل تربية الأطفال سهلة

فيما يأتي سنعدد بعضاً من هذه الأساليب:

1. الثواب والعقاب:

تشير الدراسات التربوية الحديثة إلى ضرورة التركيز على تعزيز السلوك الإيجابي لدى الأطفال؛ أي الإضاءة على نقاط القوة، وتجاهل نقاط الضعف، والاعتماد على الثواب أكثر من العقاب، فعندما يتصرف الطفل بطريقة جيدة لا يجب تجاهل هذا السلوك؛ بل لا بدَّ من مكافأته على تصرفه حتى يتعزَّز السلوك لديه، ويعيد الاستجابة بنفس الطريقة عند تعرضه لموقف مشابه.

هنا لا بدَّ من الإشارة إلا أنَّه عند استخدام العقاب، فلا يُقصد بالعقاب المفهوم الشائع الذي يتضمن إيذاءً جسدياً ونفسياً؛ بل يمكن استخدام أساليب أخرى للعقاب، كحرمان الطفل.

2. الإطفاء:

تعتمد على تجاهل السلوكات الخاطئة وتركها حتى تنطفئ عند الطفل وتختفي.

3. الممارسة السلبية:

يتعمَّد الأهل هنا إجبار الطفل على تكرار سلوكه الخاطئ لفترة إضافية، وهذا ما يجعله يكره سلوكه ويبتعد عنه.

4. الاستثناء:

يحدث في هذا الأسلوب استثناء كل التعزيزات الإيجابية التي يحصل عليها الطفل في العادة فور قيامه بسلوك خاطئ، كحرمانه من زيارة رفيقه المفضل لعدة أيام، أو حرمانه من المصروف.

إقرأ أيضاً: الثواب والعقاب أحد أساليب تربية الطفل

5. التكييف المعاكس:

يقوم هذا الأسلوب على تعزيز السلوك المعاكس للسلوك الخاطئ فور قيام الطفل به، مثلاً قد يكون السلوك الخاطئ استمرار الطفل بضرب أخيه، فعندما يقوم الطفل بعكس هذا السلوك كأن يداعب أخاه، يُكافأ الطفل لترسيخ السلوك الجيد عند الطفل.

في الختام:

لقد تحدَّثنا في هذا المقال عن تقييم سلوكات الأطفال الخاطئة، وعن المعايير التي يجب أن نضعها في حسباننا قبل تصنيف هذا السلوكات، ومن واجبنا أن نلفت انتباهكم إلى أنَّ عملية التربية لا تعني تحويل أطفالنا إلى قوالب جاهزة أو إلى رجال آليين، ليس بالضرورة أن نتفق دائماً مع أحكام المجتمع التي قد تظلم أطفالنا وهم في الأساس يمرون في مرحلة نمائية هامَّة في حياتهم، فبعض الخروج عن القواعد أحياناً ليس بهذه الخطورة.

دعونا نحدد ما نريد بالضبط، وعن ماذا نبحث، فهل نريد شهادات حسن تربية من المجتمع، أم أنَّنا نريد أن نعطي أبناءنا المساحة الكافية لهم ليعيشوا طفولتهم كما يجب أن تعاش؟




مقالات مرتبطة