تعلم مهارة التفاوض

إن كنت فرداً ينتمي إلى سوق العمل وتعمل وحدك أو مع أفراد آخرين فلا بد أنَّك سوف تدخل معهم في مفاوضات لتضمن نجاح عملك وتحقق هدفك منه، فالتفاوض عملية تقوم على أساس تبادُل الآراء ووجهات النظر مع ذوي الشأن والمعنيين بقصد الوصول إلى اتفاق يتعلق بأفكار أو قضايا محددة قبل تنفيذ قرار ما بالشكل الذي يلبِّي مصالح الجميع بأقصى درجة ممكنة.



التفاوض هو وسيلة لحل المشكلات وفضِّ النزاعات وتسوية الخلافات وتجنُّب الصراعات وخنق الأزمات، فالتفاوض مهارة ليست حديثة العهد؛ بل لها جذور في التاريخ، وهي من أقدم السلوكات التي مارسها الإنسان سواء على مستوى الأفراد أم الجماعات أم المنظمات أم الدول أم التكتُّلات السياسية أم الاقتصادية على مستوى العالم، إذاً مهارة التفاوض هي بمنزلة حاجة بشرية قديمة قِدَم وجود الإنسان، وتزداد أهميتها يوماً بعد يوم كلما تطورت علاقات الإنسان وتطورت أعماله والعلاقات بين الجماعات وبين الدول وتشعبت.

التفاوض هو الحل السحري والسلمي لأيَّة مشكلة سوف تواجه الفرد خلال مسيرة حياته، فهي مقياس نجاح الفرد في عمله، والتفاوض مهارة حيوية وضرورية جداً من ضمن المهارات السلوكية والإدارية التي يجب على الفرد امتلاكها لكي يستطيع تحقيق النجاح في العملية الإدارية، وأيضاً التفاوض سمة أساسية من سمات الحياة لا غنى عنها.

أولاً: معنى التفاوض

التفاوض موهبة ومهارة يمكن تعلمها، ولا بد من الاعتراف بأنَّ حياتنا الشخصية والمهنية والعملية سوف تكون أفضل وأكثر نجاحاً إذا ما استطعنا إتقان مهارة التفاوض وتطويرها باستمرار، فالتفاوض ليس حكراً على فئة دون أخرى أو فرد دون آخر.

التفاوض هو عنوان حياتنا اليومية، فمثلاً كم مرة حاولت إقناع زميل لك بالخروج في رحلة؟ أو ذهبت يوماً إلى مديرك لتطلب علاوة على راتبك الشهري ودخلت معه في نقاش لبيان الأسباب التي تدفعك لطلب ذلك؟ أو سمعت عن منظمتين تحاولان الاندماج؟ أو شهدت جلسة نقاش جمعت بين ممثلين عن دولتين لحل مشكلة ما بين البلدين؟ كل هذه الحالات وسواها تتطلب التفاوض، فالتفاوض أساس وأب لكل الأشياء وميدان هام للأفراد والمنظمات والدول.

التفاوض هو عملية متكاملة وتشمل جميع جوانب النشاط الإنساني تُستخدَم فيها مختلف الأساليب والطرائق المتاحة لتحقيق النجاح المتعلق بموضوع النقاش والوصول إلى أجواء صحية سليمة تمثِّل حلاً مثالياً للموضوع المطروح.

التفاوض عملية اجتماعية ونفسية ومنطقية تعتمد على التفاعل والتأثير النفسي والإقناع والحث من خلال الحوار وتبادل وجهات النظر الهادفة بين طرفين أو أكثر لديهما تباين في الآراء والأهداف التي يسعى كل منهما إلى تحقيقها وتتعلق بقضية أو خلاف أو نزاع في مسألة معينة ترتبط مصالحهما بها، وذلك بغرض التوصل إلى حل أو اتفاق مقبول ومُرضٍ لجميع الأطراف.

كما أنَّه أسلوب للاتصال العقلي من خلال الألفاظ والحوار الإقناعي، فهو اتصال بين طرفين أو أكثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة بهدف تنظيم العلاقات وتحديد الحقوق والالتزامات أو إنهاء الخلافات والنزاعات التي تحصل بسبب اختلاف الآراء والاتجاهات أو تعارُض المصالح أو تعارُض الحقوق أو الاتفاق على الأعمال التي ينبغي على الأطراف المتفاوضة القيام بها.

إذاً التفاوض تحرُّك إيجابي يقوم به طرفان ويقوم على الحوار وتبادُل الاقتراحات بهدف الوصول إلى حل يرضي الجميع ويحقق أقصى منفعة ممكنة للطرفين.

شاهد بالفيديو: 10 نصائح تساعدك على امتلاك مهارات التفاوض

ثانياً: عناصر التفاوض الأساسية

1. الموقف التفاوضي:

الموقف التفاوضي موقف حركي يُستخدم فيه اللفظ والإشارة والحركة استخداماً دقيقاً، ويتطلب هذا الموقف وجود مجموعة من العناصر يجب أن يدركها الفرد الذي يقوم بالتفاوض، ومنها وجود ترابط على المستوى الكلي لعناصر الموضوع محور التفاوض، كما يجب أن يتم تمييز الموقف التفاوضي دون أن يفقد شيئاً من أجزائه.

يجب أن يلمَّ الفرد المفاوض بالقضية محور التفاوض من جميع جوانبها، فغالباً ما تكون القضية محور التفاوض معقدة، وهنا يجب عليه التركيز جيداً حتى يستطيع التعامل معها ببراعة، ويضاف إلى ما سبق التقليل من حالات عدم التأكد التي تحيط بالقضية موضوع التفاوض، ويتم ذلك من خلال جمع المعلومات لتقليل حالات الشك.

2. أطراف التفاوض:

تشمل عملية المفاوضة غالباً طرفين، لكن في بعض الأحيان قد تتسع لتشمل أكثر من ذلك؛ وذلك بسبب تشابك وتعارض المصالح بين الأطراف المفاوضة؛ لذا يمكن أن نقسم أطراف التفاوض إلى نوعين رئيسين هما:

  • الأطراف المباشرة: هي الأطراف التي تقوم بالعملية التفاوضية.
  • الأطراف غير المباشرة: هي الأطراف التي تؤثر في عملية التفاوض بطريقة ما.
  • القضية التفاوضية

القضية هي الموضوع محور العملية التفاوضية، وقد يكون هذا الموضوع إنسانياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو ثقافياً أو سياسياً أو تكنولوجياً وما إلى ذلك.

3. الهدف التفاوضي:

يمثِّل الهدف التفاوضي الغاية والمقصد الرئيسين اللذين تسعى عملية التفاوض إلى الوصول إليهما وتحقيقهما، وبناءً على هذا الهدف يقاس مدى التقدم الذي أحرزته الأطراف المتفاوضة في عملية التفاوض.

ثالثاً: كيف تبدأ بالتفاوض؟

قبل أن تشرع بعملية التفاوض مع أحد الأطراف توجد مجموعة من المعلومات التي يجب عليك جمعها وتحديدها، ومنها:

  • الأطراف التي ستقوم بعملية التفاوض وتتدخل في النقاش وصفتها الأساسية ومقدار ما تملك من المرونة وحرية التصرف وهل يوجد اختلاف أو توافق في الآراء؟
  • أهداف ومخاوف كل طرف والحوافز التي سوف تؤثر في كل منهم.
  • تحديد النقاط الأساسية التي ستتم مناقشتها ضمن القضية موضوع التفاوض.
  • احتمالات الحلول المتاحة للقضية وهل يمكن الوصول إلى حل وسط، فلا يوجد رابح أو خاسر فيها؟
  • مقدار الوقت المتاح للتفاوض وما هو التاريخ الذي يجب أن تنتهي المفاوضات عنده؟

رابعاً: أساليب التفاوض

1. الأسلوب الأسود:

يهدف إلى أخذ كل شيء مقابل لا شيء؛ أي الحصول على أكبر قدر من المزايا وتحقيق المصالح والمنفعة على حساب الطرف الآخر.

2. الأسلوب الأبيض:

يقوم على مراعاة بعض المصالح للطرف الآخر، ويهدف إلى تحقيق النجاح من خلال التعاون وتبادُل الأشياء وتجنب الاحتكار.

3. الأسلوب الرمادي:

هم الأطراف الذين يضمرون أشياء غير التي يعلنون عنها، وفي حقيقة الأمر لا يريدون الوصول إلى حل؛ بل هدفهم المراوغة فقط.

خامساً: ما هي مهارات التفاوض التي يجب عليك تعلمها؟

4. مهارات الاستماع:

يجب على المفاوض أن يكون قادراً على التركيز فيما يقوله الآخرون؛ لذا يجب أن تضع عواطفك جانباً، وتتجنب الشرود الذهني وتركز على الكلام الذي يُقال لفهمه فهماً صحيحاً، وتحاكم عقلك بتحديد النقطة الرئيسة التي طرحها الآخر وتستحضر ما لديك من معلومات عن القضية.

5. مهارات القراءة:

تكون مطلوبة عندما تتم المفاوضات عن طريق المراسلات، وهنا أيضاً يجب تحييد العواطف والتركيز في الأفكار المطروحة وفهم المقصد منها فهماً جيداً.

6. الصدق والموضوعية:

يجب على المفاوض تحييد المشاعر والفصل بين القضية موضوع التفاوض وبين الأشخاص الذين يمثلون أطراف التفاوض، فناقش النقاط التي تهمك وتعرَّف إلى ما لدى الآخرين من نقاط، ومن الجيد أن تعرف الصعوبات التي يواجهها الفريق الآخر وأبرز الأدلة الموضوعية والحجج المنطقية المتعلقة بالموضوع، فابتعد عن العوامل الذاتية بشكل تام وركز في كيفية تحقيق الهدف الذي دخلت هذه المفاوضات لأجله.

7. الاتزان الانفعالي:

يجب على المفاوض الاتصاف بالهدوء وتجنُّب الوقوع في حالات الاستفزاز والغضب والانفعالات غير المدروسة التي يمكن أن تقود المفاوضات إلى مكان لا تُحمد عقباه، فربما يستغلك الطرف الآخر ويحصل منك على معلومات سرية يستطيع استخدامها ضدك.

شاهد بالفيديو: مهارات التفاوض في أثناء البيع

8. مهارات التواصل:

يجب على المفاوض أن يبدي الاهتمام فيما يقال وبأنَّه مهتم بحاجاته، كما يجب أن يتسم باللباقة والقدرة على الحوار وأن يتحلى بمهارات القدرة على الإقناع وأن يُشعر الطرف الآخر بأنَّ لديه الحق.

9. مهارات التعبير عن الذات:

يجب على المفاوض التعبير عن حاجاته وتفضيلاته في القضية محور التفاوض بأسلوب جيد وفعال بعيداً عن الأسلوب العدواني وعبارات الغضب.

10. مهارة اتخاذ القرار:

شعار المفاوض هنا "بالصبر تبلغ ما تريد"، وهذا يعني أن يمنح المفاوض نفسه أو فريقه الوقت الكافي للتفكير ودراسة القضية من كل جوانبها، فالتروي وعدم التسرع في الحكم والتفكير بهدوء يقود المفاوض إلى كسب القضية لصالحه.

11. مهارة المفاجأة:

تشمل هذه المهارة إحداث تحول غير متوقع في أسلوب التفاوض أو طريقة المناقشة أو إدخال أفكار جديدة في الوقت المناسب يمكن لها أن تقود التفاوض لصالح المفاوض على الرغم من أنَّ هذا لم يكن ضمن الخطة الأولية للتفاوض.

12. مهارة الأمر الواقع:

تعني أن يقوم المفاوض بجعل الطرف الآخر يتقبل الأمر الواقع ويترك الأمر له، أو يكون للمفاوض السبق في اتخاذ القرار بحيث يجعل الطرف الآخر غير قادر على التحرك بأيَّة حركة.

13. مهارة الانسحاب:

الانسحاب المهذب اللطيف الهادئ، فعندما يقيِّم المفاوض الموقف ويجد أنَّه يتعذر قبول رأيه، ويدرك أنَّ كلفة فشل المفاوضات أكبر من التنازل عن رأيه يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه فيعمد إلى قبول وجهة نظر الطرف الآخر منعاً للنزاع وتأكيداً على استمرار العلاقات.

14. مهارة المشاركة:

يهدف المفاوض منها إلى تحويل المفاوضات إلى تعاون فيرفع شعار "أن نكون شركاء بدلاً من أن نكون أعداء" ومحاولة تسوية نقاط الخلاف وتذليل العقبات تمهيداً للتعاون والبناء المفيد لكلا الطرفين.

إقرأ أيضاً: 8 أخطاء قاتلة يرتكبها رواد الأعمال أثناء التفاوض

15. مهارة قيادة الفريق التفاوضي وإدارة الاجتماعات:

يجب على المفاوض أن يبين بوضوح الغرض من الاجتماع، ويحدد أوقات البدء والانتهاء، ومعرفة كيفية التعامل مع الحقائق، وضرورة التحقق من مشاركة جميع الأفراد الموجودين، وتوضيح آرائهم ومحاولة التوصل في نهاية الاجتماع إلى الإجماع، وبالنهاية تلخيص كل ما ورد في الاجتماع.

إقرأ أيضاً: فن المفاوضات وكيفية إتقان مهارة التفاوض

في الختام:

التفاوض مهارة من المهارات التي نمارسها باستمرار في أغلب الأعمال التي تجمعنا بالآخرين، فهي من المهارات التي لا يمكن الاستغناء عنها في الحياة لحل مجمل المشكلات التي تواجهنا والحصول على الحاجات التي نريدها؛ لذا بصفتك مفاوضاً عليك أن تخطط جيداً لعملية التفاوض بحيث تحقق المكاسب من خلالها، فاكتب ملاحظاتك وحدد موقعك تحديداً جيداً والنتيجة المثالية التي تريد أن تصل إليها في النهاية، وركز على القضية وليس على الشخصيات، وعبِّر عن رأيك تعبيراً ودياً غير مستفز.




مقالات مرتبطة