تعلُّم مهارات حل المشكلات في العمل

يقيم طالبان في إحدى غرف السكن الجامعي ويتشارك معهما السكن طالبان آخران، فلا يستطيع الطالب الأول التركيز والدراسة في غرفة صغيرة مزدحمة؛ لذلك رسب في امتحاناته؛ وذلك لأنَّه لم يستطع حل مشكلة الجو غير المناسب للمذاكرة، أما الطالب الثاني فاستطاع تجاوز جميع الاختبارات على الرغم من أنَّه يقطن في الغرفة نفسها ويعاني من المشكلة عينها، ولكنَّه كان يتحايل على ظروفه فتارة يضع سماعتي أذن تبثان موسيقى هادئة تعزله عن المحيط، وتارة يذاكر في منتصف الليل بعد أن ينام زملاؤه، وفي حالات قليلة كان يذهب ليذاكر في المكتبة أو في مقهى هادئ مجاور.



إنَّ الفرق بين الطالبين هو امتلاك الطالب الثاني مهارة حل المشكلات والالتفاف على الظروف التي كانت سبباً في نجاحه وافتقار الآخر إليها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشركات، فمنها تستطيع الالتفاف على الظروف وحل المشكلات التي تعترض طريقها، ومنها تستسلم للإحباط والظروف، وإنَّ الورقة الرابحة في الشركات التي تتغلب على ظروفها هي كادر وفريق عمل تعلم مهارات حل المشكلات في العمل، فكيف يمكن تعلُّم هذه المهارات؟ هذا ما سنتعرف إليه في هذا المقال.

مهارات حل المشكلات:

مهارات حل المشكلات أو (Problem Solving Skills) هي واحدة من مهارات التفكير الإبداعي التي تمكِّن الشخص الذي يمتلكها من إيجاد حلول للمشكلات التي تعترضه في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية، ولا تعني مهارات حل المشكلات إيجاد أي نوع من الحلول؛ بل تكون هذه الحلول ملائمة ومنطقية وقابلة للتنفيذ، ويعود تنفيذها بنتائج إيجابية.

تعد مهارات حل المشكلات من أبرز المهارات المحبب توفرها في الموظفين أو المتقدمين إلى فرص العمل، وغالباً ما تكون معياراً للتفاضل بين المتقدمين؛ لذا فإنَّنا نرى في إعلانات طلب الموظفين بنداً واضحاً متعلقاً بترجيح كفة المتقدم الذي يمتلك هذه المهارات، كونه يصبح بمنزلة فانوس علاء الدين الذين يستطيع ابتكار حلول سحرية تخرج الشركة من ضوائقها ويحل لها المشكلات التي تحول بينها وبين المزيد من النجاح والتقدم.

أهمية مهارات حل المشكلات في العمل:

تتجلى أهمية مهارات حل المشكلات في العمل عن طريق التغييرات الكبيرة التي تستطيع هذه المهارات إحداثها في حال مرور الشركات بضوائق مالية أو تسويقية، ومن النقاط التي تبرز أهمية مهارات حل المشكلات في العمل نذكر:

1. ابتكار أفكار خارج الصندوق:

لا يمكن ابتكار أفكار وحلول إبداعية للمشكلات دون امتلاك موظفين لديهم مهارة حل المشكلات؛ وذلك لأنَّ الحلول الإبداعية تكون وليدة الأذهان المتفتحة والعقول التي تمتلك التفكير الجانبي الذي يعنى بالتفكير في التفاصيل الجانبية الصغيرة التي لا تخطر على بال أي كان؛ إذ إنَّ الموظفين العاديين قادرون على حل المشكلات، لكن بطريقة روتينية مطروقة، أما أولئك الذين يتمتعون بمهارات حل المشكلات ويستطيعون توظيفها في العمل فهم منشأ الأفكار الخلَّاقة والمبتكرة.

شاهد بالفيديو: 5 نصائح تساعدك على حلّ المشاكل في العمل

2. القدرة على العمل تحت الضغط:

إنَّ القدرة على العمل تحت الضغط هي نقطة من النقاط الهامة التي تبرز أهمية مهارات حل المشكلات في العمل، فكل الشركات تتعرض لفترات معينة من الضغط مثل فترات الأعياد ونهاية السنة مثلاً، وهذا الضغط ينجم عنه الكثير من المشكلات، وهنا لا بد من وجود كادر قادر على الفصل بين مهامه الروتينية وحل المشكلات الناتجة عن ضغط العمل؛ لذا من الضروري أن يكون متمتعاً بمهارات حل المشكلات بوصفها واحدة من المهارات الناعمة في شخصيته.

3. إدارة المخاطر:

هي نقطة ثالثة من النقاط التي توضح أهمية مهارات حل المشكلات في العمل، فعند التخطيط لمشروع ما أو مهمة جديدة لا بد من وضع تصور للمخاطر المحتمل مواجهتها في أثناء سير العمل، وبالتأكيد لن يكفي توقع المشكلة وحده، فلا بد من وضع حلول لها تكون جاهزة للاستخدام في حال تحققت التوقعات.

مثلاً إذا ما أردنا بناء مرآب للشركة ووجب علينا شراء مواد البناء، فمن المحتمل أن يهطل المطر إذا ما كانت عملية البناء في أحد الفصول التي يتوقع فيها هطول المطر؛ لذا لا بد من وضع هذه المواد في مكان مسقوف بعيد عن السيول، أو تأمين عوازل تقيها المطر المتساقط، ولهذا السبب أيضاً لا بد من امتلاك فريق عمل يتمتع بمهارات حل المشكلات لتسير الأمور كما يُقدَّر لها وعلى أكمل وجه.

إقرأ أيضاً: ماذا لو كان الإدماج مشكلةً تتعلق بإدارة المخاطر؟

كيف يمكن تعلم مهارات حل المشكلات في العمل؟

بعد أن تحدَّثنا عن مهارات حل المشكلات وأهميتها في العمل، نصل الآن إلى تقديم خطوات عملية تشرح كيفية تعلمها:

1. فهم المشكلة بشكل عميق:

إنَّ فهم المشكلات والإحاطة بأبعادها هو أولى خطوات تعلُّم مهارات حل المشكلات في العمل، وهو تجسيد لحكمة "ألبرت آينشتاين" الشهيرة: "إذا كان لدي ساعة لحل مشكلة ما، كنت سأقضي 55 دقيقة أفكر في المشكلة و5 دقائق أفكر في الحلول" التي توضح ضرورة التأمل العميق في المشكلات ومحاولة استنباط أسبابها واتباع الخوارزميات الخاطئة التي أدت إلى حدوث المشكلة أو الخلل؛ إذ إنَّ التفكير العميق الذي يوصل إلى جذر المشكلة في كثير من الأحيان هو ذاته الذي يكون سبباً في الاهتداء إلى الحل الأمثل لها.

2. رؤية المشكلة:

قد لا يكون هذا الحل ناجعاً مع جميع أنواع المشكلات، ولكنَّه بالتأكيد خطوة هامة من خطوات تعلم مهارات حل المشكلات في العمل؛ إذ إنَّ الإمساك بورقة وقلم أو فتح تطبيق رسم على الهاتف الجوال أو الحاسوب المحمول ورسم خطوات سير العملية والمراحل التي يمكن أن تكون هي سبب الخلل سوف يساعد على بناء تصور واضح وبسيط لها، ومن ثمَّ فإنَّه يساعد على اكتشاف الحلول الإبداعية، فإنَّ الرسم يعني حلحلة الخطوط المتشابكة والتركيز في الخطوات وترتيبها بشكل منطقي متسلسل، وهذا يعني معالجة منطقية وسريعة تثمر عن حلول فعالة لتفادي المشكلة الحاصلة أو إصلاحها، وهذا ما قصده "ستيف جوبز" عندما قال: "إذا حددت المشكلة تحديداً صحيحاً، فسيكون لديك الحل تقريباً".

3. الإحاطة بجزئيات عملك:

إنَّ تعلم مهارات حل المشكلات في العمل يعني أن تكون على اطلاع بجميع التفاصيل التي تكوِّن بمجموعها عملك، فإذا ما كنت صانع محتوى تنشر محتواك على منصات التواصل الاجتماعي وعينت مسؤولين لكل منصة لأجل أن تتفرغ لصناعة المحتوى، فهذا لا يعني أن تغفل تماماً عن آلية عمل كل منصة، فاتبع دورات تدريبية، واستفسر من المسؤولين عن جزئيات عملهم لتكون طرفاً فعالاً في حل المشكلات التي تعترض أياً منهم، وليس مجرد شخص يلقي حلولاً غير منطقية في الهواء.

كذلك الأمر إذا كنت عضواً في فريق عمل يتعاون لأداء مهمة واحدة متكاملة، فحاول أن تكون مطلعاً على مهام زملائك، إضافة إلى إتقانك لتفاصيل مهمتك لتساهم في جلسات العصف الذهني في ابتكار حلول منطقية للمشكلات التي تعترضكم، ولا تنسَ أن تطور ذاتك باستمرار لتبتكر طرائق جديدة لإنجاز مهمتك تكون أكثر سرعة وإنتاجية.

4. التفكير بمشكلات الآخرين:

إنَّه نوع من التدريب والتمرين على كيفية تعلُّم مهارات حل المشكلات في العمل؛ أي أن تقوم بوضع نفسك مكان المسؤول عن حل مشكلة ما والبدء بتحليل المشكلة ومعرفة أسبابها والتوصل لحلول منطقية لها، كما يمكنك التطوع لتوظيف قدراتك في حل المشكلات مع جهة تحتاج إلى خبرتك أو عصفك الذهني، فإذا ما أردت تعلُّم مهارات حل المشكلات فعُدَّ أيَّة مشكلة تصادفها مشكلتك الخاصة وحاول تقصي أسبابها والتوصل لحلها.

5. توقُّع مشكلاتك:

إنَّ أكثر ما يربك في عمليات حل المشكلات هو حالة التخبط والصدمة التي يصاب الإنسان بها إذا ما حدثت له مشكلة طارئة، فكيف سيتصرف بادئ الأمر؟ وكيف سيجد الكلمات ليخبر مديره؟ وكيف سيهدِّئ من روع زملائه؟ فإذا كنت راغباً بتعلم حل المشكلات في العمل فعليك أن تتوقع مشكلة وتتخيل أنَّها قد حدثت للتو أمامك.

هذا التمرين سوف يكسبك الاتزان والهدوء، فأنت قد عايشت هذا الموقف سابقاً في خيالك ووضعت خطة لحله، وكل ما عليك فعله الآن هو تطبيق الخطة الخيالية على المشكلة الواقعية، كما يمكن للاطلاع على مشكلات الشركات المنافسة لك أو الأقسام المشابهة لقسمك أن يعطيك فكرة عن نوع المشكلات التي يمكن أن تتخيلها.

شاهد بالفيديو: 9 خطوات لحـل أي مشكلة

6. التعلم من الآخرين:

الحياة مدرسة؛ لذا فإنَّ تعلُّم مهارات حل المشكلات في العمل يمكن أن يكون عن طريق مراقبة تصرفات الآخرين في أزماتهم ومشكلاتهم واقتباس العِبر والدروس أو طرائق الحل الفعلية لحل هذا النوع من المشكلات، والأمر مشابه تماماً لقصة القائد الذي خسر جولة في المعركة وفرَّ بجنوده ثم جلس يراقب نملة تحمل حبة قمح كبيرة تعود للإمساك بها كلما أفلتت منها حتى نجحت أخيراً في إيصالها إلى جحرها، فكان ذلك درساً له يعلمه المثابرة، فما كان منه إلا أن أمر جنده بإعادة الكر مراراً حتى ربحوا المعركة أخيراً، وقد لا يكون الأمر تحفيزياً، كأن تتعلم من صديق لك في نفس المهنة كيف تأخذ نسخاً احتياطية دورية لمحتويات حاسوب عملك الذي سيكون تعطله عن العمل فجأة كارثة مفجعة.

إقرأ أيضاً: التعلُّم: المدرسة ليست مصدر المعرفة الوحيد

في الختام:

إنَّ تعلُّم مهارات حل المشكلات في العمل ينعكس انعكاساً إيجابياً على سير العمل والإنتاجية ومستوى الوثوقية في أداء المهام، وعلى الرغم من كون مهارات حل المشكلات مهارات فطرية ناتجة عن التفكير الإبداعي، إلا أنَّ الممارسة والملاحظة كفيلتان بتحويلها إلى أدوات مصقولة وعلى أهبة الاستعداد لعلاج أي خلل طارئ.




مقالات مرتبطة