تعزيز الثقة بالنفس عبر تغيير الصورة الذاتية

نشرَت شركة "دوف" (Dove) في منتصف عام 2016 تقريرها الثالث المتعلق بالجمال والثقة بالنفس، بعد إجراء مقابلات مع 10500 امرأة من 13 بلد حول العالم، كانت النتائج مُقلقة إلى حدٍّ ما؛ إذ شعرت النساء بالضيق من معايير الجمال المفروضة عليهن، فضلاً عن أنَّ 9 من نحو 10 نساء رَغِبن في إجراء تغيير واحد على الأقل في مظهرهن الخارجي.



تشير الملاحظات إلى أنَّ معظم النساء يتجنَّبن نشاطات الحياة الهامة مثل الانضمام لأحد الأندية أو الفرق الرياضية، أو القيام بنشاطات مع العائلة أو الأصدقاء بسبب عدم الرضى عن شكل الجسم؛ أي بسبب عدم تقبُّل المظهر والصورة الذاتية.

أجرت مجلة "غلامور" (Glamour) الأمريكية الخاصة بالموضة استطلاعاً مشابهاً في عام 2014، وبيَّنت النتائج أنَّ 54% من النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و40 لا يشعرن بالرضى عن مظهرهن الجسدي، كما أفادت 80% منهن بأنَّ مجرد النظر في المرآة يُشعِرهن بالضيق.

تنمُّ هذه النتائج عن مشكلة حقيقية في واقعنا، ليس لأنَّ معظم الأفراد يتعرضون للأذى بسبب معايير الجمال التي يفرضها المجتمع وحسب؛ بل لأنَّنا نستمد الشعور بالقيمة الذاتية من تقييمنا لمظهرنا الجسدي.

مفهوم الصورة الذاتية:

يعبِّر مفهوم "الصورة الذاتية" عن طريقة رؤيتنا لأنفسنا، وقد سبق أن أجرى عليه علماء النفس دراسات تحليلية شاملة، نتيجة ارتباطه بمشكلات تقدير الذات والصحة النفسية على وجه الخصوص، فقد واجه العلماء بعض الصعوبات في إيجاد القواسم المشتركة بين هذه الآراء الذاتية بوصفها شخصية ومتحيِّزة وقائمة على العوامل الشخصية والمحيطية والثقافية والظرفية السابقة في حياة المرء.

لا يتجاوز الإنسان الصورة الذاتية السلبية تلقائياً مع تقدُّمه بالعمر للأسف، وهي مشكلة تستدعي الحل بوصف هذه الصورة الذاتية جزءاً لا يتجزأ من شخصياتنا؛ بل إنَّها تحدد إمكاناتنا وهويتنا الشخصية، فضلاً عن أنَّها تحدد مدى قبول الفرد لذاته وبالنتيجة تكوِّن شعور التقدير الذاتي.

شاهد بالفيديو: 9 نصائح مؤثرة لتعزيز الثقة بالنفس

تغيير الرؤية الذاتية:

إنَّ تغيير الرؤية الذاتية الهدامة ليس مستحيلاً؛ لكنَّه يتطلب بذل جهود حثيثة؛ فتوجد ممارسات كثيرة يمكن أن تقوِّم علاقة الفرد مع نفسه، وتتيح له تحقيق التنمية الشخصية والرضى الذاتي المراد، وفيما يأتي بعض الأفكار لتغيير الرؤية الذاتية:

  • يُرجع علماء النفس الصورة الذاتية المشوهة إلى خبرات الطفولة بما تنطوي عليه من نقد مفرط وتنمُّر أو توقعات الأهل أو الكادر التدريسي أو الأقران غير المنطقية، وهو ما يؤدي بدوره إلى تشويه مستوى التقدير الذاتي وتثبيطه وتدنيه عوضاً عن تقويمه وتعزيزه وتحفيزه؛ لذا حذارِ أن تسمح للماضي بالتأثير في حاضرك أو مستقبلك، فإنَّه انقضى بكل ما فيه من أسى، وأنت جاهز للمضي قدماً في حياتك.
  • أصبح الناس يفرطون في استخدام مفهوم "العقلية الإيجابية" في العصر الحديث، وهو أساسي ولا غنى عنه لمن يسعى إلى تحقيق مستوى ثابت من المحبة الذاتية، يجدر بالمرء أن يبذل ما بوسعه لدحض التصنيف الذاتي السلبي؛ إذ لا جدوى تُذكر من الانتقاد الهدَّام والإحباط.

يجب أن نحمي أنفسنا من العالم ونتصالح مع ذواتنا، كما ينبغي عدم التركيز على آراء أو معايير معينة يفرضها المجتمع على مظهرنا، تكمن المشكلة في أنَّ معظم الأفراد يعملون جاهدين على إخفاء العيوب الشكلية المتعارضة مع هذه المعايير، ما يؤدي إلى تشكيل جمهور موحد لا مكان للفردية أو التنوع فيه في العصر الحديث.

إقرأ أيضاً: 4 علامات تدل على أنك تنظر نظرة مشوهة إلى ذاتك
  • أن تحدِّد جوانب شخصيتك كلها، فلا مثيل للكائن البشري وما يعتمل فكره من خواطر شاملة، ومعقدة لا تعد ولا تحصى؛ وبذلك إياك أن تستخف بنفسك، فالإنسان ليس كياناً بسيطاً؛ بل إنَّه يتولى عدداً من الوظائف والمسؤوليات والالتزامات والأدوار كالآباء والأزواج والأبناء والأصدقاء؛ لهذا السبب يجب ألا نستخف بأنفسنا ونقلِّل قيمتنا الذاتية بسبب المظهر الخارجي أو العيوب الشكلية بنظر المعايير السائدة؛ إذ ينطوي وجود الإنسان على رسالة أسمى، وبوسع الإنجازات أن تثبت قدراته.
  • إجراء تقييم للواقع، تتكوَّن الصورة الذاتية من اجتماع 3 عوامل: رؤية المرء لنفسه ورأي الآخرين به وانطباعه عن صورته أمام الآخرين، وقد لا تتوافق رؤية الآخرين لك مع وجهة نظرك الشخصية تجاه نفسك، فقد يَعدُّ المرء نفسه على سبيل المثال شخصاً قلقاً في حين يراه الآخرون هادئ الأعصاب؛ وبذلك يمكنك أن تستفسر عن سماتك الشخصية من أصدقائك وعائلتك وزملائك حتى تتعرف إلى جوانب جديدة لم تكن مدركاً لها من قبل.
  • الأهم من هذا كله، أن يكفَّ المرء عن مقارنة نفسه بالآخرين؛ وذلك لأنَّ المقارنة تتسبب في تشويه الصورة الذاتية فضلاً عن كثير من المساوئ الأخرى، فتتزعزع ثقة المرء بنفسه عندما يبدأ بإحصاء النعم في حياة الآخرين ومقارنتها مع ما ينقصه ويشعر بالسخط نتيجة ذلك.

كثيراً ما ندَّعي بأنَّنا أفراد عقلاء وناضجون ولا نأبه بتفوق الآخرين ونعمهم، ومع ذلك ترانا نقدِّر قيمتنا وإنجازاتنا بالمقارنة مع الآخرين بدرجات متفاوتة.

نعلم جميعاً أنَّ هذا السلوك هدَّام ومع ذلك نطبِّقه، إيَّاك أن تستمر في مقارنة نفسك مع الآخرين؛ فلا قيمة ولا جدوى تُذكر من هذا السلوك.

إقرأ أيضاً: ما هي الصورة الذاتية، وكيف تغيرها من أجل حياة أكثر سعادة؟

في الختام:

نريد أن ننوِّه في الختام إلى أنَّ العيب الحقيقي يكمُن في المعايير الجمالية التي يفرضها المجتمع علينا وليس فينا بصفتنا أفراداً، ويجب ألا نستمد قيمتنا من عوامل المظهر "كالبشرة الصافية" أو "المقاس المثالي"، لا يحق لأحد أن يفرض علينا هذه المعايير، ويجردنا من تفرُّدنا ليجذب جمهوراً موحداً لا مكان للتنوع فيه، لا قيمة تُذكَر في معايير المجتمع، وإنَّ الأمر منوط بكيفية رؤيتنا لأنفسنا ولسماتنا الشخصية، ونتحدَّث هنا عن رؤية الفرد لسماته الشخصية ولا نُعنى بمظهر جسده.




مقالات مرتبطة