تعرّف على نفسك عن كثب في رمضان

أي نفس من النفوس أنت؟ هل أنت تعرف نفسك جيداً؟ هل تعرف مشاكلها وأمراضها وعيوبها؟ هل تعرف نقاط القوة والضعف في نفسك؟ هل أنت أصلاً مهتم بالتعرّف على نفسك؟



أنت تعرف موديل سيارتك جيداً، لكن هل يعقل أن تعرف موديل سيارتك ولا تعرف حقيقة نفسك!

أنت تهتم بمظهرك، أناقتك، ملابسك، شكلك، لكن ماذا عن أعماقك؟ وإذا مرض أي عضو في جسدك تسارع بعلاجه، لكن ماذا إذا مرضت نفسك بمرض الكِبْر مثلاً أو الغرور أو الطمع أو العند أو سرعة الغضب أو البخل؟ إنّ العين تمرض ومرضها العجز عن الرؤية، والقدم تمرض ومرضها العجز عن الحركة، ولكن النفس أيضاً تمرض ومرضها فقدان القدرة على الحب، ومرضها الكراهية للآخر والأنانية والطمع.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح ذهبية لتنمية حب الذات

هل آن الأوان أن تهتم بمعرفة نفسك، رمضان يساعدك على ذلك..

كلّنا نستمع إلى حديث الرسول: (إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ)، وكنت أتساءل كثيراً بيني وبين نفسي، لماذا تسلسل الشياطين في رمضان؟

ثم أدركت بعد فترة ما يقوله علماء الرياضيات، من أنّك إذ أردت أن تحل أي معادلة يجب أن يكون فيها مجهول واحد فقط، وإن وجود أكثر من مجهول في المعادلة نفسها يجعل حلّها صعباً للغاية، وبالفكرة نفسها إذا كان الشيطان يوسوس للإنسان بالشر وكانت النفس تأمر بالسوء فإنّ من الصعب عليه أن يحدّد من السبب في مشاكله، فكان من رحمة الله بالإنسان في رمضان أن تسلسل الشياطين، ليبقي أمامه طوال شهر كامل مجهول واحد فقط هو «النفس»، فيسهل أن يتعرّف على نقاط ضعفها ويعالج أسباب فشلها، ليبدأ في بنائها من جديد وينتقل بها من نفس أمارة بالسوء، إلى نفس لوامة، إلى نفس مطمئنة.

وإنّ من رحمة الله بنا في رمضان أنّه يعينك على أن تتعرّف على نفسك وذاتك بسهولة ويسر، وكأنّها مكشوفة أمامك، وكأنّه يقول لك قد سلسلت لك الشياطين لمدة شهر كامل فكن قوي النفس، فإن أبيت إلّا الطمع أو الغضب أو الكِبْر أو التعالي على البسطاء أو الأنانية وقهر الضعفاء أو الجشع، فاعلم أنّ نفسك مريضة وأن الداء فيك أنت، وأنّك تحتاج لعلاج وترميم من الداخل.

اجلس أمام مرآة نفسك وانظر فيها بشكل واضح وصريح، وإياك أن تهرب من مواجهة نفسك بعيوبها، معقول وصلت لهذا الضعف والخوف حتى من مواجهة نفسك وأنت وحدك؟ هل أنت هارب حتى من نفسك؟

إقرأ أيضاً: كيف تعرف نقاط القوّة والضعف في شخصيتك؟

ليس لديك وقت في زحمة الحياة ودوامة الحياة لكي تجلس مع نفسك ولو ساعة في شهر رمضان لتواجهها! إذا كنت تهرب من مواجهة نفسك، فأنت ضعيف للغاية، أمّا إن لم يكن لديك وقت، فأنت تذكرني بهذا الذي قرّر السفر من القاهرة إلي الإسكندرية بسيارته، فقالوا له ليس لديك بنزين، فرد عليهم أنا مستعجل، ليس عندي وقت لأضع البنزين، في النهاية وقفت السيارة تماماً، أو قل تحطمت النفس تماماً.

وبمناسبة أن تجلس أمام مرآة نفسك لتواجهها، تذكرت دعاء لرسول الله، أنّه كان إذا وقف أمام المرآة يقول «اللَّهمَّ كما حَسَّنتَ خَلقي، فحسِّن خُلُقي» هو يلفت نظرك بهذا الدعاء الرقيق لشيء عميق.. اهتم بداخلك أكثر مما تهتم بمظهرك الخارجي.

كلنا يقف أمام المرآة ويركز علي الوجه والشعر، لكن النبي يلفت نظرك لمعنى، إياك أن يلهيك مظهرك الخارجي عن الاهتمام بداخلك.. بذاتك.. بنفسك.

ستيفن كوفي خبير من خبراء الإدارة العالميين، يقول: إنّ النفس تشبه جبل الجليد، وجبل الجليد يكون ٢٠% منه فوق سطح البحر و٨٠% منه تحت سطح البحر، وسر تماسك قوة الـ ٢٠ % فوق البحر هو أنّ هناك أصلاً ٨٠% تحت البحر، ثم يتابع فيقول: لكن للأسف فإنّ أغلب الناس يركّز على شكله الخارجي وهو أصلاً ٢٠% فقط، بينما سر نجاحه يكمن في الـ ٨٠% التي هي قوة نفسه. ما يقوله ستيفن كوفي ليس بجديد فقد علمنا إياه النبي بدعاء يتكرر عند كل نظر في المرآة، حتي يرسخ في العقل الباطن لكل منا «اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي».

إقرأ أيضاً: الأهم أولاً: نصائح سريعة من كتاب إدارة الأوليات لستيفن كوفي

الخلاصة: رمضان فرصة لتكتشف نفسك وتواجهها بهدوء وتبنيها من جديد وترمّم ما صدع منها وترد إليها حيويتها.. فإذا انتهى رمضان وفكت الشياطين من سلاسلها فوجئت بإنسان جديد قوي النفس، قادر على مقاومة الشر والطمع والجبن والكِبْر والأنانية لأنّه ركّز خلال رمضان على بناء الـ ٨٠%.

ملاحظة: إنّ بداية كل نهضة حدثت في التاريخ جيل يحمل نفوساً قوية، ولم تعرف البشرية شعباً من الشعوب حقّق تنمية اقتصادية إلّا سبقها بناء لمنظومة من القيم تغرس في نفوس هذا الشعب، فإنّ بناء النفوس أولى خطوات النهضة.

 

المصدر: الأستاذ عمرو خالد في جريدة المصري اليوم




مقالات مرتبطة