تربية الأطفال على الاعتذار

إنَّ عملية تربية الطفل عملية معقَّدة للغاية ومتشعبة الخطوات، وهي ليست قالباً موحداً أو مجموعة من النصائح والإرشادات التي يمكن تطبيقها على جميع الأطفال وتنتهي الحكاية؛ بل إنَّ الموضوع أكبر بكثير من هذه الزاوية الضيقة؛ إذ إنَّ كلَّ طفل هو حالة خاصة تتطلب أسلوباً خاصاً في التربية، بالإضافة إلى ضرورة تبنِّي أساليب التربية المرنة التي تتيح لنا إجراء تغييرات عدة في حال عدم تجاوب الطفل أو إبدائه رد فعل معين.



وبما أنَّ عملية تربية الطفل تتسم بالتعقيد، فمن الطبيعي أن نرتكب الأخطاء سواءً في تربيتهم أم تعليمهم أم شرح مفاهيم الحياة لهم أم طرائق التواصل معهم وما إلى ذلك من عناصر التفاعل بين الطفل والأهل.

سنقدم في هذا المقال أهم النقاط المسهَّلة حول كيفية غرس ثقافة الاعتذار في نفسية الطفل، مع التأكيد على أنَّ أيَّة عملية تهدف إلى زرع سلوك معين عند الطفل هي عملية مستمرة ومستدامة، ولا يمكن إتمامها من خلال بضعة أسابيع أو حتى بضعة أشهر.

ما هو تعريف الاعتذار وفق رؤية علم النفس؟

قدَّمت مدارس علم النفس الكثير من التعريفات الجميلة للاعتذار، وكلها تعريفات دقيقة ترتكز على نظرة نفسية عميقة في النفس البشرية؛ لذا سنلخص أهم النقاط التي تبنَّتها مدارس علم النفس حول تعريف الاعتذار:

  • الاعتذار ينطوي على محورين أساسيين؛ الأوَّل يخص الذات؛ وذلك بتقديرها واحترامها من خلال عدم وضعها في مكان أعلى من مكانها الطبيعي أو في مكان يسيء لها، والمحور الثاني يخص الطرف الآخر؛ وذلك باحترام قيمته وعدم التقليل منها.
  • الاعتذار هو خير إثبات على احترام الروح الإنسانية، ودليل على وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة والمناسبة؛ وذلك بأن نضع العواطف في المقدمة والعقل في القمة.
  • الاعتذار هو الاعتراف الكامل بوجود كيان آخر يشغل موقع المُناظِر أو المكافأة لقيمتنا وكياننا؛ وهو يعني استمرار دعم نمو وتطور وازدهار الآخر.
  • الاعتذار هو عملية استعادة لإنسانية الإنسان في حال شذت عن السكة وانحرفت عن مسارها الصحيح.
  • الاعتذار هو تعبير واضح بوجود كيان نفسي صحي أولاً، ويتمتع بالمرونة الكافية ثانياً، وخالٍ من الاضطرابات الهامة ثالثاً.
  • الاعتذار هو إثبات واضح على أنَّ أرواحنا لم تَمُت بعد ولم تصل إلى مرحلة التفسخ؛ بل ما زالت تنتظر الأفضل وتعمل من أجل الحصول عليه؛ وذلك من خلال زرعه في نفوس الآخرين.
إقرأ أيضاً: 6 طرق عملية لإتقان فن الاعتذار والتخلص من الشعور بالذنب

كيف يتفاعل الطفل مع الأخطاء التربوية التي يرتكبها الأهل؟

مع أنَّ تربية الطفل هي أصعب مهمة يمكن أن يؤديها الأهل، إلَّا أنَّ ذلك لا يشكل أيَّة مشكلة حقيقية؛ إذ إنَّ الطفل هو كائن يمتلك مرونة نفسية في غاية الروعة ولديه قدرة رهيبة على التعاطف والغفران والانطلاق من جديد تتيح لنا إمكانية تصحيح هذه الأخطاء والرجوع عنها؛ وذلك من خلال الاعتذار لأطفالنا؛ إذ إنَّ هذه الصورة من الاعتذار تشكل في حد ذاتها درساً مفيداً للطفل يساهم في بناء ثقافة الاعتذار لديه.

بالتأكيد هذه المرونة ليست مبرراً لقيام الأهل بسلوكات خاطئة في التربية مثل: التعنيف أو الترهيب أو الإهمال وما إلى ذلك من أساليب التربية الخاطئة، التي قد تترك الكثير من الجروح النفسية الخطيرة التي قد تدمر شخصية الطفل وكيانه النفسي في المستقبل، ولكنَّ هذه المرونة هي تشجيع للأهل على ضرورة التوقف عن السلوكات الخاطئة في تربية الطفل، وكأنَّ الطفل يعطي - من خلال مرونته النفسية - فرصة لوالديه لكي يعيدا النظر في أخطائهم، وكأنَّه يقول لهم بصوته الضعيف: "لا تقلقوا لم يفت الأوان بعد".

شاهد بالفيديو: 9 قواعد للإتيكيت يجب على الأهل تعليمها لأولادهم

ما هي العبارة الخطيرة التي تمنع الطفل عن تعلُّم ثقافة الاعتذار؟

إنَّ أكثر عبارة تعوق تربية الطفل على ثقافة الاعتذار هي أنَّ الأهل لا يخطئون، وهي عبارة شائعة في الكثير من البيوت؛ حيث يُقرَّع بها الطفل على كل خطأ سواءً كان ذلك ذنبه أم ذنب أمه وأبيه.

إنَّ زرع هذا العبارة الخطيرة والمشينة في ذهن ونفسية وعقلية الطفل هو أمر مدمر من النواحي النفسية، وربما لا يتضح أثره إلَّا في المستقبل؛ إذ إنَّ التشديد على فكرة أنَّ الأهل لا يخطئون يحمل رسالة ضمنية، ولكنَّها واضحة تماماً بالنسبة إلى الطفل، وهي أنَّ الذنب والمسؤولية تقع على عاتق الطفل بشكل كامل.

وبما أنَّ الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة يأخذ ما يقوله أبواه على شكل حقيقة مطلَقة لا لبس فيها ولا شك، فإنَّه ينطلق إلى تعميم هذه الفكرة على كل ما يصادفه في حياته اليومية، فيصبح شديد اللوم لذاته على كل المواقف التي تصادفه في خضم حياته اليومية، وفي أي نزاع بينه وبين طرف آخر سيتجه إلى أن يصبح عدواً لذاته، مهيناً لها على أشياء قد لا يكون له أيَّة علاقة في حدوثها.

ما هي أهمية تقديم الأهل الاعتذار لطفلهم؟

  • إنَّ أهم خطوة يجب على الأهل اتباعها من أجل تربية طفلهم على ثقافة الاعتذار، هي أن يتوقفوا عن ترديد عبارات مثل "أمك لا تخطئ أبداً" أو "كل ما يفعله أبوك هو لمصلحتك حتى لو ضربك".
  • إن كان الأهل غير قادرين على الاعتذار لأطفالهم عندما يعاملونهم بقسوة أو يسيئون فهمهم، فكيف يمكن أن يُربوهم على ثقافة الاعتذار؟
  • إذاً، وكبداية، يجب على الأهل الاقتناع بضرورة الاعتراف بأخطائهم والاستفادة منها من أجل تنمية مهاراتهم في التربية.
  • يجب على الأهل امتلاك الشجاعة من أجل تقديم اعتذار كامل أمام أطفالهم في حال تطلَّب الأمر ذلك، فالاعتذار عن الخطأ شجاعة لا مثيل لها؛ لذا كونوا آباء شجعان.
  • يجب على الأهل الاقتناع بحقيقة أنَّ الاعتذار لأطفالهم لا يقلل من قيمتهم أو من مكانتهم أو أهميتهم في عيون أطفالهم؛ بل على العكس، يُدرِّب الطفل على أن يعتذر حين يُخطئ.
  • اعتذار الأهل لأطفالهم هو وسيلة مفيدة للأهل أيضاً؛ وذلك من خلال التشافي الذي يقدمه الاعتذار لصاحبه كونه وسيلة لتجاوز الإحساس بالذنب.
إقرأ أيضاً: كيفيّة الاعتذار، طلب العفو بلباقة

ما هي الطريقة الأمثل التي يجب على الأهل اتباعها عند الاعتذار لأطفالهم؟

يجب على الأب والأم الاعتذار لطفلهم في حال اقتضت الضرورة ذلك؛ أي في حال أخطؤوا في حقه، ولكي يكون اعتذارهم فعالاً وليس فقط من ناحية تهدئة طفلهم وجعله يشعر بحال أفضل؛ بل أيضاً من الممكن أن يجعلوا هذا الاعتذار وسيلة ليعلِّموا الطفل الطريقة المناسبة التي يمكن من خلالها تقديم الاعتذار؛ وذلك من خلال اتباع الخطوات التالية:

  1. أولاً وقبل كل شيء، يجب على الأهل تهدئة طفلهم؛ وذلك لأنَّه وبكل تأكيد لن يستطيع أن يتقبل أي شيء عندما يكون في حالة من الانزعاج الشديد أو التهيج.
  2. أخذ نفس عميق، فكِّر جيداً فيما يمكن أن تقوله، وانتظر جانباً ريثما تهدأ مشاعر الطفل، وحاول أن تضع نفسك مكان هذا الطفل.
  3. البدء بشرح السبب؛ وهي أهم خطوة في الاعتذار، فمن خلال تحليل الموقف بطريقة عقلانية ومنطقية وبعيدة نوعاً ما عن العواطف، يمكن أن نُعلِّم الطفل بشكل فعال كيفية الاعتذار وأيضاً طريقة تحليل المشكلات بطريقة منهجية عميقة.
  4. يجب على الأهل ألَّا يُظهروا مشاعر الضعف لطفلهم؛ لكيلا يربط الطفل ما بين الاعتذار والضعف، ولا يتشجع على ابتزاز والديه.
  5. في ختام الاعتذار، من المفيد أن تحتفي مع طفلك - ولو كان احتفاءً صغيراً - بكوب من العصير أو قطعة من الحلوى؛ إذ إنَّ هذا الأمر يربط الاعتذار بأشياء جميلة.

شاهد بالفيديو: 15 قول عن التسامح والغفران

ما هي فوائد الاعتذار التي يجب على الأهل تعليمها لأطفالهم؟

في حقيقة الأمر، إنَّ موضوع الاعتذار لا يمكن تعليمه إلَّا للأطفال وخصوصاً في مراحل الطفولة المتأخرة والمراهقة؛ وذلك لأنَّ من شبَّ على شيء نشأ عليه، ومن الصعب جداً أن نعلم الإنسان ثقافة الاعتذار بعد أن يكون قد كبر في السن. ونقدم لكم أهم الفوائد التي يمكننا أن نعلِّمها لأطفالنا حول الاعتذار:

  1. الاعتذار يجعل منا أشخاصاً ناضجين وأقوياء، ويجعلنا كذلك نستحق الاحترام في عيون من حولنا.
  2. الاعتذار يعطينا فرصة من أجل تكوين علاقات اجتماعية ومهنية تفيدنا في جميع مجالات حياتنا.
  3. الاعتذار هو خير وسيلة لإبقاء أصدقائنا والأشخاص الذين نحبهم إلى جانبنا دوماً.
  4. الاعتذار هو خير دليل على سلامتنا العقلية والنفسية، وليس انتقاصاً من كرامتنا أو دليلاً على ضعف شخصيتنا.
  5. التأكيد على أهمية الاعتذار عند الخطأ فقط؛ إذ إنَّ الاعتذار في حال لا يتطلب الموقف ذلك هو انتقاص من احترامنا وكرامتنا أمام الآخرين.

في الختام:

إنَّ أغلب الأهل حول العالم يلجؤون إلى تربية أطفالهم بطريقة عفوية ودون اتباع منهجية واضحة أو علمية؛ إذ يربونهم بطريقة عاطفية شعبية تستند إلى مشاعرهم أو ما تربَّوا عليه هم أو ما يرونه من طرائق تربية في التلفاز وبيوت الأقارب والجيران، أمَّا الآن، ومع تسارع التطور التكنولوجي، فلم يَعُد هناك أي مبرر للأهل بأن يكونوا جاهلين في أسس تربية الطفل، وخاصةً مع وجود عدد لا نهائي من المقالات المتنوعة، وكذلك الكتب المتخصصة في مجال التربية وعلم نفس الطفل.

ومن المفيد جداً أن نقول في نهاية هذا المقال: إنَّ اتفاق الأب والأم ضروري جداً من أجل تنسيق الجهود، ومن أجل تكامل الأدوار في تربية الطفل، والتشاور حول وضعه الحالي، ومناقشة إمكانية الاستعانة بمعالج نفسي أو طبيب نفسي في حال اقتضت الضرورة.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة