تحكَّم بوقتك لتتحكم بعواطفك

بدأ عام 2022 بالنسبة إلى معظمنا بوعد أنَّنا سننجز في هذا العام ما استعصى علينا سابقاً؛ إذ تكون الأشياء اليومية التي نواجه دائماً صعوبة بشأنها أموراً من قبيل إدارة جدول مهامك، ومعاملة الناس بالطريقة الصحيحة، والتفكير بعقلانية عندما تخرج الأمور عن السيطرة وتعمُّ الفوضى.



لكنَّ الحقيقة المرَّة هي أنَّ 80% منَّا سيفشلون بسبب ما يُعرف في علم النفس بتأثير العربة، وبحلول هذا الوقت من السنة القادمة، فإنَّ 5% فقط منَّا سينجحون في تحقيق أهدافهم.

إذ يوجد سببان يمنعاننا من تحقيق خططنا السنوية، السبب الأول هو أنَّ خططنا تفوق إمكاناتنا، فمثلاً قد ترغب في اكتساب ثلاث أو أربع مهارات إضافية بحلول السنة الجديدة، لكنَّ هذا توقُّع لا يمكن تحقيقه في الواقع، فنحن عندما نحاول تطوير مهارات عدَّة في وقت واحد، فإنَّ أولوياتنا تتعارض مع بعضها ونصبح مشتَّتين ونصاب بالإحباط والإرهاق.

السبب الآخر في فشل معظم جهودنا لتطوير الذات هو أنَّ عواطفنا توجِّه سلوكنا، ومن دون قدرة قوية في التعرف إلى عواطفنا وإدارتها عند حدوثها، فمن المؤكَّد أنَّ العادات القديمة لن تتغيَّر أبداً.

لكن، يمكن معالجة كلتا المشكلتين وإجراء التغييرات التي خطَّطت لها في هذا العام من خلال تطوير مهارة واحدة، وهي الذكاء العاطفي، فقد أظهرت كثير من الأبحاث على مدى العقدين الماضيين أنَّ الذكاء العاطفي هو على الأرجح أكثر عوامل تحقيق النجاح أهميةً على مستوى الأفراد، ويؤثِّر بحسب الدراسات في كل شيء، بدءاً من الأداء الوظيفي والدخل السنوي إلى الحالة المزاجية.

لقد اختُبِر الذكاء العاطفي بالمقارنة مع 33 مهارة أخرى من المهارات الهامَّة، ووجد الباحثون أنَّ الذكاء العاطفي يشمل معظم هذه المهارات، ومن ذلك إدارة الوقت وصنع القرار والتواصل، ولا عجب أنَّ الذكاء العاطفي مسؤول عن 58% من الأداء في مختلف أنواع المهن، وهو المحرِّك الوحيد والمطلق لمهارات القيادة وتطوير الذات.

لكن، كيف يؤدي الذكاء العاطفي هذا الدور الأساسي في كثير من المهارات الهامَّة؟ سنبدأ بالإجابة بالقول إنَّ العواطف هي أساس السلوك البشري، سواء كنَّا مدركين لذلك أم لا؛ أي إنَّ الدافع وراء كل فعل مهما بدا بسيطاً هو عاطفة من العواطف.

لذلك، عندما تتقن الذكاء العاطفي، فإنَّك تمتلك القدرة على فهم الدافع وراء السلوك والتحكُّم به، ومن ثمَّ فإنَّ العمل على تحسين مهارة الذكاء العاطفي يزيد تلقائياً من القدرات الخاصة بمجموعة من المهارات الأخرى، لأنَّ الذكاء العاطفي كما ذكرنا سابقاً يُعدُّ المهارة التي تساعد على فهم دوافع السلوك والتحكُّم به؛ إذاً هو مهارة قوية وفعَّالة جداً، وتسمح بتوجيه الطاقة نحو هدف محدَّد لتحقيق نتائج مذهلة.

5 مهارات يساعدك الذكاء العاطفي على تحسينها:

1. إدارة الوقت:

الوقت الآن هو السلعة التي لا يملك أحد ما يكفي منها، وهذا هو السبب في كثرة البحث في الإنترنت عن طرائق إدارة الوقت؛ إذ يعرف قليل من الناس كيف تعتمد إدارة الوقت على مهارات الذكاء العاطفي في إدارة الذات وإدارة العلاقات، فإنَّ تصميم جدول مهام جيِّد أمرٌ لا غنى عنه، لكنَّ الالتزام بهذا الجدول هو مسألة ذكاء عاطفي.

فنحن نبدأ يومنا ولدينا نيَّة لإدارة وقتنا بحكمة، لكن يحدث أن نتلقى بريداً إلكترونياً من زميل لنا في العمل، ويحتاج الرد إلى كثيرٍ من الوقت، أو نتلقى مكالمة طويلة من صديق، أو ننشغل بشيء آخر وتفشل الخطة التي وضعناها، ونقضي بقية يومنا في محاولة لحل المشكلات الطارئة التي لم تكن موجودة في الصباح، ولا نشعر إلا وقد انتهى اليوم دون أن نتمكَّن من الالتزام بجدولنا الزمني.

لكن، عندما تمتلك وحدك السيطرة على عوامل التشتيت، وعندما تشعر أنَّ حاجات الآخرين يمكن أن تطغى على حاجاتك، فإنَّ الأمر يتطلَّب كثيراً من الوعي الاجتماعي ومهارة إدارة العلاقات، لتستطيع تحقيق التوازن بين حاجات الآخرين والالتزام بخططك وضمان تحقيق أولوياتك.

شاهد: كيف تتقن فن إدارة الوقت؟

2. التكيُّف مع التغييرات:

لا أحد يحب التغيير، وذلك لأنَّ التغيير أمر مزعج بالنسبة إلى جميع الأشخاص، وبالنسبة إلى الكثيرين فإنَّه أمر مقلق، لكن بالنسبة إلى الأشخاص الذين يمتلكون وعياً ذاتياً جيداً ومهارات جيدة في إدارة الذات، يستطيعون التعامل مع التغيير أفضل بكثير من غيرهم؛ إذ يمكِّنك الوعي الذاتي من التكيُّف بنجاح مع التغيير، لأنَّه يجعلك تدرك متى يحدث التغيير ومتى يكون لمصلحتك، في حين تبقيك إدارة الذات هادئاً مع إدراكك أنَّ أكثر الجوانب استقراراً وموثوقية في حياتك ليست بكاملها تحت سيطرتك.

فأولئك الذين يكرهون التغيير، والذين يمتلكون وعياً ذاتياً كبيراً ومهارات إدارة ذاتية، يخصِّصون بعض الوقت أسبوعياً للتأمُّل في التغييرات المُحتملة والإجراءات التي يمكنهم اتخاذها استجابةً لهذه التغييرات.

3. القدرة على أداء العروض التقديمية:

تثير بعض الأشياء الذعر لدى الإنسان العادي، مثل الوقوف على منصة مسرح أمام المئات من الحشود، وحتى الشخص طليق اللسان يمكن أن يرتبك ويتلعثم في هذا الموقف، لذلك فإنَّ التدريب على العروض التقديمية هو الحل.

فبعض الحديث الإيجابي مع الذات، وتذكُّر المواقف التي حققنا فيها النجاح، والتأكيد لأنفسنا على أنَّنا قادرون على التحدُّث عن الموضوع، كل ذلك يساعدنا على تحويل القلق إلى أداة لزيادة التركيز والبلاغة.

ما هي علاقة الذكاء العاطفي بذلك؟ إنَّه يساعد ليس على إدراك العواطف فحسب، بل يجعلك قادراً على منع العواطف السلبية من السيطرة عليك وبذلك تتمكَّن من تحقيق أداء أفضل.

4. اتخاذ القرارات:

كلَّفنا الأمر كثيراً من الوقت حتى اكتشفنا أنَّه لا يجب تجاهل العواطف كليَّاً عند اتخاذ القرار؛ إذ يظهر علم الأعصاب الآن أنَّه في حالات معيَّنة يكون الوثوق بالعواطف هو أكثر الأمور عقلانية من بين جميع الاستراتيجيات التي يمكن اتِّباعها في عملية صنع القرار.

لكن حتى تنجح هذه الاستراتيجية يجب أن تكون واعياً بعواطفك، بدءاً من السبب الذي جعلك تشعر على هذا النحو، وما تأثيرها في الموقف الذي تواجهه، وهنا لا غنى عن مهارات الذكاء العاطفي في مجالي الوعي الذاتي وإدارة الذات.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي ودوره في إدارة الذات

5. الحزم:

يُخلط عادةً بين الذكاء العاطفي وكون الشخص لطيفاً، وغالباً ما تكون الاستجابة العاطفية الأكثر ذكاءً هي التعبير عن عواطفك بطريقة مباشرة وصريحة.

نستشهد هنا بالفيلسوف اليوناني "أرسطو" "Aristotle"؛ إذ يقول: "الجميع يغضب، لكن يتطلَّب توجيه الناس غضبهم نحو الشخص الصحيح وفي الوقت المناسب وبالدرجة المطلوبة ذكاءً عاطفياً".

يتعارض الذكاء العاطفي مع العدوانية المفرطة مثلما يتعارض مع الإفراط باللطف لدرجة تفقد المرء احترامه، فإنَّه يعني الحزم، ومن هنا يتطلَّب وعياً ذاتياً وفهماً للطرف الآخر، وهذا يتطلَّب وعياً اجتماعياً، وأخيراً التعبير عن النفس بطريقة تحقِّق أفضل النتائج، لذلك فهو يتطلَّب مهارة الإدارة الذاتية وإدارة العلاقات، والأشخاص ذوو الذكاء العاطفي الحاد يفعلون ذلك بسهولة.

إقرأ أيضاً: النجاح في إدارة الوقت: 8 خطوات كفيلة بإدارة وقتك والتخلّص من التسويف

في الختام:

لا غنى عن الذكاء العاطفي لأي شخص يسعى إلى تطوير ذاته وامتلاك مهارات تساعده على تحقيق النجاح في أي مجال؛ إذ يتدخل الذكاء العاطفي في كثير من مواقف الحياة ليساعدنا على إيجاد الحلول التي كانت ستبدو مستحيلة دون هذا النوع من المهارة، لذلك فإنَّ الخطوة الأولى هي إدراك أهمية هذه المهارة بوصفها بداية لتطويرها.

المصدر




مقالات مرتبطة