تحقيق الجودة الشاملة سر نجاح المنظمات في العصر الحالي

في ظل التغييرات الأخيرة في العالم أجمع، أصبح لزاماً على المنظمات العمل بجدٍّ واجتهاد من أجل الحفاظ على مكانتها التنافسية والاقتصادية، وهذا لن يتحقق إلا من خلال تبنِّيها المداخل الهامة لإدارة المنظمات في العصر الحديث الذي يعد نظام إدارة الجودة الشاملة أهمها، فقد أصبح هذا النظام بمنزلة معيار لإتقان الأعمال التي تحاول جميع المنظمات على اختلاف نوع النشاطات التي تمارسها تحقيقه في عملها.



بدأت المنظمات كافة حول العالم منذ بداية النصف الثاني من القرن الماضي الأخذ بمفاهيم الجودة الشاملة التي تعد واحدة من المفاهيم الإدارية حديثة العهد، والتي تعمل على تطوير آليات العمل وتحسين أداء المنظمة بالشكل الذي يحقق الربحية ويعزز مركزها التنافسي.

الجودة الشاملة هي الأداء الأفضل في تحسين إنتاجية المنظمة ونوعية خدماتها ومنتجاتها، سواء في الأسواق الداخلية أم الخارجية والحفاظ على ميزتها التنافسية؛ لذا تسعى في الوقت الحالي جميع المنظمات إلى استكمال مقومات الجودة حسب معايير الجودة المتفق عليها دولياً، فالتغيير اليوم بات حتمياً وضرورياً؛ وذلك بسبب ما يشهده العالم من تغيرات متسارعة وانعكاس هذه التغيرات على المنظمات، فالتغيير اليوم هو الثابت الوحيد في هذا العالم، وينبغي تطبيق مبادئ الجودة الشاملة واعتماد الطرائق والوسائل الأقل كلفة والأقصر في إرساء دعائم إدارة الجودة الشاملة.

مفهوم الجودة وإدارة الجودة الشاملة:

تختلف النظرة إلى معنى الجودة باختلاف تخصص الناظر إليها (الباحث)، فنظرة المهندس تختلف عن نظرة العميل، ونظرة المدير تختلف عن نظرة العامل؛ لذا لا يوجد معنى دقيق واحد متفق عليه بشكل قطعي سواء لدى عامة الناس أم الباحثين أم علماء الجودة أنفسهم، وتعود كلمة الجودة إلى اللغة اللاتينية (Qualitas)، ويُقصد بها الصلابة والمتانة، كما تم استخدامها بمعنى الدقة والإتقان، وفي اللغة العربية كلمة الجودة مشتقة من الجود الذي يعني العطاء والسخاء، والمعنى اللغوي للجودة هو العطاء الواسع والأداء الجيد الذي يصل إلى التفوق.

فيما يأتي أهم من عرَّف الجودة:

  1. إدوارد ديمنج (Deming): الجودة هي المطابقة للمواصفات مع الاستمرار في تخفيض الكلفة.
  2. فيليب كروسبي (Philip crosby): الجودة هي المطابقة للمواصفات وإنتاج السلع وتقديم الخدمات دون أي أخطاء.
  3. إيفانس (Evans): الجودة هي تلبية توقعات العميل أو تقديم ما يفوق هذه التوقعات.
  4. تاغوتشي (Taguchi): الجودة هي تفادي الخسارة التي يسببها المنتَج للمجتمع بعد إرساله إلى المستخدم، ويتضمن ذلك الخسائر الناجمة عن الفشل في تلبية توقعات العميل، والفشل في تلبية خصائص الأداء، والتأثيرات الجانبية الناجمة عن المنتَج كالتلوث والضجيج وغیرها.

أما إدارة الجودة الشاملة فتمثل أحد أنظمة التسيير الفعالة التي تحرص دائماً على مواكبة التطورات العالمية السريعة؛ إذ تركز على رضى العميل وعلى مساهمة العاملين في تحسين جودة العمل، كما تؤكد على التحسين المستمر، ويتم اختصارها (T Q M)، فهي اليوم منهج إداري يسيطر على فكر الإداريين والمهنيين، ومن تعريفاتها:

  1. منظمة الجودة البريطانية: الفلسفة الإدارية للمؤسسة التي تدرك من خلالها تحقیق كل من احتياجات المستهلك، وكذلك تحقيق أهداف المؤسسة معاً.
  2. كول (Cole): نظام إداري یضع رضى العمال على رأس قائمة الأولويات بدلاً من التركيز على الأرباح ذات الأمد القصير؛ إذ إنَّ هذا الاتجاه يحقق أرباحاً على الأمد الطويل أكثر ثباتاً واستقراراً بالمقارنة مع الأمد الزمني القصير.

أبعاد الجودة الشاملة:

  1. الأداء: يشير إلى خصائص المنتج أو صفات الخدمة المقدمة.
  2. المظهر: خصائص المنتج أو صفات الخدمة الثانوية.
  3. المطابقة: مطابقة مواصفات المنتج أو الخدمة للمواصفات المتفق عليها عالمياً.
  4. الاعتمادية: تشير الاعتمادية إلى ثبات الأداء مع مرور الزمن.
  5. الصلاحية: أقصى مدة يكون فيها المنتج أو الخدمة صالحة للاستخدام.
  6. الاستجابة: تشير الاستجابة إلى مدى تجاوب مقدم الخدمة لرغبات العميل ومتطلباته.
  7. الجمالية: تختلف هذه الخصائص بين شخص وآخر.
  8. السمعة: الخبرة السابقة الموجودة عن المنتج.

شاهد بالفيديو: 18 نصيحة لاستثمار الوقت بفاعلية

أساليب مراقبة الجودة:

تمثل الرقابة إحدى الوظائف الأساسية في المنظمات كافة، فهي التي يقع على عاتقها مقارنة النتائج المتحققة بالخطط الموضوعة، واكتشاف الانحرافات الموجودة، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتصحيح الأخطاء، والرقابة هي مجموعة من الخطوات المحددة بشكل مسبق التي تهدف إلى التأكد من مطابقة المواصفات وليس إنتاج مستوى جودة مرتفع.

لقد طور "إيشيكاوا" في سبعينيات القرن الماضي في (اليابان) الأدوات السبع للجودة؛ فوجد أنَّ هذه الأدوات قادرة على حل 95% من مشكلات جودة المنتجات والخدمات، وهذه الأساليب هي:

1. تحليل باريتو (Pareto analysis):

أطلق "جوزيف جوردان" قاعدة (80/20) التي أصبحت تُعرف بقاعدة باريتو، والتي تشير إلى أنَّ 80% من الثروات يمتلكها 20%، وتم نقل هذه القاعدة إلى مجال العمل الإداري والصناعي، ويُستخدم هذا التحليل من أجل تحديد أولويات حل المشكلات؛ إذ يساعد الإدارة على التركيز على المشكلة الأهم وحلها، وذلك وفق قاعدة (80% من المشكلات ترجع إلى 20% من الأسباب)، ومهمة تحليل باريتو هي إظهار الأسباب الأكثر تكراراً وترتيبها.

إقرأ أيضاً: مبدأ باريتو: قاعدة 80-20

2. قوائم المرجعية:

يستطيع المسؤولون باستخدام قوائم المرجعية ترتيب المعلومات، وتنظيمها بشأن عيوب أو أخطاء المنتج أو الخدمة، وذكر الأسباب المؤدية إليها، كما تُستخدم القائمة من أجل ترتيب المشكلة من الأكثر أهمية إلى الأقل أهمية.

3. خريطة تدفق العمليات:

تُستخدم هذه الخريطة من أجل تحديد طريقة أداء العمليات وتحليل خطواتها، فهي تمثيل بياني يوضح سير العمليات والإجراءات وتدفق النشاطات المختلفة.

4. شكل الانتشار:

من الوسائل الإحصائية القادرة على توضيح العلاقة بين متغيرين؛ الأول مقياس الجودة لإحدى السلع والخدمات ويسمى (y)، والثاني واحد من العوامل المؤثرة في مقياس الجودة ويسمى (x)؛ إذ يساعد جدول الانتشار على فهم الترابط بين مجموعتين من البيانات، فإذا ازدادت قيمة (x) نتيجة زيادة قيمة (y)، فهذا يعني وجود علاقة إيجابية بين (y) و(x)، وخلاف ذلك صحيح، فمخطط الانتشار يساعد على معرفة طبيعة العلاقة بين المتغيرَين.

5. خريطة السبب والأثر:

تسمى (خريطة إيشيكاوا) وتسمى أيضاً (عظم السمكة)؛ إذ يتم تمثيل أسباب المشكلة وعلاقة كل منها بالمشكلة نفسها، فيتم تحديد المشكلة (الأثر) التي تمثل رأس السمكة وهي متغير تابع، ومن ثم يتم رسم خط الوسط والفروع الأساسية لهذا الخط؛ إذ تُوضع عليه أسباب المشكلة، وتمثل المتغيرات المستقلة، ومن ثم يتم رسم الفروع الفرعية من الفروع الأساسية ووضع الأسباب الثانوية، وهذه الأسباب تشير إلى العاملين والمواد الأولية والآلات وطرائق الإنتاج والقياسات.

6. خرائط المتابعة:

تُستخدم في عرض بيانات ظاهرة خلال فترة معينة أو التعرف إلى التذبذبات خلال فترات محددة، ويتم بناء هذه الخريطة من خلال جمع أكبر قدر من المعلومات ترتبط بالموضوع، ومن ثم تمثيل الوقت (يوم، أسبوع، شهر، سنة، سنوات) على المحور الأفقي، ثم تمثيل المتغير المراد دراسته على المحور العمودي، وبعد ذلك وضع نقاط الالتقاء بين المتغيرين وتوصيل نقاط الالتقاء بخطوط مستقيمة.

7. خرائط مراقبة الجودة:

تُستخدم خرائط مراقبة الجودة من أجل التعبير عن الاختلاف في الإنتاج بصورة رقمية وبيانات كمية، ومن أجل مراقبة العمليات والنشاطات.

إقرأ أيضاً: تعرّف على أهم المعلومات عن إدارة الموارد البشرية

جوائز الجودة العالمية:

جائزة ديمنج (Deming a ward):

تعد جائزة "ديمنج" اليابانية أرقى الجوائز العالمية في مجال الجودة، وقد تم وضع شروطها من قِبل الاتحاد الياباني للعملاء والمهندسين؛ وذلك اعترافاً بإنجازات "ديمنج".

تُقسم هذه الجائزة إلى ثلاثة أصناف:

  • جائزة ديمنج للأفراد: جائزة سنوية تُمنح للأفراد الذين قدموا إسهامات في دراسات إدارة الجودة الشاملة أو الطرائق الإحصائية، ولا يُشترط أن يحمل المرشح لهذه الجائزة الجنسية اليابانية؛ بل يكفي أن تكون الشركات اليابانية قد حققت الاستفادة من عمله.
  • جائزة ديمنج التطبيقية: تُمنح بشكل سنوي للمنظمات التي استطاعت النجاح في تطبيق مبادئ إدارة الجودة الشاملة بالشكل الذي يتلاءم مع فلسفتها ومجال عملها ونوعها ونشاطاتها والمحيط الذي توجد فيه، ويمكن لأيَّة منظمة الترشح لهذه الجائزة سواء كانت منظمة عامة أم خاصة، محلية أم عابرة للقارات، صغيرة أم كبيرة، ولا يوجد عدد محدد من المنظمات التي يمكن أن تحصل على هذه الجائزة، فكل منظمة طبقت الشروط قادرة على الحصول على الجائزة.
  • جائزة ديمنج الكبرى: جائزة سنوية خاصة بالمنظمة التي استطاعت الحصول على الجائزتين السابقتين، أو حصلت على جائزة ديمنج الكبرى سابقاً نتيجة لتطبيق مبادئ الجودة لمدة ثلاث سنوات وتطويرها.

في الختام:

إنَّ ما تشهده المنظمات خصوصاً والعالم عموماً من تغيُّرات دفعها لاستخدام الجودة بصفتها سلاحاً تنافسياً سواء في مجال الخدمات أم في مجال السلع، فقد أصبحت الجودة أسلوباً استراتيجياً وعصرياً لكسب ثقة العملاء وجذبهم وتحقيق الاستمرارية في السوق، وهذا بالضبط ما جعلها تحظى بالاهتمام الكبير من قِبل كافة المنظمات، وتطبيقها من أجل تطوير وتحسين منتجاتها وخدماتها، والارتقاء بمستوى أدائها، والاستجابة الفعالة لمتطلبات العميل، ومواجهة التحديات التي تحيط بها.




مقالات مرتبطة