تبسيط الإجراءات: خطة مهمة في تحسين العمل الإداري

ساهم التطور الكبير في تقنيات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات بحدوث تغيير في نمط حياة المجتمع وأفراده؛ إذ أفضت تلك التطورات إلى تحديات أمام المنظمات العاملة فيه، ففي عصر تدفق المعلومات ازداد حجم ومتطلبات العمل في المنظمات المعاصرة وانعكس بدوره على إجراءات العمل ضمنها، الأمر الذي تطلب اللجوء إلى تطوير أساليب العمل وتبسيط الإجراءات لتحقيق معدلات الأداء الجيد.



لقد حاولت العديد من الدول في الفترة الأخيرة حول العالم توظيف تلك التطورات في تحسين ما تقدمه منظماتها ومؤسساتها من خدمات لمواطنيها والارتقاء بجودتها إلى المستوى المطلوب، إضافة إلى إنجازها بأقصى سرعة ممكنة بالشكل الذي يحقق رضى المواطن، فقد اتجهت تلك الدول إلى وضع خطط مرسومة بدقة لتبسط معاملاتها وإعادة هندسة عملياتها وإنشاء الحكومة الإلكترونية.

رافق ذلك بالضرورة برامج خاصة لتدريب العاملين وزيادة مهاراتهم، وكل ذلك بهدف التخلص من بيروقراطية العمل والروتين وتماشياً مع متطلبات التنمية الشاملة التي لن تُحقَّق دون أدنى شك دون ابتكار الأساليب الجديدة في العمل بالاعتماد على ما أفرزه العصر من تقنيات حديثة.

مفهوم تبسيط الإجراءات:

تعمل كل دولة على تقديم خدماتها للمواطنين لديها عبر مؤسساتها، ولكل خدمة من تلك الخدمات إجراءات عمل محددة ومعتمدة رسمياً، وينبغي على المواطن طالب الخدمة القيام بها إذا أراد الحصول على الخدمة المحددة والقيام بتلك الإجراءات بحذافيرها، فالإجراءات هي قائمة توضح ما يجب فعله بالشكل الذي يتماشى مع السياسة العامة الموضوعة التي تصف طريقة الحصول على الخدمة.

عادةً ما تراعي كل منظمة أو مؤسسة عند تصميم إجراءات للخدمات التي تقدمها أشياء عدة، منها أن تكون الإجراءات مرتبطة بالسياسة العامة للمنظمة وتحقق هدفها وغايتها وتتماشى مع نوع العمل فيها، إضافة إلى وضعها في الحسبان التسهيلات المادية التي يجب أن تحويها، كما يجب أن تكون تلك الإجراءات غير متعارضة؛ بل مكملة لبعضها ومتصفة بالمرونة والاستقرار النسبي ومكتوبة بحيث تمثل مرجعاً لجميع العاملين والمواطنين.

لكن عند القيام بصناعة إجراءات العمل على ذلك النحو تطرأ العديد من المشكلات من أهمها:

  1. التعقيد المتمثل بكثرة عدد خطوات المعاملة.
  2. حركة اللف والدوران الناتجة عن تشتت المكاتب والبعد فيما بينها.
  3. الانتظار لمدة طويلة حتى يتم إنجازها بسبب عدم التوزيع العادل لقوة العمل.
  4. كثرة السجلات الإدارية التي يجب الرجوع إليها من قِبل العاملين لإتمام المعاملة.
  5. التكرار وازدواجية المهام مثل ضرورة مرور المعاملة على أكثر من جهة رقابية.
  6. انعدام المرونة نتيجة وجود قالب ثابت من التعليمات التي لا يمكن للموظف الحياد عنها.
  7. عدم فهم الإجراءات أو وضوحها بالنسبة إلى كل من العاملين والمواطنين.
  8. عدم تجميع الأعمال المتشابهة في مكان واحد أو التي تحتاج إلى الرجوع إلى السجلات نفسها.

كل المشكلات السابقة وغيرها من المشكلات أدت إلى ضرورة إعادة النظر بالعمل الإداري، وتوصلت إلى نتيجة مفادها ضرورة تحسين العمل الإداري عبر تبسيط الإجراءات الذي يعني البحث عن أفضل الوسائل والخطوات لأداء العمل وبالشكل الذي يؤدي إلى تقليل المجهودات غير المنتجة إلى أقل حد ممكن، إضافة إلى إلغاء الإجراءات غير الضرورية والاستخدام الأمثل للموارد المادية والبشرية.

بالنظر إلى الرؤية الرسمية لتبسيط الإجراءات فقد عرَّفتها المنظمة العربية للتنمية الإدارية بأنَّها "عملية الحد من الروتين الذي ينشأ من الإفراط في وضع اللوائح التنظيمية، التي يمكن أن تكون زائدة عن الحاجة أو موضوعة بواسطة مكاتب بيروقراطية، ومن ثم تعوق العمل أو تعوق صنع القرار، ويشمل الروتين عادة ملء استمارات ورقية غير ضرورية، والامتثال لإجراءات ومتطلبات إدارية مفرطة.

تبسيط الإجراءات هو عملية تهدف إلى التخفيف والاختصار من مسارات الإجراءات الإدارية من أجل تخفيض زمن الإنجاز؛ وذلك عبر تحليل خطوات العمل، وإلغاء الخطوات غير الضرورية، وينظر إلى عملية تبسيط الإجراءات على أنَّها أساس تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن ومنطلق شفافية العمل الإداري ونزاهته.

إقرأ أيضاً: كيف تحفّز موظفيك على إنجاز مهامهم في العمل؟

لماذا تلجأ الدول إلى عملية تبسيط الإجراءات؟

1. خفض التكاليف:

غالباً ما يكون هدف الدول الأول من عملية تبسيط الإجراءات هو تقليل التكاليف التي يتكبدها المواطن للحصول على الخدمة العامة التي تقدمها له، والتي سوف تنعكس بالضرورة على انخفاض تكلفة أدائها بالنسبة إلى الدولة نتيجة الحد من استنزاف الفساد الإداري لمقدرات الدولة.

2. خفض الجهود:

إنَّ تعقيد الإجراءات يعني معاناة المواطن في الحصول على الخدمة وزيادة في التكاليف مقابل حصوله على الخدمة، بينما تبسيط الإجراءات يخفض التكاليف ويقلل الإجراءات؛ أي يوفر كثيراً من الجهد والمال على المواطن، اللذين يمكنه استثمارهما في أمور أخرى تحقق الفائدة في حياته، وبالوقت نفسه يوفر الوقت على التنظيم نفسه ويحسن كفاءة العمليات فيه.

3. الحد من الفساد الإداري:

كثرة وجود الإجراءات تعني بالضرورة وجود عدد كبير من الموظفين الذين ستمر الخدمة من خلالهم، ومن ثم سوف يزداد وجود الرشوة، الأمر الذي يتسبب في تحمُّل المواطن لنفقات مالية إضافية للحصول على الخدمة، ويمكن القضاء على ذلك من خلال تبسيط الإجراءات وأتمتة العمل الإداري.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح ترفع الحالة المعنوية لموظفيك وتزيد من إنتاجيتهم

4. تحقيق الأداء المتميز:

دقة الأداء هي أهم ما يميز عملية تبسيط الإجراءات؛ إذ تقلل من مخاطر وقوع أخطاء أو حصول تجاوزات أو وقوع فوضى، ومن ثم تقديم خدمة للمواطن بمستوى عالٍ من الجودة.

5. السرعة في الحصول على الخدمة:

تقليل الخطوات يعني بالضرورة تقليل الزمن اللازم لإنجازها.

6. تسهيل عملية الرقابة:

من خلال مطابقة ما هو موجود بما تم تنفيذه.

أساليب تبسيط الإجراءات:

1. حذف الخطوات غير الضرورية:

عند مراجعة الخطوات التي تمر بها خدمة ما، قد نلاحظ وجود خطوات لا مبرر لها ولا تحقق أيَّة فائدة تُذكر، ومن ثم يجب حذفها.

2. دمج بعض الخطوات:

قد ينتج عن تحليل الإجراءات وجود خطوات مكررة نتيجة اشتراك أكثر من موظف فيها؛ وذلك نتيجة طبيعية للتضخم الوظيفي، ومن ثم يمثل دمج تلك الخطوات حلاً مناسباً لتقليل الزمن اللازم لإنجاز الخدمة.

3. توزيع المكاتب الخاصة بالخدمة بشكل متقارب وإعادة ترتيبها بشكل انسيابي:

إنَّ أكثر ما يسبب إضاعة الوقت والجهد هو التباعد بين مكاتب الموظفين المسؤولين عن تقديم الخدمة، فقد توجد المكاتب في أماكن أو أبنية مختلفة؛ لذا فإنَّ تبسيط الإجراءات يتضمن التخلص من مشكلة تبعثر مكاتب الموظفين بحيث تصبح موجودة في مكان واحد، كما يجب إعادة ترتيبها بشكل متسلسل يسهل على المواطنين التنقل بينها، أما بالنسبة إلى الموظفين فيجب أن توضع مكاتبهم بحيث ينظرون في جهة واحدة وأن تكون مكاتب المديرين خلف الموظفين وليس بمعزل عنهم، ولا ننسى وجود مساحات كافية لسهولة تنقُّلهم.

4. جمع أعمال الرقابة في مرحلة واحدة:

قد تحتاج بعض الخدمات إلى وجود رقابة من أكثر من جهة؛ لذا يجب جمعها في مكان واحد.

شاهد بالفيديو: قوة المساءلة 6 خطوات لتحقيق أي هدف

5. تعديل نماذج العمل المستخدمة:

تعتمد المؤسسات أياً كان نوعها في عملها على وجود نماذج ثابتة تعمل وفقها، وهذه النماذج غالباً ما تحتاج إلى التعديل والتقليل.

6. إنشاء نظام موحد للمعلومات:

يجب توحيد قاعدة البيانات الحكومية بحيث لا يضطر المواطن إلى استخراج مستندات عدة باللجوء إلى جهات عدة.

7. تفويض السلطة:

أي تحقيق مبدأ اللامركزية ونقل جزء من صلاحيات المدير إلى العاملين بحيث يتمكنون من تسيير شؤون المواطنين، ومن ثم اختصار في الخطوات والوقت والجهد والتكاليف الذين ينجمون عن خفض عدد الخطوات وزمنها.

8. تعديل أساليب العمل:

من الأساليب التي يمكن اعتمادها "الأسلوب المتسلسل"؛ إذ تسير الخدمة خلاله من موظف إلى موظف آخر حسب التخصص إلى أن تصل إلى مرحلة الإنجاز، وغالباً ما يتم استخدام هذا الأسلوب في جميع المنظمات، لكن توجد أساليب أخرى يمكن أيضاً الاعتماد عليها من الأسلوب المتوازي الذي يتجلى بتوكيل مهمة إنجاز الخدمة بكافة مراحلها وخطواتها إلى موظف واحد، وإذا كان عدد المعاملات كبيراً يتم توكيل أكثر من موظف وتسيير المعاملات في خطوط متوازية حتى تُنجز بشكل تام.

9. الاعتماد على الحاسوب في العمل:

يتم استبدال الورق المعرَّض لخطر التلف أو الضياع بجهاز الحاسوب صاحب الإمكانات الكبيرة والقادر على التخزين وإنجاز العمليات بصورة أسرع، وعندما يراد الرجوع إلى البيانات نستطيع الوصول بسرعة ناهيك عن التوفير الكبير في الوقت والجهد والمال.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن تحديد إمكانات الموظفين؟

10. إحداث مكتب خدمة الجمهور:

يُعَدُّ هذا المكتب بمنزلة وسيط بين المنظمة والمواطن وبين أهداف تركيز الخدمة والمعلومات بحيث لا يتكبد المواطن المصاعب.

11. النافذة الواحدة:

يتم الحصول على الخدمة الواحدة في نقطة واحدة حتى لو كانت الخدمة العامة تتطلب تدخُّل جهات مختلفة، فلا يحتاج المواطن إلى الذهاب إلى كل منها؛ بل تجتمع خدماتها في مكان واحد دون أن يضطر المواطن إلى مراجعة أكثر من وحدة حكومية.

12. الحكومة الإلكترونية:

يُقصد بها كما وصفتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية "استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا سيما الإنترنت للوصول إلى حكومة أفضل"، ولهذا الأسلوب ثلاثة أنماط؛ العمل داخل الإدارات الحكومية؛ أي بين مؤسسة حكومية ومؤسسة حكومية، والعمل بين الحكومة والمواطن، والعمل بين الحكومة وقطاع الأعمال الخاص.

في الختام:

إنَّ الانتقال نحو الإدارة العصرية يتجلى في تحسين جودة العمل الإداري والخدمات المقدمة وسرعة أدائها والحد من تدخل الفساد الإداري في إنجازها قدر المستطاع، ومن ثمَّ تخفيض تكاليفها إلى أدنى مستوى ممكن، ففي الحقيقة إنَّ التطوير في العمل الإداري والقيام بتبسيط إجراءات العمل الإداري يُعَدُّ انتقالاً من جيل إلى جيل في تقديم الخدمة العامة، ولا بد أن يترافق مع تدريب العاملين في كافة القطاعات كي يتمكنوا من التعامل مع هذه التغيرات واعتماد ثقافة العمل الجديدة في تقديم الخدمة العامة والتعامل مع المواطنين.




مقالات مرتبطة