بناء فريق العمل وإدارته

تنوعت المفاهيم الإدارية خلال السنوات الأخيرة نتيجة التطور الكبير الذي شهده الفكر الإداري، فأصبحنا نسمع بإدارة الجودة الشاملة، وتقييم الأداء، والإدارة الاستراتيجية، والرضى الوظيفي، وتدريب الموارد البشرية، وإعادة هندسة العمليات، وإدارة الموارد البشرية، وبناء فرق العمل، والكفاءة الإدارية، وغير ذلك من المفاهيم التي تهدف إلى تطوير وتحسين أداء المنظمات عامةً وأداء عامليها خاصةً؛ وذلك بهدف إحداث التوافق مع البيئة المحيطة بها لضمان استقرارها وتحقيق النمو وصولاً إلى نيل رضى العملاء وبالتأكيد رضى المجتمع الذي توجد فيه المنظمة وتعمل ضمنه.



في محاولة تحسين أدائها عملت المنظمات على تشكيل فرق عمل للابتعاد عن أسلوب تمركز السلطة والانفراد باتخاذ القرارات التي تقود إلى الروتين والنمطية في العمل وتعوق التجديد والابتكار والإبداع فيه؛ وذلك لأنَّ تجارب المنظمات مع فرق العمل بينت أنَّها تحقق مستويات عالية من الأداء وتزيد من تنافسية المؤسسة.

حالياً يُنظر إلى طريقة فرق العمل على أنَّها طريقة مؤثرة تأثيراً إيجابياً في سلوك الأفراد وتوحيد جهودهم وآرائهم في تحقيق المهام المحددة والموكلة إليهم والتي تحقق أهداف المنظمة بأفضل الطرائق وأيسرها وأقلها جهداً وهدراً للموارد المادية فيها.

أولاً: ما هو فريق العمل؟

عندما نقول فريقاً فهذا يعني وجود فردين أو أكثر ضمن تفاعل منظم لفترة زمنية محددة لتنفيذ اهتمام مشترك أو مهمة مشتركة وتحقيق أهداف مشتركة، كما يمكن أن نقول عن فريق إنَّه عبارة عن مجموعة من الأفراد من ذوي المهارات المتكاملة فيما بينهم ويجمع بينهم هدف أو مجموعة من الأهداف المشتركة، كما يشتركون في تحمُّل المسؤولية عن عمل الفريق.

أما بالنسبة إلى فريق العمل، فيرى كل من "خضير كاظم" و"مروان منير الشيخ" في كتابهما عن "إدارة الجودة في المنظمات المتميزة" بأنَّها جماعات يتم إنشاؤها داخل الهيكل التنظيمي لتحقيق هدف أو مهمة محددة تتطلب التنسيق والتفاعل والتكامل بين أعضاء الفريق، ويُعَدُّ أعضاء الفريق مسؤولين عن تحقيق هذه الأهداف، كما أنَّ هناك قدراً كبيراً من التمكين للفريق في اتخاذ القرارات.

كما يرى "محمد بن موسى" و"سليمان العمري" في دراستهما في جامعة "زیاني عاشور الجلفة" في "الجزائر" والتي حملت عنوان "دور فرق العمل في بناء المعرفة التنظيمية من وجهة نظر الأساتذة الجامعيين" أنَّ فريق العمل هو عبارة عن مجموعة من الأفراد لهم هدف محدد لإنجازه خلال فترة زمنية محددة، وفريق العمل يجب أن يشمل كافة الأفراد في المؤسسة، ولهم علاقة مباشرة بالعمل لما هو مخطط له، كما يجب أن يكمل أفراد الفريق بعضهم بعضاً من أجل إنجاز المهام المحددة بنجاح وتحقيق أهداف المؤسسة ككل.

وتجمع بين أعضاء الفريق مشاعر الانتماء والتوحد والالتزام لتحقيق هدف مشترك، فدون وجود هدف مشترك ينفرط العقد الذي يجمع بين أعضاء الفريق ويدفع كل فرد منهم للعمل حسب ما يرغب به ويراه مناسباً لنفسه ولأهدافه الشخصية؛ لذا يجب أن يتم بناء فريق العمل بالشكل الذي يشعر كل فرد منهم بأنَّه جزء لا يتجزأ من مجموعة تبذل قصارى جهدها لتذليل العقبات والوصول إلى حالة من التناغم والانسجام التام فيما بينها.

لكن من الهام معرفة أنَّ تحقيق الانسجام ضمن فريق العمل يأتي من خلال معرفة كل منهم للهدف المشترك الذي ينبغي عليهم تحقيقه ومعرفة المتوقع منهم كذلك.

شاهد: 6 نصائح لإدارة فرق العمل بشكل فعال

ثانياً: أهمية بناء فريق العمل

من المعروف أنَّ فريق العمل هو فريق مشاركة وليس فقط أشخاص يقومون بتنفيذ الأوامر التي يتلقونها، فتشكيل فرق العمل داخل المنظمات يعود بالفوائد الكبيرة عليها؛ إذ يؤدي دوراً فعالاً في توليد الأفكار المبدعة وتنفيذها، فاختلاف التخصصات العلمية والخبرات بين الأعضاء هو ما ينشئ جواً من الإبداع وتشجيع المبادرات وتقديم الاقتراحات واتخاذ القرارات الجماعية التي عادة ما تكون أكثر حكمة ووعياً من القرارات الفردية.

كما تعمل على إنشاء بيئة محفزة للعمل ومناخ مناسب يقلل شعور العاملين بالوحدة وإثارة نوع من الحماسة لدى الأفراد لحل مشكلاتهم والتخلص من كل ما يمكن أن يعوق عملهم وتقدمهم، وأكبر فائدة من فوائد بناء الفريق هي تحقيق الفائدة الأساسية وهي التعاون بين أعضاء المجموعة.

إنَّ شعورهم بالانتماء والرغبة في تحقيق الأهداف والنجاح معاً يدفعهم إلى مساندة بعضهم بعضاً، ويقلل من المنافسة الفردية وكذلك من مستوى الصراع بين الإدارة والعاملين، ويفتح الفرصة أمام توفير المعلومات عن كافة مفاصل العمل وتبادلها بحرية وبانسيابية وسهولة من الإدارة إلى الأعضاء وبالاتجاه المعاكس أيضاً؛ أي من الأعضاء إلى الإدارة.

ذلك لأنَّ الأعضاء الداخلين ضمن الفريق عندما يعملون معاً يدركون أنَّ التعاون وحده هو ما يحدد نجاح الفريق أو فشله؛ إذ يشعر الفريق بالفخر بأدائهم الجماعي الذي يمكن أن نستدل عليه من خلال قلة حالات الغياب والإهمال والكسل.

ثالثاً: المؤشرات التي تُظهر الحاجة إلى ضرورة بناء فريق عمل في أيَّة منظمة

  1. الزيادة في مستوى الهدر داخل المنظمة سواء المادية أم البشرية.
  2. ارتفاع حدة الشكاوى داخل المنظمة وفقدان الرضى الوظيفي للعاملين.
  3. تفشي الخلافات والمشكلات وزيادة حدة الصراع بين أفراد المنظمة سواء من العاملين في نفس المستوى التنظيمي أم العاملين في مستويات مختلفة وفقاً للتسلسل الإداري الهرمي.
  4. احتكار المعلومة وعَدُّ من يملكها يملك سلاحاً في وجه الآخر يستخدمه متى يريد.
  5. تشابك المهام وتنفيذها من قِبل أكثر من جهة داخل المنظمة.
  6. انتشار اللامبالاة بتحقيق أهداف المنظمة وفقدان الانتماء وضعف الولاء التنظيمي والالتزام.
  7. مقاومة التغيير الذي يمكن أن يحسن من أداء المنظمة بسبب شعور الفرد بالتهديد الذي يمكن أن يطال وجوده ومكانته داخل المنظمة.
  8. كثرة التساؤلات المتعلقة بعمل المنظمة وهدفها، وبعض تلك الأسئلة لا يغير في مسيرة العمل شيئاً؛ بل حتى يكون دون معنى.
  9. عدم رضى عملاء المنظمة عن الخدمات أو المنتجات التي تقدمها وانخفاض حصتها السوقية.

رابعاً: أشكال بناء فرق العمل

1. فرق العمل ذات الإدارة الذاتية:

يعطى للفريق هنا كامل الصلاحيات لإدارة نفسه وتحديد طريقة تحقيق أهدافه وتحديد الموارد التي سوف يستخدمها وكيفية تقسيمها وأسلوب استخدامها، بالإضافة إلى اختيار أفراده وتدريبهم، ويجب الانتباه إلى أنَّ هذا النوع من الفرق لا يوجد فيه قائد.

2. فرق العمل متعددة الوظائف:

يتم تكوين هذه الفرق من خلال اختبار الأفراد من مختلف الإدارات الموجودة داخل المنظمة بحيث يبقى اختصاص كل فرد ضمن المجال الذي يعمل به أساساً؛ إذ يتم التركيز على عنصر التخصص للاستفادة منه في مجال عمل الفريق.

3. فرق العمل الوظيفية:

هي عبارة عن فريق يضم مجموعة من الأفراد الموجودين لأداء وظيفة أو مهمة واحدة؛ إذ يعملون معاً حتى إنجازها.

4. فرق العمل الخاصة بالإدارة العليا:

هي من فرق العمل الدائمة التي يتم تشكيلها من المديرين وتكون بمنزلة حلقة الوصل بين المنظمة وبين البيئة الخارجية ومن أهم وظائفها: تحديد رؤية ورسالة المنظمة، ووضع الخطة الاستراتيجية للمنظمة، واتخاذ القرارات الاستراتيجية المصيرية، إضافة إلى تطوير فلسفة المنظمة بما يتلاءم مع البيئة المحيطة وتطورها.

5. فرق العمل الخاصة بحل المشكلات:

تتعرض المنظمات خلال قيامها بنشاطاتها وأعمالها للعديد من المشكلات التي يتطلب حلها تشكيل فرق عمل لدراسة المشكلة ووضع الحلول المتاحة أمام المنظمة لحل مشكلتها، وفي النهاية اتخاذ القرار المناسب وتسمى عادةً هذه الفرق بدوائر مراقبة الجودة.

خامساً: خطوات بناء فريق عمل

  1. تحديد الحاجة إلى فريق العمل؛ إذ يتم رصد مجموعة من المؤشرات داخل المنظمة - نسبة الهدر في الموارد، عدد الشكاوى، الرضى الوظيفي، رضى العملاء، الولاء التنظيمي، الالتزام - وغيرها من المؤشرات التي يستدعي وجودها أو وجود أحدها إلى ضرورة تشكيل فريق عمل.
  2. تحديد المهمة المتوقع إنجازها وتشكيل الفريق، وهنا يتم تحديد الحاجة الرئيسة للمنظمة والنتائج التي يجب أن يتم تحقيقها من القيام بهذه الوظيفة في النهاية، ومن ثم تشكيل الفريق المناسب لتحقيق المهمة.
  3. قيام فريق العمل بصياغة الرؤية المناسبة للمهمة الموكلة إليهم وتحديد الأهداف الفرعية للمهمة الرئيسة.
  4. تصميم خطوات العمل وتحديد معايير الأداء.
  5. توزيع المهام على أعضاء الفريق وتحديد الدور المنوط بكل منهم والتأكيد على الأداء الفعال.

بالنسبة إلى أسلوب الإدارة السائد في إدارة فريق العمل فهو أسلوب الإدارة التشاركي، الذي يتضمن تمكين أفراد المجموعة للعمل ضمن وحدة واحدة تتسم بالانسجام والجهود التعاونية والمهارات المتكاملة واتخاذ القرارات بالإجماع.

شاهد أيضاً: 6 أسباب وراء فشل فريق العمل

سادساً: سلوكات داعمة لعمل فريق العمل

1. الدعم:

يتضمن تأييد وجهة نظر العضو الآخر وتقديم الدعم له حتى لو كان هناك اختلاف في وجهات النظر.

2. المواجهة:

تتضمن الاعتراض على سلوكات أعضاء الفريق الآخرين عند قيامهم بسلوكات غير مرغوبة تجاه الأعضاء الآخرين كالسخرية من آرائهم.

إقرأ أيضاً: أسرار بناء فرق عمل عالية الأداء

3. حماية حق إبداء الرأي:

يجب أن يستمع كل عضو في الفريق لآراء الآخرين باهتمام والسماح لهم بالتعبير بحرية.

4. التنسيق:

محاولة تجميع نقاط الاتفاق بين أعضاء الفريق.

إقرأ أيضاً: سمات فريق العمل الناجح ومراحل إدارته

في الختام:

لقد زاد اهتمام الفكر الإداري الحديث بفرق العمل والطريقة الأنسب لبنائه؛ إذ احتلت هذه الفرق دوراً متزايداً يوماً بعد يوم في حياة المنظمات، وتهدف المنظمة من بناء فرق العمل إلى تحسين فاعلية عمل الجماعة وأداء أفرادها، وتخفيض المستويات الهرمية، وتخفيض التكاليف، وزيادة الأرباح، وتحسين العلاقات الداخلية بين العاملين في المنظمة، وتحقيق الانسجام والاندماج فيما بينهم، وكذلك تحسين العلاقات الخارجية مع العملاء، والاستمرار في التركيز على الحصول على رضى العميل في المقام الأول حتى تتأكد من نجاحها في عملها وتضمن بقاءها ونموها واستمرارها.

المصادر:

  1. إلهام سامي حمام و سامية تراحيب المهيدلي، الحقيبة التدريبية لمهارات بناء فرق العمل، 2012.
  2. حنينتي الزهراء، أثر بناء فريق عمل ناجح على أداء المؤسسة، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية، جامعة أحمد دراية، الجزائر، 2021.
  3. نزار أشريفة وعبد الحميد الخليل، إدارة فرق العمل، الجامعة الافتراضية السورية ،



مقالات مرتبطة