بماذا ستضحي لتجد السعادة؟

يُقال: "لن تعرف قيمة ما لديك حتى تفقده"؛ لقد تعلمتُ أنَّ هذه العبارة يمكن أن تكون ذات صلة كبيرة ببحثنا عن السعادة، وأصعب شيء في أن تكون سعيداً هو أن تكون قادراً على تحديد الإجراءات التي اتخذتها للوصول إليها أو الأشياء التي جلبت لك السعادة، وبصراحة غالباً ما لا أستطيع تحديد الأشياء في حياتي التي جعلتني سعيدةً حقاً حتى أكون في موقف يتعين عليَّ التضحية للاحتفاظ بها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة ريبيكا أنهالت (Rebecca Anhalt)، وتُحدِّثنا فيه عن الأمور التي نحن على استعداد للتضحية بها لإيجاد السعادة.

فالتضحية هي التنازل عن شيء مرغوب فيه من أجل شيء آخر يعد أكثر أهمية، ويعيد هذا المصطلح إلى ذهني المرة الأولى التي واجهت فيها قراراً صعباً بشأن سعادتي وتضحياتي في وقت كنت صغيرةً جداً، ويملؤني الغضب والانزعاج من العالم في سن المراهقة؛ فعندما كان عمري خمسة عشر عاماً لم يكن والداي يعيشان معاً، وتزوَّج والدي مرة أخرى، وكان يعيش في مدينة أخرى بعيدة عن التي تعيش فيها أمي، وأنا مثل جميع الفتيات المراهقات، ظننت أنَّ والدتي كانت امرأة قاسية، ولا تطاق تعاملني مثل طفل على الرَّغم من نضجي الواضح، وكنت أرغب بشدة في الابتعاد عن المنزل في اللحظة التي بلغت فيها السادسة عشرة من عمري؛ لأنَّني عندها سأكون سعيدةً فقط.

شاهد بالفيديو: 20 قيمة في الحياة تقودك إلى السعادة والنجاح

الاستعداد لتقديم تنازلات:

في صباح أحد أيام السبت، وبينما كنت جالسةً في فناء منزل والدي أخبرته عن خطتي؛ وهي أنَّني سأستأجر شقة خاصة بي عندما أبلغ السادسة عشرة، وسأعمل بدوام جزئي عندما أنهي دراستي الثانوية، ثم سأحصل على منحة دراسية للذهاب إلى الجامعة، وكان ردُّه هو الرد نفسه الذي تلقيته منه في كلِّ مرة ألقيت فيه عليه كمية ضخمة من المعلومات بشكل غير متوقع، وكلُّ ما حصلت عليه هو كلمة "حسناً".

بعد أن بدا أنَّه استوعب ما قلته له، قال: "حسناً، ما هي خطتك؟" فقد كان أبي رجلاً يحب التفاصيل عندما يتعلق الأمر بالخطط؛ لذلك أراد مساعدتي على تكوين صورة أوضح بكثير لنياتي، فأبعدَ القهوة التي كان يحتسيها جانباً، وأخرج دفتر ملاحظاته، وبدأنا في تحديد كلِّ ما أحتاجه للعيش وحيدة.

أدرج الأثاث والأطباق ومستلزمات الطبخ والمناشف والفراش، وأضاف أشياء لم أفكر فيها، مثل دفع ثمن المرافق والبقالة واللوازم المدرسية والملابس الخاصة بي، وبعد أن حصَّل نفقاتي الشهرية التي كانت ضخمة بالنسبة إلي في ذلك الوقت، حسب عدد الساعات التي سأحتاجها في الأسبوع للعمل بأجر أدنى من أجل العيش وحيدة.

أتذكر أنَّني صُدمت من عدد الساعات التي سأضطر إلى العمل فيها، فقد كنت مراهقة نشطة للغاية، ولقد شاركت في عديد من الجوقات، وكنت أمارس رياضة البيسبول، وعضواً نشطاً في النشاطات اللاصفية، وكنت أعلم أنَّني لا أستطيع إدارة كلِّ هذه النشاطات، إضافة إلى قضاء الوقت مع الأصدقاء، والحفاظ على درجاتي الدراسية الممتازة.

ثم سألني والدي سؤالاً واحداً سهلاً: "هل أنتِ على استعداد للتخلي عن كلِّ ذلك لتعيشي وحيدة؟"، ومن الواضح أنَّه يعرف الإجابة، فقد كان يعرف الإجابة قبل أن يضع قهوته جانباً، والحقيقة هي أنَّ كلَّ نشاطاتي جعلتني سعيدةً جداً، وكرهت فكرة فقدانها، لكن كان عليَّ التخلي عن فكرة الخروج من أجل الحفاظ على هذه الأشياء؛ فالسعادة لا تتعلق بالحصول على كلِّ شيء؛ بل السعادة لا تتحقق طوال الوقت، وليس من الواقعي توقع أنَّ العالم سيكون مثالياً كلَّ ثانية من كلِّ يوم، ولقد تعلمت أن أكون سعيدةً حقاً، فأنت بحاجة إلى التضحية ببعض الأشياء من أجل الحفاظ على الأشياء التي تجلب لك السعادة، وتثري حياتك.

إقرأ أيضاً: ما هي فلسفة السعادة البسيطة عند أبيقور؟

في الختام:

لكي نكون سعداء علينا أن ننظر إلى الصورة الكبيرة لحياتنا بدلاً من التركيز على الأشياء الصغيرة المزعجة التي نمر بها في يومنا، ولكي نكون سعداء يجب أن نكون ممتنين لما لدينا بدلاً من النظر إلى ما ليس لدينا؛ فعندما كنت في الخامسة عشرة من عمري كان لدي أم آوتني وحمتني، ودفعت مقابل كلِّ نشاطاتي المجنونة، وكان لدي أب ساعدني في السماح لي باتخاذ قرار صعب بنفسي بدلاً من مجرد إخباري بأنَّه مغلوط؛ فعندما كنت في الخامسة عشرة من عمري كان لدي كلُّ الأسباب لأكون سعيدةً.

المصدر




مقالات مرتبطة