اليرقان عند حديثي الولادة: أسبابه، وأضراره، وطرق علاجه

اليرقان ظاهرة هامة كثيرة التصادف عند الوليد وهي اصطباغ اللحف والنسج بلون أصفر نتيجة تلوُّنها بالبيلروبين ومشتقاته. لذلك سنحاول في هذا المقال أن نعطيكم أهم وأبسط المعلومات حول اليرقان، متى يجب أن نقلق حيال هذا اليرقان، ومتى يجب علينا استشارة الطبيب المختص.



اليرقان الظاهري يلاحظ عند 50-65% من حديثي الولادة ويترافق ذلك مع ارتفاع البيلروبين الكلي أعلى من 6 مغ/دل خلال الأسبوع الأول من الحياة.

عند حديثي الولادة يلاحظ عوز في العوامل المضادة للأكسدة، مثل: فيتامين E، خميرة الكاتالاز، فوق أكاسيد الديسمولاز؛ مما يساعد على ظهور اليرقان.

عند الخدج يلاحظ في حوالي 10% من الحالات.

هل اليرقان مضر أم مفيد؟

غالباً فرط البيلروبين يكون أمراً سليماً عند الولدان خاصةً أنَّ البيلروبين يُعَدُّ عاملاً فعَّالاً مضاداً للأكسدة فهو يحمي الوليد من التسمم بالأوكسجين في الأسبوع الأول من الحياة.

إلا أنَّ الارتفاع الشديد في البيلروبين غير المباشر يشكل خطر السمية العصبية عند 8-10% من الولدان؛ حيث يرتفع البيلروبين أكثر من 17 مغ/ دل وعند 2% منهم أكثر من 20%.

لمحة حول استقلاب البيليروبين:

يتكون البيلروبين نتيجة استقلاب الهيم الناتج عن تحطُّم الكريات الحمر والهيم الحر بحيث كل 1غ هيم ينتج عنه 34 ملغ من البيلروبين في الجملة الشبكية الاندوتيليائية التي تتخرب فيها الكريات وهي موجودة في الكبد والطحال.

يتشكل بذلك البيلروبين غير المباشر - وهو ذواب بالدسم ويصبغ الجلد بلون أصفر برتقالي نارنجي - وينتقل في البلاسما مرتبطاً بالألبومين، وأقل من 1% منه يكون حراً، هو الذي يستطيع اجتياز الحاجز الوعائي السحائي.

عندما يصل البيلروبين غير المباشر إلى الكبد يترك الألبومين ليرتبط ببروتين آخر في الخلية الكبدية هو Ligandin حيث ينقلانه عبر الخلية الكبدية إلى الشبكة الهيولية وهناك يتحد بالحمض الغلوكوروني بمساعدة الخمائر الكبدية، ويتحول إلى بيلروبين مباشر - ذواب بالماء ويصبغ النسج بلون أصفر مخضر - ثمَّ يخرج إلى الطرق الصفراوية ثمَّ إلى الأمعاء ويتحول إلى أوروبيلين وستركوبيلين ويُطرَح عن طريق الكلية والأمعاء.

ما هي آلية حدوث اليرقان؟

ينجم اليرقان الناتج عن فرط البيلروبين غير المباشر (المقترن) بسبب عوامل عدة مثل:

1. زيادة كمية البيلروبين اللازم استقلابها في الكبد كما في:

  • فاقات الدم الانحلالية.
  • قصر عمر الكريات الحمراء الناجم عن عدم نضجها أو كريات الدم المنقولة.
  • زيادة الدورة الكبدية المعوية.
  • الإنتان.

2. أذية أو نقص فاعلية الأنزيم الناقل (ترانسفراز) مثل:

  • خلل مورثي.
  • نقص أكسجة.
  • إنتان.
  • انخفاض حرارة.
  • قصور درق.

3. منافسة أو حصر عمليات نقل الأنزيم عند تناول:

  • الأدوية.
  • مواد أخرى تستلزم الارتباط مع الحمض الغلوكوروني كي تطرح.

4. غياب أو تناقص كميات الأنزيم في قبط البيلروبين بواسطة الخلايا الكبدية كما في:

  • الاضطرابات الصبغية.
  • الخداج.
إقرأ أيضاً: 6 معلومات لاتعرفها عن الأطفال حديثي الولادة

ما هي الأمراض التي تؤدي إلى حدوث اليرقان عند طفلك؟

1. اليرقان الذي يظهر أول 24 ساعة أو عند الولادة يجب أن يلفت انتباهاً خاصاً، وقد يكون ناجماً عن:

  • كثرة الأرومات الحمر الجنينية.
  • اليرقان الناتج عن تنافر الـ RH.
  • نزف خفي.
  • الإصابة بالحمى المضخمة للخلايا CMV.
  • الحصبة.
  • الإنتان الخلقي بالمقوسات.

2. اليرقان الذي يظهر خلال اليومين الثاني والثالث من العمر غالباً يكون فيزيولوجياً ولكن أحياناً يكون أكثر شدةً، ويمكن أن يكون في:

  • اليرقان العائلي غير الانحلالي (متلازمة كريغلر- نجار).
  • يرقان الإرضاع الوالدي باكر البدء.

3. اليرقان الذي يحدث في نهاية الأسبوع الأول:

  • إنتان جرثومي.
  • السفلس وباقي إنتانات داخل الرحم.
  • إنتان فيروسي.

ما هي الأمور التي تزيد من خطورة اليرقان على طفلك؟

تزداد خطورة اليرقان عندما تزداد التأثيرات السمية لارتفاع البيلروبين غير المقترن في المصل للأسباب التالية:

1. يتأثر بالعوامل التي تنقص احتباس البيلروبين في الدوران كما في:

  • نقص بروتينات الدم.
  • إزاحة البيلروبين من مواقع ارتباطه على الألبومين بالارتباط التنافسي لبعض الأدوية مثل Sulfisoxasol.
  • الحماض.
  • زيادة تركيز الحموض الدسمة الحرة التالية لنقص سكر الدم.
  • انخفاض الحرارة.

2. العوامل التي تزيد من نفوذية الحاجز الوعائي الدماغي أو غشاء الخلايا العصبية للبيلروبين أو قابلية الخلايا الدماغية للأذية ومنها:

  • نقص الأكسجة.
  • فرط الحلولية.
  • الخداجة.
  • الإنتان.

كيف يظهر اليرقان عند طفلك؟

يبدأ اليرقان في الوجه ويمكن أن يظهر بعد الولادة بساعات حسب السبب ثمَّ يمتد إلى البطن ثمَّ إلى الطرفين السفليين، إذا أصيب الوجه، فإنَّ البيليروبين يساوي تقريباً: 5 مغ /دل، منتصف البطن: 15 مغ /دل، الأخمصين: 20 مغ /دل.

لكنَّ هذه الأرقام تقريبية ولا تعكس دائماً الرقم الحقيقي للبيلروبين، لذلك لا بُدَّ من المعايرة المخبرية خشية الوقوع في أخطاء كبيرة.

ما هي خطورة اليرقان؟

تكمن خطورة اليرقان في إمكان حدوث اعتلال الدماغ بفرط البيلروبين، إذا تجاوز 20 مغ /دل عندما لم يَعُد يتوافر له ألبومين في المصل ليرتبط به، وهذا يمكن أن يؤدي إلى أذية دماغية تتظاهر سريرياً بما يلي:

  • خبل.
  • رفض أو ضعف رضاعة.
  • غياب منعكس مورو والمنعكسات الوترية.
  • اضطراب تنفسي مركزي.
  • تشنج الأطراف بوضعية الانبساط.
  • بكاء حاد عالي الطبقة.
  • اختلاجات.
  • الوفاة في الحالات الشديدة.
  • من الناحية التشريحية: يحصل تلف دماغي أشده في نويات الدماغ؛ حيث تكون ملونة بالبيلروبين؛ مما دعا إلى تسمية هذه الإصابة باليرقان النووي.

شاهد بالفديو: كيف يتم العناية بالطفل حديث الولادة؟

ما هو اليرقان السليم؟

ويسمى اليرقان الفيزيولوجي؛ حيث يلاحظ عند 60% من الولدان و80% من الخدج تقريباً، ويلاحظ أكثر في اليومين الثاني والثالث من العمر، ويزول بين اليومين الخامس والسابع.

ويكون على حساب البيلروبين غير المباشر ونادراً ما يتجاوز الـ 12% مغ من المصل عند الوليد بتمام الحمل، أما عند الخديج فإنَّ ارتفاع البيلروبين عندهم يكون بطيئاً، إلا أنَّه أكثر ارتفاعاً، كما أنَّه يتأخر بالزوال.

أساس اليرقان الفيزيولوجي يكون عادةً النقص العابر في خميرة الغلوكورونيل ترانسفيراز عند الوليد وخاصةً الخديج، بالإضافة إلى زيادة البيلروبين الوارد إلى الكبد نتيجةَ زيادة كتلة الكريات الحمراء ونقص وسطي عمر الكرية الحمراء عند الوليد، وبالإضافة إلى نقص جراثيم الأمعاء.

يعود البيلروبين إلى مستواه الطبيعي في اليوم 10 -14.

يشخص اليرقان السليم بنفي الأسباب المرضية المعروفة: القصة، السير السريري، التحاليل المخبرية.

متى يتحول اليرقان السليم إلى يرقان خطير؟

يثير اليرقان السليم قلقنا في الحالات التالية:

  • ظهور اليرقان خلال 24 - 36 ساعة الأولى من الحياة.
  • ارتفاع البيلروبين بمعدل أسرع من 5 مغ /دل /24 ساعة.
  • إذا كان بيلروبين المصل أعلى من 12 مغ /دل عند الوليد مكتمل النمو أو 10-14 مغ /دل عند الخدج.
  • استمرار اليرقان لما بعد الأيام 10-14 من الحياة.
  • ارتفاع سوية البيلروبين المباشر إلى أكثر من 2 مغ /دل في أي وقت.

هناك أسباب أخرى تقترح وجود يرقان غير سليم:

  • وجود قصة عائلية لداء انحلالي.
  • شحوب.
  • ضخامة كبدية أو طحالية.
  • فشل المعالجة الضوئية في إنقاص سويات البيلروبين.
  • التقيؤ، ضعف الرضاعة.
  • نقص الوزن الشديد.
  • توقُّف التنفس.
  • بطء القلب.
  • اضطراب العلامات الحيوية بما في ذلك هبوط الحرارة.
  • براز شاحب اللون.
  • لون بول غامق.
  • علامات اليرقان النووي.

ما هي العلاجات المتاحة لليرقان؟

الهدف من هذه العلاجات هو منع تراكيز البيلروبين غير المباشر من الوصول إلى السويات السامة عصبياً، ومن أجل ذلك تستخدم طرائق علاجية عدَّة منها:

1. المعالجة الضوئية:

  • تستخدم أطياف مختلفة وخاصة الأزرق من 420 -470 نانومتر.
  • تطبق المعالجة الضوئية تطبيقاً مستمراً ويقلب الطفل بشكل متكرر وحالياً تستخدم "الغواصة"؛ أي الجهاز الذي يؤمِّن وصول الضوء من الجهات كافةً.
  • يتم تغطية العيون للوقاية من أذية الضوء.
  • يراقب مستوى البيلروبين كل 4-8 ساعات مع الهيماتوكريت حتى يصل إلى المستوى الآمن.
  • يؤدي استخدام المعالجة الضوئية إلى طرح البيلروبين غير المباشر عن طريق الطرق الصفراوية والأمعاء والكلى.
إقرأ أيضاً: 5 عوارض صحيّة طبيعيّة يُصاب بها الطفل بعد الولادة

يحمل العلاج الضوئي لليرقان اختلاطات ومضاعفات منها:

  • طراوة البراز.
  • طفح حمامي لطخي.
  • طفح نمشي.
  • حمى وتجفاف.
  • متلازمة الطفل البرونزي وقد يستمر لأشهر عدَّة.

2. المعالجة بالفيتوباربتال:

  • تسبب تنشيط خميرة غلوكورونيل ترانسفير كما تنشط النقل عبر الشبكة الهيولية للخلية الكبدية وتساعد على زيادة الطرح بالصفراء.
  • التحسن يبدأ عادةً بعد مرور أيام على تطبيقه.
  • يفيد في النوع القاهر لحالات كريغلر- نجار.

3. إعطاء الألبومين:

يستهدف ربط الجزء الحر من البيلروبين غير المباشر، ويمكن أن يستعمل قبل تبديل الدم بشرط عدم وجود فرط حمل دوراني.

4. تبديل الدم:

  • يتم تبديل الدم عند الوليد بدم آخر موافق بالزمرة الدموية وسلبي الـ Rh بحال زمرة الأم (O).
  • يفضل أن يكون الدم (O) سلبي.
  • يجري التبديل عن طريق قثطرة تدخل عن طريق الوريد السري وإذا تعذر ذلك، فعن طريق أحد الأوردة الأخرى مثل الصافن الأنسي.
  • يكرر التبديل مراتٍ عدَّة إذا تطلَّب الأمر.
  • يستخدم الدم الطازج.

في الختام:

نرجو أن نكون قد أعطيناكم أفكاراً هامة حول اليرقان عند حديثي الولادة، وتظاهراته وطرائق علاجه؛ حيث إنَّ فهمكم لهذه الأمور يساعد في طلبكم لاستشارة الطبيب المختص في الوقت المناسب، ويمنح الطبيب الراحة عند اتخاذ أي إجراء طبي في ظل تفهُّم الأهل للحالة المرضية.




مقالات مرتبطة