الودائع المصرفية: أنواعها، وأهميتها، وحكمها في الإسلام

للودائع المصرفية أهمية بالغة ومهمة للمصارف، حيث تعود عليها بالمنفعة المادية من خلال تمويل مشاريع تلك المصارف واستثمارها، وبالتالي جني الأرباح منها. تشكلت المصارف عندما كان الصيارفة يضعون الطاولات على شواطئ إيطاليا حيث كانت تَكثر التعاملات المالية هناك بسبب البواخر والشحن المستمر، إذ كانوا يسمون هؤلاء الأشخاص الذين يجلسون على طاولاتهم "بانكوك" ومنها نشأت تسمية البنك.



سنتحدث في مقالنا هذا عن ماهية الودائع، وعن أنواع الودائع المتوفرة في المصارف، كما سنذكر أهميتها بالتفصيل، ونعرف القارئ بحكم الشريعة الإسلامية فيها.

الودائع المصرفية:

يُمكن القول إنَّ الودائع البنكية هي تلك المبالغ التي تُحفظ من خلال إيداعها في المصرف لمدة معينة يتفق عليها الطرفان وهما المودِع والمصرف، وقد تكون المدة مفتوحة ويُسحب المبلغ عند الطلب؛ ولكن بإخطار البنك قبل فترة قصيرة.

تتم هذه الأمور كما ذكرنا بحسب العقد المُبرم بين الطرفين وما تم الاتفاق عليه، ويكون الهدف الأساسي من عملية الإيداع في المصرف هو حفظ المال أو استثماره بشكل يضمن عائداً يُدَرُّ على المودع بشكل شهري أو حسب الاتفاق المُبرم، والذي قد يكون بإضافة المبلغ إلى رأس المال وإعادة استثماره من جديد (الفائدة المُركبة).

إذاً يُمكن القول: إنَّه التزام مستحق على المصرف تجاه الأشخاص المودعين وبهذا تصبح الأموال أحد أصول البنك وذلك من خلال العقد المُبرم عن تنازل الأشخاص عن ملكيته النقدية؛ ولكنَّه يبقى التزاماً مستحقاً على المصرف، أي أنَّ هناك أموال تودع من قبل الأشخاص عند الطرف الثاني؛ ألا وهو المصرف الذي يقوم بدوره في التوجه إلى الاستثمار.

وهناك أنواع كثيرة للودائع سنتحدث عنها حديثاً مفصلاً في مقالنا هذا، منها الودائع الجارية وودائع التوفير والودائع الثابتة والمُكررة.

أنواع الودائع البنكية:

تتفرع الودائع لعدة أنواع تحت مُسمى نوع الحساب ومنها:

1. الحساب الجاري:

يوضع من قبل الأشخاص الذين يريدون سحب الأموال بوقت الحاجة ولكن لا يحددون المدة، لذلك يُسمى أيضاً بالإيداع تحت الطلب، ويُسمح لأصحاب الحساب الجاري سحب الأموال من خلال البطاقات المصرفية أو الشيكات لجعل سهولة حصول المودع أسهل كونه لا يعلم متى يحتاج المال.

في الغالب لا تُعطى فائدة للمودع في مثل هذه الحسابات كونه قد يسحب الأموال في اليوم التالي من عملية الإيداع، وكذلك تُحتسب رسوم شهرية على هذه الحسابات، وفي عملية التحويل أيضاً تُدفع الرسوم، ولكن تختلف بعض المصارف في طريقة احتسابها؛ ففي بعض الأحيان تُحتسب فائدة لهم على أساس يومي، حيث تعتمد في مثل هذه الأمور على سياسة المصرف في طريقة الحساب الجاري.

2. حساب التوفير:

تأتي فائدة حساب التوفير للأشخاص الذين يحبون الادخار، حيث إنَّهم يقومون بوضع الودائع في حساب التوفير في مُقابل نسبة معينة من الفوائد، وتُسحب الأموال بطلب يقدم إلى إدارة البنك أو من خلال الشيكات والبطاقات المصرفية.

3. الإيداع تحت الطلب:

تجمع الإيداعات تحت الطلب بين ميزات الحساب الجاري وحساب التوفير، وذلك من خلال سهولة السحب وبالمقابل الحصول على فوائد، لذلك يرغب الكثير من الأشخاص بفتح حساب من هذا النوع كونه يسمح لهم بالسحب متى ما دعت الحاجة وكذلك احتساب فائدة لهم.

4. الودائع الآجلة:

وهي ودائع لا يسمح المصرف بسحب الأموال إلَّا بانتهاء الفترة المتفق عليها، وتكون فترة الوديعة من أسبوع إلى 10 سنوات بحسب اتفاق الطرفين، ويكون العائد من هذا النوع من الودائع بنسبة أعلى من الأنواع الأخرى.

إقرأ أيضاً: دليل المبتدئين للتَّعريف بأنواع الأصول المالية

أهمية الودائع المصرفية:

تُعدُّ من أهم الموارد الأساسية للمصرف، حيث تُستَخدَم في أغراض عدة، مثل الاستثمار وعملية الإقراض، كما أنَّها تُفيد في تسهيل العمليات المصرفية، وفي عدة نقاط منها:

  1. توجيه الأموال والمدخرات إلى قنوات استثمارية تعزز الإنتاج وتزيد من رأس المال، وبالتالي تنعش اقتصاد الدولة.
  2. تفيد الودائع المصارف أكثر بكثير من الاحتياطات ورأس المال كونه لا يُمكن استثمارها في مشاريع تدر الأرباح.
  3. تفيد الودائع في تقليل الاستهلاك، ممَّا يؤدي إلى الاستقرار النقدي على مستوى الدولة بسبب تقليل نسبة التضخم والذي بدوره يؤدي إلى التنمية الاقتصادية.
  4. تعد عملية الإيداع بحد ذاتها خدمة تُقدَّم للأفراد.
  5. إنَّ الودائع تُفيد في التوزيع العادل والمدروس للموارد المالية على المشاريع التي تُستثمَر بها، وكذلك تفيد في تنوع المشاريع التي تمولها المصارف؛ ممَّا يؤدي إلى توزيع المخاطر والتقليل منها.
  6. تسهل عملية الدفع بين الأشخاص من خلال التحويل السريع وخصوصاً خارج حدود الدولة؛ إذ يُمكنك الدفع وأنت في بلدك لأيِّ بلد أخر مقابل خدمة ما أو منتج معين اشتريته.
  7. توفر الودائع عائداً جيداً للمودعين ممَّا يحقق لهم الاستقرار المادي.

الودائع المصرفية وحكمها في الإسلام:

يُمكن تعريف الوديعة اصطلاحاً بأنَّه ما يُترك برسم الأمانة للغير من أجل حفظه مع عدم وجوب التصرف به، كوضع مبلغ معين لدى أحد الأقارب لمدة معينة أو لحين الطلب، أو وضعها في الأمانات لدى إحدى المؤسسات، ومنها المصارف التي تدعم وجود صناديق للأمانات.

أمَّا فيما يخص الودائع المصرفية فهي تختلف عمَّا ذُكر في أول الفقرة كونها لا تحفظ المال دون التصرف به بل يتم التصرف به وتشغيله بمقابل مادي ثابت، أمَّا ما يخص الحُكم فهناك نوعان من الحسابات ولكل نوع حالة خاصة وهي:

الحسابات الجارية أو الوديعة غير الاستثمارية؛ وهي لا تدخل في عملية الاستثمار؛ حيث يقوم العميل بوضع المال بغرض استرداده كله أو جزء منه متى شاء دون الحصول على ربح أو فوائد، وقد أجاز العلماء مثل هذه التعاملات، ولكن في حال كان المصرف يتعامل في الربا فإنَّ التعامل هنا يصبح محرماً، كونه يحصل على فائدة كبيرة من خلال تقوية مركزه المالي على أساس مزاولة الأنشطة المُحرمة وهي الربا، ومع ذلك قد أجاز بعض العلماء في حال خلُّو المنطقة الجغرافية من المصارف الإسلامية في حفظ المال في المصارف الربوية، ولكن دون الحصول على فائدة.

أمَّا النوع الثاني من الودائع فهي الودائع الاستثمارية وذلك من خلال وضع المال في المصرف مقابل حصوله على الأرباح وهناك صورتان منها المُحرم ومنها الجائز، وهي كالتالي:

1. الصورة الجائزة: فهي تلك الصورة التي تكون على أساس عقد مُبرم بين الطرفين ويكون هذا العقد هو عقد مضاربة، والمقصود هنا بالمضاربة أن يستثمر البنك هذه الأموال في مشاريع غير محرمة وشرعية مقابل نسبة معينة من الأرباح ولكن بشروط معينة، منها:

  1. أن تُستثمَر الأموال من قِبل المصرف في مشاريع غير مُحرمة، مثل المشاريع السكنية والنافعة للمجتمع، وليس المشاريع التي تكون مُحرمة، مثل تجارة الخمر، أو دور السينما.
  2. إنَّ المودع شريك في الأرباح والخسائر، ولا يشترط عند خسارة المصرف أن يُرد رأس المال إلى المودع، وفي هذه الحالة يكون المودع شريكاً في الأرباح فقط.
  3. أن تُحدَّد النسبة قبل بداية المضاربة وتكون النسبة على أساس الربح وليس رأس المال، وفي حال كانت النسب مجهولة لكلا الطرفين يصبح محرماً وغير جائز.

2. الصور التي حُرِّم الإيداع فيها: فهي كالتالي:

  1. في حال كان رأس المال مضموناً بنسبة 100% ويحصل المودع على فائدة ثابتة تقدر بنسبة معينة، يعد ربوي ومحرم التعامل فيه.
  2. أن تُستثمر الأموال في مشاريع محرمة في الشريعة الإسلامية كتجارة لحم الخنزير أو الخمور أو دور السينما كما ذكرنا سابقاً.

وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ما يلي :

أولاً: الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أم البنوك الربوية هي قروض بالمنظور الفقهي؛  حيث إنَّ المصرف المتسلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها؛ وهو ملزم شرعاً بالرد عند الطلب، ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك (المقترِض) مليئاً.

ثانياً: إنَّ الودائع المصرفية تنقسم إلى نوعين بحسب واقع التعامل المصرفي:

  1. الودائع التي تدفع لها فوائد، كما هو الحال في البنوك الربوية، وهي قروض ربوية محرمة، سواء أكانت من نوع الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية)، أم الودائع لأجل، أم الودائع بإشعار، أم حسابات التوفير.
  2. الودائع التي تسلم للبنوك الملتزمة فعلياً بأحكام الشريعة الإسلامية بعقد استثمار على حصة من الربح هي رأس مال مضاربة، وتنطبق عليها أحكام المضاربة (القراض) في الفقه الإسلامي التي منها عدم جواز ضمان المضارب (البنك) لرأس مال المضاربة.
إقرأ أيضاً: التأمين: أنواعه، وأهم فوائده

يُمكن القول: إنَّ الودائع تعد ذات أهمية بالنسبة للمصارف وكما ذكرنا تعد من أهم الأصول التي يعتمد عليها المصرف في استثماراته، وكذلك له فائدة للمودعين أصحاب الدخل المحدود، ولكن من النظرة الشرعية، فهذا يعد ربا ومحرم على كُل مسلم.

تحدثنا في مقالنا هذا عن الودائع المصرفية وأهميتها بالنسبة للمصارف والمودعين، وما هي أنواع الودائع والحسابات التي يتم فتحها، ولكل نوع خاصية معينة تختلف عن النوع الآخر، كما تكلمنا في نهاية المقال عن النظرة الشرعية للودائع وما هي الشروط التي يجب أن تتوافر في الوديعة كي تكون مجازة ومشروعة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة