الوجه الإيجابي للتسويف: كيف تستخدمه لزيادة إنتاجيتك؟

المشكلة: نعتقد عادةً أنَّ التسويف أمرٌ سيئ بطبيعته، ولذلك نشعر بالخجل عندما نقع في مشكلة التسويف.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "تايلر تيرفورين" (Tyler Tervooren)، ويتحدَّث فيه عن كيفية تحويل التسويف إلى محفِّز لرفع الإنتاجية.

الحل: التسويف المدروس سيجعلك أكثر إنتاجيةً وسعادةً؛ لذلك عليك ألَّا تخجل منه

لقد تبقى أسبوعان فقط قبل أن يبدأ الماراثون في اليونان (Greece)، ولم أكن بعد قد حصلت على تذكرة السفر، ثمَّ وجدت أنَّه لم يتبقَّ سوى يومين، ومع ذلك لم أكن قد اشتريت حذاءً رياضياً جديداً، ثمَّ قبل ساعتين من الرحلة لم أكن بعد قد حزمت حقيبتي، ومع كل ذلك، حصلت على تذكرة، ولم أكترث بشأن الحذاء، ووضَّبت أمتعتي دون أن أنسى شيئاً، واستمعت برحلة رائعة.

لقد أنجزت هذا المقال بطريقة مشابهة؛ إذ كتبته بسرعة ونشرته قبل الموعد النهائي، ومع ذلك فأنا أعتقد أنَّه مقال جيد.

خلال الحياة، يبدو أنَّ هناك عدة أشياء تندرج ضمن إحدى الفئتين:

  1. شيء يعتقد جميع الناس أنَّه جيد، لكنَّه في الواقع سيئ.
  2. شيء يعتقد جميع الناس أنَّه سيئ، لكنَّه في الواقع جيد.

يندرج التسويف ضمن الفئة الثانية؛ إذ نكره التسويف، ونبذل كثيراً من الوقت والمال لتعلُّم كيفية التخلُّص من هذه العادة.

يكفي أن تُجري بحثاً في موقع "أمازون" (Amazon) لتحصل على 1546 نتيجة، علماً أنَّ أيَّاًَ من هذه النتائج لا يقدِّم لك شيئاً جديداً عن التسويف، ولطالما كان التسويف أمراً مكروهاً بالنسبة إلينا، وخلال عصور طويلة من المحاولات لم نتمكَّن بعد من التغلُّب على هذه العادة، لكن ماذا لو كُنَّا نبدِّد جهودنا في المسار الخاطئ، بمعنى أنَّه قد يكون التسويف أمراً مساعداً وليس ضاراً بالضرورة.

ما يجب أن تعرفه عن حقيقة التسويف:

إذا كان التسويف أمراً سيئاً جداً، فلماذا نحبه؟ ولماذا تحتقره ثقافة المجتمع، مع أنَّنا بصفتنا أفراداً لا نعتقد أنَّه بهذا السوء؟

أنا شخصياً، استطلعتُ آراء أصدقائي على موقع "تويتر" (Twitter) من تغريدة كتبت فيها "هل التسويف أمر سيئ دائماً؟"، وكانت الإجابات بالنفي كثيرة، ودافعَ كثيرون منهم عن التسويف.

صحيح أنَّ تويتر وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي يعدُّ من الأدوات التي تشجِّع على التسويف، وقد لا يكون مصدراً موثوقاً للحصول على إجابات غير منحازة، لكن في نهاية المطاف ما رأيته هو إجابات أشخاص حقيقيين مثلنا تماماً.

لكن إذا أردنا مصدراً أكثر مصداقية، فلا يمكننا تجاهل الدراسات العملية؛ إذ أجرت "جامعة كولومبيا" (Columbia University) دراسة وجدت فيها أنَّ الطلاب المسوِّفين غالباً ما يشعرون بنفس المقدار من الرضى، ولديهم أيضاً نفس الشعور بالحافز، وينجزون نفس المقدار من العمل الذي ينجزه الطلاب غير المسوِّفين، وذلك بخلاف ما كان متوقعاً.

كيف تفهم نتائج هذه الدراسة؟

لم تؤكد نتائج الدراسة على أنَّ الأشخاص المسوِّفين هم مثل الأشخاص غير المسوِّفين، بل ما توصَّلت إليه هو أنَّ هناك نوعين مختلفين من التسويف، تسويف إيجابي وتسويف سلبي، ونوع التسويف الذي لديك هو المسؤول بنسبة كبيرة جداً عن مدى شعورك بالرضى عن حياتك وعملك.

الفرق بين المسوِّف الإيجابي والمسوِّف السلبي:

الفرق الأساسي بين المسوِّفين السلبيين والإيجابيين، أنَّ الإيجابيين يقومون بتأجيل أشياء من أجل متابعة أشياء أخرى يرون أنَّها بذات الأهمية، ولكنَّها أكثر إلحاحاً من حيث الوقت، وعندما يقترب الموعد النهائي فإنَّهم يقدِّمون أداءً استثنائياً، وينجزون المهمة قبل انتهاء الوقت؛ في حين يؤجِّل المسوِّفون السلبيون دون وجود ترتيب للأولويات، وعندما يجدون أنَّه لا مفر من خوض التجربة أو الفشل فإنَّهم غالباً ما يختارون الفشل.

هذا يعني أنَّ المسوفين الإيجابيين ينجزون المهمة في اللحظات الأخيرة، والمسوِّفين السلبيين لا يحاولون حتى، بل يختارون الفشل سريعاً، وعندما أنظر إلى محطات في حياتي، أجد أنَّ تصنيف المسوِّف الإيجابي يناسبني تماماً:

  1. في المدرسة كنت أسلِّم المشاريع في اللحظات الأخيرة، ولكنَّني تخرجت بدرجة شرف.
  2. عندما كنت أمارس رياضة المصارعة، غالباً ما كنت أحقِّق الفوز في الوقت الإضافي.
  3. في وظيفتي السابقة، كنت أسلِّم المشاريع الناجحة قبل الموعد النهائي بقليل، وكانت المشاريع تنتهي دوماً في اليوم الأخير من الجدول الزمني.

حتى الآن، عندما أعمل على شيء مثير للشغف، فإنَّني أميل إلى العمل وفق جدول زمني وأحب إنهاء المهام في نهاية الوقت المحدد، وأقضي وقتي في القيام بأشياء يجب إنجازها فوراً، بعد أن أنتهي من إنجاز مهام أخرى كانت أيضاً مُلِحَّة في وقتها، فقد تعجبني هذه الطريقة، وهذا النوع من الضغط لا يزعجني.

بالنسبة إلى المسوِّف الإيجابي، فإنَّ التوتر الذي يسبِّبه وجود مواعيد نهائية قريبة يعدُّ بمكانة الطاقة التي تزيد من إنتاجيته لا أن تجعله يفقد حماسته؛ أي إنَّ المسوِّف الإيجابي يفهم ويتبنَّى قانون "باركنسون".

شاهد بالفيديو: كيف تحفز نفسك وتحثُّها على النجاح؟

كيف يستفيد المسوِّف الإيجابي من قانون "باركنسون" (Parkinson)؟

قبل بضع سنوات كنت قد سئمت من وظيفتي وقرَّرت الاستقالة؛ لذلك أعطيت لنفسي مهلة ستة أشهر لترتيب كل شيء، وفي نهاية هذه المهلة كنت سأقدِّم استقالتي، لكنَّ الأمر تم على أسرع ممَّا توقعت؛ إذ سُرِّحتُ بعد شهرين فقط، ولم أكن بعد قد وضعت خطة متماسكة تماماً، وبعد تسريحي من العمل كنت أجلس مع نفسي يومياً لمدة 30 يوماً، وفي النهاية بدأت بمشروعي الجديد، وها أنا بعد عامين تقريباً، ما زلت أشعر بالسعادة وما زلت مستمراً بعملي.

ينصُّ قانون "باركنسون" على الآتي: "يتوسَّع العمل ليملأ كل الوقت المُعطى لإنجازه"؛ فهذه هي النظرية التي بُنيَ عليها هذا القانون، وهي بمكانة المرشد للمسوِّف الإيجابي، فإذا منحت نفسك شهرين لإنجاز مشروع فستنجزه في هذه المدة، وبالمثل إذا منحت نفسك أسبوعين فقط فستنجزه في نهاية هذين الأسبوعين.

أي وبصرف النظر عن مقدار الوقت الذي تمنحه لنفسك لإنجاز مهمة، فإنَّ هذا هو الوقت الذي تحتاجه لإنجازها، والسبب أنَّه عندما تُمنح وقتاً ضيقاً لإنجاز شيء ما يقوم عقلك باستيعاب ما يمكنك إنجازه خلال هذا الوقت، ومن ثمَّ تتكيَّف وَفقاً لذلك.

في العمل مثلاً، فكِّر كيف تتصرف عندما يُطلب منك إنجاز مشروع في غضون شهر مثلاً، فإذا لم تكن مسوِّفاً، فمن المُحتمل أن تقوم باختصار بعض الأمور الأخرى، ومن ثمَّ البدء فوراً بالمشروع، أمَّا إذا كنت مسوِّفاً، فمن المُحتمل أن تضع تذكيراً على تقويمك الخاص قبل نحو أسبوع من الموعد، وتلتفت إلى أشياء أخرى، ومن ثمَّ عندما يحين الوقت تقضي بضعة أيام من العمل الدؤوب حتى تنتهي من إنجاز المشروع.

هذا مثال عملي على قانون "باركنسون"، وقد استُخدم أساساً بوصفه محاولةً لتفسير سبب توسع أعمال الحكومة البريطانية على الرَّغم من تضاؤل عدد مستعمراتها، ولكنَّه ينطبق تماماً على الحياة اليومية.

قد يدرك المسوِّف الإيجابي أنَّه إذا أراد إنجاز شيء ما بطريقة أسرع، فكل ما يحتاج إليه فعلياً هو تحديد وقت أقل لإنجاز المهمة، وعندما يتعلق الأمر بالتسويف في القضايا الشخصية وذات الأهمية.

عقبتين تمنعان المسوِّف السلبي من عيش حياة سعيدة وهما:

  1. المساءلة.
  2. السرعة في الإنجاز.

على الرَّغم من أنَّ جميع الناس يعرفون أنَّ التسويف ليس بالضرورة أمراً سيئاً، إلا أنَّ معظمهم يمتلكون مشاعر سلبية تجاهه، والواقع أنَّه لا يكفي أن تعرف أنَّ التسويف أمر جيد أحياناً حتى تستخدمه استخداماً مفيداً، فإذا كنت مسوِّفاً إيجابياً بطبيعتك فإنَّ البدء والانتهاء من العمل عندما يحين الوقت ليس بالأمر الصعب عليك.

إنَّ المشكلة هي أنَّ معظمنا ليس مسوفاً إيجابياً؛ إذ يصبح التسويف مشكلة عندما تعلم ما الذي تريد فعله، لكن ما تريد فعله إمَّا أنَّه لا يحتمل التسويف بسبب ضخامة حجم العمل الذي لا يمكن إنجازه في فترة قصيرة، أو أنَّك تعاني من ضعف الشعور بالحماسة، الأمر الذي يمنعك من بدء العمل؛ وحلُّ هاتين المشكلتين أمر يسير، لكن نادراً ما يُنفَّذ، وبالطبع فإنَّ المسوِّف البارع يعرف عن ماذا نتحدَّث، فهو يمتلك هاتين الأداتين ويجيد استخدامهما، وهما:

  1. الأهداف المرحلية التي تشير إلى مقدار التقدُّم الذي تنجزه.
  2. المواعيد النهائية، وهي ما يفرض عليك إحراز التقدُّم.

لقد قلنا إنَّ هاتين الأداتين يسيرتان، لأنَّ الكل يعرف ماهيتهما، ولا يتطلَّب استخدامهما كثيراً من التفسير، والسبب في أنَّ تطبيقهما صعب هو أنَّ الالتزام بهما، يصبح مشكلة عندما تشعر بعدم الرغب، لكنَّ هذه المشكلة أيضاً لها حل، وهو تجزئة المهمة بالغة الأهمية إلى مهام أصغر وأقل أهمية.

قد يُسهِّل وجود العديد من الأهداف المرحلية عملية الانطلاق؛ إذ لا يوجد شيء مُربك أو محيِّر عندما تكون المهمة سهلة، وبمجرد أن ترى أنَّك حققت هدفاً مرحلياً فإنَّك ستشعر بمزيد من الثقة والحماسة لإنجاز الهدف التالي.

وقد تنخفض أهمية التحقق من تقدمك كلما قطعت شوطاً أبعد في إنجاز المهمة، خاصة عندما تكون المهمة أكثر من نصف منتهية، لكنَّ العائق الأكبر هو الموعد النهائي، فبمقدار ما يكون من السهل تحديده إلا أنَّ الالتزام به صعب جداً، ونحن نتحدث هنا تحديداً عن المهام الشخصية، فعندما تحاول أن تلتزم بمواعيد نهائية لإنجاز مهام شخصية يكون من السهل تفويتها، لأنَّه ما من أحد يحاسبك على موعد حددته لنفسك.

إقرأ أيضاً: النجاح في إدارة الوقت: 8 خطوات كفيلة بإدارة وقتك والتخلّص من التسويف

دور المساءلة:

هنا يأتي دور المساءلة، أنت تحتاج إلى شخص أو شيء ما يضمن بقاءك على المسار الصحيح، وبالطبع لا يكفي أن تخبر أحدهم أنَّك حددت لنفسك موعداً نهائياً، وفي الواقع مجرد التحدُّث عن أهدافك قد يكون له أثر سلبي في مقدار التقدُّم الفعلي؛ وذلك لأنَّه يجعلك تخلط بين التقدُّم الحقيقي والتخطيط لهذا التقدُّم.

لذلك أنت تحتاج إلى شيء جاد، تحتاج إلى نتيجة تترتَّب على عدم الالتزام، شيء من قبيل العقوبة، وأفضل هذه العواقب هي العواقب التلقائية؛ إذ تحدُث النتيجة التي تتوخَّى منعها تلقائياً عندما لا تلتزم.

بالنسبة إليَّ عندما أخطِّط للمشاركة في ماراثون، فإنَّ أول شيء أفعله هو دفع الرسوم، ما يعني أنَّني خسرت هذا المبلغ سواء شاركت في الماراثون أم لا، ولكنَّني سأكون مستاءً إذا لم أشارك بعد أن أنفقت المبلغ، وهذه الطريقة تحفِّزني جداً.

إقرأ أيضاً: شريك المساءلة: من هو؟ وكيف تعثر عليه؟ وماذا تستفيد منه؟

كم تحتاج من الوقت لتحوِّل التسويف السلبي إلى تسويف إيجابي؟

كان هذا مجرد مثال، لكن بالطبع تستطيع إيجاد طرائق أخرى تحفِّزك على الالتزام، وما يجب أن تعلمه أنَّه كلما ازدادت ثقتك بنفسك، انخفضت حاجتك لمحفِّز خارجي، لكنَّ أسلوب العواقب مفيد في البداية.

في الختام:

على الرَّغم من أنَّ ما قلناه قد يبدو غريباً إلا أنَّ التسويف هو في الحقيقة أداة يمكن استخدامها لفعل أشياء مفيدة أو نتكاسل عن فعلها؛ إذ يكمن مفتاح التسويف الناجح في تطبيقه: عليك أن تكون استراتيجياً في التعامل مع هذا التسويف، والحقيقة هي أنَّ التسويف المفيد غالباً لا يتضمَّن الكثير من التباطؤ، لأنَّك تؤجِّل الأشياء من أجل القيام بأشياء أخرى هامة أيضاً.

لا تنسَ أنَّ تغيير العادات يمكن أن يكون محيراً في البداية؛ إذ إنَّ استبدال التسويف السلبي بالتسويف الإيجابي ليس أمراً سهلاً دائماً، وغالباً ما ستفشل في البداية إلى أن يصبح التسويف الإيجابي عادةً متأصلة لديك.

عندما تصبح الأمور صعبة، ستميل إلى التوقف والقيام بشيء يصرف الانتباه؛ إذ يكون الاستسلام أمراً مغرياً إذا لم يكن لديك أي مساعدة، لكن مع ميِّزات، مثل: وضع التركيز الملحق بمتصفح "كروم" (Chrome)، يمكنك أن تتجنَّب المواقع التي تضيع وقتك فيها عادةً في محاولة للتهرب من مسؤولياتك، وعندما لا تكون متصلاً بالإنترنت، يمكنك ممارسة أنشطة بديلة، أشياء يمكنك القيام بها دون الشعور بالذنب إذا كنت تحتاج إلى أخذ استراحة ممَّا تعمل عليه الآن.

وهناك كثير ممَّا يمكنك القيام به، لكنَّ الأهم من ذلك كله، استمتع فقط بالتسويف فهذا مفيد لك.

المصدر




مقالات مرتبطة