الهوس المضلل للعمل في الموقع

يحتاج المرء فقط إلى تسجيل الدخول إلى منصات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي المفضلة لديه ليرى أنَّ العديد من المنظمات وقادتها يواجهون صعوبة في التخطيط للعودة إلى مكان العمل، وإلى جانب صعوبة تحديد الوقت المناسب لذلك وكيفية القيام به، يجد أرباب العمل صعوبة في تحديد الأسباب المنطقية التي تدعو للعودة إلى مكاتب العمل.



لسوء الحظ، يبدو أنَّ الرؤساء التنفيذيين بعيدون عن هذه القضية؛ ففي دراسة حديثة أجراها معهد "ذا بيست براكتس إنستتيوشن" (BPI) أظهرت تبايناً كبيراً بين ما يتوقعه الرؤساء التنفيذيون والموظفون من تجاربهم في العودة إلى العمل؛ إذ أفاد المعهد أنَّ 83% من الرؤساء التنفيذيين يريدون عودة الموظفين إلى المكتب بدوام كامل، بينما أشار 10% فقط من الموظفين إلى أنَّهم يرغبون في العودة للعمل بدوام كامل؛ وبعبارة أخرى، لم يدرك العديد من القادة حتى الآن ما يعرفه العديد من الموظفين:

  1. في العديد من أماكن العمل، الوضع الذي اعتدنا عليه قبل الجائحة كان سيئاً، وفي حين كانت "غير مُرضٍ" هي الجملة التي تصف بيئة العمل الاعتيادية، كانت "سامة" هي الكلمة التي تلقى الاهتمام الأكبر والملحوظ.
  2. وضعنا "الطبيعي الحالي" - الذي كنا نظن في البداية أنَّ الجائحة فرضته علينا لكن يُنظَر إليه الآن على أنَّه تغيُّر قواعد اللعبة من قِبل العديد من الموظفين - أعطى منظوراً جديداً لطبيعة العمل.
  3. وضعنا "الطبيعي القادم" لا يمكن أن يعني العودة إلى وضعنا السابق بسهولة، لكن يجب أن يجمع بين الأفضل من الوضع "السابق" و"الحالي" و"التالي".
إقرأ أيضاً: هل يؤدي العمل في المكتب إلى تشتيت الانتباه؟

القيادة المستبدة:

إنَّ مديري شركات مثل "آبل" (Apple) و"غوغل" (Google) و"جي بي مورغان" (JPMorgan) وغيرها، يضاعفون أساليبهم في القيادة الاستبدادية؛ إذ أعلن "جيمي ديمون" (Jamie Dimon) الرئيس التنفيذي لشركة "جي بي مورغان" (JPMorgan)، أنَّ العمل من المنزل "لا يصلح لمَن يريدون الكد في العمل".

لذا اتخذ الموظفون وأصحاب المصلحة والمؤثرون هذه الكلمات على أنَّها تعني "عد إلى العمل، وإلا!"، وقد ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك وعدُّوا هذه الكلمات تهديداً مباشراً لوظائفهم وسبل عيشهم، ورأوا أنَّ جوهر رسالة "ديمون" هو: "بصرف النظر عن مستويات الإنتاجية السابقة أو الحالية، استمر في العمل من المنزل وسنعاقبك".

والأهم من ذلك، يقول الرئيس التنفيذي لشركة "بي جيه مورغان": "لم يوجد خطب في مكان عملنا من قبل"؛ إذ إنَّ "ديمون"، مثل العديد من القادة التقليديين، مخطئ؛ فقد كانت أماكن العمل في فترة ما قبل الجائحة مليئة بالإحباط والتوتر والإرهاق، وشعر الناس بالضغط والإحباط، وكان الشعور بالتقدير أمراً نادر الحدوث، والنتيجة وحدها هي التي كانت هامة.

وخلال الجائحة، كانت النتائج هامة أيضاً، لكنَّنا طلبنا من موظفينا أكثر من أي وقت مضى:

  1. العمل من المنزل في أيَّة لحظة.
  2. تعلُّم الموازنة بين العمل والتزامات الحياة الشخصية بين ليلة وضحاها.
  3. الحفاظ على الإنتاجية، بالتوازي مع التعليم المنزلي والعناية بالأطفال وكبار السن والمشكلات التقنية والعزل.

لذا أُجبِر الموظفون وأرباب العمل على حدٍّ سواء على التحلي بالمرونة، ولقد عملنا معاً لإنشاء "الوضع الطبيعي الحالي"، وطوال العملية، شعر الناس أنَّ أصواتهم مسموعة.

لكن بدلاً من التعلم من ذلك، وإظهار الامتنان والاستعداد للمشاركة في إنشاء "الوضع الطبيعي المستقبلي" المفيد للطرفين، يصرُّ معظم القادة الآن على العودة إلى ما كان سابقاً عوضاً عمَّا يمكن أن يكون.

شاهد بالفيديو: 4 تغييرات بسيطة تعزّز الإنتاجية في أماكن العمل

الاستقالة الكبيرة:

في غضون ذلك، ما زلنا نسمع قصصاً في مكان العمل؛ ففي الفترة الأخيرة:

  1. انتقد عالم العمل بشدة الرؤساء التنفيذيين في شركة "ميديوم" (Medium)، و"بيزكامب" (Basecamp)، و"كوين بيز" (Coinbase) بسبب "ملاحظاتهم المرتبطة بالثقافات التنظيمية" الاستبدادية وغير الشاملة.
  2. غرَّم "الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية" (The NFL) فريق واشنطن لكرة القدم بـ 10 ملايين دولار لتعاملهم السام في مكان العمل، ومن ذلك الترهيب والتنمر، وخاصة ضد النساء.

لا عجب أنَّ الناس تركوا وظائفهم بمعدل ينذر بالخطر؛ إذاً، لماذا نتخلى عن كل هذه الحرية التي وُفِّرت بسهولة خلال الجائحة لنعود إلى بيئة الشركة السيئة التي كانت قبل الوباء؟ ولماذا علينا أن نعمل مع قادة ليسوا على دراية بأنفسهم بما يكفي ليعرفوا أنَّ أماكن عملهم سيئة؟

أفضل الموظفين اليوم - أولئك الذين يؤمنون بأنفسهم وبجودة عملهم - لن يتحملوا بعد الآن أماكن العمل غير المُرضية، وبدلاً من ذلك، سوف يميلون ميلاً طبيعياً نحو القادة الذين يحترمون ويقدِّرون عن عمد مساهمات كل أصحاب المصلحة، وسيختارون العمل في شركة تختار معاملة الأشخاص معاملة صحيحة، والقيام بالشيء الصحيح حتى عندما لا يكون ذلك مناسباً.

ومع أنَّ الموظفين يفكرون في سيناريوهات العودة إلى المكتب الشخصية الخاصة بهم، سيستمرون في ترك وظائفهم الحالية، وسيستمر أرباب العمل في الشكوى من نقص العمالة، لكنَّ الحقيقة هي أنَّنا لا نملك نقصاً في العمالة بقدر ما لدينا نقص تقدير، وحتى تبدأ الشركات ببناء ثقافات يتوقع الأشخاص الطيبون فيها التقدير بينما يساعدون على تحقيق نتائج ملموسة، ستستمر هذه الموجة.

وبعد كل شيء، في المرحلة التي ستلي الجائحة، فإنَّ نقيض كلمة "جيد" ليس "سيئاً"؛ بل "استبدادي".

المصدر




مقالات مرتبطة