الهروب المدرسي مفهومه، وأسبابه، ونتائجه، وآليات علاجه
تُمثّل ظاهرة الهروب المدرسي إحدى المشكلات السلوكية المقلقة التي تواجه المنظومة التعليمية، لما لها من انعكاسات سلبية عميقة على مستقبل الطالب واستقرار المجتمع. ولا يمكن فهم هذه الظاهرة بمعزل عن جذورها المتشعبة. لذا سوف نستعرض في هذا المقال مفهوم الهروب المدرسي، وما هي الأسباب الكامنة وراءه، بالإضافة إلى تحليل نتائجه الوخيمة على الفرد والمجتمع، وكيف يمكن علاج هذه الآفة الاجتماعية.
مفهوم الهروب المدرسي
يُعرف الهروب المدرسي بأنّه تغيّب الطالب في مادة أو مادتين دراسيتين أو أكثر بدون عذر مقبول من المدرسة، على أن يكون ذلك مرتين أو أكثر في الأسبوع، مع عدم علم الوالدين بالغياب، ويكون ذلك مثبتاً في سجلات الغياب في المدرسة. (مصطفاوي، سعداني، 2020- 2021، ص 13).
كما يُعرف أيضاً بأنّهتكرار خروج الطالب من المدرسة دون إذن أو عذر مقبول من إدارة المدرسة بطرائق غير مشروعة، مثل: القفز من على سور المدرسة أثناء اليوم الدراسي، وعدم الحضور مع الطلاب في الفصل، ورغبته في ترك المدرسة متأثراً ببعض العوامل التي تدفعه إلى ذلك. (رزق، 2025، ص 32).
أسباب الهروب المدرسي
هناك عوامل كثيرة تدفع الطلاب إلى الهروب من المدرسة، ونذكر منها ما يلي:
1. عوامل أسرية
ترجع إلى الأسرة وإلى الوالدين؛ إذ يُعد الهروب المدرسي إحدى المشكلات السلوكية التى ترجع إلى تدنيّ المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأسرة، وفقد الوالدين للخبرة اللازمة لتربية الأبناء، وندرة معرفتهم بخصائص مراحل النمو لدى الأطفال.
2. عوامل مدرسية
تتمثل في النظام المدرسي وأثره في الطالب؛ فقد يكون النظام صارماً ويعتمد على العنف، والقسوة، وتوقيع العقاب كوسيلة علاجية، مما يتسبب في هروب الطالب من المدرسة. ومن أهم أسباب الهروب من المدرسة هو كراهية الطلاب لها، وندرة وجود ما يحفزهم بداخلها، وقلة وجود وسائل التشويق في التدريس، والمعاملة السيئة لبعض المعلمين للطلاب، والتمييز بين الطلاب في المعاملة، وقلة احترام الطالب، علاوةً على كثرة المواد الدراسية.
3. عوامل مرتبطة بالطلاب
ضعف الرغبة في الاشتراك في الأنشطة المدرسية المتوفرة مما يسبب مشكلات سلوكية من قبل هؤلاء الطلاب، وضعف قدرة الطالب على متابعة أداء الواجبات المدرسية، وكراهية الطالب لإحدى المواد لصعوبتها وعدم القدرة على استيعابها.
4. عوامل مرتبطة بالأقران
تزداد أهمية دور الأقران، وخاصةً في المرحلة الإعدادية التي يدخل الطالب فيها مرحلة المراهقة ويكون شديد التأثّر بأقرانه في كل تصرفاتهم؛ كذلك، فإنّ الطالب يسعى جاهداً لكي يرضي أصدقائه ويتبع تعليماتهم ويحاول أن يثبت ذاته أمامهم؛ إذ يُحاول التمثُّل برفاق السوء الذين يتعرّف عليهم ويستهوونه ويجذبونه من الدراسة إلى مجالات اللهو، أو الذهاب إلى السينما أثناء اليوم الدراسي. (أحمد، 2017، ص ص 74 - 76).
نتائج الهروب المدرسي
للهروب المدرسي نتائج وخيمة على الفرد، والأسرة، والمجتمع، وصولاً إلى الأمّة. ومن أهمّها ما يلي:
- زيادة نسبية الأحداث، والمنحرفين، والمسجلين رسمياً ضمن دور الرعاية الاجتماعية.
- زيادة البطالة في المجتمع، وظهور أفراد في الشارع دون عمل مما يزيد الضغط على المجتمع والدولة في إدماج هذه الفئة.
- زيادة الضغط الاقتصادي على الأسرة الحاضنة.
- زيادة نسبية في اليد العاملة التي تعتمد على العمل اليدوي في سوق العمل مع تراجع نسبة العمال المهنيين، والفنيين، والتقنيين. (الخاطري، 2022، ص ص 303- 304).
كما توجد نتائج أخرى للهروب المدرسي، منها:
- اكتساب العادات السيئة: مثل التدخين، أو تعاطي المخدرات، أو السرقة، أو غيرها من السلوكات المنحرفة التي قد ينجرف إليها الطالب أثناء هروبه من المدرسة.
- الاعتياد على سلوك الهروب من المدرسة: وصعوبة إعادة الطالب إلى الانتظام بالدوام المدرسي.
- التراجع الدراسي: بسبب التغيّب عن الدروس وفقدان الرغبة بالدراسة والمذاكرة.
- تطور سلوك الكذب والخداع: يحدث لدى الطالب للتغطية على هروبه من المدرسة، كتبرير غيابه أمام إدارة المدرسة بمرضه مثلاً. (مصطفاوي، سعداني، 2020- 2021، ص 17).
آليات علاج ظاهرة الهروب المدرسي
توجد بعض الآليات لعلاج ظاهرة الهروب المدرسي، ونذكر منها ما يلي:
- عمل اختبارات قدرات قبل قبول الطلاب لمعرفة مستوياتهم.
- ربط صرف المكافأة الاجتماعية حسب التزام الطلاب بالحضور.
- مكافأة الطالب دراسياً بوضع اسمه في لوحة الطلاب المتفوقين، وتكريمه من القسم التابع له وإدارة المؤسسة التعليمية.
- عمل رحلات سياحية كمكافأة للطلاب المتفوقين.
- تفعيل دور الاختصاصي الاجتماعي بعد إعداده وتدريبه من خلال الدورات التي تصقله بالمهارات اللازمة.
- تفعيل دور المرشد العلمي.
- عقد اجتماعات شهرية مع أولياء الأمور.
- تزويد أولياء الأمور بنظام آلي يمكنهم من متابعة أبنائهم.
- أسبقية التوظيف للمعدّل الأعلى بعد التخرج.
- تنظيم رحلات وبرامج ترفيهية واجتماعية وذلك لتوطيد العلاقة ما بين المتدربين من جهة، والمتدربين والهيئة التدريسية والمؤسسة التعليمية من جهة أخرى.
- عقد دورات تدريبية للهيئة التدريسية لزيادة كفاءتهم في كيفية التعامل مع المتدربين واحتوائهم، وأيضاً لزيادة كفاءتهم في طرائق التدريس المتنوعة للتتناسب مع الفروق الفردية بين المتدربين.
- عمل برامج توعوية في وسائل الإعلام وبرامج التواصل الاجتماعي.
- إيجاد فرص عمل للمتدربين المتفوقين.
- مشاركة القطاع الحكومي والخاص في وضع البرامج والتخصصات التي يحتاجها كل منهما. (العدواني، العوض، 2020، ص ص 13- 14).
في الختام، يتضح أن الهروب المدرسي ليس مجرد سلوك فردي عابر، بل هو ظاهرة معقدة تنشأ عن تفاعل عوامل أسرية ومدرسية ومجتمعية. ولأن تداعياتها وخيمة على مستقبل الأجيال واستقرار المجتمع، فإن مواجهتها تتطلب تضافر الجهود بين كافة الأطراف المعنية. إن تطبيق الآليات العلاجية المقترحة، وتحويل المدرسة إلى بيئة جاذبة وداعمة، هو السبيل الأمثل لاحتواء هذه المشكلة، وضمان بقاء الطلاب ضمن المسار التعليمي الصحيح الذي يؤمن لهم مستقبلاً واعداً.
هذا المقال من إعداد:
د. محمد أمين حسن عثمان.
دكتوراه في أصول التربية والتخطيط التربوي - جامعة عين شمس.