النوايا مقابل الأفعال: 5 أسباب تجعل النوايا غير هامة

ليس للنوايا الكثيرُ من الأهمية في العالم الذي نعيش فيه؛ لأنَّ أفعالنا هي ما يُهمُّ في الواقع.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المُدوِّن "جاستن براون" (Justin Brown)، والذي يتحدَّثُ فيه عن أهمية الأفعالِ مُقابل النوايا.

يبدو الأمر واضحاً في زمننا هذا، فنحن نعيش في زمن الدعاية والأكاذيب المتواصلة؛ لذلك فمن المنطقيِّ أن يكون الحكمُ على الناس بناءً على ما يفعلونه، وليس على ما يقولونه أو ينوون القيام به.

يمكننا القول أيضاً أنَّ ما يُهمُّ أكثر من أفعالك هو عواقبها؛ ويعني هذا أنَّ النوايا هامَّة، ولكن فقط بقدرِ ما تجعلك تنخرط في أعمالٍ تجعلُ حياتك وحياة الناس من حولك أفضل.

ستقرأ أدناه خمسةَ أسبابٍ تجعل أفعالك أكثر أهميةً من نواياك؛ لكن سنتحدَّث أولاً عن السبب الذي أدَّى إلى كتابةِ هذا المقال.

يُؤمنُ مقدِّم البرامج الإذاعية والمؤلِّف الأمريكي "سام هاريس" (Sam Harris) بأنَّ ما تفكِّرُ فيه أهمُّ ممَّا تفعله؛ ولكنَّه لمن الواضح -إلى حدٍّ ما- أنَّ الأفعال أهمُّ من النوايا، لذا فمن المفاجئ أن يعتقدَ (سام) أنَّ النية هي القصة كلُّها من الناحية الأخلاقية.

يجب أن تتماشى النوايا مع الأفعال:

تُعرَّف النية على أنَّها: "مبدأٌ أو رؤيةٌ إرشاديةٌ تُوجِّهُ أفكارك ومواقفك واختياراتك وأفعالك، وتجعلك -بحدِّ ذاتها- تشعر بالرضا عن معتقداتك؛ لكنَّها تصبح هامَّةً فقط في حالة تماشيها مع الأفعال".

يُظهِر البريد المُتبادَل بين "سام هاريس" و"نعوم تشومسكي" أهميةَ مواءمة النوايا مع الأفعال، خاصَّةً في العصر الحديث، حيث يبدو التعبير عن نوايانا لبعضنا بعضاً أسهل مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي.

خلال الاحتجاجات الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية والمُسمَّاة "حياة السود مهمّة" (black lives matter)، عبّرَ ملايين الأشخاص عن دعمهم للحركة؛ ولكن ما الأفعال التي يقومون بها؟ هل يُقدِّمون مساهماتٍ للجهات الفاعلة في المجتمع المدني التي تحاول التأثير في السياسة؟ وهل ينشط الناس الذين يمتلكون النوايا الحسنة في مجتمعاتهم المحلية بعد الانضمام إلى الاحتجاجات، ويضغطون من أجل التغيير؟

ينخرطُ العديد من الناس في عملٍ فعَّالٍ بما يتماشى مع النوايا التي لديهم من أجل المساواة والكرامة بين جميع الأجناس؛ لكن يُصرِّحُ الكثير من الناس بنواياهم الحسنة دون فعلِ أيِّ شيءٍ بشأنها.

يجبُ أن تحكُمَ على نفسكَ وعلى الآخرين من خلال الأفعال؛ لأنَّه من السهل الإعلان عن النوايا الحسنة بناءً على المعتقدات التي لدينا حول أنفسنا وما حولنا، ولكن من المفيد إلى حدٍّ كبير إلقاء نظرةٍ على أفعالنا وأفعال الناس من حولنا.

الهوية السياسية على أساس النوايا:

نحن سريعون جداً في تبرير رؤيتنا للعالم بناءً على النوايا بدلاً من الأفعال التي نقوم بها؛ وهذا أكثر وضوحاً في المشهد السياسي، حيث يقول السياسيون شيئاً، ثمَّ ينطلقون لفعل شيءٍ آخر تماماً.

نادراً ما تُحاسِب وسائل الإعلام السياسيين؛ لأنَّ نقلَها ما يقولُون أنَّهم سيفعلونه أسهلُ بكثيرٍ من البحث الدؤوب لتقييم أفعالِهم بمرور الوقت.

يجب أن نعتاد النظر في العواقبِ التي تنتج عن الأفعال، بدلاً من الحكم على شخصٍ ما بناءً على أيديولوجيةٍ معيَّنة، أو اعتماداً على النوايا المزعومة؛ إذ تُوفِّر النوايا الإطار التوجيهيَّ الذي يمكن من خلاله تقييم ومناقشة الأيديولوجية السياسية لأعمالنا؛ لكنَّها لن تتفاعل مع العالم المادي دون أفعالٍ مبنيةٍ عليها.

لا تُشكِّلُ النوايا المجتمعَ أو الثقافة أو الكوكب، لكنَّ أفعالنا تفعل ذلك بالتأكيد؛ لذا حان الوقت كي نعيش حياتنا على أساس أفعالنا، وليس نوايانا.

إقرأ أيضاً: 7 طرق هامة لإتقان عملية اتخاذ القرار

5 أسبابٍ للتركيز على أفعالك الآن:

أعتقدُ أنَّ أهمَّ التزامٍ يمكنك القيام به لنفسكَ هو أن تعيش الحياة على أساس أنَّ أفعالك أكثر أهميةً من نواياك؛ فصحيحٌ أنَّ النوايا الحسنة تساعد على توفير إطار عملٍ إرشادي لحياتك، ولكن من السهل جداً أن تضيعَ فيها.

يشرح المدوِّن رودا لاندي (Rudá Iandê) كيف يمكن أن نضيع بسهولةٍ في أحلامنا المستقبلية التي تصرف انتباهنا عن العمل على الموارد المتوفِّرة لدينا الآن.

سنكون محظوظين في حال كنَّا مُحاطين بأشخاصٍ مثل رودا ممَّن لا يتوهون في متاهة النوايا، ويؤكِّدون بدلاً من ذلك على أفعالنا؛ ممَّا يؤدِّي إلى حياةٍ أكثر إنجازاً.

هناك خمس عواقبُ رئيسة لعيش حياة تركِّز على العمل، وهي:

1. اعلم أنَّ ما يُهمُّ هو طريقةُ تعاملك مع الناس:

لقد بدأتُ هذا المقال بالتركيز على النوايا والإيديولوجيا، والنقطة الهامَّة هنا هي أنَّ النوايا والإيديولوجية تُبرِّران أيضاً كيفية تعاملنا مع الناس.

علينا العمل على تطوير هذا المفهوم، ففي حالتي: إذا كانت نوايايَ جيدة، فسأمتلكُ القدرة على أن أشكِّلَ قوةً إيجابيةً في العالم؛ ولكن عندما أكون مشغولاً للغاية، فيمكنني الانزلاق إلى عادةِ التفكير بأنَّ عملي أكثرُ أهميةً من حياة الناس من حولي، وفقدان التواصلَ مع الأصدقاء، والشعور بالغضب، وربَّما يصبح تواجدي أمراً غير مقبولٍ حتَّى.

إذا حكمنا على أنفسنا من خلال نوايانا، فلن نُشكِّكَ في سلوكاتنا؛ ولكن عندما لا نركِّزُ على نوايانا، نكون أكثر قدرةً على التفكير في أفعالنا، وتغيير طريقةِ تصرُّفنا، وتعلُّمُ التمهُّل وتقدير الناس في حياتنا.

لذا، عليكَ أن تعرفَ أنَّ ما يُهمُّ فعلاً هو كيفية تعاملك مع الناس، وليس النوايا التي توجِّهُ سلوكك.

2. احكم على نفسك من خلال الهدفِ الذي تسعى إلى تحقيقه في الحياة، لا من خلال السبب الذي يجعلك تسعى إلى تحقيقه:

لدى نيتشه اقتباسٌ مشهورٌ يقول: "مَن لديه سببٌ يدفعهُ إلى الحياة من أجله، يمكنُه تحمُّل أيِّ أسلوب حياةٍ تقريباً".

يشير "السَّبب" في هذا الاقتباس إلى النوايا التي لديك، و"الأسلوب" ضروري؛ ولكن فقط عندما تحكم على نفسك من خلال الأفعال التي تتعهد القيام بها في سعيك وراء "السبب".

لقد وقعتُ في فخِّ الحكم على نفسي بحسب نوايايَ في الأيام الأولى من بناء مفهومي الخاص، فلقد اعتدتُ أنا وشريكي أن نُخبرَ الجميع بأنَّنا نهدِفُ إلى تحقيق فهمٍ مُشتركٍ (أو ذكاءٍ جماعيٍّ) في العالم، تماماً كما يُنظِّم جوجل معلومات العالم. لقد كُنَّا نفعلُ ذلك حتَّى يتسنَّى للأفكار أن تغِيّر العالم بسهولة وتقوم ترقية وعي الإنسان، دون معرفة ما يعنيه ذلك.

إنَّها مهمَّةٌ كبيرة، وبنوايا رائعة؛ لكنَّ الحقيقة كانت أنَّ ما قُمنا ببنائه كان بعيداً عن نوايانا الصادقة، فقد اضطررتُ الى التخلُّص من عادةِ الحكم على نفسي وفق نوايايَ الإيجابية، وكُنتُ بحاجةٍ دائماً إلى تعلُّم تقييم أفعالي بدلاً من ذلك.

أنا أشعر الآن بأنَّني قد قُمتُ بإنجازٍ عظيمٍ في الحياة بالتركيز على الأفعال الأقل شأناً، حيثُ مازال التأثير إيجابياً في حياة الأشخاص الذين يتفاعلون مع هذا المفهوم، وأعلمُ بأنَّ هذا لا يغيِّر العالم بالطريقة التي كُنتُ أنوي في الأصل فعلها؛ لكنَّ له تأثيراً إيجابياً الآن أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.

3. أحِط نفسك بأشخاصٍ يعملون بشكلٍ جماعي بما يتوافق معك، لا بأولئك الذين يشاركونك نواياك:

إنَّ هذا لدرسٌ صعبُ التعلُّم.

لقد كُنتُ منغمساً في عالم النوايا والإيديولوجيا، واعتقدت أنَّني كُنتُ أغيِّرُ العالم؛ كما أنَّني كنت أُحبُّ التواصل مع الأشخاص الذين يشاركونني الأفكار نفسَها، وقد كان الأمر أشبه بالإدمان، فقد جعلني الأشخاص الذين ارتبطتُ بهم أشعر بالرضا عن الشخص الذي ظننتُ أنَّني عليه؛ والعكس صحيح.

بدأتُ على مدى السنوات القليلة الماضية من التحوُّل من التركيز على النوايا إلى الأفعال، تغييرَ الأشخاص الذين أقضي الوقت معهم.

لم يكن الأمر يتعلَّق بما كانوا يقولونه، بقدر الأفعال التي يتبنَّونها؛ وقد أصبح من السهل الآن -بعد أن ركَّزتُ على الأفعال أكثر من تركيزي على النوايا- تحديد أنواع الأشخاص الذين يمكنني العمل معهم.

بالنسبة إلي، فإنَّ سحر تحويل الأفكار إلى واقعٍ يأتي من القدرة على العمل مع الأشخاص ذوي التفكير المماثل.

لقد برَّرت نوايايَ الحسنة ليَ إبقاء الأشخاص الخطأ في حياتي؛ لكن عندما بدأتُ في التركيز على العمل، أدرَكتُ بسرعةٍ من كان مستعداً لتحدي العمل الجاد، ومن أراد الهروب من واقع العمل الجاد والاستمرار في عيش حياته على أساس النوايا.

إقرأ أيضاً: كيف تتواصل مع الناجحين دون أن تتطفل عليهم؟

4. أدرِك أنَّ الحبَّ مبنيٌّ على الفعل، لا على الشعور:

شارك "رودا لاندي" (Rudá Iandê) فكرةً عميقةً في موقع دروسٍ مجانيةً عن الحبِّ والإلفة، وهي: "الحبُّ هو أكثر بكثيرٍ من مجرَّدِ عاطفة، فالشعور بالحب مجرَّد جزء من اللعبة؛ لكنَّه ضحلٌ جداً إذا لم تحترمه من خلال الأفعال".

يمكن للغربيين أن يكبروا وهم مسحورون بسهولةٍ بفكرة "الحب الرومانسي"؛ فغالباً ما نرى في الأفلام صوراً للأزواج الرومانسيين وهم يمشون على طول الشاطئ وأيديهم متشابكة، مع غروب الشمس اللطيفِ في الخلفية.

لكنَّ الهامَّ هو أنَّ أفكار "الحب الرومانسي" هذه غالباً ما تُصفِّي الطريقة التي ننظر فيها إلى علاقاتنا؛ فنحنُ نحتاجُ إلى أن تتناسبَ رؤيةُ الشريك مع رؤيتنا عن الحب الحقيقي الذي سنجده أخيراً، حيث تُشكِّل مفاهيم الحب هذه أساس النوايا التي نمتلكها من أجل علاقاتنا.

قيِّم الحبَّ من خلال التفكير في أفعالك وأفعالِ شريكك؛ إذ لا تأتي أعظم لحظات الحب من الطريقة التي نشعر بها، بل من كيفية تصرُّفنا في مواقفَ معينة.

5. اعلم أنَّ الطريقة التي تعيش بها حياتك هي ما يهمُّ حقاً:

لقد قرَّرتُ في السنوات القليلة الماضية أنَّ الطريقةَ التي أعيش بها حياتي أكثر أهميةً من أسباب عيشها؛ فالحياة التي أنشأتها هي مجموع تعبيراتي وأفعالي الإبداعية.

لقد قدَّمت النوايا الإطار التوجيهي لحياتي؛ ولكن عندما أنظر إلى الخلف مرةً أخرى، أُدرِك أنَّ أفعالي هي التي تهمُّ حقاً.

إنَّنا نعيش عصراً لم يكن فيه جذب الانتباه إلى نوايانا أمراً سهلاً أبداً، فمثلاً: يمكننا نشر مشاركةٍ تتعلَّق بأفكارنا حول مشكلةٍ ما على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشعر بأنَّنا تحقَّقنا من صحة تسجيلات الإعجاب والمشاركات التي نتلقَّاها؛ في حين لا تحظى أفعالنا باهتمامٍ كبير؛ ربَّما لأنَّ شرحها أكثر صعوبة.

لا أعتقدُ أنَّ قولَ سام هاريس (Sam Harris) أنَّ "النيّةَ تُشكِّلُ القصةَ بأكملها" مُناسبٌ من الناحيةِ الأخلاقية عندما يتعلَّق الأمر بالسياسات الخارجية للدول؛ كما أنَّه غير مناسبٍ أيضاً عند تصميم الحياة التي نريد أن نعيشها.

إنَّ أفعالك هي ما يُهمُّ حقّاً؛ لذا احكُم على نفسك من خلال ما تفعله، وليس من خلال ما تنوي القيام به؛ لأنَّ أفضل النوايا في العالم ستبقى نوايا فقط، دون فعل.

 

المصدر




مقالات مرتبطة