المطالعة: عادة إيجابية وعملية تطوير فكري فكيف نعززها في نفوس أبنائنا
تُعَدُّ المطالعة من أهم الوسائل والطرائق التي تقود الإنسان إلى دروب التميز والنجاح في الحياة العملية وفي الحياة العلمية، وطبيعة العصر الذي نحياه فرضت على الإنسان الآدمي أن يواكب العصر بكل تقنياته وتغيراته وعناصره ورموزه ومفاهيمه ومصطلحاته وشخوصه.
كما أنَّها تجعل الفرد أكثر صلابةً وقوةً ومتانةً وتحدياً للحياة بكل ما فيها من صعوبات وأزمات ومحن ومآسٍ ومشكلات ومصائب.
المطالعة، تعريفها ومفهومها:
يمكن تعريف المطالعة بأنَّها واحدة من أهم الوسائل التي تقود إلى التعلم الذاتي، وبأنَّها الوسيلة الأكثر فاعليةً لإكساب المرء خبرة وذكاءً، وتراكم مخزونه المعرفي والثقافي والفكري لتقوده بفعل ذلك إلى سلالم التميز والعلم ودروب الفكر والمعرفة الإنسانية، كما تساعد المطالعة على تجديد شبكة المعلومات والمعرفة في خلايا تلافيف المخ عند الإنسان، وتكثيفها، وتحديثها.
إنَّها طريقة لتكوين شخصية ناضجة من الناحية الفكرية لها حضورها وثقلها الفكري والمعرفي بين الناس، ومن الشائع بين الناس مقولة أنَّ فكرة الاعتياد على عادة المطالعة اليومية أو شبه اليومية باستمرار، قد تبدو سهلة وساذجة وبسيطة كما يزعم أو يعتقد بعض الناس، لكنَّ الأمر في حقيقته على عكس ذلك تماماً، فإنَّ عملية المطالعة تحتاج إلى بذل جهد فكري عالٍ، وتتطلب طاقة دماغ كبيرة وصفاءً ذهنياً واستعداداً نفسياً وجسمياً وروحانياً لاستقبال الكتاب وتلقي المعلومات وهضمها وفهمها.
كما تستند عملية المطالعة إلى البحث الذاتي والشغف في أسرار العلم والمعرفة، وتتميز المطالعة بأنَّها لا تملك قيوداً أو شروطاً، ولا تأسر حرية الإنسان؛ فيمكنه في أي مكان وفي أي زمان وضمن أي ظرف أن يتناول كتاباً من الورق الأصفر بين يديه ويطالعه وفي وضعية الجلوس التي يفضلها، سواء الجلوس العادي أم الاسترخاء ورفع الأرجل، ويستطيع انتقاء واختيار أصناف الكتب التي يريدها دون أن يفرض عليه أحد شيئاً، وبعد تخطِّي مرحلة التمهيد إلى القراءة، تبدأ عملية التطوير الفكري، التي تشكل صلب وجوهر المطالعة الحقيقية.
ما هي الفوائد التي نحققها من عملية المطالعة؟
- المطالعة تمنح الإنسان فرصة لأجل أن يخلِّص نفسه وروحه وعقله من كل القيود الفكرية التي أسرته، وحدَّت من حريته، وفرضت عليه الالتزام بمنهج معين أو التقوقع ضمن تفكير معين أو الالتزام بنمط معين.
- تمنح المطالعة الفرد أن يخرج في عقله وتفكيره ودماغه إلى عالم آخر مليء بالأعاجيب والدهشة.
- تؤدي عملية المطالعة إلى تفعيل مهارات الإنسان وزيادة حجم الخبرة؛ وهذا ينعكس عليه انعكاساً إيجابياً وفعالاً وملموساً وواضحاً وكبيراً في حياته العلمية والعملية.
- تساهم المطالعة في تشكيل شخصية ناضجة فكرياً، وقوية، ومتينة، وصلبة، ومتماسكة، وواثقة من خطواتها، وبعيدة عن الاختلال، والهشاشة، والضعف، والانهزامية، والاستسلام، والخوف، والجبن، والتخاذل، والخمول، والكسل.
- تساعد المطالعة على بناء شخصية حكيمة وقيادية وواعية، وتسعى إلى الارتقاء عالياً ومنافسة الآخرين.
- الفرد الذي يطالع بكثرة فهو بطبيعة الحال بعيد كل البعد عن مرض الجهل الأسود وقلة المعرفة؛ إنَّما لا يؤمن بالخرافات ولا يمت لها بصلة؛ بل يميل إلى التحليل والنقد والاستنتاج والمنطق.
- المطالعة تُجنِّب الإنسان خطر الوقوع في كثير من المشكلات والمآزق والمخاطر والصعوبات.
- من خلال المطالعة يتعلم الإنسان من تجارب الآخرين، ويزداد خبرةً، ويستفيد من أخطاء الآخرين وعثراتهم، ومن ثمَّ يصبح الإنسان أكثر ذكاءً وحنكةً في التعامل مع المشكلات، كما يصبح أكثر تحدياً وصموداً في وقت الشدة فلا ينهز كيانه، ولا ينكسر عوده، وتبقى كرامته مصونةً وجبينه مرفوعاً عالياً، وصوته يناطح السماء.
- في المطالعة يقرأ الإنسان وينتهج من سير الناجحين والعظماء، ويتعرف الطريقة أو الوصفة أو الخلطة السحرية التي اتبعوها ليصلوا إلى ذروة المجد والشهرة، فالإنسان بطبعه يحب التفوق والتألق ومديح الناس له، ويفضل النجاح والفوز لنفسه أكثر منه بالنسبة إلى الآخرين، والإنسان بفطرته وكينونته يكره الخسارة ويأبى الذل ويرتقي فوق الآلام والمصاعب ساخراً منها ومنتصراً عليها.
- تساعد المطالعة الإنسان وخصوصاً فئة الشباب والمراهقين على القضاء على الشعور بالملل والتخلص منه؛ نظراً لأنَّ المطالعة تملأ وقت الفراغ، وتعود على الإنسان بالعلم والمعرفة في مختلف ميادين الحياة ومجالاتها.
- كما قد يلجأ الشباب إلى المطالعة نتيجة مواجهتهم ضغوطات نفسية شديدة، ومن ثمَّ يكون للمطالعة في هذه الحالة وظيفتان أساسيتان هما: وظيفة تثقيفية تنويرية، ووظيفة تفريغ الطاقة السلبية وملء أوقات الفراغ وتأمين الرفاهية والترويح عن النفس.
- تتيح أمام الإنسان فرصة التعرف إلى حضارات الشعوب الأخرى وإنجازاتها وعاداتها وتقاليدها؛ فمثلاً كيف كانت تأكل، وكيف كانت تلبس، وما هي موسيقاها المفضلة، وغير ذلك من التفاصيل المتعلقة بالحياة الاجتماعية وبتقاليد الشعوب وعاداتها المتوارثة.
شاهد بالفديو: 8 طرق لتشجيع الأطفال على القراءة
ما هي مزايا ومحاسن القراءة عبر الكتب الإلكترونية؟
- إنَّ استخدام الكتب الإلكترونية للقراءة والمطالعة له دور كبير في الحد من تلوث البيئة المحيطة بالنفايات الناتجة عن عملية صنع الورق بنوعيه الأبيض والأصفر، وإعادة تدويره وتصنيعه من جديد، ومن بقايا أوراق تالفة.
- للكتب الإلكترونية دور كبير في توفير الحيز أو المساحة الممكنة بالنسبة إلى الشخص القارئ، فالمعلوم هو أنَّ الكتاب الإلكتروني لا يأخذ حيزاً من الفراغ؛ إنَّما موجود ضمن شاشة لمس مسطحة لهاتف جوال أو حاسوب محمول، أما الكتاب الورقي فيأخذ حيزاً مكانياً حقيقياً لا يمكن إهماله مهما كان صغيراً، ويتطلب من الشخص القارئ أن يكون معزولاً عن الوسط المحيط، وأن يتخذ وضعية تناسب عملية القراء كالجلوس على الكرسي مستنفراً، أو وضعية الاستلقاء، أو الاسترخاء.
- إنَّ الكتب الإلكترونية تتيح الاطلاع ومواكبة المعلومات والأخبار والدروس والمناهج والأفلام والقصص والروايات بشكل سماعي؛ أي دون صورة مرئية من قبل الكفيفين وضعاف البصر ومن لديه إعاقة بصرية.
- إنَّ عملية قراءة الكتب الإلكترونية تفيد في ادخار الوقت والجهد المطلوبَين خلال عملية استحصال المعلومات وتزودها وتلقيها.
- عند المطالعة باستخدام كتاب إلكتروني، يجب الأخذ في الحسبان نقطة هامة؛ ألا وهي أنَّ نسخ الكتب هذه لا تنفد من السوق، ويتم بيعها بالكامل كما يحصل بالكتب الورقية؛ بل نجدها على منصات الإنترنت والمجلات الإلكترونية، وتُباع وتُشترى هناك، وموجودة بشكل دائم ومتوفر، ويمكن للزبون أن يطلبها متى شاء وفي أي وقت وظرف كان.
- إنَّ التعامل مع الكتاب الإلكتروني هو أمر مختلف تماماً، فهو يفسح المجال أمام المؤلف ليقوم بنشر كتابه بنفسه؛ وذلك إما بإرساله للموقع الخاص بالنشر؛ إذ يقوم المؤلف باختيار الموقع الذي يريده على حسب ذوقه ورغبته، أو يرسله إلى موقعه الخاص نفسه.
- من البديهي أن نقول إنَّ أبرز الفروقات بين القراءة الورقية العادية التقليدية والقراءة الإلكترونية الحديثة والمعاصرة هي أنَّ الكتاب الإلكتروني رخيص الثمن وأحياناً نحصل عليه مجاناً، في حين الكتاب الورقي ثمنه أغلى وسعره مرتفع.
- يمنحك الكتاب الإلكتروني القدرة على تخطِّي القيود والحواجز والتعقيدات والأنماط التي يفرضها عليك الكتاب الورقي، فأمام الكتاب الإلكتروني تجد نفسك حراً طليقاً بلا قيود وأيضاً بلا شروط.
ما هي عيوب ومساوئ القراءة باستخدام الكتب الإلكترونية؟
- يمكن أن يواجه المستخدم مشكلة صغيرة، لكن لا يمكن إهمالها ولا يمكن تجاهلها؛ ألا وهي مشكلة تعطُّل قارئ الشاشة أو القارئ الإلكتروني وارتفاع سعرها وتقادمها بسبب التطورات السريعة والرهيبة لعجلة التقنية المعاصرة.
- توجد مشكلة أخرى قد تواجه المستخدم الإلكتروني؛ ألا وهي مشكلة قلة عدد العناوين المكتوبة في صيغة إلكترونية ومتوفرة تحديداً باللغة العربية الفصحى.
- يمكن أن تصادف المستخدم مشكلة ثالثة؛ إذ إنَّ أسعار الكتب الإلكترونية مرتفعة وأكثر غلاء من الكتب الورقية المطبوعة.
- تعاني الكتب الإلكترونية من مشكلات الحفظ والصيانة، وأنَّها لا تتوافق مع لغات البرمجة وخصوصاً الرموز والأكواد البرمجية.
- مشكلة كبيرة تتعلق بفئة الكُتَّاب ومؤلفي الكتب وفئة القراء تتعلق بأمور الطباعة وحقوق الملكية والنشر وسياسة الخصوصية.
أساليب دسمة وهامة لتشجيع أطفالنا الصغار على المطالعة:
- أن نعوِّد أطفالنا على القراءة كل يوم ولو بجزء صغير من كتاب قد لا يتجاوز الصفحة الواحدة أو الصفحتين.
- أن يشتري الأهل لطفلهم قصة واحدة كل يوم، وأن يقرأها الأطفال على مسامع والديهم.
- حرص الأهل على إنشاء بيئة ثقافية فكرية تساعد الأطفال على التهيئة والانغماس في جو القراءة والاستمتاع.
- لقد دلت الأبحاث والإحصاءات والدراسات العالمية على أنَّ الأطفال الذين يقرؤون يومياً مجلات أو كتباً أو قصصاً ويتابعون أفلام الرسوم المتحركة تطرح قصصاً وحكايات باللغة العربية الفصحى، هم أكثر ذكاءً وسرعة بديهة من باقي الأطفال العاديين، وأكثر سرعة في عمليات الاستيعاب والتركيز والحفظ، وينالون درجات أعلى في الاختبارات والمذاكرات والامتحانات.
- الأمر لا يقتصر على قراءة القصص فحسب؛ بل على الأهل أن يشجعوا أولادهم على القيام بقراءة كل شيء مكتوب بلغة واضحة وسهلة وسلسلة، سواء قائمة الطعام في المطعم حين يطلبون النادل، أم قراءة الإعلانات المنتشرة على الطرقات، أم قراءة العبارات التحذيرية الخاصة بحركة السير والمرور، أم قراءة نشرة الأخبار والأحوال الجوية ورسائل البريد والشريط الإخباري وكلمات الأغاني الفصيحة منها والعامية.
في الختام:
إنَّ المطالعة تساعد الإنسان على التنور والتعرف والتفريق بين حقوقه ليطالب بها، وواجباته ليؤديه؛ وذلك بهدف أن يصبح مواطناً صالحاً وفرداً فعالاً في مجتمعه، كما أنَّها تساعد الإنسان على البحث عن الحقيقة وكذلك في البحث عن أي موضوع أو مسألة تشغل باله وتفكيره.