المحتوى الإبداعي وطرقه

قد تشاهد فيلماً ثم تغلق حاسبك المحمول وتخلد إلى النوم، وقد تشاهد فيلماً آخر وتبدأ بمراسلة أصدقائك لتنصحهم بمشاهدته في أسرع وقت ممكن، وقد تسمع أغنية جديدة في السيارة وأنت متوجه إلى عملك صباحاً، وقد تستفيق من شرودك بفعل جمال كلمات ولحن أغنية جديدة أخرى وتحاول حفظ بعض منها للبحث عنها باستخدام "غوغل" فور وصولك إلى المكتب.



قد تقرأ مقطعاً من مقال أو قصيدة أو قصة على منصات التواصل الاجتماعي وتتابع التصفح، أو قد تستوقفك الكلمات لتكملها وتتساءل عن قائلها وتقرأ المزيد من مؤلفاته.

إنَّ القاسم المشترك بين ما أذهلك ونال إعجابك في الحالات الثلاث هو عبقرية الصانع؛ إنَّها بصمة الإبداع التي تشد القارئ نحو المحتوى، وتدفعه إلى إكماله وتترك أثراً في نفسه يستمر بعد انتهاء التعرض إليه، ولأنَّك تطالع محتوى مكتوباً الآن، يسرنا في هذا المقال أن نُحدِّثك عن كتابة المحتوى الإبداعي وطرائق الحصول على تحفة فنية مصنوعة من الأحرف والكلمات وعلامات الترقيم تعلق في ذهن قارئك وتترك أثراً إيجابياً في نفسه.

ما هو الإبداع؟

تتوالى كلمة إبداع ومشتقاتها اللغوية (مبدع، إبداعي، وغيرها) على مسامعنا يومياً، وكوننا ننشد بُلوغَ هذه الكلمة بكتاباتنا، لا بد أن نتوقف قليلاً عند معناها؛ إذ إنَّ معنى الإبداع في اللغة العربية هو الإتيان بشيء مبتكر لا نظير له، فيه من الجودة والإتقان ما يسبب دهشة المطلع عليه.

لأنَّنا نتحدث عن الكتابة الإبداعية، فنحن نقصد أنَّ الإبداع يكون عندما نكتب نصاً مميزاً ينال إعجاب القارئ ويثير دهشته ويترك أثراً في نفسه إما عن طريق إضافة المتعة إلى عملية القراءة أو الإعجاب بالزاوية التي تم استخدامها لتسليط الضوء على الموضوع.

من ثمَّ فإنَّ الإبداع لا يعني ابتكار موضوعات جديدة دائماً، ولكنَّه يعني تناول الموضوعات العادية بطريقة مبتكرة وغير مطروقة، ولعلَّ أول مثال تبادر إلى ذهني في هذا الصدد هو قول الشاعر "نزار قباني" وغزله بمحبوبته الطيبة الناعمة فقال: "أيتها الطيبة كعيون الأرانب، والناعمة كوبر الخوخة، أيتها النقية كأطواق الياسمين، والبريئة كمرايل الأطفال".

ليس "نزار قباني" أول من وصف حبيبته بالبريئة والطيبة والناعمة، ولكنَّ إبداعه الشعري وكتابته الإبداعية تجلت في التشبيهات التي أرفقها بكل صفة، فذكر مرايل الأطفال كناية عن الطفولة التي تُعَدُّ البراءة أبرز صفاتها، أما استعارة النعومة من وبر الخوخ والطيبة من عيون الأرانب الواسعة المستديرة فهي تشبيهات بديعة لم يسبقه إليها أحد من قبل، وهذا إن دل على شيء فإنَّه دل على نظرة قناصة للجمال وغواصة في التفاصيل.

طرائق كتابة محتوى إبداعي:

لا يمكن حصر نقاط معينة على أنَّها طرائق كتابة محتوى إبداعي، لكن توجد بعض الأساسيات التي لا يمكن إغفالها لتكون المخرجات محتوى إبداعياً لا مثيل له، وبعض هذه الأساسيات هي:

1. الموهبة:

إنَّ الكتابة الإبداعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالموهبة، ولا يمكن اختزال طرائق كتابة المحتوى الإبداعي بالموهبة وحدها، إلا أنَّها عنصر فعال جداً في ابتكار ما هو غير مألوف، وتناول ما هو مألوف بطريقة مبتكرة.

إذ تظهر بوادر الموهبة على الإنسان في سن الطفولة، فيكون الأطفال أصحاب موهبة الكتابة الإبداعية بارعين في اللغة وماهرين في اختيار المفردات التي تعبِّر عن حالتهم الشعورية وتصف المشاهد من حولهم، كما يكونون حساسين للغاية ومرهفين بشكل لا يمكن تصوره، فيتأثرون ويأخذون كلياً بملامح الجمال ويمعنون في التفاصيل.

غالباً إنَّ الأطفال ذوي موهبة الكتابة الإبداعية لا يلاحظون تفوقهم على أقرانهم في عملية التعبير سواء كان التعبير شفهياً أم كتابياً في دروس اللغة العربية، وهنا تقع المسؤولية على كاهل الأهل والمعلمين في لحظ بوادر هذه الموهبة وتوجيهها.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح لكتابة محتوى ناجح

2. الاطلاع والقراءة:

إذا ما عددنا كتابة المحتوى الإبداعي هي تدفق للكلمات والأفكار من رأس الكاتب إلى أوراقه، فلا بد لهذه الكلمات من مصدر، فحسب قوانين الطبيعية لا شيء يُخلق من العدم، وعليه فإنَّ القراءة وسعة الاطلاع تُعَدُّان من أهم طرائق كتابة المحتوى الإبداعي؛ وذلك لأنَّ الأفكار والمفردات والمعاني التي تدخل إلى الذهن بفعل القراءة هي المواد الأولية للمخرجات الإبداعية، وهي التي تولِّد في ذهن القارئ انطباعات مختلفة وتثير فيه الأسئلة والاستفسارات التي تكون الإجابة عنها على شكل كتابات إبداعية.

إنَّ القراءة المتنوعة من شأنها تعريض الكاتب إلى إبداعات الآخرين التي كانت هي الأخرى نتاج قراءاتهم وعملياتهم المنطقية على ما مر على رؤوسهم من أحداث وانفعالات؛ لذا فإنَّنا ننصح الباحث عن كتابة المحتوى الإبداعي أن يقرأ كثيراً، ومن مصادر وثقافات متنوعة، ولا يكتفي بنمط محدد يعجبه من الكتب؛ بل يجب أن يجرب الاطلاع على ما لا يعجبه وما لا يتفق معه، وأن يعتاد على سماع آراء الجهات جميعاً.

هنا سوف أورد نصيحة تلقيتها في خضم بحثي عن طرائق كتابة المحتوى الإبداعي باللغة العربية التي كانت "قراءة القرآن الكريم" الذي يُعَدُّ الإعجاز الأكبر الذي شهدته اللغة العربية، ونأمل هنا أن تكون القراءة بغاية التمتع باللغة السليمة الفصيحة التي كُتب فيها، والمعاني والتشابيه والتصاوير التي لا يضاهيها مثيل، فقراءة القرآن الكريم تقوِّم اللسان العربي الذي اعوج بفعل استخدام اللهجات المحكية، وتتيح للقارئ تشرُّب قواعد اللغة العربية نحواً وبلاغة.

3. التأمل والمشاهدة:

يُعَدُّ التأمل من طرائق كتابة المحتوى الإبداعي، ولا بد لنا على سبيل المثال هنا أن نتذكر قول "امرؤ القيس" واصفاً حصانه:

مِكرٍّ مِفرٍّ مُقبلٍ مُدبرٍ معاً

 

كجلمودِ صخرٍ حطَّه السيلُ من علِ

كيف للشاعر الفذ أن يصور لنا اندفاع فرسه في الوغى لو لم يقم باستخدام تشبيه الصخور الكبيرة التي تنزل من منحدر عالٍ؟ وأي زخم وأيَّة قوة دل عليهما هذا التعبير؟ وكيف كان له أن يضيفه إلى محتواه الإبداعي الشعري لولا أنَّه لم يتأمل ملياً بالصخور الكبيرة التي لا يقف شيء أمامها بفعل انحدارها من مكان عالٍ، فأضحى بفضل القوة والانحدار سريعاً زاخراً لا يقوى على مجابهته شيء.

كذلك يكون الأمر في جميع أنواع الكتابة الإبداعية، ففي السينما والتلفزيون يحتاج الكاتب إلى أن يتأمل الشارع والشخصيات وانفعالاتها وتصرفاتها ليستطيع المزج فيما بينها وابتكار أحداث وشخصيات جديدة، وفي القصص كذلك يحتاج الكاتب إلى أن يتأمل في الأجواء المحيطة، فعندما يصوِّر قاص أو روائي الغروب بعبارة: "كانت الشمس تغرق كقرص ذهبي في البحر"؛ فإنَّه لا شك تأمَّل ملياً في لحظات الغروب، فاستطاع بتأملاته تلك استحضار المفردات الكفيلة بنقل هذه الصورة من رأسه إلى رؤوسنا.

4. إتقان قواعد اللغة النحوية والصرفية والإملائية:

تخيل أنَّك تقرأ نصاً ساحراً يأخذك برقته وعذوبته، ثم فجأة ومن بين الكلمات المنسابة تظهر لك كلمة ركيكة أو غير مناسبة للمعنى أو مكتوبة بطريقة خاطئة أو تحتوي على خطأ نحوي فادح، ستشعر بلا شك بأنَّ أحداً قد صفعك فأيقظك من حلمك، فمن أهم قواعد وطرائق كتابة المحتوى الإبداعي باللغة العربية أو الإنجليزية أو الهندية أو التركية أو أيَّة لغة أخرى إتقان قواعد هذه اللغة بجميع تفرعاتها الإملائية والنحوية والصرفية؛ وذلك لأنَّ الأخطاء اللغوية تضعف النص وتقلل من قيمته الإبداعية وتحول تركيز القارئ عن المعاني الموجودة فيه.

لا بد أيضاً من إتقان قواعد كتابة اللون الأدبي بوصفها واحدة من قواعد وطرائق كتابة المحتوى الإبداعي، فلا يمكن أن تكتب قصيدة شعر عمودي إبداعية وأنت لا تعي شيئاً عن الأوزان والقوافي، ولا يمكن تسمية مقطوعتك النثرية قصة إبداعية ما لم تلتزم بعناصر القصة من زمان ومكان وحدث وحبكة.

5. الابتعاد عن التقليد:

إذا ما لمست نجاح كاتب معين في صناعة محتوى إبداعي، فلا تظننَّ أبداً أنَّ تقليده يندرج ضمن طرائق كتابة المحتوى الإبداعي؛ إذ إنَّ التقليد هو أسوأ فخ يمكن أن يقع فيه أي كاتب محتوى، وهو قاتل كل إبداع موجود لديك؛ وذلك لأنَّه يشغلك عن صقل تفردك بتقليد الآخرين الذي لن يجديك نفعاً.

ما هو الفرق بين كتابة المحتوى الإبداعي وغيره من المحتوى؟

قبل أن نخوض في الفرق بين كتابة المحتوى الإبداعي وغيره من المحتوى لا بد لنا من التوضيح أنَّ كتابة المحتوى الإبداعي ليست مقرونة بنمط معين، فالمقالات والقصائد والنصوص النثرية والسيناريوهات التلفزيونية والسينمائية والرسائل والإيميلات كلها يمكن أن تكون مكتوبة بطريقة إبداعية أو بطريقة عادية ومطروقة، أما عن الفرق بين كتابة المحتوى الإبداعي وغيره من المحتوى فيكمن في هذه النقاط:

1. الهدف من الكتابة:

يؤثر الهدف من كتابة المحتوى في إمكانية كونه إبداعياً أو عادياً، ففي الوثائق الرسمية التي يتم تناقلها بين الدوائر الحكومية لا حاجة لوجود محتوى إبداعي، فالغرض من الكتابة هنا هو إثبات الطلب أو توثيقه، مثل طلب مدير من قسم المحاسبة صرف مكافأة لأحد العناصر، وفي هذه الحالة لا داعي للتنميق والبلاغة، ولكنَّ هذا لا ينفي كون الكتابة الإبداعية تُحدث فرقاً في الوثائق الرسمية، فكم من طلب توظيف تم قبوله بفضل الرسالة المرفقة به وأسلوب الطرح الذي استُخدم فيها والذي استطاع التأثير بالجهة الموظفة وإقناعها؟

إقرأ أيضاً: ما هو الفرق بين كتابة المحتوى التسويقي وكتابة المحتوى، وأيهما أفضل؟

2. أسلوب الكتابة:

من أوجه الفرق بين كتابة المحتوى الإبداعي وغيره من المحتوى هو أسلوب الكتابة وطريقة الطرح التي تم فيها تقديم الموضوع، فكثر هم الشعراء الذين كتبوا عن الوطن، لكنَّ "محمود درويش" و"مظفر النواب" كانا الأفضل بفضل أسلوبهما الإبداعي الفريد وطرائق تناولهما للرموز والأيقونات.

إقرأ أيضاً: 6 حلول مبتكرة للقضاء على عوائق الإبداع

3. هامش الحرية:

في كثير من الأحيان يكون الغرض من الكتابة هو إيصال المعلومة أو توضيح الفكرة، فلا يملك الكاتب هامش حرية واسعاً في كتابة ما يدور في خلده؛ لذا فإنَّ الفرق بين كتابة المحتوى الإبداعي وغيره من المحتوى هو في تسبب أي تلاعب لفظي بالتخفيف من دقة المحتوى.

كما هو الحال في التقارير الطبية التي تُرفَق بالصور الشعاعية؛ إذ يكتب الطبيب تشخيصه، أو في المراسلات التي تتم بين الشركات وتحتوي على توصيف لبضاعة أو صفقات معينة، وفي هذه الحالات لا مجال للمجاز والبلاغة، فهل لك أن تتخيل أن يكتب طبيب في تقرير "وجدنا في الصورة الشعاعية لرئة المريض بقعة سوداء حالكة كعيني حبيبتي"؟!

شاهد بالفيديو: كيف تكتب محتوى إبداعي؟

في الختام:

إنَّ كتابة المحتوى الإبداعي ليست أمراً سهلاً، ولكنَّها في الوقت ذاته ليست أمراً مستحيلاً؛ إذ إنَّه موضوع يحتاج إلى التركيز والثقة بالنفس والموهبة والسعي نحو إثرائها عن طريق زيادة المعرفة وتوسيع المدارك، وإنَّ كتابة المحتوى الإبداعي هي طريقة فريدة لإنشاء هوية شخصية خاصة بالكاتب تجعل منه نقطة علام بين بحور الكتَّاب وتحول اسمه إلى قمر يسطع بين النجوم.




مقالات مرتبطة