المجالات الخمسة للنمو الشخصي

يتعلَّق النمو الشخصي بالجودة وليس بالكمية، فما هي مجالات النمو الشخصي التي ترغب في تحسينها؟ حدِّد ما الذي يخدمك وما الذي يعوقك، فإذا أزلت الأشياء التي تعوق نموك، ستوفِّر مساحة للأشياء التي تجلب لك السعادة، وإذا كنت تطمح إلى النمو الشخصي، فعليك التركيز على نفسك.



فيما يأتي 5 مجالات للنمو الشخصي وكيفية تحسينها:

1. الوعي الذاتي:

يترك الناس رحلة حياتهم تسير على هواها؛ إذ يُظهرون ردود فعلهم تجاه ما يحدث معهم، بدلاً من الاستجابة لها بتعقُّل، وذلك لأنَّ الاستراتيجيات التي اعتمدوها في الماضي باتت الأساس الذي يسيرون وفقه في حياتهم، فبقيت معظم السلوكات المكتسبة خلال مرحلة الطفولة كما هي، وأصبحوا يثقون في هذه الاستراتيجيات دون وعي لأنَّها نجحت في الماضي؛ أي إنَّها على الأقل ساعدتهم على النجاة من مصاعب الحياة في ذلك الوقت.

لذا سيساعدك الوعي الذاتي على تحديد ردود الفعل التلقائية هذه، ووضعها موضع الشك انطلاقاً من شخصيتك الآن، ففي بعض الحالات قد ترى أنَّها مناسبة تماماً وغير ضارَّة، وفي حالات أخرى، ستدرك النقيض كم ذلك تماماً؛ إذ سترى أنَّ بعض الخيارات التي خدمتك في الماضي لم تعد تصبُّ في مصلحتك بوصفك شخصاً بالغاً، فقد تكون بعض هذه السلوكات المُكتسبة سامَّة جداً، ومن ثمَّ ستعوقك جداً في حياتك المهنية وعلاقاتك وحياتك.

فيجب ألَّا تحكم على نفسك لأنَّك اتبعت السلوكات هذه أكثر مما ينبغي، إضافةً على ذلك، لا تندم لأنَّك استخدمتها في الماضي، لأنَّها من المحتمل ساعدتك على تجاوز بعض الأوقات الصعبة؛ إذ تكمن الحيلة في تقبُّلها كما هي، والامتنان لما حقَّقته في الماضي، واختيار طريقة أخرى ستخدمك الآن وفي المستقبل.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح للتطوير الشخصي وتحقيق النمو المستمر.

2. التحكُّم:

يحب البشر التحكُّم أو على الأقل فكرة التحكُّم بكل شيء؛ إذ نربط التحكُّم بالأمان، وهذا الأمر منطقي تماماً، وهو مثال عن آلية عمل العقل المعرفي المنطقي، فإذا تحكَّمت في الأحداث، يمكنك حماية نفسك وستكون بأمان.

فنحن مجبولون على الحاجة إلى الأمان، فوفقاً لعلماء الطبيعة، هذا هو سبب بقائنا على قيد الحياة اليوم، ومع ذلك فإنَّ تطور الدماغ البشري يجعلنا مختلفين عن الكائنات الأخرى.

إذ لم نعد نحتاج إلى الخوف على سلامتنا الجسدية بالقدر الذي كان يخافه أسلافنا، وذلك لا يعني أنَّنا تحررنا من الخوف والقلق، بل بخلاف ذلك، فإنَّ القلق هو أحد أكثر الحالات إرهاقاً في العالم المتقدِّم.

فأحد الاختلافات بين الخوف والقلق هو أنَّ الخوف مبني على الواقع والقلق ليس كذلك، فنحن نقضي كثيراً من وقتنا في القلق بشأن العوامل الخارجية والمستقبل، لكن ما يهم هو ما نركِّز عليه، فما الذي نريد أن نتحكَّم به؟ وما الذي نتحكَّم به بالفعل؟

الجواب هو التحكُّم بأنفسنا، لا أكثر ولا أقل، فالعوامل الخارجية هامَّة في حياتنا، لكن الأهم هو كيفية استجابتنا لها، وتصورنا لها، ومقدار القوة التي نمنحها لها، فكل هذا العمل الهام يجري في داخلك؛ لذا إذا كنت تريد أن تكون متحكِّماً بشيء، فركِّز على أفكارك ومعتقداتك وقيمك.

3. القبول:

يقول الطبيب النفسي السويسري "كارل يونغ" (Carl Jung): "إنَّ ما نقاومه يستمر"، فعندما نسمح لحدث ما بتعكير صفو حياتنا، فإنَّنا نتخلَّى عن قوتنا، فلا يهم ما إذا كان ما يزعجك هو شخص، أو مشكلة تقنية، أو حتى فكرة تتكرَّر في رأسك، فإذا تركتها تؤثر فيك سلباً، ستفقد السيطرة على عواطفك.

يوصي المؤلف "شيرزاد شامين" (Shirzad Chamine)، مؤلف الكتاب الذي يحمل اسم "الذكاء الإيجابي" (Positive Intelligence)، بأن نتعامل مع الأفكار والتصورات غير المرغوب فيها بنفس الطريقة التي نتعامل فيها مع المحفِّزات الجسدية، على سبيل المثال، إذا مسكت وعاءً من الموقد وكان المقبض ساخناً، ستضعه جانباً على الفور، وسيختفي الشعور بالألم في غضون عشر ثوانٍ تقريباً، بشرط ألَّا تكون عتبة الألم لديك عالية جداً.

إذاً لماذا عندما يحدث معنا شيء ما غالباً ما نشعر بالقلق حياله لبقية اليوم، وربما لأيام عدة، فما حدث حدث، ولا يمكننا فعل أي شيء حياله، فلماذا نستهلك كثيراً من الطاقة في التساؤل: ما هو الشيء المختلف الذي كان يمكن أن أفعله؟ لماذا كان هذا الشخص غبي جداً؟ لماذا كنت غبي جداً؟ لماذا لم أصغ إلى حدسي؟ ما الذي كان من الممكن أن أفعله بأسلوب مختلف؟

فقد تقود بعض من هذه الأسئلة مع أنَّها ليست مفيدة في حدِّ ذاتها إلى تصرفات إيجابية، بدلاً من اجترار الأفكار العقيمة، على سبيل المثال، قد يؤدي طرح سؤال: "لماذا لم أصغ إلى حدسي؟" إلى الإصغاء إلى حدسك وقلبك عند اتخاذ قرار هام في المستقبل.

لذا استخدم قاعدة العشر ثوان؛ حدِّد ما تشعر به، كالإحباط والغضب وخيبة الأمل واللوم والشفقة على الذات، أو أي شيء آخر، وركِّز عليه لمدة عشر ثوانٍ، ثمَّ اعترف به واحترمه ودعه يخرج منك، حافظ على عواطفك دون أي مشاعر سلبية؛ إذ سينشئ هذا مساحة للإيجابية والحلول العملية.

يوصي المدرِّس الألماني "إيكهارت تول" (Eckhart Tolle) بالتخلي عن التصور القائل: إنَّ "هذا يحدث لي"، والذي سيؤدي بالتأكيد إلى الشفقة على الذات، والشعور بأنَّك ضحية، ممَّا يؤدي إلى التخلي عن قوتنا.

كما قال المؤرِّخ "يوفال نوح هراري" (Yuval Noah Harari): "ينشأ الألم من الرغبة، والطريقة الوحيدة للتحرر الكامل من المعاناة هي التحرر الكامل من الرغبة، والطريقة الوحيدة للتحرر من الرغبة هي تدريب العقل على تجربة الواقع كما هو".

إذاً ما يهمُّ هو القبول، فهو صديق السلام؛ لذا إذا كنت تطمح إلى تحسين مجالات نموك الشخصي، فلا ترفض الأشياء، بل تقبَّلها، واستمر في حياتك.

4. معرفة نفسك:

ما مدى معرفتك بنفسك؟ وكيف يقارن تصورك لنفسك مع الطريقة التي يراك بها الآخرون؟

يُقال: "لا يعنيني ما يعتقده الآخرون عني"، فما مدى فائدته من حيث المجالات المختلفة للنمو الشخصي؟

قد يكون من المغري التنازل عن هويتنا من أجل الحصول على القبول من الآخرين، فغالباً ما تحدُّ العوامل الثقافية، سواء كانت عائلية أم وطنية، من ثقتك في أن تكون على طبيعتك، فإذا كنت تريد أن تعرف نفسك، فعليك أن تبحث بعمق وتجد ذاتك الحقيقية؛ إذ يعدُّ تحديد قيمك الأساسية طريقة مفيدة للبدء، فمعرفة قيمك بوعي ستمكِّنك وتعزِّز ثقتك بنفسك.

لقد كتب الفيلسوف الألماني "أكسل هونيت" (Axel Honneth): "إنَّ الثقة الأساسية بالنفس ليس لها علاقة بالتقدير العالي لقدرات الفرد، بقدر ما تتعلَّق بالقدرة الأساسية على التعبير عن الاحتياجات والرغبات دون الخوف من أن يُتخلَّى عنك نتيجة لذلك".

يستخدم "أكسل" هذا المفهوم في سياق الصدمات المحتملة التي حدثت في طفولتك، فمن خلال الفحص، إمَّا بنفسك، أو بمساعدة معالج، أو كوتش، يمكنك أن تفهم أكثر كيف كوَّنت ردود أفعالك وتصوراتك للأحداث الماضية الشخص الذي أنت عليه اليوم، فسيكون لديك معتقدات مخفية في عقلك والتي تحدُّ كثيراً من إمكاناتك وتقديرك لذاتك وسعادتك، لذا سلِّط الضوء عليها.

فمن خلال معرفة نفسك، يمكنك تحديد مكانك، والمكان الذي تريد أن تكون فيه، وكيفية الوصول إليه، وستنمِّي الشخص الذي أنت عليه الآن ليناسب تطلعاتك وأحلامك.

إقرأ أيضاً: كيف تتعرف على نفسك وتُحسّن ذاتك؟

5. تجنُّب معرفة كل شيء:

يعدُّ قبول ما لا تعرفه جزءاً من عملية النمو الشخصي؛ إذ يبحث البشر عن العزاء في المعرفة، من أجل الشعور بالراحة، والفكرة القائلة إنَّ المعرفة توفر الأمان هي بالطبع مجرد خرافة؛ لذلك تعدُّ القدرة على قبول ما لا نعرفه خطوة هامَّة في رحلة النمو الشخصي في مجالات حياتنا؛ إذ يسمح لك ذلك بالتخلي عن بعض الأمور والثقة بنفسك، ممَّا يمكن أن يزيل التوتر والقلق.

فمجرد الاستسلام لكل ما يحدث وقد يحدث في المستقبل هو تجربة مُحرِّرة، فعندما تتوقف عن استهلاك الطاقة في جهود لا طائل منها "للتحكم" و"المعرفة"، ستندهش من كيفية زيادة مستويات طاقتك البدنية.

إقرأ أيضاً: فهم عقلية النمو

في الختام:

يعزِّز الوعي والتحكم الداخلي والقبول والمعرفة الحقيقية رحلتك لتحسين مجالات مختلفة من نموك الشخصي؛ إذ لا يمكنك النمو إلا من خلال معرفة نفسك.

المصدر




مقالات مرتبطة