اللابؤريّة: أعراضها، وأسبابها، وأنواعها، وعلاجها

يُستخدَم مُصطلح اللابؤريّة لوصف تشوّه شكل سطح العين الذي يُدعى القرنيّة، والقرنيّة نسيجٌ شفافٌ مُقوَّسٌ في الحالة الطبيعية، لكن عند الإصابة باللابؤريّة يصيب هذا التقوس تشوهٌ غير طبيعي يمنع تموضع الصورة الداخلة إلى العين فوق الشبكية تماماً مما يؤدي إلى عدم وضوح الرؤية. تتخذ القرنية في الحالة الطبيعية شكلاً مقوَّساً كتقوُّس سطح الكرة، لكن في حالة الإصابة باللابؤرية يتَّخذ سطح القرنية شكلاً يشبه طرفي ّكرة الركبي (كرة متطاولة الطرفين) مما يؤدي إلى تموضع الصورة الداخلة إلى العين فوق مكانين مختلفَيْن في الجزء الخلفي من العين، وهذا يسبب ضبابيّة الرؤية. قد يكون سبب اللابؤريّة أيضاً خللٌ في شكل العدسات التي تقع خلف القرنية داخل العين.



أوَّلاً: تشخيص اللابؤريّة

تشخيص اللابؤريّة

لا يدرك العديد من الأطفال الذي يولدون مصابين باللابؤرية أنَّهم مصابون بها إلَّا حينما يذهبون لإجراء فحص العبون. لكن إذا كان الطفل يعاني من اللابؤريّة دون أن يعلم بذلك قد تتأثر قدرته على القراءة وتركيز الاهتمام في المدرسة، لذلك يُعَدُّ إجراء فحوصات دورية للعيون أمراً مهمَّاً.

قد يستخدم أيّ أخصائي عيون واحدةً من الأدوات الآتية لفحص العيون:

  • اختبار حدة البصر: يتضمّن هذا الاختبار قراءة الحروف المكتوبة على لوحةٍ يتضاءل فيها حجم الحروف تدريجيَّاً في كل سطر.
  • اتصال اللابؤرية: لوحٌ تظهر فيه سلسلة من الخطوط تشكل معاً نصف دائرة. يرى الأشخاص الذين يمتلكون بصراً صحيحاً الخطوط بوضوح بينما يرى الأشخاص الذين يعانون من اللابؤرية بعض الخطوط بوضوحٍ أكثر من بعضها الآخر.
  • جهاز تشخيص صحة العيون (ophthalmometer): يفحص هذا الجهاز الضوء المُنعكِس من سطح القرنية ويقيس درجة تقوُّس القرنية ويمكنه أن يحدّد إلى أيّ مدىً يُعَدُّ تقوُّس القرنية غير طبيعي.
  • اختبار تضاريس القرنية (Corneal topography): يعطي هذا الاختبار الأخصائيين مزيداً من المعلومات عن شكل القرنية وتحدّبها.

بالنسبة إلى الأطفال توصي "جمعية فحص العيون الأمريكية" (American Optometric Association) بفحص عيون الأطفال حينما يبلغون 6 شهور، و3 سنوات، وقبل الدخول إلى الصف الأول، وكل سنتين بعد ذلك. أمَّا بالنسبة إلى الأطفال المعرضين بشدّة لخطر الإصابة باللابؤرية يُنصح بفحص عيونهم كل عام. في المقابل يجب على البالغين أن يفحصوا عيونهم كلّ عامين، أو كلّ عامٍ إذا كانوا يعانون من أمراضٍ مزمنةٍ كالسكري.

ثانياً: أعراض اللابؤرية

فيما يلي أشهر علامات الإصابة باللابؤرية وأعراضها:

  • رؤية الصّور مُلطَّخةً ومُشوَّهةً من جميع المسافات.
  • ألمٌ في الرأس.
  • المبالغة في التحديق مُطوَّلاً في الأشياء من أجل رؤيتها بشكلٍ أفضل.
  • إصابة العين بالإجهاد، لا سيما حينما تُضطر إلى تركيز الانتباه فتراتٍ طويلةً، مثلما يحدث عند قراءة الأوراق أو النظر في شاشة الكمبيوتر.
  • صعوبة قيادة السيارة في الليل.

قد لا يكون الشخص الذي يعاني من هذه الأعراض مصاباً باللابؤريّة لكن من الأفضل أن يفحص عينيه ليتأكَّد من ذلك.

إقرأ أيضاً: أمراض العين علاجها وطرق الوقاية منها

ثالثاً: أسباب الإصابة باللابؤرية

تحدث اللابؤرية حينما تتغير درجة تقوُّس القرنية، أو عدسة العين، أو كليهما. والقرنية -مثلما ذَكَرْنا- نسيجٌ شفاف يغطي مُقدَّمة العين يوجِّه الضوء الذي يمر عبره إلى الجزء الخلفي من العين ويحميها في الوقت نفسه من الأمراض والتلف.

تستطيع القرنية السليمة أن تلوي أشعّة الضوء الداخلة إلى العين، أو تكسرها، بشكلٍ صحيح. في المقابل تتخذ قرنية الشخص المصاب باللابؤرية شكلاً بيضويَّاً غالباً، فتكون درجة تقوُّسها مختلفةً عن درجة تقوُّس القرنية السليمة، تُعرَف هذه الحالة في بعض الأحيان باسم "اللابؤرية الناجمة عن تشوه القرنية" (corneal astigmatism).

نتيجة اختلاف درجة تقوس قرنية العين المصابة باللابؤرية عن قرنية العين العادية السليمة تسقط أشعة الضوء على موضعين مختلفين من الشبكية عوضاً عن موضعٍ واحد. يؤدي هذا إلى ضبابيةٍ في الرؤية ورؤية صورة مزدوجة في بعض الأحيان إذا كانت اللابؤرية التي أصابت الشخص شديدة.

من غير الواضح تماماً لماذا تتخذ القرنية عند بعض الناس شكلاً مقوَّساً مختلفاً عن الشكل المُقوَّس الذي تتخذه القرنيات لدى باقي الناس، لكن قد يكون للعامل الوراثي دورٌ في ذلك.

تُعَدُّ نسبة الإصابة باللابؤرية عند الأطفال الذين يولدون مبكراً أكبر من نظيرتها لدى الأطفال الذين يولدون في الموعد الطبيعي. وقد تؤدي أنواع معينة من العمليات أو الإصابات التي تتعرض لها العين إلى إلى ظهور نُدبات على قرنية العين تسبب الإصابة باللابؤرية.

ثمَّة أيضاً اضطرابٌ تنكُّسي يصيب العين تتناقص فيه ثخانة القرنية تدريجياً وتتخذ شكلاً مخروطياً، حيث تُدعى هذه الحالة القرنية المخروطية (Keratoconus). قد يؤدي هذا إلى الإصابة بمرضٍ يُعرَف باسم "اللابؤرية غير النظامية" (irregular astigmatism).

رابعاً: علاج اللابؤرية

إذا كانت اللابؤرية التي يعاني منها الشخص خفيفةً قد لا يصف الطبيب أيّ علاجٍ أبداً. لكن في الحالات الأخرى تُستخدَم عادةً العدسات التصحيحية وقد يستفيد بعض الناس من إجراء عمليات يُستخدَم فيها الليزر.

1- استعمال "العدسات التصحيحية" لعلاج اللابؤرية:

تَكْسِر "العدسات التصحيحية" أشعة الضوء القادمة إلى العين بشكلٍ يُصَلّحُ الخطأ الذي تسببه عملية تكسير الضوء بطريقة غير صحيحة، فتسقط الصورة على الموضع المناسب في شبكية العين، الأمر الذي يؤدّي إلى وضوح الرؤية.

قد تكون العدسات التصحيحية إمَّا نظاراتٍ يرتديها الشخص أو عدساتٍ لاصقةً يضعها في عينيه. يُذْكُر عادةً في الوصفات الطبيّة الخاصة بقصر النظر ومد النظر قوة العدسة التي يحتاج إليها الشخص لإصلاح بصره.

تحتاج العدسات التي تُستخدَم في علاج اللابؤرية إلى:

  • درجة من التحدّب لعلاج قصر النظر أو مدّ النظر.
  • عدسات بقوة اسطوانية (عدسات تُحوِّل الضوء العابر منها إلى خطٍّ مستقيم عوضاً عن نقطة) لإصلاح اللابؤرية.
  • تعيين المحور الذي يحدد موضع التصحيح الاسطواني.

قد يكون ارتداء النظارات ملائماً أكثر للأطفال الذين يبلغون من العمر أقل من 12 عاماً. من ناحيةٍ أخرى يجب على أيّ شخصٍ يستخدم العدسات اللاصقة أن يحرص على نظافتها للتقليل من خطر إصابة العين بالأمراض.

2- علاج الانكسار القرني (Orthokeratology):

يتضمَّن هذا العلاج ارتداء عدساتٍ قاسيةٍ مصممةٍ خصيصاً للمريض -يستخدمها خلال الليل على سبيل المثال- تعيد القرنية إلى شكلها الطبيعي. لا يُحسِّن هذا العلاج البصر بشكلٍ دائم، بل قد يجد الشخص أنَّه يستطيع الرؤية بشكلٍ أفضل طوال النهار بعد وضع تلك العدسات. يوجد مجموعة واسعة من أنواع العدسات التي يمكن أن تختار ما يناسبك منها.

خامساً: أنواع اللابؤرية

إلى جانب أشهر أنواع اللابؤرية -اللابؤرية الناجمة عن تشوه القرنية- ثمَّة أشكالٌ أخرى من اللابؤرية يمكن أن تصيب الإنسان منها:

اللابؤرية الناجمة عن تشوُّه العدسات:

يشبه هذا النوع من اللابؤرية النوع الذي سببه تشوه القرنية لكنَّه يؤثر في العدسات عوضاً عن القرنية. إذ عوضاً عن اتخاذ العدسات شكلاً متحدباً مثالياً تختلف درجة تحدُّب العدسة عند الإصابة بهذا النوع من اللابؤرية مما يؤدي إلى وصول الصورة مشوَّهةً إلى مؤخرة العين أو الشبكية. يمتلك معظم الناس الذين يعانون من اللابؤرية الناجمة عن تشوه العدسات قرنياتٍ ذوات أشكالٍ طبيعية.

طُرقٌ أخرى تُستخدَم لتصنيف اللابؤرية:

يُمكن أن تُصنَّف اللابؤرية أيضاً وفقاً لأسبابٍ أخرى متعلقة بامتناع وصول الضوء على الشبكية بشكلٍ صحيح:

1- اجتماع اللابؤرية مع قصر النظر: تحدث هذه الحالة حينما تجتمع اللابؤرية مع قصر النظر ويؤدي التحدب الناجم عن الإصابة بكِلتا الحالتين إلى تموضع الصورة الداخلة إلى العين أمام الشبكية.

2- اجتماع اللابؤرية مع مد النظر: تحدث هذه الحالة حينما يجتمع مدّ النظر مع اللابؤرية ويؤدي التحدب الناجم عن الإصابة بكِلتا الحالتين إلى تموضع الصورة الداخلة إلى العين خلف الشبكية.

3- اللابؤرية المختلطة: تحدث هذه الحالة حينما يكون هناك حالتا تحدُّب إحداهما تسبب قصر النظر والأخرى مد النظر.

قد تكون اللابؤرية أيضاً إمَّا نظاميّة وإمَّا غير نظاميّة، فإذا كانت اللابؤرية نظاميةً يكون التحدُّبان (الخاصين بالقرنية) متموضعين بشكل زاويةٍ مقدارها 90 درجة بالنسبة لبعضهما البعض. أما في حالة اللابؤرية الغير نظاميّة يكون التحدُّبان متموضعين بشكل زاويةٍ ليست 90 درجة بالنسبة لبعضها البعض.

واللابؤرية الغير نظامية يمكن أن تحدث نتيجة رضٍّ، أو عمليّةٍ جراحيّة، أو مرضٍ يصيب العين يُعرَف باسم القرنية المخروطية حيث تَرِقُّ القرنيّة بشكلٍ تدريجي.

سادساً: العمليات التي يمكن إجراؤها لعلاج اللابؤرية

يمكن أن يُعالَج بعض الأشخاص الذين يعانون من اللابؤرية عن طريق عمليةٍ تُجرى للعين باستخدام الليزر، أشهرها عملية الليزك (LASIK):

1- عملية الليزك: يستخدم الطبيب في هذه العملية جهازاً يُدعى "الكيراتوميتر" (Keratometer) لإزالة طبقة رقيقة ومدورة من القرنية. يرفع الجراح الطبقة المُزالة ويقوم بتعديل شكل القرنية باستخدام نوعٍ من أشعة الليزر يُدعى "الإكزيمر". يُعَدُّ الألم الذي تسببه عملية الليزك أقل من الألم الذي تسببه العمليات الأخرى ويستعيد المريض بصره بعدها ببضعة أيام.

ومن الخيارات الأخرى لعلاج اللابؤرية باستخدام عمليات الليزر:

2- عملية استئصال القرنيّة بالضوء (Photorefractive keratectomy): تُزال في هذه العملية بعض الطبقات الخارجية التي تحمي القرنية، ويتم تغيير شكل القرنية عن طريق إزالة بعض الأنسجة باستخدام أشعة الـ "إكسيمر". حينما تُشفى القرنية ويتخذ القوسان المُشكِّلان للتحدب عادةً شكلاً متناظراً وكرويَّاً أكبر. قد تسبب هذه العملية ألماً تتراوح شدته بين المتوسط والشديد.

3- عملية التقرّن الظاهري بالليزر (Laser epithelial keratomileusis):

يزيل الجَرَّاح في هذه العملية طبقةً رقيقةً من القرنية ويُستخدَم الليزر لتغيير شكلها ثم يُستبدل نسيج القرنية. تُعَدُّ الطبقة التي تُزال بهذه العملية رقيقةً للغاية مما يجعل العين أقلّ عُرضةً للأذى أو الإصابة موازنةً بما قد تتعرض له عند إجراء عملية استئصال القرنيّة بالضوء (Photorefractive keratectomy). يُفضَّل إجراء هذه العملية في بعض الأحيان إذا كانت قرنية الشخص رقيقةً وإذا كان المصاب لا يستطيع إجراء عملية الليزك، لكنَّها تُسبب عادةً ألماً أشدّ من الذي تسببه عملية الليزك.

إقرأ أيضاً: التنكس البُقَعي: أنواعه، وأسبابه، وأعراضه، وطرق علاجه

سابعاً: لماذا يجب علينا تجنُّب إجراء العلميات التي يُستعمَل فيها الليزر؟

قد لا يكون إجراء عملية لعلاج العين من اللابؤرية مناسباً في الحالات الآتية:

  • إذا كان عمر المريض أقل من 18 عاماً.
  • إذا كانت حاسة البصر عند المريض غير مستقرة، كما هو الحال مع كبار السن على سبيل المثال، إذ يجب أن تكون حالة البصر مستقرةً مدة عامٍ على الأقل قبل إجراء العملية.
  • إذا كان المريض مصاباً بالسكري، لأنَّ العملية قد تزيد حالات التشوهات التي سبَّبَها السكري في العين سوءاً.
  • إذا كانت المرأة حاملاً أو مُرضعاً لأنَّ عدم استقرار الهرمونات في جسمها قد يجعل نتيجة العملية غير مضمونة.
  • إذا كان الشخص يعاني مرضاً مناعيَّاً كالتهاب المفاصل الروماتويدي، أو الذِّئْبَة، أو فيروس نقص المناعة المكتسب لأنَّ هذه الأمراض تجعل التعافي أصعب بعد العملية.
  • إذا كان الشخص يعاني حالياً من مرضٍ آخر في عينيه كإعتام عدسة العين والمياه الزرقاء، في هذه الحالة يجب على المريض أن يُعالج هذه الأمراض أولاً.
  • إذا كان الشخص يتناول أنواعاً مُعيَّنةً من الأدوية كالـ "آيزوتريتينوين" (Isotretinoin) أو الـ "بريدنيزون" (Prednisone) الذي يُؤخَذ عن طريق الفم.

ثامناً: مخاطر إجراء العمليات لعلاج اللابؤرية

من ضمن الأخطار التي قد تهدّد صحّة الإنسان في حال إجراء عملية لعلاج اللابؤرية:

  • الأخطاء الانكسارية (Refractive errors): يتسبّب الجَرَّاح بهذا الخطأ إذا أخطأ في تقدير الكمية التي يجب عليه أن يزيلها من النسيج فتسوء قدرة المريض على الرؤية.
  • انتكاس حالة المريض: ظهور عيوب في الرؤية تتكرر بعد إجراء العملية.
  • فقدان البصر: قد تسوء قدرة بعض الأشخاص على الرؤية بعد إجراء العملية.
  • جفاف العينين: تُعَدُّ هذه من المشاكل الشائعة التي تصيب المرضى بعد إجراء عمليات العيون.

يُعَدُّ احتمال ظهور مضاعفات على المريض بعد إجراء العملية ضعيفاً في معظم البلدان، لكن يجب على المريض أن يتأكَّد من أنَّ الجرّاح الذي سيُجْري له العملية مؤهلٌ وخبيرٌ وأن يُجْري عملية معاينة دقيقة قبل إجراء العملية.

 

المصدر




مقالات مرتبطة