الكرم أفضل وأسرع طريقة لتحقيق السعادة

في نهاية الأسبوع الماضي، استضفت مأدبة عشاء لموظفي منظمة ذي هوب إفكت (The Hope Effect) في الولايات المتحدة، هذه المنظمة غير الربحية التي أنشأناها في عام 2015 لتغيير طريقة رعاية العالم للأيتام، والتي وصل عدد الموظفين فيها الآن إلى 14 موظفاً، ثلاثة منهم في الولايات المتحدة (US)، و11 منهم في جميع أنحاء العالم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون جوشوا بيكر (Joshua Becker)، ويُحدِّثنا فيه عن نعمة الكرم.

في أثناء العشاء، سألت جو دراجو (Joe Darago)، المدير التنفيذي في المنظمة، ما إذا كان يريد أن يقول شيئاً ما.

في مرحلة ما في أثناء كلامه قال شيئاً لفت انتباهي على الفور: "نحن ممتنون للفرصة التي أُتيحت لنا لدعوة الآخرين لاستخدام مواردهم المالية في نشاطات أهم من الاقتناء".

أتذكَّر أنَّني فكرت في نفسي: "في الواقع نحن كذلك"؛ فكان الأمر مشابهاً لتعليق قاله لي أحد المنتورز ذات مرة: "لا تشعر بالحرج عندما تطلب من شخص ما التطوع معك، فأنت تقدم لهم معروفاً بمنحهم فرصة لخدمة الآخرين"، وفعلاً إنَّه من دواعي سرورنا أن ندعو الآخرين إلى قضية أكبر من ثرائهم الشخصي.

من الواضح أنَّه عندما نتبرع بأشيائنا التي لا نحتاج إليها وبأموالنا الإضافية ووقتنا المتاح، يمكننا أن نجعل الحياة أفضل لبعض الأشخاص الآخرين، وفي نفس الوقت إنَّ كرمنا مفيد لنا أيضاً.

أنا لا أقصد أنَّنا يجب أن نكون كرماء حتى نتمكن من الاستفادة من هذا الأمر شخصياً؛ بل يجب أن نكون كرماء من أجل الآخرين، وهذا هو دافعنا، لكن في نفس الوقت، يجب أن نتوقع المنفعة المعنوية، وعلينا قبولها بامتنان.

أنا أؤكد أنَّ الكرم يجعلني أشعر بالرضى عن نفسي، وعمَّا أفعله في حياتي، وأعلم أنَّني لست وحدي، لأنَّ معظم الأشخاص الكرماء يصرحون عن شعورهم بالرضى، والسعادة أيضاً؛ إذ إنَّ بعض الدراسات قد ربطت الكرم بعزيز الصحة البدنية.

شاهد بالفيديو: 8 طرق مثبتة علمياً لنيل السعادة

طبيعة الأشخاص الكرماء:    

لقد لاحظتُ أنَّ الأشخاص الكرماء لديهم علاقات أكثر إرضاءً، فالناس دائماً يستمتعون بصحبة الشخص الكريم بدلاً من صحبة الشخص البخيل، وينجذبون انجذاباً طبيعياً إلى الأشخاص الكرماء، والصديق الجيد هو أفضل هدية يمكن أن تقدمها لنفسك على الإطلاق.

يميل الأشخاص الكرماء أيضاً إلى تقدير الأشياء التي يمتلكونها؛ فالأشخاص الذين يتبرعون بممتلكاتهم يقدِّرون ممتلكاتهم المتبقية أكثر، والذين يتبرعون بالمال لا يقومون بتبذير أموالهم المتبقية، والذين يتبرعون بوقتهم يستفيدون من وقتهم المتبقي استفادة أفضل.

في الوقت نفسه يجد الأشخاص الكرماء معنى في أشياءٍ أخرى غير ممتلكاتهم المادية، وهذا الأمر هو ما كان يُعلِّق عليه جو في أثناء العشاء، فعلى الرَّغم من أنَّ معظم الأشخاص يربطون قيمتهم الذاتية بثروتهم، إلَّا أنَّ الأشخاص الكرماء يجدون قيمتهم في مساعدة الآخرين، ويدركون أنَّ حسابهم المصرفي لا يعبِّر عن قيمتهم الحقيقية.

لهذا السبب، لديهم رغبة أقل في "المزيد"؛ فقد وجدوا الرضى والمعنى والقيمة والعلاقات في أمور غير اكتساب الممتلكات، ولقد تعلَّموا أن يجدوا الفرح في الأشياء التي يمتلكونها، وأن يتخلوا عن الباقي؛ وبعبارة أخرى لقد وجدوا القناعة.

إقرأ أيضاً: البخل: كيف يمكن التخلّص منه والتحلّي بصفة الكرم والجود

أعظم فائدة للكرم:

لكن ربما تكون أعظم فائدة للكرم هي أنَّ الأشخاص الكرماء يدركون أنَّهم لديهم ما يكفي بالفعل؛ ففي كثير من الأحيان نسعى وراء "المزيد" بصرف النظر عن مقدار ما لدينا؛ إذ يبدو لنا أنَّنا نحتاج دائماً إلى المزيد سواء كان من الأشياء المختلفة أم من الأموال.

نحن نختار وظائفنا من أجل تأمين المزيد من المال، ونقضي أفضل ساعات يومنا في محاولة الحصول على المزيد، ونشعر بالغيرة عندما نرى أنَّ الأشخاص "الأقل استحقاقاً" لديهم المزيد، وكذلك نشعر بالقلق دائماً بشأن الحصول على ما يكفي، ولكنَّ هذه الرغبة المستمرة في "المزيد" لها آثار ضارة في مجتمعنا.

لقد أفاد 71% من الأشخاص أنَّهم يشعرون بالتوتر بشأن المال، ولا بد من وجود بعض من الناس ممن يعانون من هذا القلق بسبب حاجتهم الفعلية إلى المال، لكن بالنسبة إلى معظمنا، فإنَّ هذا الضغط في غير محله تماماً، ففي عالم يعيش فيه مليار شخص على راتبٍ قليل، تحدث معظم ضغوطاتنا المالية بسبب حاجتنا التي نحن من اختلقها.

إنَّ الكرم يغير من هذه الأفكار، ويساعدك على التخلص من السعي وراء "المزيد"، وهو يكشف لنا عن النعم بين أيدينا، ويذكِّرنا أنَّنا نمتلك أشياء أكثر ممَّا نحتاج إليه، إنَّه يوضح لنا مقدار ما يتعين علينا تقديمه، ومدى الخير الذي يمكننا تحقيقه، وكذلك يساعدنا على رؤية احتياجات الأشخاص الآخرين، ويُقدِّم بديلاً أفضل لأموالنا بدلاً من إنفاقها على أنفسنا.

إذا كان لديك الدافع لتكون أكثر كرماً، فحاول العيش مع القليل من الأشياء، ونظراً لأنَّ التقليل يوفِّر الموارد التي يمكنك مشاركتها، فشارك هذه الموارد بحريِّة وفرح، وستشعر بشعور رائع، وسيكون العالم مكاناً أفضل، وسوف تكتشف أنَّك لم تكن بحاجة إلى بعض الأشياء في المقام الأول.

إقرأ أيضاً: إكرام الضيف بين الدين والعادات والأخلاق

في الختام:

في هذا اليوم بالذات، تبرع بالملابس التي لا ترتديها، أو المعدات الرياضية التي لا تستخدمها، أو الكتب التي لن تقرأها، أو حتى الأثاث الذي يشغل مساحة بلا داعٍ، وقدِّم تبرعاً مالياً لمؤسسة خيرية تدعمها، واستثمر وقتك بواسطة التطوع في مكانٍ ما سواء في مأوى للمشردين أم أي مؤسسة غير ربحية من اختيارك؛ الكرم هو أفضل وأسرع طريقة لتحقيق السعادة وعيش حياة مؤثرة.

المصدر




مقالات مرتبطة