الكتابة الشبحية: أنواعها مزاياها وعيوبها

هل يكتب القادة والسياسيون سيرهم الذاتية وقصص حياتهم؟ وهل يمتلك الفنانون والمشاهير جميعاً الموهبة الكتابية التي تؤهلهم لسرد مذكراتهم بالرشاقة والسلاسة التي نقرؤها بها؟ وهل صادفتَ يوماً تحقيقاً صحفياً جريئاً يطال شخصيات بارزة في المجتمع دون أن يُذكر اسم الكاتب أو أن يتم التوقيع باسم وهمي؟ وهل ساعدت صديقك على إعداد حلقة بحث وقام بتقديمها باسمه إلى الجامعة؟ إنَّ جميع هذه الحالات التي يكتب المادة فيها شخص مجهول في الظل، وتُنشَر في الضوء بأسماء غير تلك التي أعدتها تدعى "الكتابة الشبحية"، وهو مصطلح مستوحى من فيلم الشبح الذي يحكي قصة كاتب سري ينجز السيرة الذاتية لرئيس الوزراء البريطاني.



قد يصعب على بعض الكُتَّاب العمل في الظل ويعزُّ عليهم أن يُنسب جهدهم لشخص آخر، بينما قد يكون هذا الاختفاء ميزة إيجابية لبعضهم الآخر تمنحهم هامشاً من الأمان والحرية، وبالنسبة إلى كتاب آخرين فهم يفضلون رؤية أسمائهم على الإشعارات المصرفية عن رؤيتها على أغلفة الكتب؛ لذا نحن نفرد لكم معشر الكتَّاب هذا المقال المتعلق بالكاتب الشبحي والكتابة الشبحية وأنواعها ومزاياها وعيوبها.

مفهوم الكتابة الشبحية، ومن هو الكاتب الشبحي؟

يشير مفهوم "الكتابة الشبحية" (Ghostwriting) إلى كل نوع من أنواع المحتوى المكتوب الذي لا توجد إشارة واضحة تدل على كاتبه الحقيقي، فإذا كنت تقرأ هذا المقال بإمكانك التسلق إلى أعلى الصفحة والتأكد من وجود عبارة "هيئة التحرير" في حقل "الكاتب" لتتأكد من أنَّ الكثير من الكتاب معنيون بنشر أفكارهم أكثر من اكتراثهم لمهرها بأسمائهم.

الكتابة الشبحية لا تقتصر على نوع محدد من الأدب؛ بل تشمل المقالات والخطابات والتدوينات والنشرات البريدية والروايات والقصص وحلقات البحث وأي محتوى كتابي، وحتى الكلمات التي يلقيها الرؤساء والممثلون في المحافل الدولية، وفي مثل هذه الحالات لا تُنسب القطع المكتوبة إلى كاتبها الأصلي؛ بل إلى الشركة التي يعمل فيها أو الهيئة الموظِّفة له.

فالكاتب الشبح إذاً هو المؤلف الذي يترك مكان توقيعه على أعماله فارغاً ليملأه شخص آخر، ويتقاضى المال أو منافع أخرى بدلاً من الصيت والشهرة.

في الأوساط التي تنتشر فيها الكتابة الشبحية يفخر الكاتب الشبحي بكثرة أعماله غير المنسوبة إلى شخصه، ويُعَدُّ ذلك دلالة على حجم إبداعه وتميُّز موهبته، الأمر الذي يجذب إليه المزيد من العملاء الراغبين في التعبير عن مكنونات أنفسهم، ولكنَّهم لا يمتلكون الموهبة والمخزون التعبيري الكافي.

لماذا تتم الاستعانة بالكتابة الشبحية؟

تتم الاستعانة بالكتابة الشبحية والكاتب الشبحي كونه يمتلك الموهبة والمهارة لتطويع الأحداث وتحويلها إلى نمط مكتوب يتوخى الدقة والإثارة، فالكاتب الشبحي كأي كاتب يعرف مفاتيح استقطاب الجمهور في كل منصة، فيسخِّر مهارته في كتابة المطلوب منه بطريقة جذابة وسلسة تصعب على من لا يمتهن الكتابة الوصول إليها.

هذا ما يفسر استعانة المشاهير والشخصيات العامة بالكُتَّاب الأشباح من أجل كتابة سيرهم الذاتية وصياغة أفكارهم وآرائهم وأحداث حياتهم، وتكون مهمتهم نقل الصور والأفكار من أذهانهم إلى مسامع الكاتب؛ لأنَّهم مهما حاولوا صياغتها فلن يوفَّقوا وسيخونهم التعبير كما يقال.

كما تتم الاستعانة بالكتابة الشبحية في الحالات التي يُراد بها زيادة عدد الكتب المنسوبة لمؤلفين مشهورين، أو تلك التي تستدعي فيها الحاجة إلى إصدار كتاب في أسرع وقت ممكن يتناول موضوعاً معاصراً.

ما هي أنواع الكتابة الشبحية؟

إنَّ أنواع الكتابة الشبحية هي المجالات التي تتم فيها الاستعانة بكاتب شبحي من أجل إنشاء المحتوى الكتابي المطلوب، وبناءً على ذلك يمكن تصنيف هذه الأنواع كما يأتي:

إقرأ أيضاً: قصة نجاح الروائيّة العربية الشهيرة غادة السمّان

1. الكتابة الشبحية الواقعية:

تُصنَّف الكتابة الشبحية الواقعية ضمن أنواع الكتابة الشبحية، ويلجأ إلى هذا النوع المشاهير والشخصيات العامة الذين يرغبون في كتابة سيرهم الذاتية أو مذكراتهم، ويقوم هؤلاء باستدعاء الكاتب الشبح لمقابلة أو طريقة تواصل تناسب الطرفين أو عبر مخططات تفصيلية، ويفرغون أمامه محتويات أذهانهم من أفكار وأحداث ومشاعر وملاحظات، ويتفقون معه على آلية الطرح وأسلوب تقديم المعلومة، أو يتركون الأمر برمته لرؤية الكاتب.

في بعض الحالات التي يراد بها زيادة التسويق للكتب والمؤلفات من قِبل دار النشر، تسند إلى الكاتب الشبحي مهمة تأليف محتوى الكتاب الذي يكون في حالات كثيرة كتاب إرشادات أو دليلاً لنظام غذائي أو كتاباً يضم وصفات طبخ متنوعة، ثم تقوم دار النشر بطباعة علم من أعلام المجال على صفحة الغلاف لينسب المحتوى إليه، ويظهر اسمه على الغلاف بوصفه كاتباً لهذا المحتوى.

كما تتم الاستعانة بالكتابة الشبحية الواقعية بشكل مكثف قبل الانتخابات؛ إذ يُكلَّف الكُتَّاب الأشباح بإعداد السير الذاتية للمرشحين بأسلوب يضفي على سجلاتهم الشفافية والوضوح، ويعكس شخصياتهم بطريقة جذابة للجماهير.

تظهر أهمية الكتابة الشبحية الواقعية بشكل جلي عند استعانة متخصص أو خبير في مجال ما بالكاتب الشبحي من أجل أن يحول الأخير الأفكار الموجودة في رأس الأول إلى كتاب في المجال عينه، كون المتخصص يفتقر عادة إلى اللغة الأكاديمية في الطرح وتقديم المعلومات.

في مثال عن ذلك إذا ما أرادت دار نشر معينة تأليف كتاب عن الأطباق التراثية الموجودة في مدينة معينة، فإنَّها ستعهد إلى كاتب شبحي مهمة اللقاء بسيدات من تلك المنطقة، وتحويل معلوماتهن ووصفاتهن إلى وصفة واضحة متسلسلة.

2. الكتابة الشبحية الخيالية:

فيها تتم الاستعانة بكُتَّاب أشباح من أجل زيادة عدد الكتب التي تُنشر باسم مؤلف شهير يندفع الناس عادة لشراء مؤلفاته، فظهور اسم هذا المؤلف على غلاف كتاب يكون سبباً كافياً لرفع مبيعاته بشكل خيالي، وإذا ما حاول الكاتب الشبحي إظهار هويته بعد أن حصدت مؤلفاته المنسوبة إلى غيره نجاحاً باهراً، فلن يوفَّق في حصد النجاح عينه.

خير مثال عن ذلك هو النجاح الباهر الذي حققته الروايات الأربع التي نُشرت باسم عارضة الأزياء "كاتي برايس" التي تحولت إلى رائدة أعمال بسببها، الأمر الذي أثار حفيظة الكاتبة الشبح "ريبيكا فرانسورث" التي فجرت الفضيحة وصرحت بأنَّها هي من كتبت هذه الأعمال، لتقوم فيما بعد وتُصدِر رواية باسمها، ولكنَّ المفاجأة كانت أنَّ النجاح وحجم المبيعات لا يقارن بذاك الذي حصدته عارضة الأزياء "كاتي"، لقد نسيت وربما تناست "ريبيكا" أنَّ كون "كاتي" عارضة مشهورة سبب كبير في إسراع الناس إلى شراء مؤلفاتها.

كما أنَّ الكتابة الشبحية الخيالية شائعة في الأوساط التي يتخفى فيها الكاتب خلف اسم مستعار، فكم من كاتب شبح وقَّع بأحد الاسمين المستعارين "كارولين كين" و"دبليو ديكسون" في سلسلة الرعب الشهيرة "ألغاز نانسي دو" التي انتشرت بين عامي 1930-1985، وكانت الميزة براعة الكُتَّاب الأشباح الواضحة في فهم الشخصيات وتحريكها كأنَّ شخصاً واحداً يقوم بمهمة كتابة الأدوار.

شاهد بالفديو: 7 نصائح لكتابة محتوى ناجح

3. الكتابة الشبحية على الإنترنت:

إنَّ الكتابة الشبحية على شبكة الإنترنت هي نوع من أنواع الكتابة الشبحية، وهي التي نراها عندما يقوم شخص مشهور أو شخصية عامة بإنشاء موقع خاص به على الإنترنت أو منصات التواصل الاجتماعي، ويعهد بسبب ضيق وقته أو ضعف مهاراته الكتابية أو المعلوماتية إلى كاتب شبح مهمة صناعة محتوى هذا الموقع؛ من أجل التسويق لنفسه أو من أجل العلاقات العامة، وتُنشر المحتويات المكتوبة باسم الشخصية المشهورة أو باسم الرئيس التنفيذي "أدمن".

مزايا الكتابة الشبحية:

تظهر مزايا الكتابة الشبحية على جانبين: جانب الكاتب الشبح، وجانب المستفيد من الكتابة، وذلك عبر ما يأتي:

مزايا الكتابة الشبحية بالنسبة إلى الكاتب الشبح

  1. أجور عالية أكثر من الكاتب العادي؛ كون الكاتب الشبح يتنازل عن حقه في وضع اسمه على عمله، فيتقاضى مقابلاً مادياً أعلى.
  2. الراحة من أعباء التسويق للمحتوى؛ إذ يكون هذا العبء ملقىً على عاتق الشخص المستفيد، أما الكاتب الشبح فتنتهي مهمته فور استلام الشخصية العامة للمادة المكتوبة وقبولها.
  3. زيادة المخزون الخاص بخبرات الكاتب الشبح، كونه يتعلم كيف يتقمص ألسنة الآخرين ومواقفهم.
  4. الكاتب الشبح يكون معفىً من عناء البحث عن مصادر لإنشاء محتواه، كون الشخص المستفيد هو من يزوده بالمصادر.

مزايا الكتابة الشبحية بالنسبة إلى الشخص المستفيد:

  1. توفير الوقت، فبدلاً من أن تتكبد الشخصية العامة أعباء الجلوس أمام حاسب أو دفتر والوقت الطويل اللازم لذلك، يقوم بنقل أفكاره لكاتب شبحي ليقوم الأخير بتحويلها إلى محتوى مكتوب ومصاغ بأسلوب أدبي وفي وقت أقصر.
  2. عدم الحاجة إلى إتقان أصول الكتابة، فلكل لون كتابي قواعده وضوابطه الخاصة، الأمر الذي يكون معقداً وعصياً على الفهم بالنسبة إلى الكثيرين، أما الكاتب الشبحي فالكتابة مهنته التي يحيط بكل أبعادها ويدرك جميع حدودها وأبعادها.
  3. الاستمرارية؛ فالشخصيات العامة إذا ما بدأت بمشروع كتابي يخصها فإنَّها سوف تمل بعد فترة، كون الكتابة تحتاج إلى مثابرة والتزام؛ لذا فإنَّ تسليم مهمة الكتابة إلى كاتب شبحي يضمن أنَّ المهمة ستنجَز بشكل كامل.
  4. الكتابة عن موضوعات لا يمتلك خبرة فيها؛ إذ تسند الجامعات أحياناً إلى طلابها مهام وواجبات قد تبدو مستحيلة بالنسبة إليهم، وأذكر مرة أنَّني عملت بصفتي كاتباً شبحاً وساعدت طالبة جامعية على كتابة قصة خيال علمي في مقرر اللغة العربية؛ إذ يكون من الصعب على من لا يمتلك موهبة الكتابة والمعرفة بقواعد كتابة القصة إنجاز عمل مشابه.
إقرأ أيضاً: الأخطاء الشائعة في اللغة العربية

عيوب الكتابة الشبحية:

تتمثل عيوب الكتابة الشبحية في النقاط الآتية:

  1. التكلفة المرتفعة لعمل الكاتب الشبح؛ إذ يتقاضى الكاتب أجراً مضاعفاً، وهذا يشكل عبئاً على الطرف المستفيد.
  2. لا تخلو من المجازفة، فقد يقوم شخص بتوظيف كاتب شبح ولكنَّه لا يوفَّق في اختياره ولا يحصل على النتيجة التي يطمح لها، وفي حال توظيف الكُتَّاب الأشباح يكون المتقدمون يمتلكون معرض أعمال فقيراً كونهم لا يستطيعون التشهير بأسماء الشخصيات التي كتبوا لها.
  3. لا قواعد تضمن الجودة؛ إذ يَعُدُّ الكُتَّاب الأشباح أنفسهم يقايضون المال بوقتهم ما لم يُذكر في عقد العمل بند يتعلق باسترداد الأموال أو ضمان الجودة.

في الختام:

تعني الكتابة الشبحية أن يقوم كاتب بالعمل في الظل والتضحية باسمه ونسب مؤلفاته إلى شركة أو شخصية عامة أو مشهورة لا تمتلك المهارة أو الوقت الكافي لصياغة المحتوى الأدبي الذي تريده، وهو أمر يحمل في طياته إيجابيات لكلا الطرفين كأيَّة خدمة يتم تبادلها بين الناس مقابل أجر ما، لكن لها سلبيات أيضاً وخاصة عندما يتطرق الأمر إلى تزييف الحقائق، كما يحدث عندما يقوم كاتب شبح بإعداد رسالة دكتوراه لشخص ما.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة