الكتابة إلى الذات وفوائدها

هل وصلت مرةً إلى مرحلة وجدتَ فيها نفسك غارقاً بالمشاعر السلبية وعلى الرغم من كل محاولاتك لم تستطع التخلص منها؟ فجربت الرياضة والرقص والخروج مع الأصدقاء والألعاب، ومن المتحمل أنَّك قد جربت التدخين أو المشروب الكحولي، وتبحث عن أيَّة وسيلة لتنسى أو ترتاح لكن لم تُجدِ نفعاً، حسنٌ إذاً، هل جربت الكتابة لذاتك؟ لا تستغرب، نعم الكتابة لنفسك، تابع المقال لتعرف الإجابة.



يستخدم علماء النفس هذه الرسالة بانتظام بوصفها علاجاً لكتابة غضب المرء وحزنه وعاره وغير ذلك من المشاعر التي تجتاحه، وتسمح الكتابة للفرد بتحرير نفسه من ثقله؛ وذلك لأنَّ الحرف يقود المرء إلى مواجهة مشاعره بعقلانية.

بعد تجربة مرهقة أو مؤلمة، يحرر أولئك الذين يختارون كتابة مشاعرهم بصدق أنفسهم بسرعة أكبر، وهكذا فإنَّ الكتابة تتيح الانتقال من المعاناة والضيق إلى الهدوء والارتياح، حتى إلى القبول، وهذا يقلل التوتر الداخلي ويسمح باستعادة الطاقة والحماسة.

ما هي الرسائل الذاتية؟

الرسائل الذاتية أو رسائل الرعاية الذاتية هي ببساطة رسائل تكتبها لنفسك أو للآخرين التي تسمح لك بالتعامل مع مشاعرك، وتختلف عملية الكتابة تماماً عن التفكير أو الكلام، فهي عملية أبطأ تسمح لك بإشراك مشاعرك كما تفكر وتساعدك على تجميع أفكارك معاً، وإنَّها وسيلة فعالة جداً؛ وذلك لأنَّها تسمح لك بمشاركة أحاسيسك دون أيَّة موانع، فكيف تشعر تجاه شخص ما أو موقف ما وبالأخص كيف تشعر حيال نفسك؟

على سبيل المثال، عند كتابة خطاب لشريكك السابق الذي ربما أساء إليك، قد تكتب: "لقد أنهيت علاقتنا بأسوأ طريقة ممكنة، كيف يمكنك ترك حياتي دون تفسير، وتركني لأخمن الخطأ الذي حدث؟ أعلم أنَّني أستحق أفضل من ذلك؛ لذا فإنَّ ما فعلته هو انعكاس لك ولجبنك، وليس انعكاساً لي، أنا أسعد وأفضل حالاً دونك".

لماذا نكتب هذا النوع من الرسائل؟

1. عند إدارة الجدال أو النزاع:

يعبِّر الشخص عن مشاعره تجاه شخص ما بطريقة هجومية للغاية أو يطبق مبدأ الاتصال اللاعنفي.

2. عند إدارة المأساة:

عن طريق تخيل أنَّ الشخص المختفي في الطرف الآخر من العالم أو الميت موجود أمامك وتبدأ بقص الأخبار عليه شارحاً له كيف يعيش المرء الفراق.

3. عند تحفيز النفس:

يتمنى المرء أفضل الأشياء وتحقيق التوازن والكسب والتقدم، فالكتابة عن المستقبل القريب هي خيار ممتاز، وهي تصوُّر مسبق لأحداث قد تصبح حقيقةً، وقد يكتب المرء أيضاً إلى لاوعيه، إلى الطفل الداخلي، إلى إدمانه (الشره المرضي، إدمان الكحول وغيرها)، إلى التسامح والتصالح مع نفسه أو شكرها أو تشجيعها.

إقرأ أيضاً: 13 خطوة تضمن لك التّحفيز الذاتي للنجاح

ماذا تفعل بعد ذلك بالرسالة؟

  • احتفظ بها لنفسك (يمكنك إعادة قراءتها لاحقاً).
  • أتلفها.
  • أرسلها (استعد للتعامل مع تأثير هذه الرسالة في الآخرين).
  • اقرأها للشخص المعني.

عندما تكتب لنفسك فأنت تربط نفسك بحروفك وتجردها:

يوجد شيء عجيب في فكرة ربط الأجزاء المختلفة من نفسك بالحروف، فيمكن أن تكون قراءة شيء موجه إليك بخط يدك أمراً مذهلاً للغاية، وقد تكون أداةً فعالةً للشفاء والارتياح، خاصةً إذا كنت تقضي بعض الوقت في إعادة التأهيل من شيء حدث معك، فكتابة خطاب من هذا النوع يمكن أن توصلك بنفسك التي ظهرت في إعادة التأهيل ونفسك التي عادت إلى المنزل لإعادة بناء حياتك، فاكتب هذا الخطاب وأرسله قبل أن تعود إلى المنزل من رحلة إعادة التأهيل الطويلة.

كن صادقاً في مشاعرك حتى لو كانت مؤلمة:

خذ قلماً وبعض الأوراق ومغلَّفاً، وأقترح أن تكتبها في صيغة طويلة، فإنَّ تحريك الأصابع عند تشكيل الحروف والكلمات يكاد يكون بمنزلة رقصة، وهو اتصال روحي في حدِّ ذاته، فالإيقاع الذي تكتب به والجمل المناسبة والبدايات والجمل المقفَّاة التي قد تأتي كلها تؤدي دوراً في دعم التجربة.

في أثناء الكتابة، اسمح لنفسك أن تشعر بأي شيء وكل شيء يأتي في طريقك أو يخطر في بالك، وكن صادقاً مع نفسك، وإذا كنت غاضباً أو محبطاً، فاسمح لنفسك بالتحدث، ولا تكن قاسياً معها أو قامعاً لها؛ بل كن صريحاً وهشاً، والطريقة الوحيدة لوقف هذه المشاعر القاسية هي معالجتها، فيجب أن تسمح لنفسك أن تشعر حتى بأكثر المشاعر إيلاماً.

مسموح لك أن تغضب من نفسك، لكن لا تنسَ التعاطف:

بعد كتابة ما قد يكون خطاباً غاضباً وقبل وضعه في الظرف، عد إلى نفسك، فهل كتبت كل شيء؟ لا بأس إذا كنت غاضباً أو محبطاً أو مرتبكاً بالطريقة التي تشعر بها، فقط تذكَّر تعاطفك، وتذكَّر أن تحب نفسك أيضاً لتعتني بها.

بعد القيام بهذا التمرين، ربما تفعل شيئاً مهدئاً مثل الاستماع للموسيقى المريحة، أو الاستحمام بماء ساخن وشرب بعض الشاي، وقد تشعر بتعب عاطفي، فلا تفعل أي شيء آخر بهذه الرسالة الآن، وضعها في الظرف وأغلقه واكتب عنوانك وابتعد الآن، وعندما تعود إليها بعد القليل من العناية الذاتية، إليك بعض الأشياء التي يمكنك فعلها:

  1. احرقها: شاهد ألسنة اللهب تستهلك كراهيتك لنفسك وشاهد ألمك وغضبك يتصاعدان مع دخان النار التي تأكل الورقة؛ إذ سيشعرك هذا بالراحة بشكل ملحوظ.
  2. اقرأها لصديق: قد تشعر بأنَّها أكملت دورها إن قرأتها لشخص آخر، فإن لم يكن لديك شخص تشعر بالراحة معه، فلا داعي لفرض هذا الخيار.
  3. أرسلها إلى نفسك.

شاهد بالفديو: 12 وسيلة فعالة للرعاية الذاتية لا يمكنك العيش دونها

فوائد الكتابة للذات:

الكتابة للذات تمرين رائع يجب القيام به مهما كان عمرك؛ إذ تمنحك كتابة خطاب لنفسك نظرةً ثاقبةً وتعلمك دروساً قيمة في الحياة ستظل معك لفترة طويلة بعد ذلك، وفكر في الأمر على أنَّه كبسولة زمنية، وستنبشها بعد سنين وتبدأ باستحضار ذكرى كتابتها ومقارنة نفسك الحالية بما كنت عليه سابقاً.

فيما يأتي أهم فوائد الكتابة إلى الذات:

1. غرس الامتنان:

من أفضل الأشياء لصحتك العاطفية هو ممارسة الامتنان بانتظام؛ إذ يقلل من التوتر ويساعدك على إدراك ما لديك، وإذا كنت ستكتب رسالةً إلى نفسك، فإنَّ التعبير عن الامتنان هو من أكثر الأشياء حكمةً التي يمكنك تضمينها.

هذه الرسالة عبارة عن رسالة في زجاجة، فعندما تفتحها بعد سنوات من الآن، من المحتمل أنَّك قد نسيت ما كتبته؛ لذا امنح نفسك هديةً لتعيش من جديد بعض الأفكار نفسها التي تشعر بها اليوم، وستشكرك نفسك في المستقبل.

2. زيادة الوعي الذاتي:

هل سبق لك أن عدت وتصفَّحت منشوراتك القديمة على (Facebook)؟ هذا مؤلمٌ أليس كذلك؟ مثل الاستماع لتسجيل صوتك، فإنَّه أمر غير مريح وسيجعلك تشعر بالخجل؛ لأنَّك ستواجه فيه أكبر نقص لديك، فأنت محرج من سذاجتك وقلة وعيك الذاتي، وهذا في الواقع شيء جيد؛ لأنَّه يوضح لك مدى نموك.

عندما فتحت رسالتي الخاصة بعد خمس سنوات، شعرت بالذهول بسبب شيئين؛ كم تغيرت، وكيف أصبحت على الرغم من بقائي في نفس الجسد، إنَّه لأمر لا يُصدَّق كيف يمكننا أن ننمو ونشكل ما نحن عليه، ولكنَّنا ما زلنا أنفسنا بشكل أساسي وغير قابل للتغيير، كما ستظهر كل مراوغاتك وأنماط تفكيرك واضحةً مثل النهار، وقد تقترب خطوةً واحدةً من فهم ما هو بالضبط الذي يجعلك أنت الحقيقي.

3. صنع مستقبلك:

أين ستكون بعد خمس سنوات؟ ومن تريد أن تصبح؟ ربما تكون عالقاً في وظيفة لا مستقبل لها ولا تطوُّر فيها، أو تخرجت للتو وأنت غير متأكد من مستقبلك، وقد تبدأ بالشعور بأنَّ أفضل أيامك قد ولَّت.

يساعد هذا التمرين على إخراج أفكارك من الحاضر ويبقيك مركزاً على ما لم يأتِ بعد، فاجلس ووجه خطاباً إلى نفسك في غضون 3 أو 5 أو 10 سنوات وأخبرني أنَّك لا تشعر بالأمل والحماسة لمستقبلك الآن.

دع عقلك ينفذ من أفكاره، ففكر تفكيراً كبيراً وامنح نفسك الإذن بأن تكون طموحاً للغاية، وما هي المبادئ التي ستوجه حياتك؟ وما الذي تتمنى إنجازه؟ وكيف ستقوم بذلك؟ إذا تخيلت بوضوح مستقبلك بشكل ملموس، فسيصبح نبوءةً تحقق ذاتها.

الكتابة للذات

4. تقدير مرور الوقت:

في يوم من الأيام ستنتهي حياتك، وهذه حقيقة مخيفة؛ لذا من الطبيعة البشرية تجنب التفكير فيها، فقد نكون مستغرقين في وظائفنا الصعبة وحياتنا السريعة لدرجة أنَّنا نفشل في رؤية الصورة الأكبر، وبدلاً من التفكير يوماً بعد يوم، يمكننا أن نكسب الكثير إذا تحدَّينا أنفسنا لفهم سنوات وحتى عقود ضاعت دون أن نحيا ونستمتع وفي النهاية الموت يقترب.

تجربة الحياة بهذه الطريقة تجلب الصبر والثقة في النفس، وأتحداك أن تحاول التفكير أبعد من ذلك، فأرسل رسالةً إلى نفسك أجبرها على القيام بذلك، وعندما تكون فكرة الموت والتقدم في السن مطروحةً، يصبح من السهل إدراك قصر الحياة، وعليك أن تسرع لتحقيق أقصى استفادة منها.

إقرأ أيضاً: انفوغرافيك: 9 نصائح لتجاوز الصدمات العاطفية عن طريق الكتابة

5. منح نفسك ذكرى:

هل أنت على وشك الذهاب إلى الكلية أو الزواج؟ وهل تسافر إلى بلد جديد؟ إذا كنت تبدأ برحلة جديدة تماماً، فلا توجد طريقة أفضل للاحتفال بها أكثر من كتابة خطاب إلى نفسك، ككتابة لقطة من حياتك اختبرتها في وقت ما، وسيكون من الحنين أن تنظر إلى الوراء وترى ما كنت تفكر فيه في هذه اللحظة المحورية من حياتك، وهل كنت قلقاً بشأن شيء مرهق تبين أنَّه ليس مشكلةً كبيرة؟ أو ربما نسيت للأسف أن تتوقف وتشم الورود؟ أو رأيت قطةً ظريفةً أمامك فتحاشيتها بدلاً من أن تلعب معها؟

يمكنك جعل هذا تقليداً سنوياً، فاكتب خطاباً لنفسك كل عام، لكن لا تفتحه لمدة خمس سنوات أخرى، وبهذه الطريقة بمجرد أن "ينضج" الحرف الأول خلال 5 سنوات، سيكون لديك تدفق مستمر للقراءة والاعتزاز بما كتبته كل عام لبقية حياتك.

في الختام:

كن على يقين أنَّ كل حرف يخرج منك ويسطَّر على الورق يمثلك ويمثل مشاعرك، فآمن بنفسك وبقدراتك؛ إذ إنَّك أنت سبيلها للارتياح فلا تبخل عليها، وضع كل جهدك في محاولة إنقاذها من براثن السلبية والغرق فيها، لتغدو فعالاً وتحقق كل ما تصبو إليه، فالمشاعر السلبية تتملك النفس وتقمعها وتهوي بصاحبها إلى أحلك القيعان.




مقالات مرتبطة