القلق عند الأطفال: كيف تساعد طفلك في التغلب على مخاوفه؟

يسعى جميع الأهل والمربين في كل زمان ومكان إلى تنشئة أطفال أسوياء يتمتعون بقدر عالٍ من الصحة النفسية. يبذلون في سبيل ذلك جميع إمكانياتهم من استشارة مربين آخرين أو ذوي الخبرة والاختصاص، أو سؤال المعلمين في المدرسة، أو القراءة في المراجع والأبحاث. ينطلقون وراء ذلك إيماناً منهم بضرورة إبعاد الأطفال عن المشكلات التي يتربع القلق على رأسها. فالقلق أشبه بأن يكون فرامل تعوق تطور الطفل العقلي والنفسي، فضلاً عن الأذية الجسدية والنفسية التي يسببها للطفل.



قد يُخيل لبعضهم أن الأطفال أبرياء أو ساذجون إلى الحد الذي لا يجعل شيئاً يقلقهم، ولكن خلاف هذا هو الصحيح. للأطفال مخاوفهم الخاصة، التي قد تكون خيالية تماماً، ولكن هذا لن يمنع تأثيرها السلبي في حياتهم، مما يستوجب التعامل معها بأقصر وقت وبأفضل صورة ممكنة. في هذا المقال، سنتعرف على مفهوم القلق عند الأطفال، وأسبابه وعلاماته، وكيفية مساعدة طفلك على التغلب على مخاوفه.

هو شعور بالتوتر والخوف من مواقف أو أحداث معيَّنة، وقد يتسبَّب في اضطراب في النوم، وتغيرات في المزاج، وصعوبة في التركيز، ويختلف مستوى القلق من طفل لآخر، وقد يكون مؤقَّتاً أو مزمناً.

علامات القلق عند الأطفال

يعبِّر الأطفال عن قلقهم بطرائق متنوعة، وقد تختلف هذه الطرائق باختلاف عمر الطفل وشخصيته، وفيما يأتي بعض الطرائق الشائعة التي يعبِّر بها الأطفال عن قلقهم:

1. العلامات الجسدية

  • مشكلات في النوم: صعوبة في النوم، أو الاستيقاظ المتكرر في الليل، أو الكوابيس.
  • ألم جسدي: آلام في البطن، أو الصداع، أو التوتر العضلي.
  • تغيرات في الشهية: فقدان الشهية أو زيادة الشهية.
  • مشكلات في الجهاز الهضمي: الغثيان، أو الإمساك، أو الإسهال.

2. العلامات السلوكية

  • التجنُّب: تجنَّبْ المواقف أو الأماكن أو الأشخاص الذين يسبِّبون له القلق.
  • الانسحاب الاجتماعي: الانعزال عن الأصدقاء والعائلة.
  • صعوبة في التركيز: صعوبة في الانتباه في المدرسة أو في اللعب.
  • التوتر والانفعال: البكاء المتكرر، أو الانفجارات العاطفية، أو العصبية.
  • التعلق بالأشياء أو الأشخاص: الحاجة الدائمة إلى وجود شيء أو شخص معيَّن يُشعره بالأمان. 

3. العلامات العاطفية

  • الخوف: الخوف من الظلام، أو الوحوش، أو الوحدة، أو الفشل.
  • التردد: التردد المستمر بما يخص المستقبل أو الأحداث غير المؤكَّدة.
  • انخفاض الثقة بالنفس: الشعور بعدم الكفاءة أو القيمة. 

4. العلامات المعرفية

  • صعوبة في التفكير: صعوبة في التركيز، أو صعوبة في حل المشكلات.
  • الأفكار السلبية: التفكير في أسوأ السيناريوهات.

تختلف شدة هذه الأعراض من طفل لآخر، وبعض هذه الأعراض قد تكون طبيعية في بعض الأحيان، ولكن إذا استمرَّت لفترة طويلة أو أثَّرت تأثيراً كبيراً في حياة الطفل اليومية، يصبح من الهام استشارة الطبيب أو أخصائي نفسي للأطفال. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنَّ الأطفال الصغار، قد يعبِّرون عن قلقهم من خلال البكاء المستمر، أو التشبُّث بالوالدين، أو رفض النوم بمفردهم.

شاهد بالفيديو: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية

أسباب القلق عند الأطفال

يعد القلق عند الأطفال أمراً شائعاً ويمكن أن يتجلى بأشكال مختلفة، ويعود لأسباب مختلفة أيضاً. قد يكون القلق عند الأطفال طبيعياً في حالات معيَّنة، كالقلق في يومه الأول في الروضة أو المدرسة، أو القلق عند لقاء أشخاص غرباء للمرة الأولى أو القلق بشأن الاختبارات والعلاقات مع الأصدقاء في مراحل تالية، وعموماً يمكن عزو أسباب القلق عند الأطفال إلى ما يأتي:

  1. تغيرات في الحياة: مثل الانتقال إلى منزل جديد، أو بدء مدرسة جديدة، أو طلاق الوالدين، وهذه التغيرات يمكن أن تخلق شعوراً بعدم الاستقرار والأمان لدى الطفل.
  2. الضغوطات اليومية: مثل الضغط الدراسي، أو الضغط الاجتماعي، أو ممارسة نشاطات كثيرة في وقت واحد.
  3. الوراثة: إذا عانى أحد الوالدين أو الأقارب من القلق، فقد يكون الطفل أكثر عرضة للإصابة به.
  4. مشكلات صحية: يسبِّب بعض المشكلات الصحية الجسدية القلق لدى الطفل، مثل الحساسية، أو الربو، أو مشكلات في النوم.
  5. الشخصية: يميل بعض الأطفال إلى أن يكونوا أكثر قلقاً من الآخرين بطبيعتهم.
  6. الأحداث المؤلمة: التعرض لأحداث مؤلمة، مثل وفاة أحد الأحبَّاء، أو حادث، أو تهديد يمكن أن يسبِّب القلق والتوتر.
  7. الخوف من المجهول: يشعر الطفل بالقلق من مواجهة مواقف جديدة أو غير مألوفة.

كيف تساعد طفلك على التغلب على مخاوفه؟

يعاني عدد من الأطفال من المخاوف والقلق، وهي مشاعر طبيعية في مرحلة الطفولة، ولكن من الهام مساعدة أطفالنا على التعامل مع هذه المخاوف وتطوير مهارات التأقلم، وإليك بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك على ذلك:

1. استمِعْ وتفهَّمْ

امنح طفلك مساحة آمنة للتعبير عن مخاوفه دون مقاطعة أو انتقاد، فإذا ما أراد أن يحكي لك أسباب شعوره بالقلق تجنَّبْ مقاطعته أو تسخيف الأمر أو تغيير الموضوع؛ بل بخلاف ذلك، اصغِ له جيداً وانظر في عينيه وأظهِرْ له أنَّك تفهم مشاعره وأنَّها طبيعية، كما تجنَّبْ التقليل من شأن مخاوفه، حتى لو بدت لك بسيطة، فبالنسبة لطفلك هي حقيقية وهامة.

2. ابنِ الثقة

لمساعدة طفلك على التغلب على مخاوفه، لا بد من بناء علاقة ثقة قوية بينكما، كي يأمن طفلك جانبك ويفضي لك بمكنونات قلبه. ولتحقيق ذلك، كن صادقاً مع طفلك بكل شفافية، وشجعه على تجربة أشياء جديدة ومواجهة مخاوفه تدريجياً.

مهد له لكل خطوة جديدة سيقوم بها، أو ستقوم بها أنت ولها تأثير في حياته. فمثلاً، عندما يحين موعد دخول طفلك إلى الروضة، اصطحبه إلى المكان قبل بدء الدوام، وقت تسجيله مثلاً، ليتعرف على الصفوف، والحديقة، والمرافق، والمعلمات؛ لأن الأطفال عادة ما يقلقون بشأن الأشياء المجهولة. وحين تصطحبه ليتعرف على المكان، يكون إدراكاً ما عنه.

توخ الصدق في أقوالك، وكن واعياً لفكرة أن بناء الثقة يتطلب جهداً وزمناً طويلين، لكن موقفاً واحداً قد يكون كافياً لهدمها للأسف. فإذا ما وعدت طفلك باصطحابه في الساعة العاشرة صباحاً مثلاً في يومه الأول، حاول بكل طاقتك أن تكون في ميعادك. وإذا ما أخبرته أنك ستنتظره في الخارج خلال الأسبوع الأول، فابق خارجاً. في نهاية المرحلة المقلقة، احتفلا بالإنجازات حتى لو كانت صغيرة، فالاحتفال بها مع طفلك هام لتعزيز ثقته بنفسه.

شاهد بالفيديو: كيف تزيدين من الثقة بالنفس عند طفلك؟

3. علِّمْه تقنيات الاسترخاء

علِّم طفلك تقنيات الاسترخاء من أجل مساعدته على التغلب على مخاوفه، تلك التي يكون من شأنها تهدئة روعه في الحالات التي تفرض قلقاً مفاجئاً، وعلِّمْه أن يتنفس ببطء وعمق عندما يشعر بالقلق، وشجِّعْه على تخيُّل مكان هادئ ومريح، كما يمكن أن تُدخله في نشاطات اليوجا والتأمل، فيمكن أن تهدِّئ هذه النشاطات العقل والجسد.

4. ساعِدْ طفلك على حل المشكلات

أشعِر طفلك من أجل أن تساعده على التغلب على مخاوفه بأنَّ مشكلاته تعنيك وليست لأنَّها مشكلات تخصه لا شأن لك بها؛ لذا اطرح الأسئلة، فهي تجدد لِطفلك مصدر خوفه. تأتي بعدها مرحلة العصف الذهني؛ فتقترحان معاً حلولاً ممكنة للمشكلة، على أن تكون هذه الحلول منطقية. هذا يساعد طفلك على أن يكون عقلانياً، ثمَّ تأتي مرحلة التخطيط، فيجب أن تخططوا معاً لمواجهة الموقف المخيف تدريجياً في حال تكراره.

إقرأ أيضاً: الخوف عند الأطفال وطرق التعامل معه

5. اتَّبِعْ نموذج السلوك الإيجابي

لن تنجح في مساعدة طفلك على التغلب على مخاوفه ما لم تكن قدوة إيجابية له في ذلك، صارحه عندما تمرُّ في موقف يقلقك (بالطبع إذا ما كان الموضوع قابلاً للفهم بالنسبة له ولا يثير قلقاً لديه)، ثمَّ أظهِرْ لطفلك كيف تواجه مخاوفك مواجهة صحية، وعلِّمه أنَّ التعبير عن المشاعر أمر طبيعي، وأنَّ البشر جميعاً يشعرون بالقلق ولديهم مخاوفهم المخصصة.

6. استشِرْ الخبراء

اطلب المساعدة أو استشِر طبيب أطفال أو أخصائي نفسي إذا كانت مخاوف طفلك تؤثر تأثيراً كبيراً في حياته اليومية.

يجب توضيح النقاط الهامة التالية:

  • قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتغلب طفلك على مخاوفه، فعليك بالصبر.
  • سوف يتطلب الأمر بالتأكيد تكرار هذه الاستراتيجيات بانتظام لترسيخها في ذهن طفلك.
  • التأكُّد من أنَّ بيئة طفلك آمنة وداعمة.

أمثلة عن مخاوف الأطفال الشائعة التي تسبِّب لهم القلق وكيفية التعامل معها

  1. الخوف من الظلام: استخدِمْ مصباحاً ليلياً، أو اقرأ له قصة قبل النوم، أو اترك باب غرفته مفتوحاً قليلاً.
  2. الخوف من الوحوش: طمئِنْ طفلك بأنَّ لا وجود لِوحوش حقيقية، وافحَصْ الغرفة معه للتأكد من ذلك.
  3. الخوف من الفراق: درِّبْ طفلك على الفراق تدريجياً، مثل تركه مع أحد الأقارب لمدة قصيرة، ثمَّ زيادة المدة تدريجياً.

تذكَّرْ أنَّ كلَّ طفل فريد من نوعه، وقد يحتاج إلى استراتيجيات مختلفة للتغلب على مخاوفه، فالشيء الأهم هو أن تكون متفهِّماً وصبوراً ومُحبَّاً لطفلك.

إقرأ أيضاً: علاج الخوف عند الأطفال

في الختام

يعد القلق عند الأطفال أمراً شائعاً، وهو ينبع غالباً من تصوراتهم المسبَقة التي قد تكون خاطئة عن الأمور أو بسبب صدمات معيَّنة مرُّوا بها، أو بسبب سلوك مكتسب انتقلَ إليهم من الآباء والمربِّين. وفي جميع الحالات لا يجب إغفاله؛ بل يتطلب التعامل معه كثيراً من الصبر والحكمة والتقبُّل.




مقالات مرتبطة