القلق الاجتماعي عند المراهقين

يمكن القول إنَّ فترة المراهقة أكثر الفترات حساسية في حياة الإنسان، فيميل المراهق بصورة طبيعية إلى الخوف والقلق والحساسية من محيطه، ولكن في بعض الحالات يتضخَّم هذا الخوف ويكبر هذا القلق حتى يتحول إلى مرض يعزل المراهق عن مجتمعه ويبعده عن التواصل مع الآخرين؛ فالمعروف أنَّ مشاعر الإنسان تكون على أوجها في هذه المرحلة، وكل حدث مهما كان بسيطاً يؤثر في تكوين شخصية المراهق وفي صحته النفسية، فكيف تصل به الأمور إلى القلق المرضي، وما هو القلق الاجتماعي عند المراهقين؟ وهل من الممكن علاج هذا القلق؟ هذا ما ستعرفه عند قراءة المقال الآتي.



أولاً: ما هو اضطراب القلق الاجتماعي عند المراهقين؟

القلق عموماً هو الشعور بعدم الارتياح والخوف والتوتر، وقد يرجع هذا الشعور إلى أسباب منطقية كالخوف من الفقدان أو الموت وغير ذلك، وقد يكون خوفاً مبالغاً فيه ودون سبب منطقي، والقلق الاجتماعي هو القلق الذي يكون مركزاً تجاه المحيط؛ فيصاب الشخص بالقلق والتوتر لمجرَّد تواصله أو وجوده مع الآخرين.

أمَّا القلق الاجتماعي عند المراهقين فهو نوع من الخوف الذي يصاحب المراهق عند وجوده في الأوساط الاجتماعية، ويجعله عاجزاً عن التواصل مع الآخرين، وغير قادر على التحدث معهم والتعرف إليهم.

يعيش المراهق بسبب القلق الاجتماعي حالة من القلق الدائم والخوف من نظرة المحيطين به سواءً أكانوا أناساً جدداً أم من محيطه، ويخشى ملاحظاتهم ويكره انتقاداتهم ونظراتهم وتعليقاتهم على شكله وتصرفاته وأفكاره؛ فيبتعد عن الجميع، ويعزل نفسه محاولاً الهروب من المجتمع الذي لم يعد بالنسبة إليه مصدراً للأمان والطمأنينة؛ بل على العكس صار مصدراً للخوف والقلق وعدم الأمان.

طبعاً قد تختلط الأمور قليلاً علينا؛ فبين الخجل والقلق الاجتماعي فارق بسيط من ناحية الشكل والتصرفات وليس الأسباب والأبعاد النفسية والشخصية بالطبع، لكن عموماً توجد بعض الفروقات الواضحة بينهما؛ فالخجل عادةً ما يكون قصير الأمد وآثاره في شخصية المراهق وحياته أقل بكثير، في حين أنَّ القلق الاجتماعي يصل تأثيره إلى الحياة اليومية للمراهق لدرجة تصبح حياته عبارة عن حالة من التوتر والخوف الدائم، ناهيك عن آثاره السلبية التي تمتد وتتجاوز فترة المراهقة لتؤثر في حياته عموماً.

تؤدي ظروف التنشئة الاجتماعية والعادات والتقاليد والأدوار الاجتماعية المتوقعة من فرد في مجتمع ما القيام بها تبعاً لجنسه دوراً في معاناة الشخص القلقَ الاجتماعيَّ؛ فنلاحظ إصابة الإناث بالقلق الاجتماعي عند المراهقين أكثر من الذكور.

ثانياً: أعراض القلق الاجتماعي

توجد العديد من الأعراض والعلامات التي تدل على إصابة المراهق ومعاناته القلقَ الاجتماعيَّ، وعلى الأهل ملاحظة هذه الأعراض والانتباه لها؛ فعلى عاتقهم تقع المسؤولية الكبرى في مساعدة ابنهم المراهق على تجاوز ما يمر به، ومن هذه الأعراض:

  • عدم القدرة على التحدث بصورة طبيعية مع الآخرين، لا سيَّما في حال كانوا غرباء.
  • صعوبات في تكوين صداقات مع الآخرين؛ فكما ذكرنا يعيش المراهق بسبب هذا الاضطراب حالة من القلق والخوف من الآخرين ونظرتهم، وهذا ما يعوق قدرته على إنشاء علاقات صداقة قوية.
  • تغلب على المراهق مشاعر الخجل وعدم الارتياح والشعور بالإحراج عند الوجود مع الناس؛ فتستطيع الأم ملاحظة ميل ابنها المراهق إلى عدم الخروج من غرفته عند وجود ضيوف في المنزل، حتى أنَّه يكره مجرَّد إلقاء التحية ويُعِدُّ هذا عبئاً نفسياً كبيراً عليه، وهذا ما يجعل الأم تميز إصابة ابنها بالقلق الاجتماعي؛ فطبيعة المراهق المتمردة بعض الشيء تجعله لا يحب الجلوس مع الضيوف؛ لكنَّه على الرَّغم من ذلك لا يخاف ولا يقلق ولا يخجل من مجرَّد إلقاء التحية أو تبادل بعض الكلمات العابرة.
  • تظهر على المراهقين بسبب القلق الاجتماعي كثير من مشاعر القلق والخوف والتوتر قبل أي نشاط أو حدث عام؛ كأول يوم في المدرسة، أو احتفال عائلي، أو أي تجمع للناس مهما كان بسيطاً، وقد يمنعه شعوره بالقلق من النوم فيقضي الليل متوتراً وقلقاً.
  • الابتعاد عن الأماكن العامة كالحدائق مثلاً؛ وذلك بسبب رغبته في الانعزال والابتعاد عن كل ما قد يجبره على التواصل والتحدث مع الآخرين.
  • إضافة إلى تلك الأعراض السلوكية قد تظهر على المراهق أعراض جسدية أيضاً، فيظهر رد فعل الجسم على التوتر والقلق التي يعيشها، فقد تزداد ضربات قلبه ويحمرُّ وجهُه ويتعرَّق جسده.

شاهد بالفيديو: ماذا تفعل عندما يعاني ابنك المراهق من الاكتئاب؟

ثالثاً: أسباب القلق الاجتماعي عند المراهقين

تجتمع العديد من الأسباب معاً حتى تؤدي في النهاية إلى إصابة المراهق بالقلق الاجتماعي، فتوجد عدة عوامل تتحد وتتظافر معاً مؤدية في النهاية إلى تحول القلق الطبيعي الذي قد يعانيه أي شخص أو مراهق إلى قلق مرضي؛ فمثلاً قد تؤدي الوراثة دوراً في إصابة المراهق، وسنذكر فيما يأتي أسباب القلق الاجتماعي عند المراهقين:

الصفات الشخصية للمراهق:

تؤدي صفات المراهق وسماته وسلوكاته دوراً كبيراً في احتمال إصابته بالقلق الاجتماعي؛ فمثلاً سيكون احتمال إصابة المراهق الخجول أكبر من إصابة المراهق قوي الشخصية والواثق من نفسه.

الظروف المحيطة:

كما ذكرنا سابقاً تؤدي التنشئة الاجتماعية والظروف المحيطة بالمراهق دوراً كبيراً في جعله أكثر خوفاً وقلقاً؛ فعلى سبيل المثال تكون بعض المجتمعات شديدة الانغلاق على نفسها، لا سيَّما عندما يرتبط الأمر بالمراهقات الإناث، فيملأن المنزل بقائمة طويلة من الممنوعات والتحذيرات، وقد تلجأ بعض الأسر إلى المبالغة في تخويف أبنائها المراهقين؛ ظناً منها أنَّها تحافظ عليهم وتحميهم، ولكن للأسف فإنَّ المراهق يعيش بسبب ذلك حالةً من الخوف والقلق من كل شيء تمنعُه من ممارسة حياته بصورة طبيعية، فيخاف من الآخرين ويبتعد عنهم؛ ظنَّاً منه أنَّه بذلك يحمي نفسه.

المشكلات الجسدية والصحية:

معاناة المراهق من بعض التشوهات أو المشكلات الصحية أو إصابته بإعاقة ما تجعله أكثر عرضةً للإصابة بالقلق الاجتماعي؛ فكما ذكرنا سابقاً يخاف المراهق عند إصابته بالقلق من نظرة الآخرين وأحكامهم في الحالة الطبيعية، فكم سيكون الأمر أصعب وأقسى في حال كان المراهق أساساً يمتلك إحدى الصفات التي تجعله يخجل من نفسه.

مشكلات النطق:

في حال كان المراهق يعاني مشكلاتٍ في النطق مثل التأتأة سيتجنب الحديث مع الآخرين ويبتعد عن أي حديث معهم، وهذا ما سيؤثر مباشرة في تكوين شخصيته فيكبر بعيداً عن الناس ويشعر بالراحة والطمأنينة بعيداً عنهم وعن أحكامهم القاسية.

التنمُّر:

تعرُّض المراهق للتنمُّر والسخرية من أصدقائه أو أحد أفراد أسرته يؤثر في شخصيته ويخفِّف ثقته بنفسه فيكره نفسه، ويقل احترامه لذاته، ويبتعد شيئاً فشيئاً حتى يصاب أخيراً بالقلق الاجتماعي.

رابعاً: نصائح لعلاج القلق الاجتماعي عند المراهقين

توجد العديد من العلاجات التي تساعد المراهق على التخلص من قلقه ومخاوفه، كما تساعد على إكسابه مزيد من الثقة في النفس التي تُعَدُّ من العوامل الهامة جداً والمساعدة على القضاء على القلق الاجتماعي، وهنا لا بدَّ من التأكيد - وقبل خوض العلاجات الممكنة - على أنَّ الأسرة هي الأساس، ومنها تبدأ الخطوات الأولى؛ لذلك على الوالدين العمل بجدية لمساعدة ابنهم المراهق وتقديم الدعم الذي يحتاج إليه لتخطي هذه الظروف الصعبة.

بالنسبة إلى العلاج فهو كالآتي:

العلاج السلوكي المعرفي:

يساعد العلاج السلوكي المعرفي على مساعدة المراهق على فهم نفسه أكثر وعلى إدراك الأسباب التي تدفعه إلى الحال التي يظهر بها، كما يعرفه بالأفكار السلبية والمعتقدات الخاطئة التي يعتقد بها وتؤثر سلباً في طريقة حياته وتفكيره، ويعمل على تخليص المراهق منها، كما يهدف هذا العلاج ويساعد على تغيير سلوكات المراهق وردود فعله تجاه المواقف المختلفة التي تسبب له الخوف والقلق.

إقرأ أيضاً: ما تود أن تعرفه عن العلاج المعرفي السلوكي

المشاركة في جلسات العلاج النفسي الجماعي:

يمكن للمراهق أن يشارك في جلسات العلاج الجماعي، بحيث يستمع إلى مشكلات الآخرين ومخاوفهم وأسباب قلقهم، وهذا من شأنه مساعدة المراهق كثيراً على تعلم مهارات وتقنيات اجتماعية أكثر فاعلية وملاءَمة للظروف المختلفة التي يتعرض لها والمواقف الاجتماعية التي يمرُّ بها.

العلاج بالتعرُّض:

في هذا النوع من العلاج يُعالَج المرضى بتعريضهم للموقف الذي يخافون منه بدلاً من الابتعاد عنه وتجنبه؛ فمن الممكن مثلاً أن تُجبِر ابنك المراهق على حضور حفلة عائلية.

الأدوية:

تُستخدَم الأدوية في علاج الأعراض الناتجة عن القلق الاجتماعي كالتوتر والخوف والأرق، ويمكن استخدام مضادات الاكتئاب أو مضادات القلق، وطبعاً يجب أن يتم هذا كله تحت إشراف الطبيب المتخصص، ولا يجب إعطاء المراهق أي دواء دون الرجوع إلى الطبيب.

إضافةً إلى العلاجات السابقة سيكون التقيد بالنصائح الآتية مفيداً أيضاً:

  1. تجنب المشاركة في النشاطات الاجتماعية دائماً لا يحل المشكلة أبداً؛ بل على العكس سيفاقم الأمر على الأمد البعيد؛ لذلك لا بد من مساعدة المراهق على الاندماج ولو تدريجياً في بعض النشاطات الاجتماعية بهدف الحصول على مواقف إيجابية تشجعه على الاستمرار في المشاركة في مثل هذه النشاطات مستقبلاً.
  2. تشجيع المراهق على القيام ببعض النشاطات كممارسة الرياضة؛ نظراً لتأثيرها الإيجابي الكبير في تخفيف التوتر والقلق.
  3. الغذاء الكافي والنوم الصحي من الأمور المساعدة أيضاً على تخفيف القلق والتوتر.
  4. قبل المشاركة بأي نشاط أو حدث اجتماعي عليك الاسترخاء جيداً والتفكير بقليل من المنطقية، فاطرح على نفسك بعض الأسئلة، ماذا من الممكن أن يحدث؟ أليس من الممكن أن أحظى بقليل من المتعة؟ أستطيع العودة إلى المنزل في أسوأ الأحوال، هذا كله سيساعدك كثيراً ويخفف من إحساسك بالخوف.
إقرأ أيضاً: المشكلات النفسية الأكثر شيوعاً بين المراهقين وطرق علاجها

في الختام:

القلق هو مشكلة شائعة إلى حدٍّ كبير، حتى إنَّ بعض الأطباء النفسيين قد أطلقوا على عصرنا هذا اسم عصر القلق، ومن الطبيعي أن يصل هذا القلق إلى المراهقين الذين يمرون بطبيعة الحال بفترة حساسة وحرجة، وهذا ما سينعكس على طبيعة حياتهم ويؤثر في شخصياتهم وسلوكاتهم وتصرفاتهم ونظرتهم إلى الأمور، لكن في النهاية يمكنكم الاطمئنان؛ لأنَّ هذا الاضطراب على الرغم من أنَّه شائع جداً بين المراهقين إلَّا أنَّ التخلص منه ليس صعباً، وفي حال واجهتم صعوبة في علاج القلق الاجتماعي عند المراهقين يمكنكم اللجوء إلى الطبيب المتخصص.




مقالات مرتبطة