الفرق بين المجازفات الذكية والمجازفات الغبية

كنت مع صديق لي منذ فترة قصيرة يدعى جي دي روث (J.D.Roth)، وتوقفنا عند سكة قطار بينما كان قطار طويل وبطيء يمر بالمدينة، وأذكر أيضاً رؤية أحد المارَّة - رجل يرتدي ملابس قذرة وفضفاضة - سئم من انتظار مرور القطار، وقرر التسلق على القطار بين عربات السكك الحديدية ليمر إلى الجانب الآخر من الطريق، وفجأةً انزلقت قدمه، وفقد توازنه للحظة، لكن لحسن الحظ، استعاد توازنه، واجتاز القطار المتحرك سالماً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون تايلر ترفورين (Tyler Tervooren)، ويُحدِّثنا فيه عن كيفية القيام بالمجازفات الذكية في حياتنا اليومية.

لقد ذُهلت تماماً، أذكر أنَّني نظرت إلى صديقي وسألته: "هل رأيت ما رأيته؟" فأجابني حينها: "لا أصدق أنَّه فعل ذلك"، لقد كان مصدوماً بالقدر نفسه، وقلت حينها بأنَّه قد جازف مجازفةً غبية حقاً.

أعتقد أنَّ هذه المجازفة كانت غبية؛ لأنَّه لم يكسب شيئاً من الأمر الذي قام به، فحتى مجرد فشل صغير جداً كان من الممكن أن يُحدِث أمراً كارثياً؛ فالموازين لم تكن لمصلحته على الإطلاق.

نجازف جميعاً في كلِّ يوم نعيشه، وإن بشيء صغير، على سبيل المثال، عندما تقود السيارة وتتجاوز الإشارة الحمراء في طريقك إلى العمل، أو عندما تخرج وتتناول وجبة من الطعام السريع بدلاً من تناول وجبة صحية، وحتى عندما تشتت نفسك عن عملك سراً؛ كلُّ هذه الأمور عبارة عن مجازفات.

تُقدِم أحياناً على مجازفات أكبر بقضاء وقتك في عدم القيام بأيِّ شيء على الإطلاق، بينما يمكنك قضاء الوقت نفسه في القيام بشيء مفيد، وغالباً ما تكون أكثر الأشياء التي نأسف عليها هي الأشياء التي لا نقوم بها، وليس الأشياء التي نقوم بها.

لكن ليست كلُّ المجازفات متساوية؛ فيمكن تصنيف المُجازفات التي تتخذها يومياً إلى واحدة من فئتين: ذكية أو غبية، على سبيل المثال، الرجل الذي تسلق القطار المتحرك جازف مجازفة غبية، وهناك كثير من الناس المشابهين له، والذين يعرِّضون أنفسهم لخسائر فادحة بينما قد يكسبون قليلاً فقط مقابل شجاعتهم.

لكنَّ قليلاً منهم فقط قد اكتشفوا كيفية قضاء أيامهم في اتخاذ المجازفات الذكية التي تعمل على تحسين حياتهم، وتدفعهم إلى مستويات جديدة من النجاح مع فرصة ضئيلة في أن يفشلوا أو يحصل أيَّ شيء آخر غير مستحب.

إذا كنت مهتماً بتعلم كيفية اتخاذ مزيد من المجازفات الذكية في حياتك اليومية، استمر في القراءة.

"معادلة المجازفة الذكية" البسيطة والفعالة:

إنَّ تحديد ما إذا كانت المجازفة التي تقوم بها ذكية ومثمرة أو غبية ومدمرة، أمر سهل جداً عند تطبيق منطق بسيط؛ فقد أمضيت حتى الآن أكثر من 3 سنوات في دراسة المجازفات بوصفها وظيفة بدوام كامل، وقد أنشأت معادلة بسيطة أطلقت عليها اسم "معادلة المجازفات الذكية"، والتي تستمر في إرشادي نحو المجازفات الذكية التي تعمل على تحسين حياتي بعيداً عن المجازفات الغبية التي قد تعرضني لخسارة لا داعي لها. 

إليك كلُّ ما تحتاج إلى معرفته: المتغيرين الهامين هما الخسارة المحتملة والمكافأة المحتملة.

شاهد بالفيديو: تعلم كيف تغتنم الفرص بـ 10 خطوات

1. الخسارة المحتملة:

تعني "كم سيكون الأمر سيئاً إذا باءت المجازفة بالفشل"، يمكنك تقييمها على مقياس من 0 إلى 9؛ فالرقم 0 يعني عدم وجود أيَّة خسارة على الإطلاق بينما الرقم 9 يعني وجود نوع من الخسارة المروِّعة وغير المقبولة.

2. المكافأة المحتملة:

تعني "ما هي نتيجة النجاح؟"، يمكنك تقييمها أيضاً على مقياس من 0 إلى 9؛ فالرقم 0 يعني عدم وجود مكافأة على الإطلاق بينما يعني الرقم 9 مكافأة قد تغير حياتك.

إنَّني أقوم فقط بتقييم الأمور الجيدة أو السيئة التي قد تواجهك إذا جازفت؛ فالمعادلة البسيطة هي الخسارة المحتملة مقسمة على المكافأة المحتملة تساوي حاصل المجازفة؛ أي الخسارة المحتملة ÷ المكافأة المحتملة = حاصل المجازفة.

يجب في رأيي أن تبحث عن المجازفات التي تكون فيها المكافأة المحتملة كبيرة، والخسارة المحتملة منخفضة لكي تكون المجازفة التي ستقوم بها ذكية، فكلُّ شخص سيحكم على المتغيرات حكماً مختلفاً عن الآخر بناءً على فهمه الخاص، لكن إذا اتبعت تلك المعادلة يمكنك أن تتقن اتخاذ المجازفات الذكية.

ملحوظة: سيلاحظ من يتقن اتخاذ المجازفات أنَّه لا توجد مجازفات ذكية مع خسارة محتملة كبيرة، وهذا يتفق مع ما ذكرته سابقاً.

تطبيق معادلة المجازفات الذكية:

المعادلة السابقة طريقة رياضية سهلة لمعرفة ما إذا كانت المجازفة التي توشك على القيام بها ذكية أو غبية، وهي فعلاً سهلة جداً، لكنَّها في الواقع ليست معادلة رياضية بحتة.

سيختلف المتغيران اللذان تقوم بتعيين قيم لهما اعتماداً على الشخص الذي يطبق بالمعادلة، فجميعنا نفسر الموقف نفسه تفسيراً مختلفاً؛ فالأمر الذي قد يبدو أنَّه مجازفة ذكية بالنسبة إلى شخص ما، قد يبدو غبياً بالنسبة إلى الآخر، والمجازفة التي قد تبدو لي بأنَّها غبية قد تبدو ذكية بالنسبة إليك، وهذا يعود إلى وجود متغيرات أخرى يجب مراعاتها عند اكتشاف الخسارة المحتملة والمكافأة المحتملة.

لكن لا تخف، يمكنك أن تصبح جيداً جداً في تقييم المجازفات الغبية في حياتك الخاصة بالتدرب على بعض السيناريوهات الشائعة التي نواجهها جميعاً، وتعديل المتغيرات، عُدَّ هذا الأمر بوصفه تدريباً لكي تتقن اتخاذ المجازفات الذكية.

إقرأ أيضاً: ما هي أهمية التحلي بالجرأة؟

مثال عن المجازفة في تجاوز الإشارة الحمراء:

لنفترض أنَّك في طريقك إلى العمل، وأنت متأخرٌ بخمس دقائق، وفجأةً ترى أمامك إشارة مرور تحوَّل ضوؤها إلى اللون الأحمر، ولأنَّك لم ترغب بالتأخر أكثر، قررت بأن تجازف وتتجاوزها؛ أي إنَّك جازفت بحياتك فقط لكي لا تتأخر أكثر، دعنا نطبق المعادلة التي ذكرتها سابقاً؛ أي الخسارة المحتملة ÷ المكافأة المحتملة = حاصل المجازفة، ولنرى ما إذا كان الأمر يستحق هذه المجازفة.

سأقيم المكافأة المحتملة - في أحسن الأحوال - بالرقم 2، فأنت ستتأخر على كلِّ الأحوال، أمَّا الخسارة المحتملة، فسأقيمها بالرقم 8، فتجاوز الإشارة الحمراء سيعرضك لخطر حدوث اصطدام خطير بسبب السرعة العالية، والذي يمكن أن يكلفك حياتك بسهولة.

ففي هذه الحالة يكون حاصل المجازفة لدينا منخفضاً جداً، ممَّا يعني أنَّها مجازفة غبية جداً، لكن لنفترض أنَّه لا يوجد أيَّة سيارات قادمة من أيٍّ من الاتجاهين عند ذلك التقاطع، هذا يعني أنَّ فرصة حدوث الاصطدام منخفضة.

لنفترض أنَّك تعمل في مستشفى، وأنَّك على وشك أن تتأخر عن عملية زراعة قلب طارئة، والتي ستنقذ حياة شخص ما، في هذه الحالة تكون المكافأة المحتملة أعلى بكثير، ومن الممكن أن تصل إلى الرقم 9؛ وذلك لأنَّ إنقاذ حياة شخص ما هي أمر مجزٍ للغاية، لكنَّ الخسارة المحتملة ما تزال مرتفعة، ولكنَّها غير مرجحة إلى حد كبير؛ لذلك سنقيمها بتقييم منخفض.

بذلك سيرتفع حاصل المخاطرة، وهذا يعني أنَّ المجازفة قد تكون ذكية، لكن بالكاد؛ لأنَّه إذا كان التقاطع مزدحماً، فكان من الممكن أن يزداد الأمر سوءاً.

شاهد بالفيديو: 8 خطوات عملية لاتخاذ القرارات الصعبة في الحياة

التراخي في العمل:

لنفترض أنَّك تشعر بالملل في أثناء العمل، وذهنك مشتت بشيء آخر، ربما بشيء مضحك قد أرسله لك صديقك في الليلة السابقة، فقد تقول لنفسك: "سأشاهد بعض مقاطع الفيديو لتمضية الوقت، فلا أحد في الجوار، ولقد قمت بعمل كثير اليوم".

هل هذه مجازفة ذكية؟ من غير المحتمل أن يكتشف أحد أو أن تُعاقب على فعل كهذا، لكن من الممكن حدوث كلِّ شيء، وسأعطي تقييماً منخفضاً للخسارة المحتملة والمكافأة المحتملة، فما الذي ستجنيه من إضاعة وقتك على بعض الفيديوهات؟ ربما ليس ما يكفي ليكون حاصل المجازفة مرتفعاً.

فماذا لو استثمرت وقتك في إرسال بريد إلكتروني إلى شركاء الأعمال المحتملين للشركة التي تحاول البدء بها بدلاً من مشاهدة الفيديوهات؟ قد يؤدي ذلك إلى رفع مكافأتك المحتملة بدرجة كافية لجعلها تستحق وقتك.

لكن ماذا لو حُذرت بعدم القيام بأشياء أخرى غير مهام العمل من قبل، وأنت تخاطر دون وجود أيَّة مدخرات يمكنك الاعتماد عليها في حال حصول شيء ما؛ لا أعتقد أنَّ الأمر يستحق المجازفة.

إقرأ أيضاً: 4 نصائح لتصبح أكثر جرأة وتغتنم المزيد من الفرص

في الختام:

تعتمد نتيجة المعادلة كما ترى على الشخص الذي يقوم بحساب المتغيرات؛ فإنَّ العثور على معادلة رياضية مثالية لحساب المجازفات، هي ليست الأمر الهام؛ بل الخروج بإطار عمل يمكنك وضع متغيراتك به، والذي سيساعدك على معرفة المجازفات التي تريد أن تقوم بها في حياتك هي ما يهم؛ إذ يمكن لمعادلة المجازفة الذكية أن تخبرك بكلِّ شيء.

المصدر




مقالات مرتبطة