الفرق بين الدافع الداخلي والدافع الخارجي

هل لاحظتَ سلوك الأطفال في أثناء قيامهم بمهام يومية؟ قد يميلون بشكل طبيعي إلى ممارسة الألعاب مع الأصدقاء، ولكنَّهم يحتاجون إلى التحفيز لأداء واجباتهم المدرسية، وقد يستمتع الأطفال بتناول الوجبات السريعة بأنفسهم ولكنَّهم يحتاجون إلى مراقبة من قِبَل ذويهم في أثناء تناول الخضار على مضض.



عندما يكبر هؤلاء الأطفال، لا يتغير سلوكهم، فهناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نفعل أشياء معيَّنة، وفي بعض الأحيان، يكون لدينا دافع داخلي لتحقيق شيء ما، وفي أحيان أخرى يكون الدافع خارجي، حيث يحتاج مثل هذا التباين إلى المقارنة بين الدافع الداخلي والدافع الخارجي.

يكون الدافع داخليَّاً عندما يشترك الناس في نشاط ما لأنَّهم يجدون أنَّه مثير للاهتمام وعندما يُحقِّق لهم الرضا، وفي المقابل، عندما يكون الدافع خارجيَّاً، يشتركون في نشاط ما لنَيل بعض المكاسب مقابل ذلك، مثل: الحصول على مكافأة، أو تجنُّب العقوبة، أو تحقيق بعض النتائج الهامة.

تابِع القراءة لمعرفة المزيد حول الدافع الداخلي والدافع الخارجي، واكتشِف كيف يؤثر السلوك القائم على المكافأة في إنتاجيتنا وكيف يمكِننا تنظيم ذلك.

ما هو الدافع الداخلي؟

تتحدث النظريات جميعها التي تصف ما يُصنَّف على أنَّه دافع داخلي عن الدافع الطبيعي الذي من خلاله نقوم بنشاط ما لأنَّه يمنحنا المتعة.

ربط بعض الباحثين في علم النفس السلوك الداخلي باحتياجات الإنسان الأساسية، والإبداع، وتحسين الأداء، والرضا؛ فعندما نُنفِّذ مهمةً تُلبِّي احتياجاتنا الطبيعية، مثل: الجوع والعطش والنوم، نكون مُجهَّزين تماماً بالدافع لإكمال المهمة، وفي أوقات أخرى، قد نفعل شيئاً ببساطة لأنَّه يُحفِّز تجربةً جميلةً تجعلنا في حالة نشاط، مثل الهوايات.

ببساطة، الأنشطة التي تجلب لنا الرضا والسعادة مدعومة بدافع داخلي، لأنَّ نظام المكافآت الداخلي يُغذيها.

أمثلة عن الدافع الداخلي:

  • الدراسة، لأنَّك تستمتع بعملية اكتساب المعرفة وليس فقط لأنَّك تريد درجات جيدة.
  • مساعدة صديق أو فرد من العائلة بدافع الحب دون توقُّع أي شيء في المقابل منهما.
  • الوقوف في المطبخ لساعات لتحضير وجبتك المُفضَّلة لأنَّ النتيجة ستكون الشبع والشعور بالسعادة.
  • متابعة هواية، مثل: البستنة، والمشي لمسافات طويلة، والتخييم، وممارسة الرياضة وغيرها، لتجربة المتعة الجمالية والحسية.
  • المشاركة في سباق الماراثون للشعور بالنشاط البدني بدلاً من السعي وراء المكافأة المالية.
  • الاضطلاع بمسؤوليات إضافية في العمل أو المدرسة لتحسين مهاراتك دون نية الحصول على تقدير أو استحسان شخص ما.
إقرأ أيضاً: 15 طريقة للتخلص من الكسل والافتقار إلى الدافع

ما هو الدافع الخارجي؟

عندما كان الحافز لأداء مهمة ما نابعاً من داخلنا، فلا يمنحنا ذلك إحساساً بالرضا، ويكون الدافع لأداء المهمة خارجيَّاً، وهو دافعٌ يُولِّد في نفوسنا الرغبة في الحصول على مكسب أو تجنُّب عقوبة.

ليس كل عمل نقوم به يجلب لنا الفرح، بسبب طبيعته المتكررة، أو المُستعجَلة، أو ضرورته، أو مدته، أو رتابته، سواء كنا نرغم أنفسنا للذهاب إلى العمل أو المدرسة كل صباح، أم العمل في عطلات نهاية الأسبوع، فإنَّنا نميل إلى القيام بمهام قد لا ترضينا أو تسعدنا بطبيعتها؛ إذ عادةً ما تدفعنا قوةً خارجية أو دافعاً خفياً لإكمال مثل هذه المهام، مثل: المكافآت، والمال، والثناء والشهرة. ومع ذلك، لا يعني الدافع الخارجي بالضرورة أنَّنا غير مستعدين لفعل شيء ما، فنحن نسعى فقط إلى الحصول على مكافأة خارجية منه، على سبيل المثال: قد يحب الشخص الكتابة ولكنَّه يبذل جهداً إضافياً لكسب المال منها.

تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ تقديم مكافآت خارجية للقيام بشيء نحن متحفزون له داخلياً قد يُقلل الدافع، وهو ما يُعرَف باسم تأثير التبرير المفرط.

أمثلة على الدافع الخارجي:

  • عمل الطالب في وظيفة بدوام جزئي لكسب أموال إضافية.
  • المشاركة في المسابقات للفوز بجوائز وكسب الشهرة.
  • حضور الدروس بانتظام ليس لأنَّ المحاضرة ماتعة، وإنَّما لتسجيل اسمك في سجل الحضور.
  • الذهاب إلى العمل عندما لا ترغب بذلك لتجنُّب الاقتطاع من الراتب.
  • إكمال مهمة قبل وقتها لكسب الثناء والتقدير.
  • القيام بشيء لا تحبه لتجنُّب أن يُصدِر الآخرون أحكاماً بحقك.
  • القيام بالأعمال المنزلية لاسترضاء الوالدين قبل طلب شيء منهما.

شاهد بالفديو: 10 قواعد في الحياة للمحافظة على الدافع

عوامل تُنظِّم الإنتاجية:

بصفتنا كائنات اجتماعية، نتفاعل مع محيطنا لنيل الرضا، وتحقيق المكاسب، وعلى الرغم من ارتباطنا بالعديد من العوامل الاجتماعية، ما زلنا نتصرف بشكل مستقل كأفراد متميزين لديهم خياراتهم المُفضَّلة وآرائهم الخاصة.

يتحدث الكاتب "دانيال إتش بينك" (Daniel H. Pink) في كتابه "الدافع: الحقيقة المدهشة لما يُحفِّزنا" (Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us) عن تطوُّر الاقتصاد الرقمي، وإمكانية تبنِّي القادة أساليب أكثر فاعليةً للتحفيز، حيث يقترح ثلاثة مبادئ لزيادة الإنتاجية: الاستقلالية، والإتقان، والهدف. وسوف نناقش تأثير الدافع الداخلي والخارجي في هذه المبادئ الثلاثة، ولكن بعدَ فصل مقترحاته عن ظروف مكان العمل، وذلك بغرض تعميمها.

  • تشير الاستقلالية إلى مقدار الإبداع والتحكم الذي نملكه في التعبير الشخصي دون أي تأثير خارجي، مما يمنحنا الاستقلالية في الاختيار وتقرير مسار الأعمال المستقبلية.
  • الإتقان أو الكفاءة هما قدرتنا على تنفيذ مهمة أفضل تنفيذٍ ممكِن دون أيَّة مساعدة خارجية، حيث يتحكم مستوى كفاءتنا في مدى جودة أدائنا عند تكليفنا بشيء ما.
  • يُبيِّن الهدف رغبة الأفراد في تقديم مساهماتٍ للبشرية تتجاوز المنفعة الشخصية.

الإنتاجية هي نتيجة تراكمية لما سبق يُنظِّمها الدافع، وفي القسم التالي، سنستكشف التأثيرات المختلفة لنوعَي الدافع في الأداء الفردي: الدافع الداخلي مقابل الدافع الخارجي.

الدافع الداخلي مقابل الدافع الخارجي "هل هناك خيار ثالث؟":

في دراسة نفسية، وجد "ريتشارد إم ريان" و"إدوارد إل ديسي" (Richard M. Ryan and Edward L. Deci) أنَّ "الظروف الداعمة للاستقلالية والكفاءة سهَّلَت بشكل موثوق هذا التعبير الحيوي لميل الإنسان نحو النمو، في حين أنَّ الظروف التي تتحكم في السلوك وتُعيق التفكير الإدراكي أخفَت ذلك التعبير".

بعبارة أخرى، سواء كانت المهمة ذات دوافع داخلية أم خارجية، فلا ينبغي أن تؤثر سلباً في قدراتنا الطبيعية.

وتوصَّلا أيضاً إلى أنَّ "التحكم المفرط، والتحديات غير المثلى، والافتقار إلى الترابط، تُعطِّل الميول الفعلية والتنظيمية المتأصلة في طبيعة البشر؛ وبالتالي فإنَّ هذه العوامل لا تؤدي فقط إلى الافتقار إلى المبادرة والمسؤولية فحسب؛ بل تؤدي إلى الضيق أيضاً". ببساطة، يمكِن للتحديات غير القابلة للتحقيق والانفصال العاطفي أن يُقلِّلا من القدرات الطبيعية للأفراد ويُؤثِّرا سلباً في الأداء.

وبذلك؛ يمكِن أن نستنتج أنَّ الدافع الإيجابي هو المفتاح لتحسين الأداء دون إرهاق عقلي أو جسدي أو عاطفي للفرد، سواء كان ذلك في المدرسة أم العمل أم الدوائر الاجتماعية، يجب على الرؤساء التأكُّد من أنَّ المهمة المعيَّنة يجب أن تكون مُحفِّزةً إيجابياً بطريقة تضمن الالتزام والاهتمام والإنتاجية؛ وبالتالي، فإنَّ نوع الدافع ليس هاماً للأداء طالما أنَّه لا يعيق مبادئ الإنتاجية الثلاثة.

كيف يمكِنك تحفيز الآخرين بصورة إيجابية؟

تقديم تغذية راجعة منتظمة للأفراد الذين يبذلون جهداً لتحقيق شيء ما، مثل: الاستماع إلى نقاط القوة والضعف لديهم، ولكن قبل القيام بذلك، يجب أن تؤسِّس تقديم التغذية الراجعة كعملية إيجابية ومُشجِّعة للتنمية داخل البيئة الاجتماعية.

  • وضع أهدافٍ قابلة للتحقيق: يؤثر تكليف الأفراد بمهام كثيرة وصعبة سلباً في أدائهم، لأنَّه لا يحترم قدراتهم، وقد يحبطهم بشدة لأنَّه يمنعهم من تقديم أفضل ما لديهم، كونهم يعتقدون أنَّ هذه المهام مستحيلة التحقيق.
  • إثارة التحدي في نفوسهم من خلال زيادة المستوى تدريجياً: بمجرد أن تقوم بقياس مستوى مهارة الأفراد، يمكِنك تكليفهم تدريجيَّاً بمهام أكبر لتوسيع قدراتهم.
  • إلهامهم: أن تكون قدوةً هو أفضل طريقة لتحفيز الآخرين؛ إذ يمكِنك أداء أفضل ما لديك لإعلام الأفراد بما تتوقعه منهم.
  • إنشاء علاقة قائمة على الثقة: الثقة هي مفتاح الحفاظ على أيَّة علاقة إنسانية، سواء كانت شخصيةً أم مهنية، فإنَّ ضمان وجود هذه المشاعر يريحهم ويلهمهم للقيام بعمل أفضل.
  • الحفاظ على نظام مكافآت صحي: لا يمكِن للبشر مقاومة المكافآت، سواء كانت داخليةً أم خارجية، حيث قد يدفع الحفاظ على نظام مكافآت صحي الآخرين إلى العمل بجد لتحقيق إنتاجية أكبر.
  • اطلب منهم تغذيةً راجعة: أخيراً، الحصول على تغذية راجعة لا يقل أهميةً عن إعطائها، ولا تنسَ أن تطلب آراء الناس في التغييرات التي يمكِنك إجراؤها على نهجك.
إقرأ أيضاً: كيف تكتشف أسرار نظام المكافآت في الدماغ وتحافظ على الدافع؟

في الختام:

ليس من السهل دائماً النظر إلى حياتك نظرةً شاملة؛ إذ تحتاج أحياناً إلى محفزات خارجية تُظهِر إمكاناتك وتساعدك على تمهيد الطريق للنجاح، ولكن حتى عندما يكون لديك محفزات خارجية تدعمك، سوف يساعدك الاهتمام الشديد بالأحاديث التي تُجريها مع نفسك على تجاوز العقبات. ولا تنسَ أنَّ الدافع ليس هدفاً في حد ذاته، فهو الطريق إلى رحلة طويلة تُحقِّق فيها المزيد من الإنجازات، وهو ما سيجعل نظرتك إلى الحياة نظرةً شاملة أمراً ممكِناً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة