الفرق بين الأهداف والأنظمة ودور كلٍّ منهما في تنظيم حياة الإنسان

لا بدَّ أنَّ الأشخاص الذين يدَّعون أنَّ تحديد الأهداف أمرٌ سيئ مجانينٌ أو فاقدون لصوابهم، وعلى الأرجح أنَّهم قد وضعوا في السابق بعضَ الأهداف لأنفسهم وفشلوا في تحقيقها، فلم يُحاولوا إعادة الكرَّة مُجدَّداً على الإطلاق.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن أهمية كلٍّ من الأهداف والأنظمة ودورها في حياتنا.

أعلم أنَّ ثمة كثيراً من الالتباس والحيرة فيما يخصُّ موضوع الأهداف والأنظمة في أيامنا هذه، وقد ساهمتُ في ذلك الالتباس بدوري أيضاً؛ إذ يؤمن معظمنا بفكرة أن يكون لديك نظامٌ في حياتك أو أن تحدِّد أهدافاً لنفسك والتفكير في امتلاك أحد هذَين الخيارَين فقط دون الآخر ليس مفيداً لأنَّه يحدُّ من مُعتقَداتنا.

أعرف هذه الفكرة جيداً لأنَّني اعتدتُ على التفكير بهذه الطريقة أيضاً، إلَّا أنَّني تعلَّمتُ بعد ذلك أنَّه يمكن الجمع بينهما معاً في معظم أمور الحياة؛ لذا سأشرحُ في هذا المقال السببَ الذي يجعلُ الأهدافَ والأنظمة تكمِّل بعضَها بعضاً ممَّا دفعَني لامتلاكهما معاً.

لكنْ لنبدأ أولاً بتعريف كلٍّ منهما؛ فالهدف يُملي عليك وجهتَك التي ستقصدها غداً، أمَّا النظام فيُخبرك بما يجب عليك فعلُه اليوم؛ والفرقُ بينهما واضحٌ للغاية؛ فالنظام هو مجموعة من المهام والاستراتيجيات والخُطَط التي تساعدك على العمل، ومن ثَمَّ يمكن لتحديد الأهداف أن يكون جزءاً من ذلك النظام.

أسباب الحاجة إلى الأهداف:

أنزعجُ جداً وأشعر بالضيق كلَّما قرأت عمَّن يدَّعون أنَّه يجب ألا تضع أهدافاً لنفسك، فربَّما تكون هذه أسوأ نصيحةٍ يمكن للمرء أن يتلقَّاها؛ لأنَّك حين يخبرك شخصٌ ما بألَّا تضع أهدافاً في حياتك أو ألا تحددها، فكأنَّه ينصحك أساساً بالتوقُّف عن إحراز أيّ تقدُّم أو تطوُّر في حياتك.

الأهداف متأصلةٌ في الطبيعة البشرية؛ إذ ينمو الإنسان وينجح بسبب التقدُّم والتطوُّر الذي يحققه، كما أنَّنا دائماً بحاجةٍ إلى شيءٍ ما كي نسعى ونعمل جاهدين على تحقيقه والوصول إليه، فلا ضرورة لإنجازنا لأيِّ أمرٍ إن لم يكُن لدينا تصوُّرٌ عمَّا سيكون عليه مستقبلُنا، وهو ما تساءل عنهُ الفلاسفةُ والعلماء وبحثوا فيه قديماً منذُ بدء الحضارة الحديثة.

لقد تعلَّمنا مراراً وتكراراً أنَّنا بحاجة إلى الأهداف في حياتنا كي ننموَ ونزدهر؛ لذا لنتوقَّفْ لبُرهةٍ من الزمن ونفكِّر في ذلك لثوانٍ، ونتساءل عن سبب وجودنا وحياتنا؛ فمن وجهة نظري، نحن موجودون في هذا الكون كي نصنعَ حياةً مفيدة ونافعة، وهو ما يجعلُنا سعداء؛ ومن ثَمَّ يجعل حياتَنا جيدةً بوصفها نتيجة له.

على كلِّ حال، تحديد الأهداف ليس مهارةً يسهُلُ اكتسابُها؛ ففي الماضي كنتُ أضعُ أهدافاً لنفسي لا أملك سيطرةً عليها إطلاقاً، كأن أسعى إلى كسب مليون دولارٍ مثلاً، وقد يبدو هذا هدفاً رائعاً؛ لكنَّك لا تتحكم بنتائج الهدف؛ وإنَّما تتحكم فقط بالمجهود الذي تبذلُه في سبيل تحقيق تلك الأهداف، فمن الأفضل إذاً أن تحدِّدَ أهدافاً ترتبط بمجهودك.

لمعرفة الأهداف التي يمكنك التأثير فيها، والطريقة التي تستطيعُ بها تحديدَها، سأورد لكم بعض الأسئلة التي ترتبط بأهدافٍ من هذا النوع:

  • كم عدد الكتب التي ستقرؤها؟
  • ما هي الشهادات الجامعية التي ستحصل عليها؟
  • كم عدد المنتورز الذين من المُحتمَل أن تتواصل معهم؟
  • كم عددُ المقالات والكتب والفيديوهات التي ستؤلِّفُها؟
  • كم ستستثمر من أموالك؟

شاهد بالفيديو: 5 استراتيجيات لبلوغ أعلى الطموحات وتحقيق الأهداف

أسباب الحاجة إلى الأنظمة:

إنَّ للأنظمة معانٍ مختلفة بالنسبة إلى كلٍّ منَّا؛ فعلى سبيل المثال، قد شرحَ الكاتبُ الأمريكي "سكوت آدامز" (Scott Adams) مؤلِّفُ كتاب "كيفَ تفشل في كلّ شيءٍ تقريباً وتحقق فوزاً كبيراً على الرَّغم من ذلك؟" (How to Fail at Almost Everything and Still Win Big) بطريقةٍ رائعة كيفيةَ نجاح الأنظمة وفاعليتها في حياته، فهو لا يضعُ أهدافاً لنفسه أبداً؛ بل يمتلك أنظمةً يلتزم بها فحسب.

لكنَّني لا أنظرُ إلى الأمر بهذه الطريقة، فبمُجرَّد أن نحدِّد أهدافَنا، نصبحُ على درايةٍ بأنَّه يجب علينا بذلُ كثير من المجهود والعمل باجتهادٍ في سبيل تحقيقها، وهُنا يبدأ دورُ الأنظمة لنضعَها حيِّزَ التنفيذ كي تساعدنا على تحقيق أهدافنا؛ فالأمرُ ما هو في الحقيقة إلَّا معرفةُ ما يجبُ علينا فعلُه يومياً في سبيل تحقيق الأهداف التي نرغبُ فيها.

لنقُل مثلاً إنَّك ترغبُ في أن تصبح مستقلاً مادياً بحلول الخمسين من عمرك، فعندَها ستعتقدُ ربَّما أنَّه يجبُ عليك ما يأتي:

  • توفيرُ أو ادِّخارُ 30% من دخلك على الأقل.
  • زيادة دخلك السنوي.
  • التمتُّع بقوة ذهنية كافية كي تتمكن من ممارسة عملك جيداً.
  • الحفاظُ على لياقتك البدنية كي تتمتَّع بطاقة عالية وتحمي نفسَك من الأمراض.
  • تعلُّم أشياء جديدة يومياً كي تحسِّن من أدائك الوظيفي.
  • النظر إلى أهدافك يومياً لتذكير نفسك بوجهتك في هذه الحياة.
  • التفكيرُ في الماضي كي تتعلَّم منه وتكون ممتنَّاً لِمكانك الذي بلغْتَه الآن.

من خلال تنفيذ الواجبات السابقة ستكون قد أنشأتَ نظاماً لحياتك، ممَّا سيؤدي إلى إحرازك التقدُّم والتطوُّر مهما يحدث، لكن ثمة أمر واحد علينا أن ندركه وننتبه إليه وهو أن نُبقيَ أذهانَنا دائماً مستعدةً لتقبُّل أفكارٍ جديدة؛ لأنَّ الأهداف والأنظمة في تغيُّرٍ مستمر، فلا تشغَلْ ذهنَك وتركِّزْ على شيءٍ واحد أكثرَ من اللازم لفترة طويلة؛ بل غيِّرْ أهدافَك وأنظمتَك مع تغيُّر الأولويات في حياتك.

إقرأ أيضاً: الأنظمة التمثيلية

أسباب الحاجة إلى أهدافٍ أسمى أو أعظم:

لقد أثبَتْنا حاجتَنا إلى كلٍّ من الأهداف والأنظمة كي نعيشَ حياةً جيدة، وإليكم الأمور التي تعلَّمتُها خلال السنوات القليلة الماضية:

  1. وضعُ أهدافٍ أسمى لأنفسنا؛ فأنتَ لا تحتاج إلى كسب 10 ملايين دولار مثلاً، فهو مُجرَّد قولٍ نابعٍ من عقلك السطحي الذي يتحدَّث نيابةً عنك.
  2. رفعُ سقف تطلعاتك؛ كأن تصبح الأفضل في عملك، أو أن تصبح شخصاً أقوى وأذكى وأكثر لياقةً بدنيةً من أيِّ وقتٍ مضى، أو أن تحرص على جعل علاقاتك رائعةً مع الآخرين.
  3. تجاوُز ما أنتَ عليه حالياً وتطوير موقعك في الحياة دائماً، وأحبُّ الطريقةَ التي يعبِّرُ بها المؤلِّف "جوردان بيترسون" (Jordan Peterson) عن ذلك في كتابه الذي يحظى بشعبية كبيرة والمُسمَّى "12 قاعدة للحياة" (12 Rules For Life) قائلاً: "ينبغي ألَّا تتخلَّى أبداً عن الرغبة التي تسكن في داخلك بأن تكون الأفضل في سبيل الأمان وراحة البال التي تمتلكُها فعلاً"؛ لذا عليك أن تسأل نفسَك عن السبب الذي يجعلُك تستحقُّ أيَّ شيءٍ سِوى الأفضل، فربَّما يعود ذلك لخوفك من خسارة ما تملكه حالياً؛ لكنَّ هذا ليس سبباً جيداً لعيش حياةٍ عادية يملؤها الخوف.

نحن حين نضعُ أهدافاً عادية، نستحقُّ في الحقيقة أن نحصلَ على أمورٍ وضيعة وعادية؛ لكنَّنا حين نضعُ لأنفسِنا أهدافاً أعظم، فربَّما نفشَل؛ لكنَّنا سنظلُّ نتمتع بحياةٍ أفضل من حياة الناس ذوي الأهداف البسيطة؛ لأنَّ فشل الشخص الذي يسعى إلى تحقيق أهدافٍ عظيمة أفضل بكثير من حياة مَن يضع أهدافاً وضيعة وبسيطة لنفسه.

قد يخطرُ على بال أحدكم بأنَّه ما من ضرورة لوضع أهداف كبيرة؛ لأنَّه شخصٌ قنوع ولا يحتاج إلى كثير في حياته، وسأجيبُ على ذلك بأنَّ هذا أيضاً يبدو بوصفه هدفاً عظيماً جداً بالنسبة إلي، فمن المُضحِك للغاية أن يتظاهر الناسُ بأنَّ الرضى والسعادة من الأمور سهلة المنال في هذه الحياة؛ لأنَّ الرضى والامتنان هُما أعظمُ هدفين في الحياة وأسماهما على الإطلاق؛ بينما يُعَدُّ كلٌّ من التذمُّر والشكوى، والجحود ونكران الجميل، وحُب الاستهلاك، والغضَب، وعدم فعل أيِّ شيء مفيد في حياتنا وغيرُها أشياء أو أهدافاً وضيعة ودنيئة.

إقرأ أيضاً: 6 استراتيجيات لبلوغ أعلى الطموحات وتحقيق الأهداف

في الختام:

أنصحُك بوضع أهدافٍ أسمى والسعي إلى تحقيق أمورٍ عظيمةٍ دائماً، وعيشِ حياة مليئة بالمشاركة، وتكريس نفسِك وحياتك لنهل مزيد من العلوم والمعارف متَّبِعاً طريقة الدراسة الذاتية، وكذلك ساعِدْ نفسَك وعائلتَك ومُجتمَعَك ما استطعتَ، فتلك هي أسمى وأعظم الأهداف التي يمكن للمرء أن يضعها لنفسه.

كما أنَّني أرغبُ منك في أن تسديَ معروفاً لنفسِك بالجلوس لمدة 10 دقائق والتفكير في إجابات عن الأسئلة الآتية:

  • ما هي أهدافُك التي تنوي تحقيقَها خلال الأسبوع الحالي؟
  • وما هي الأهداف التي تنوي تحقيقَها في الشهر الحالي؟
  • وما هي أهدافُك للسنة الحالية؟
  • وما هي الأهداف التي حدَّدتَها لنفسك للسنة القادمة؟
  • وما هي أهدافُك التي تتطلبُ ثلاث سنواتٍ لتحقيقها؟
  • وما هي الأهداف التي تتطلبُ خمسَ سنواتٍ لإنجازها؟

بعد ذلك أضمنُ لك بأنَّك ستشعرُ بالسعادة والحماسة تجاه حياتك بعد ممارستك لهذا التمرين الصغير.




مقالات مرتبطة