الفرق بين الأهداف الخاطئة والحقيقية

"لم يفت الأوان أبداً لتكون الشخص الذي تريد أن تكون عليه" - الروائية "جورج إليوت" ( George Eliot).



عندما كنتَ طفلاً، هل أخبرك والداك أو معلِّموك أو زملاؤك بما يجب عليك فعله في الحياة؟ ربما أخبروك أنَّه يجب عليك كسب كثير من المال، أو أن تكون ناجحاً، أو أن تكون شخصاً جديراً بالاحترام، أو أن تكوِّن عائلة، أو أن تساهم في المجتمع، أو أن تؤدي أموراً أكبر.

مهما كان الدور الذي ستؤديه في الحياة، هل كان لك رأي في تحديد هدفك؟ وهل فكَّرت مليَّاً في كل الأمور التي تريد القيام بها، أو كيف تريد أن تكون، قبل أن تقرِّر ما الذي تريد القيام به؟

من المُحتمل أنَّه بطريقة ما وفي مرحلة ما، قرَّر الناس كيف يجب أن تعيش حياتك نيابةً عنك دون إشراكك في عملية صنع القرار، والأمر الذي بدا خياراً، لم يكن أكثر من مجموعة من الاقتراحات والرسائل المشروطة التي تلقيتها منذ الصغر، ممَّا أعطاك انطباعاً بأنَّ اختياراتك في الحياة كانت تخصُّك أنت، في حين أنَّها في الحقيقة مجرد تعليمات طُلِبَ منك اتباعها، أو في أحسن الأحوال مجموعة صغيرة من الخيارات التي اخترت من بينها.

فهذه الأهداف الخاطئة، هي أهداف يفرضها عليك الآخرون، والأهداف الخاطئة ليست أهدافك الحقيقية في الحياة، فقد اتخذتها وجعلتها حقائق غير قابلة للشك، وبسبب الطريقة التي يضغط بها الآخرون على حياتنا بمهارة، وبسبب كل الأمور التي تدعم هذه المعتقدات، من التقارير الإعلامية إلى الكتب المدرسية، قِلَّة من الناس يتحدونها، فبالنسبة إليهم هذا هو أسلوب الحياة.

على سبيل المثال، إذا أخبرك الناس أنَّ الهدف من حياتك هو أن تكبر وتتزوج وتنجب أطفالاً، وأنَّ كل شخص من حولك يفعل نفس الأمر، فمن الصعب جداً التشكيك في هذا الأمر، وعندما تشاهد المسلسلات مثلاً، تلاحظ نفس الأمر، فجميع المناقشات تدور عن الزواج وإنجاب الأطفال من قبل الشخصيات الرئيسة، وتطلعات تدور عن نفس الأمر.

ينطبق نفس الشيء على هدف كسب كثير من المال؛ وذلك كي تتناسب مع تعريف المجتمع للنجاح، أو العمل في مؤسَّسة مالية كبيرة، أو أن تكون من المشاهير، فعندما يدعم كل جانب من جوانب واقعك هذا المسار، فأنت بسهولة تتقبَّل هذا الأمر بوصفه حقيقةً، حتى لو كانت الحياة تعني أكثر من ذلك بكثير.

ويمكن أن تكون المسارات التي تتبعها هي أهداف حقيقية لأشخاص آخرين، وهذا أمر جيد، لكن كل ما نقصده هنا، هو أنَّك إذا لم تسلك طريقاً مرتبطاً بتقييمك الواعي واختيارك، فإنَّ حياتك لم تبدأ بعد؛ إذ يوجد فرق كبير جداً بين عيش حياة واعية وحياة لاواعية.

فيما يأتي الاختلافات بين الهدف الخاطئ والهدف الحقيقي:

خصائص الهدف الكاذب أو المفروض:

1. مُرسَّخ منذ الصغر:

غالباً ما يُغرَس الهدف الخاطئ فيك منذ الصغر، ويمكن أن يحدث هذا الأمر إذا كنت جزءاً من مجتمع أكبر، مثل الأسرة أو الثقافة أو المجتمع أو الدين أو الأمة؛ إذ إنَّه أمر يكرِّره الجميع، لذلك لا يوجد مجال لطرح الأسئلة أو التفكير بطريقة مختلفة، فهذا هو الحال تحديداً في الثقافات الآسيوية، فالهدف من مثل هذه الثقافات هو تكوين شخص يتناسب مع هوية المجتمع، بدلاً من التركيز على تحقيق الذات.

2. غير واعٍ:

الهدف الخاطئ هو هدف ناتج عن اللاوعي، فأنت تسعى وراءه لأنَّ هذا ما طُلِب منك القيام به طوال حياتك، ولم تفكِّر مطلقاً بعمق فيما تريد إنجازه وفي جميع الخيارات الممكنة التي يمكنك اتخاذها، فأنت تفعل هذا لأنَّ هذا ما يفعله الجميع، وتفعل ما هو متوقع منك.

3. جزء من توقعات الآخرين:

إنَّ الهدف الخاطئ هو جزء من توقعات الآخرين؛ إذ يقول جميع من حولك إنَّه يجب عليك النجاح في الدراسة؛ لذلك تدرس وتحقق أداءً جيداً، ويخبرونك بأنَّه يجب عليك الحصول على وظيفة جيدة الأجر في شركة مرموقة، لذلك تسعى إلى الحصول على ذلك، كما يخبرونك بأنَّه يجب أن تتزوج وتنجب أطفالاً، فتفعل ذلك، فكل ما تفعله هو جزء من توقعات الآخرين.

4. مدفوع بالخوف:

الهدف الخاطئ مدفوع بالخوف أو الالتزام بالارتقاء إلى مستوى توقعات الآخرين، فأنت تسعى إليه لأنَّك تريد تجنُّب عواقب عدم فعل ذلك، كتجنُّب غضب أو رفض والديك أو مجتمعك، والشعور بالخجل؛ إذ يُنظَر إليك على أنَّك لا ترقى إلى مستوى أداء واجباتك.

5. فارغ:

لن يرضيك الهدف الخاطئ على الأمد الطويل، ومع أنَّك تشعر بالرضى على الأمد القصير، فإنَّ هذا الرضى يأتي من السعي وراء هدف ما بكل الأحوال، أمَّا على الأمد الطويل، فستشعر بعدم الرضى، وكأنَّك تستطيع القيام بالمزيد، أو أنَّه يمكن أن يكون لديك المزيد من الأمور في الحياة لإنجازها، فبالنسبة إلى بعض الناس، لا يتجاوز وعيهم أبداً حالة السائر في أثناء النوم، لذلك لا يصلون إلى هذا النوع من الإدراك أبداً، بل يعيشون الحياة بطريقة آلية.

من الأمثلة عن الأهداف الخاطئة: كسب المال، والاستمرار في العمل في مشروع عائلي لمجرد أنَّك تنتمي إلى هذه العائلة، أو اتباع معتقد معيَّن لأنَّك ولدت ضمن مجتمع معين أو كان هذا هو الأمر الذي تعلمته في المدرسة، أو لتحقيق حالة اجتماعية معينة، أو أيَّ وجهة في الحياة دون أن تعرف عنها شيئاً ولكنَّك بسهولة اتخذتها لنفسك.

وليس ضرورياً أن يكون الهدف الخاطئ يحمل جميع الخصائص السابقة؛ إذ يمكن أن يتَّصف بصفة واحدة، ومع ذلك يبقى هدفاً خاطئاً.

شاهد بالفيديو: 15 استراتيجية لتحقيق أهدافك بسرعة

خصائص الهدف الحقيقي:

1. اختيار واعي:

إنَّ الهدف الحقيقي هو هدف تتبنَّاه بوعي، فهو ليس أمراً يفرضه عليك عرقك أو ثقافتك أو ولادتك، كما ليس أمراً تختاره، لأنَّه ليس لديك خيار آخر؛ وإنَّما تختار أن تتَّبعه بوعي.

2. ينبع من داخلك:

غالباً ما ينبع الهدف الخاطئ من تأثير خارجي، وهذا يعني أنَّه أمر تعلَّمته أو ذُكِرَ أمامك مراراً وتكراراً منذ الصغر، وبعد ذلك تتبنَّاه بوصفه مساراً لحياتك، أمَّا الهدف الحقيقي ينبع من داخلك، وهذا يعني أنَّه أمر تقرِّره بنفسك، بصرف النظر عن التأثير أو الضغط الخارجي.

3. ليس من ضمن توقعات الآخرين:

الهدف الحقيقي ليس ناتج عن توقعات الآخرين، فأنت تفعل ما تفعله لأنَّك تريده، ولم يُطلب منك القيام بذلك.

4. مدفوع بالحب:

إنَّ الهدف الحقيقي مدفوع بالحب، فأنت لا تفعل ذلك بسبب توقعات الآخرين، أو لأنَّ الآخرين يفعلونه، كما لا تفعله بدافع العادة أو الروتين؛ وإنَّما لأنَّك تريد ذلك.

5. ملهِم:

إنَّ الهدف الحقيقي هو هدف تؤمِن به، فهو لا يجعلك تشعر بالضغط أو الخوف؛ وإنَّما بالإلهام.

6. ذو مغزى دائم:

إنَّ السعي لتحقيق هدفك، يحقِّق لك الرضى الداخلي في حياتك؛ إذ لا يأتي الرضى من النتيجة الإيجابية التي ترافق تحقيق هدفك؛ وإنَّما من مجرد القدرة على متابعة طريقك.

من الأمثلة على الأهداف الحقيقية، هي أي أمر قرَّرت القيام به بوعي، مثل النمو، ومساعدة الآخرين، والنشاط البيئي؛ أي إنقاذ الأرض، وإضفاء الإيجابية على العالم، والدعوة إلى السلام، ومساعدة الفقراء والأشخاص الأقل حظاً، والسعي إلى إيقاف العنف.

فهل تستطيع أن ترى الفرق بين الهدفين؟ عندما تقرأ هذه الخصائص، ربما يتفق بعضها مع ما عشته في حياتك.

ما هو طريقك الحالي في الحياة؟ وما هو مسار الحياة الذي كان من المُتوقَّع أن تسلكه منذ صغرك؟ وما هي قرارات الحياة التي يطلب منك الأشخاص من حولك اتباعها باستمرار؟

مهما كانت الإجابات، ضع أهدافك موضع التساؤل، واستفسر عن الأساس الكامن وراء تلك المعتقدات، وكيف وصلوا إلى حياتك؟ ومن قرَّر أنَّ هذا هو أفضل أمر بالنسبة إليك؟ فهل فكَّرت من قبل لماذا يجب على هؤلاء الأشخاص تحديد مسار حياتك، وهل فكَّرت يوماً فيما تريد فعله؟ إنَّ التساؤل والتفكير الواعي هما الخطوة الأولى لتكون مبدعاً نشطاً وواعياً في حياتك.

المصدر




مقالات مرتبطة