العيش بامتنان في ظل استمرار وجود فيروس كورونا

على الرَّغم من سوء جائحة فيروس كورونا العالمية الحالية، فإنَّ مثل هذه اللحظات في التاريخ لا مفر منها إلى حدٍّ ما، وبالنسبة إلى معظمنا، يُعَد ذلك بالتأكيد أكبر اضطراب في الحياة، وأصعب تحدٍّ واجهناه حتى الآن.



على الرَّغم من الحجر الصحي، والتدابير المختلفة التي اتخذتها بعض الحكومات حتى الآن، فإنَّنا نلاحظ أيضاً تغييرات إيجابية سواء في مجتمعنا أم على المستوى الفردي، إنَّها تغييرات يسعدني شخصياً رؤيتها.

نحن اعتدنا أن نعيش في عالمٍ يُقَاس فيه التقدم بمصطلحاتٍ مثل: أكبر، وأسرع، وأكثر ثراءً، وأعلى، وأكثر، ولكنَّنا لم نعد كذلك بعد الآن، أو على الأقل ليس في الوقت الحالي، فمن منا لا يشعر أحياناً أنَّه يعيش حياة سطحية مبنية على الأداء بناءً مفرطاً، وغالباً ما تكون ضحلةً جداً؟ لقد شعرتَ بذلك بالتأكيد، لكن ربما لدينا الفرصة لتغيير ذلك الآن.

طُبِّق الحجر في إيطاليا، وتلتها النمسا، وعدة بلدان أخرى، وبعد أيام قليلة من رؤية المحادثات على وسائل التواصل الاجتماعي منذ ذلك الحين، فُوجئتُ بإبداع العقول الخلَّاقة، ولطف الناس في جميع أنحاء العالم؛ ممَّا جعلني أشعر بالامتنان العميق لردِّ فعلنا بصفتنا مجتمعاً، وللتقدم الذي نحرزه.

ردُّ فعلنا بصفتنا مجتمعاً:

من كان يظنُّ أن يرى مثل هذه الحالة العظيمة للتضامن بين الغرباء؟ بدأ الأمر بأشياء صغيرة، مثل: بقاء الشباب في المنزل لتجنب تعريض كبار السن للخطر؛ بل وأكثر من ذلك، فقد رأيناهم يساعدون جيرانهم على أداء مهامهم ويعرِّضون أنفسهم للخطر عند مغادرة منازلهم.

كان لدينا عدة علامات مميزة للإنسانية، فمن كان يتوقع أن يرى ضباط الشرطة يغنون ويرقصون في شوارع "مايوركا" (Mallorca) في إسبانيا؟ من الجميل أن نرى كيف تجمع مثل هذه الأزمة الناس معاً.

ثم إنَّ هناك حقيقة صغيرة مفادها أنَّ فيروس كورونا ربما يكون أعظم شيء يمكن أن يحدث في معركتنا ضد تغير المناخ، فقد كان التراجع في النشاط الاقتصادي في الصين واضحاً من الفضاء بعد أيام قليلة من الإغلاق، وقد سجلت الأقمار الصناعية التابعة "لوكالة كوبرنيكوس الأوروبية" (European Copernicus agency) انخفاضاً غير عادي في مستويات ثاني أكسيد النيتروجين (NO2)، وتشاركت صور "ناسا" (NASA) الفضائية عدة مرات منذ ذلك الحين.

كيف نستجيب بصفتنا مبدعين؟

أُجبر معظمنا على تغيير طريقة عمله، وقد كان على الشركات التي اتبعت أنظمة صارمة ومحافظةٍ للغاية - والتي تدَّعي في كثير من الأحيان أنَّ المكاتب المنزلية غير حيوية - أن تعيد النظر في معتقداتها الأساسية، إنَّه لأمر جميل أن ترى الروح الإبداعية للأشخاص الذين يتقنون تحديات جديدة، مثل: العمل في مكتب منزلي، والتعليم المنزلي (لمن هم يتعلمون)، وتنفيذ طرائق عمل جديدة محتملة للمستقبل.

توضح لنا التغييرات القسرية مقدار الوقت الذي أضعناه في الآونة الأخيرة في الاجتماعات والمهام التي كان من الممكن القيام بها عن بُعد باستخدام التكنولوجيا، فبدا أنَّ نوعية الحياة قد تحسنت في لحظة، فما الذي يمكن أن نتعلَّمه من هذه التغييرات؟ ما الذي نرغب في الاحتفاظ به بعد انتهاء جائحة كورونا؟

لا شك أنَّنا نشهد حالياً أوقاتاً صعبةً في الأعمال والاقتصاد ككلٍّ؛ لكن في الوقت نفسه هذا هو الوقت المثالي لإعادة التفكير في العمليات والأنظمة الجامدة، فإنَّ مبدأ "لقد كنا نفعل ذلك دائماً بهذه الطريقة" لم يعد يؤدي الغرض بعد الآن، وأظنُّ أنَّ الوقت قد حان للتفكير المختلف، وإعادة النظر في نماذج الأعمال كاملة، وأعتقد أيضاً أنَّ الشجعان سيكون لديهم فرصة كبيرة لتحويل الأزمة الحالية إلى فترةٍ ناجحةٍ من تاريخ شركتهم.

شاهد بالفديو: 7 فوائد للامتنان تذكرك أن تشكر الله كل يوم

التأثير في حياتنا الشخصية:

من منظور آخر، نرى حياتنا تتباطأ جذرياً، فجأةً نجد الوقت لأنفسنا، فمن دون تنقلات الصباح، يكون لدينا مزيداً من الوقت للعناية بأجسادنا وعقولنا، يا له من شعور ممتع ومدهش أن تبدأ اليوم من دون ضغوطات.

يُقدِّر أصدقاؤنا، وأفراد عائلتنا، وزملاؤنا، ومعارفنا قيمة قضاء بعض الوقت في المكالمات معهم، فقد كنا نستخدم النصوص البسيطة، والرسائل على تطبيقاتٍ مثل "واتس آب" (WhatsApp) و"سلاك" (Slack) لنكون فاعلين في روتين عملنا اليومي، وفجأةً أصبحنا نُقدِّر الدردشة القصيرة غير الرسمية بوصفها إضافةً منعشة لحياتنا الغريبة في الوقت الحالي.

أخبرني صديق عزيز عن مدى تقديره لاتصالي به بدلاً من إرسال الرسائل النصية، ولأكون صريحاً تحدثت إلى والديَّ وعائلتي كثيراً في الأيام السبعة الماضية أكثر ممَّا تحدثت معهم في الأشهر الثلاثة السابقة.

إقرأ أيضاً: مواجهة خطر فيروس كورورنا بمسؤولية

لكن ماذا عن وقت ما بعد كورونا؟

من المؤكَّد أنَّ الأمور لن تبقى على هذا النحو، وما يزال سؤال واحد يستمر في الظهور: كيف ستكون الحياة بعد كورونا؟ هل سيكون كما كان قبل التفشي؟ إنَّ ذلك غير محتمل، فمن ناحيةٍ أخرى، سوف نخرج من منازلنا حتماً، وربما سنخرج أقوى، وربما مع منظور مختلف عن الحياة نفسها، أو ربما مع إعادة تحديدٍ للقيم.

إنَّ العالَم كما نعرفه يتلاشى حالياً، لكن وراء ذلك يقبع عالَم جديد يتشكل؛ عالم جديد لا يمكننا توقعه إلا في الوقت الحالي. "ماتياس هوركس" (Matthias Horx).

إنَّ الوضع الحالي ليس في أيدينا في هذه اللحظة، أو على الأقل ليس فردياً، والشيء الوحيد الذي يمكن للجميع فعله حالياً هو اتباع تعليمات قادتنا، والمساهمة في إبطاء انتشار الفيروس، لكن ما نملكه في أيدينا هو الطريقة التي نتعامل بها مع الوضع الحالي.

ما هي الأمور التي تُشعرك بالامتنان؟

يستمر صديقي ومرشدي "بيتر سيج" (Peter Sage) في القول: "لا يمكنك تغيير المحتوى؛ بل يمكنك تغيير السياق فقط"؛ لذا دعونا نتوقف عن الشكوى بسبب محدودية وضعنا الحالي، وبدلاً من ذلك، دعونا نُقدِّر هذا الجمال الجديد المتمثل في العمل الجماعي والتضامن والدعم والتباطؤ واليقظة والحقيقة السهلة المتمثلة في أن نكون على ما يرام.

إنَّ هذا بالتأكيد وقت صعب، ولكنَّني أظنُّ أنَّنا ننمو نمواً فردياً وجماعياً أكثر من أيِّ وقت مضى، وفي هذه اللحظة أنا ممتن للغاية للتجارب، والفرص الجديدة التي وُفرت في الأيام والأسابيع القليلة الماضية.

كيف تتعامل مع هذا الوضع الجديد؟ كيف تدير هذا التحدي، وتستخدمه لمصلحتك؟ أين ترى الفرص لمستقبلك؟ كيف تساهم؟ ماذا تعلمت حتى الآن؟ بماذا تحب أن تحتفظ بعد انقضاء زمن فيروس كورونا؟ التعامل مع التحدي بشعورٍ من الامتنان هو لعبة جديدة تماماً، فما هي الأمور التي تُشعرك بالامتنان؟

إقرأ أيضاً: هل يكون فيروس كورونا سبباً لموجة إبداعية جديدة؟

في الختام:

يمكن القول إنَّ جائحة كورونا قد أحدثت تغييرات إيجابية على المستوى المجتمعي والفردي، فقد أظهرت مدى أهمية التضامن والدعم بين الناس، كما أجبرتنا على إبطاء وتيرة حياتنا، والتركيز على الأشياء المهمة حقاً.




مقالات مرتبطة