العنف اللفظي ضد المرأة: ماهيته، وأسبابه، وآثاره، وطرائق معالجته

كم مرةً شعرتِ بمشاعر سيئةٍ عند مرورك بجانب أشخاصٍ يتلفّظون ألفاظاً نابيةً؟

كم مرةً وقفتِ مصدومةً، وكئيبة، ومُشمئِزّة، عند سماعكِ وابلاً من الشّتائم والكلام البذيء وهو ينهالُ على زوجة جاركم من قبل زوجها المُتخلِّف؟

كم مرةً راودكِ إحساسٌ قويٌّ بضرورة مهاتفة الشّرطة لكي ينالَ ذلك الوّحش ما يستحقّه من عقوبة؟

كم مرةً راودكِ الجنون والهيستريا من ردّة فعل الزّوجة؛ إذ تكون مستكينةً وخانعةً للزّوج، ومستسلمةً لذلك المتوّحش، سامحةً له باستباحة كرامتها، وسلامها، وتوازنها النفسيّ؟

كم مرةً سألتِ نفسك: لماذا لا تواجهه، وكيف لا تضع حدّاً له، ولماذا يختار الألفاظ النابيّة والتّجريح وسيلةً للتعبير عن غضبه؟



فكم تُؤثِّر الكلمات الجارحة فينا، وكم تُضعِف ثقتنا في أنفسنا، وكم تخترق أماننا وسلامنا الداخليّ بقوّةٍ رهيبةٍ، وكم تُولِّد فينا مشاعر الخوف وعدم الثقةِ بالآخر، وكم تشوّهنا؟ سنتطرق في هذا المقال إلى العنف اللّفظي ضد المرأة: ماهيّته، وأسبابه، وآثاره، وطرائق معالجته.

العنف اللّفظي ضدّ المرأة:

هو شكلٌ من أشكال العنف النّفسيّ الذي يُمارس على المرأة، ويتضمن ممارساتٍ سيئةً موجّهةً إليها مباشرةً، مثل: الإذلال، والذّم، والشّتم، والتهديد، والرهاب النفسيّ، وتقليل شأن الآخر، وكَيلِ الاتهامات له. وقد يكون بدايةً للعنف الجسديّ أيضاً.

أمّا الشّكل غير المباشر للعنف اللّفظي، فقد يتمثّل في إهمال الزّوجة أو تهميشها وذلك بعدم توجيه الكلام إليها مباشرةً، مع العلم أنّها هي المقصودة به.

كما يُعدّ القذف، والتّشهير، وتجاهل الآخر، وتشويه السّمعة، والإفادات الكاذبة المُتعمَّدة بحق شخصٍ ما نوعاً من أنواعِ العنف النفسيّ.

أسباب العنف اللّفظي ضدّ المرأة:

لا تعدّ أسباب العنف اللّفظي بمثابة مُبرّراتٍ لحدوثه، فلا يوجد مبررٌ في الكون يُجيز العنف، وإنّما يُساعدنا تحليل أسبابه في معالجته وتبيان مواطن الخلل الأساسيّة المُفضِية إلى هذا النّوع من السلوك غير السّوي.

تعود أغلب الأسباب إلى عوامل خارجيّة، فُسِّرت بأسلوبٍ خاطئٍ من قبل المُعنِّفين، مثل:

1. ثقافة المجتمع والتربّية:

تُعزِّز ثقافة المجتمع تسلّط الرّجل منذ صغره؛ فيضرب الأخ أخته، أو يهينها، أو يتحكّم بها ويسيطر عليها، وعليها أن تستكين له، فلا يجوز أن تعبّر عن سخطها، وغضبها. وعند لجوئها إلى أمها، تقول لها الأم: "لا تحزني يا ابنتي، فأخوك يضربك خوفاً عليكِ. هكذا يُعبّرعن حبه لكِ، فاحتوي الموقف واصبري". هكذا، إلى أن يترسّخ في عقل الفتاة الصّغيرة أنّ مَن يحبّها قد يضربها؛ فأبوها وأخوها يضربانها ويُعنّفانها لفظياً، لكنّهما يحبّانها. فتكبر تلك الفتاة مُستسلِمةً وراضيّة، وغير واعيّةٍ لقوّتها وحقوقها، وغير مُدرِكةٍ أنّ الحبّ لا يمكن أن يُترجَم إلى الضرب، وأنّ الرّجل مُكمّلٌ لها وليس مُحتلّاً لحريّتها وكرامتها.

نعم، تكبر وهي مُتقبّلةٌ للإهانة والشتائم والتجريح اللّفظي والانتقادات اللّاذعة، فتضعف ثقتها بنفسها، وتكتئب نفسيّاً، وتصبح غايتها إرضاء أهلها، ومن ثم زوجها، وليس إرضاء نفسها؛ فهي لم تعتد على حُبِّ ذاتها، لم تكتشف نفسها، فقد عاشت في كبتٍ رهيب، إذ لم تُطلِق المجال لحريّتها وشخصيّتها وأحلامها.

وفي المقابل: يكبر الرّجل، وتكبر معه عقليّة "السي سيد"، مؤمناً بحقه في إهانة الأنثى لفظيّاً، والاعتداء عليها جسديّاً، وباستكانة المرأة وخضوعها وسطَ صمت الأهل، يتعزّز لديه إحساس التّفوق على الأنثى، وبأنّه أكفؤ وأقوى منها.

أما آن الأوان لنعرف أنّ الذّكر والأنثى متكاملان، وأنّ للمرأة حقوقٌ كما للرّجل حقوقٌ أيضاً؟!

لفتتني كلمةٌ لامرأةٍ راحت ضحيّةً لثقافة مجتمعٍ مغلوطة، كانت تصف قصتّها: "كنتُ أعاني من العنف اللّفظي من قبل أبي وأخي، فكانا ينتقدانني دائماً بقولهما: أنتِ كسولة، أنتِ سمينةٌ جداً، أنتِ لا تعرفين كيف تطبخين، أنتِ عديمة النفع، وكانا يهددانها: إن لم تفعلي هذا الأمر، فسنحرمكِ من مصروفك الشهريّ، إن لم تفعلي هذا الأمر، سنضربكِ".

تزوّجت بعدها هذه المرأة، وقالت أنّها سعيدةٌ في حياتها، وعندما سُئِلت عن سبب سعادتها، قالت: "في بيت أهلي كنتُ أُهان من قبل أبي وأخي، أمّا الآن فأُهان من قبل زوجي فقط".

ترى ما مدى تشوّه هذه المرأة النّفسي؟ وما مدى استكانتها، وضعفها، وقلّة حيلتها حتّى تجد أنّ تعريف السّعادة هو أن تُهان من قبل شخصٍ واحدٍ لا أكثر؟

2. الضغوطات الاجتماعيّة:

قد يتعرّض الزّوج إلى ضغوطاتٍ حياتيّة واجتماعيّة وماديّة كبيرة جداً، فيلجأ إلى العنف اللّفظي ضدّ الزّوجة كأسلوبٍ خاطئٍ لتّفريغ طاقته السّلبيّة.

3. عدم التكافؤ المعرفيّ والاجتماعيّ بين الزّوجين:

قد يؤدي غياب التّكافؤ بين الزّوجين، إلى شعور الزّوج بالنقص تجاه زوجته، فيلجأ إلى أسلوب العنف اللّفظيّ، وتحقيرها، وإذلالها، حتى يروي نقصه أمامها.

إقرأ أيضاً: إنصات الرجل وإنصات المرأة، اختلاف في الطريقة والأسلوب

الآثار السّلبية للعنف اللّفظي ضد المرأة:

تُعانِي المرأة من آثارٍ طويلة الأمد على صحتها الجسديّة والنفسيّة؛ وذلك نتيجة تعرّضها للعنف اللّفظي، فقد يُسبِّب لها الألم المزمن، والاكتئاب، والقلق، وقد تشعر المرأة أيضاً بما يلي:

  • أنّ ذاكرتها ضعيفة، فتسأل نفسها باستمرار "هل حدث ذلك حقاً"؛ ذلك لأنّها ضحّية نوعٍ من أساليب العنف اللّفظيّ المتّبع من قبل الزّوج؛ كأن ينكر حدوث ما حدث تماماً، أو يتّهمّها بالجنون والحساسيّة المفرطة، أو يصف ما حدث بطريقةٍ مختلفةٍ تماماً عمّا تتذكره هي. وهو شكلٌ من أشكال سوء المعاملة اللّفظيّة التي يستخدمها المعتدي للحفاظ على السلطة والسيطرة؛ فإحساس الضحيّة بخيانة ذاكرتها لها وعدم توازن عقلها، يجعلانها تخضع إلى للزوج وتبقى في العلاقة.
  • الحاجة إلى تغيير سلوكها إرضاءً لزوجها، وإلى التّقليل من حجم الإهانات والضغوطات التي تعيشها.
  • الخجل أو الذّنب.
  • العجز أو اليأس.
  • الخوف المستمر من شريك الحياة.

وتتشعّب الآثار السلبيّة للعنف اللّفظي لتشمل الأسرة كاملةً ومن ثم المجتمع ككل:

توريث العادات السلبية للأطفال:

يميل الأطفال الذين اختبروا ظاهرة العنف اللّفظيّ في أسرهم، إلى الإصابة بتشوّهات في بنيتهم النّفسيّة، وقد يكونون أكثر عرضةً لاتباع الممارسات الخاطئة في أسرهم المستقبليّة.

التّفكك الأسريّ:

يؤدي ما يشاهده الأولاد من مواقف شنيعةٍ وغير إنسانيّةٍ بين الأبوين، إلى انتشار الأمراض النفسيّة فيما بينهم، وإلى غياب السّلام والأمان، وإلى حرمانهم من أهمّ ركنٍ من أركان الحياة وهو العائلة، ممّا يُزعزِع لديهم الثّقة في كلّ شيء.

ففي قصةٍ مُحزِنة لأطفال ضحايا العنف اللّفظيّ الممارس بين الأبوين: "نشأت فتاةٌ في أسرةٍ غير سليمة، حيث يتبادل الأبوان أشدَّ وأقبح الألفاظ النابيّة خلال نقاشاتهما المحتدمة دوماً. فكانت النّتيجة تعرّض الفتاة لصدماتٍ نفسيّةٍ متكررةٍ، وإلى موجاتٍ من الصرع، وصولاً إلى خضوعها لعلاجاتٍ نفسيّة مكثّفة.

في حين أنّ أخاها اختار الشّارع منزلاً له عوضاً عن منزله الكئيب؛ فخسر بذلك تحصيله العلميّ وتوازنه النّفسيّ والأخلاقيّ، وأصبح عرضةً لأيّ شيءٍ غير سوي.

إقرأ أيضاً: 5 أشياء خطيرة تتسبّب في تفكك الأسرة

علاج العنف اللّفظي ضدّ المرأة:

لا يوجد علاجٌ واحدٌ يُوصَف لكلّ الحالات الزّوجيّة، إذ يحتاج علاج العنف اللّفظيّ ضدّ المرأة إلى الكثير من الخبرة والتّدريب من قبل أخصائيي الصحة النفسيّة، لكن معرفة الأسباب الكامنة وراء الاعتداء اللّفظي يساعد كثيراً في العلاج.

تميل الكثير من الزوجات إلى قبول إهانة الشريك، خوفاً من انعدام المورد الماليّ الذي تحصل عليه عن طريقه، وفي هكذا حالة يجب العمل على تمكين النساء في المجتمع، بحيث تصبح المرأة عضواً فاعلاً في جميع نواحي الحياة، أي: العمل على تمكين المرأة علميّاً واجتماعيّاً، وتوعيتها بحقوقها وبالرسالة التي خُلِقت من أجلها.

بالإضافة إلى تعزيز مبادئ المساواة بين الجنسين، وتوعيّة الأُسَر على أهمية المساواة بينهما من أجل حماية المجتمع من الأمراض والآثار السلبيّة الخطيرة جداً، والتي تنتج عن سوء معاملة المرأة والتحيّز للرجل.

من جهةٍ أخرى، يجب تشديد العقوبات على كلّ شخصٍ يمارس العنف ضدّ المرأة، والعمل على تطبيق القانون ليشملَ الجميع دون استثناء، فيكون رادعاً قويّاً لانتشار هذه الظّاهرة.

تقبل بعض النساء الاعتداء اللّفظيّ لأنّها تحب شريكها وتخاف فقدانه، وهنا نأتي إلى حالةٍ نفسيّةٍ مُعقّدة جداً "عندما تحبّ الضحيّة جلّادها"؛ والتي تعود جذورها إلى الموروث المجتمعيّ الخاطئ، الذي عزّز ثقافة الاستكانة والخنوع لدى النساء.

ويكون الحلّ بالتّوعية أولاً وثانياً وثالثاً، وهنا يكمن دور الإعلام في تسليط الضّوء على هذه القضايا، ولقاء الكثير من ضحايا العنف اللّفظي، بغية الوصول إلى ملامسةٍ واقعيّةٍ للظاهرة بأبعادها المختلفة واستخلاص الحلول المناسبة.

أمّا في حال وجود زوجين واعيّين، يمتلكان نيةً صادقةً لإصلاح ذات بينهما، دون الاستعانة بمعالجٍ نفسيّ أو بالقانون؛ فينبغي عليهما الاتفاق سويّاً على وضع حدّ لنقاشاتهما، كأن يكون لديهما حساسيّةٌ للنقطة الحرجة الخطرة التي ينقلب عندها النقاش إلى خلافٍ حادٍ ومُحتدم، فيتفقان مثلاً على تنازل أحدهما عند الوصول إلى هذه النقطة.

يستطيع الزوجان التّفاهم على أمرٍ ما؛ مثل تجنّب الأحاديث الحسّاسة لكلٍّ منهما، أو تناولها بأسلوبٍ حذرٍ وبطريقةٍ سلسة، من شأن هذا أن يقلّل من حدّة النقاشات بينهما.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح فعّالة لمعالجة المشاكل الزوجية

الخلاصة:

في قضيّة العنف اللّفظيّ ضدّ المرأة، الرجل والمرأة ضحيّتا ثقافةٍ مجتمعيّة خاطئة؛ والّتي جعلت من الرجل مُعنِّفاً لزوجته لفظيّاً لإرواء رجولته النّاقصة المُشوّهة، ومن المرأة كائناً مُستكيناً مغلوباً على أمره، وغير واعٍ لحقيقة قوّته وعظمّته وروعته.

يكمن الحلّ في إجراء تدّخلٍ سريعٍ كالعلاج النفسيّ للزّوجين، وتدخلٍ بعيد المدى لاستهداف ثقافة المجتمع ككل؛ وذلك من خلال برامج توعيّةٍ مُكثّفة موجّهة إلى الزّوجين، بُغيةَ الوصول إلى مجتمعٍ سليم وصحيّ نفسيّاً.

 

المصادر: 1 ، 2 ، 3




مقالات مرتبطة