العلاقات العامة في المنظمات

من النشاطات الجوهرية التي تقوم بها المنظمات هو نشاط العلاقات العامة؛ إذ يُعَدُّ بمنزلة المرآة التي تعكس الوجه الإيجابي للمنظمة وتدل على مدى كفاءتها وتضيء على جوانب القصور فيها، فالعلاقات العامة ثورة في الفكر الإداري وقفزة نوعية في تغيير مسار المنظمات وتحقيق نجاحها من خلال التأثير في الجماهير المختلفة لكسب تأييدها وتعاونها وكذلك ثقتها، فهي صلة الوصل بين المنظمة وجمهورها الداخلي أو الخارجي والنافذة التي تطل من خلالها المنظمة لتعزيز الصورة الطيبة في أذهان جمهورها.



يتعاظم دور العلاقات العامة في المنظمات التي لها ارتباط مباشر مع الزبائن أو الذين يمكن أن يصبحوا على اتصال مباشر معها؛ إذ تؤدي العلاقات العامة دوراً بارزاً في توطيد العلاقات بين كل الأطراف وتربط بينهم على أساس التقدير والاحترام والرغبة في استمرار التعامل، ومتى ما نجحت الإدارة في نشاط العلاقات العامة وممارسته بإتقان وكفاءة فهي تحقق للمنظمة العديد من المزايا والمكاسب للمنظمة وللعاملين فيها.

أولاً: مفهوم العلاقات العامة

ظهر مصطلح العلاقات العامة نهاية القرن التاسع عشر وشاع استخدامه كثيراً في منتصف القرن العشرين، والعلاقات العامة هي علم وفن.

عرَّفها "ياسين مسيلي" بأنَّها "الجهود الاتصالية الإدارية الخلاقة المخططة والمدروسة والمستمرة والهادفة والموجَّهة لبناء علاقات سليمة ومجدية قائمة على أساس التفاعل والإقناع والاتصال المتبادل بين مؤسسة ما وجمهورها لتحقيق أهداف ومصالح الأطراف المعنية ولتحقيق انسجام اجتماعي عن طريق النشاط الداخلي القائم على النقد الذاتي لتصحيح الأوضاع والنشاط الخارجي الذي يشغل جميع وسائل النشر المتاحة لنشر الحقائق والمعلومات والأفكار وشرحها وتفسيرها وتطبيق كافة الأساليب المؤدية إلى ذلك بواسطة أفراد مؤهلين لممارسة نشاطاتها المختلفة".

يقول مدير العلاقات العامة في جامعة (COLGATE) "أمرسو نريك" (W.EMERSON RECK) عن العلاقات العامة: "إنَّها عملية دائمة مستمرة تتناغم فيها مصالح الأفراد والجماعات، فيصبح بذلك الفوز بالثقة والتأييد أمراً ميسوراً، ومن جهة أخرى تقوم العلاقات العامة بتفسير السياسات والأعمال وشرحها للناس حتى يمكن التفاهم معهم والظفر بهم".

تقول الجمعية الفرنسية للعلاقات العامة عن العلاقات العامة إنَّها صورة من السلوك وأسلوب للإعلام والاتصال بهدف بناء وتدعيم العلاقات المليئة بالثقة التي تقوم على أساس المعرفة والفهم المتبادلين بين المؤسسة وجمهورها المتأثر بوظائفها ونشاطات تلك المؤسسة.

أما الجمعية العربية للعلاقات العامة فقد عرَّفت العلاقات العامة بالقول: "هي مسؤوليات ونشاطات الأجهزة المختلفة في الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية للحصول على ثقة وتأييد جمهورها الداخلي أو الخارجي، وذلك بالإخبار الصادق والأداء النافع الناجح في جميع مجالات العمل ووفق التخطيط العلمي السليم حتى يصبح عملها مرشداً وهادياً ومنيراً في بناء الوطن ورسم سياسة في إطار ميثاقنا الوطني العظيم".

كما عرَّفها القاموس العلمي الجديد "لويستر": هي ترويج الاتصال والثقة بين شخص أو مشروع أو هيئة أو أشخاص آخرين أو جمهور خاص أو المجتمع بأكمله، وذلك من خلال المعلومات التي تشرح وتفسر وتوضح هذه المعلومات وإنشاء نوع من العلاقات المتبادلة وتقديم رد الفعل.

إذاً نخلص للقول إنَّ العلاقات العامة وظيفة أساسية من وظائف الإدارة، وليس هذا فقط؛ بل هي مهنة لها قواعدها وأصولها ومتطلبات محددة لشغلها، وكغيرها من المهن ينتج عنها مكاسب جيدة، كما يمكن أن ينتج عنها أضرار فيما إذا لم يمتلك أفرادها المهارات والكفاءات اللازمة.

ثانياً: أهداف العلاقات العامة

  1. تحقيق السمعة الطيبة للمنظمة من خلال تحسين الصورة الذهنية وعكس الوجه المشرق والأشياء الإيجابية للمنظمة.
  2. تعريف الجمهور بالمنظمة وبالخدمات أو السلع التي تقدمها ومساعدته على تكوين رأيه وبناء اتجاهاته نحوها.
  3. تقديم النصح للإدارة المتعلق بالطرائق والوسائل التي يمكنها أن تضع خططها في إطارها بحيث تحافظ على أقصى قبول عام متاح لها.
  4. التخطيط والإعداد الجيد للبرامج التي تساعد المنظمة على تحقيق الانتشار.
  5. التواصل الدائم مع الوسائل الإعلامية المختلفة بما يخدم مصلحة العمل.
  6. التأكد من أنَّ جميع الأخبار التي تصل إلى عملاء المنظمة وجمهورها صحيحة تماماً.
  7. تحسين علاقة العاملين مع إدارة المنظمة وزيادة ثقتهم بها، إضافة إلى زيادة تفهمهم لطبيعة عملها وأنظمتها وأهدافها، وهذا يخلق استقراراً في العمالة.
  8. متابعة شؤون الموظفين من نواحي الصحة والأجور والرواتب والسكن والترقية بحيث تصبح ملائمة للوضع الاقتصادي والاجتماعي السائد.
  9. التنسيق بين كافة إدارات المنظمة لتحقيق الانسجام بينها، ومن ثمَّ إدارة شؤونها بنجاح.
  10. البحث والتحقيق في كافة الموضوعات التي تضعها الإدارة العليا في دائرة اهتمامها.
  11. شرح طريقة عمل المنظمة والقوانين والأنظمة التي تعمل وفقها.
  12. إقامة علاقات طيبة مع المساهمين والشركاء في المنظمة لكسب ثقتهم وتأييدهم المستمر لها.
  13. التحري عن رد فعل العملاء الذين تستهدفهم المنظمة في نشاطها واتجاهاتهم نحوها بشكل مستمر.
  14. معالجة الاختلافات الموجودة أو التي تنشأ بين الإدارة والجمهور.
  15. إقامة الندوات والمعارض وإعداد الأفلام الترويجية وإعداد وطباعة النشرات والكتيبات الخاصة بالمنظمة وخدماتها أو منتجاتها.
  16. إعداد وتخطيط النشاطات الترفيهية والاجتماعية الخاصة بالمنظمة.

شاهد: 7 مهارات يحتاجها موظفو خدمة العملاء

ثالثاً: سبب اهتمام العالم أجمع بميدان العلاقات الاجتماعية

1. التقدم الصناعي الكبير في العالم:

لقد فتحت الثورة الصناعية التي حصلت في القرن التاسع عشر الطريق أمام الاهتمام بمبادئ الإدارة وتطبيق مبادئها، فتمت دراسة الوقت والحركة والأجور وأساليب معاملة العمال التي نتج عنها ظهور نقابات العمال لتطالب بحقوقهم، ومن ثم ازداد ضغط الرأي العام للمطالبة بإنصاف العمال.

لذا كان لا بد من وجود حلقة وصل بين إدارة هذه المنظمات وبين العمال، فوُجدت وظيفة إدارة العلاقات العامة للتنسيق بينهما، إضافة إلى أنَّ حجم الإنتاج الكبير أدى إلى وجود فجوة كبيرة بين المنظمات وحاجات المستهلك الفعلية، فكان لا بد من جهة ترصد رغبات المستهلكين وحاجاتهم ورد فعلهم وتقليص الفجوة بينهما.

2. ارتفاع حدة التنافس:

منذ بدء الثورة الصناعية تزداد حدَّة التنافس بين المنظمات يوماً بعد يوم؛ إذ تتسابق فيما بينها لإرضاء الزبون وإشباع حاجاته وكسب المزيد منه؛ لذا كان لا بد من وجود العلاقات العامة للعمل على بناء صورة ذهنية طيبة لديهم وتشجيعهم على الاستمرار بالتعامل مع المنظمة.

3. انتشار الوعي بين الجمهور العام:

ارتفع مستوى التعليم وانتشرت الثقافة انتشاراً كبيراً في مختلف طبقات المجتمع، الأمر الذي دفع بالجميع للبحث عن الحقيقة في عمل المنظمات والإيضاحات التي تقدمها، وفي نفس الوقت ظهرت العديد من الجهات الداعمة لحقوق المستهلكين، ومن هنا كان لا بد من وجود العلاقات العامة لبناء جسور الثقة بين المنظمة والرأي العام.

4. التقدم التكنولوجي والتطور الكبير في وسائل الاتصال:

لقد عمل التطور الحاصل في وسائل وتقنيات الاتصال على التقريب بين دول العالم وجعلها قرية صغيرة؛ إذ توفرت سرعة كبيرة في انتشار الخبر وانتقال المعلومات وتحقيق شهرة لمنظمات وزيادة مكاسبها أو خسائرها تبعاً للخبر المنشور عنها، وكان ذلك من بين أهم الأسباب التي دفعت إلى الاهتمام المتزايد يوماً بعد يوم بميدان العلاقات العامة للحصول على كسب الرأي العام.

5. اعتماد كل من الأفراد والمنظمات على بعضهم:

الأفراد خلال سعيهم إلى إشباع حاجاتهم أصبحوا يعتمدون على تعاون الآخرين من أفراد ومنظمات، وكذلك المنظمات على اختلاف النشاط الذي تمارسه تعتمد في بقائها على المشاعر الطيبة التي تكوِّنها عند الأفراد.

رابعاً: كيف تكون مدير علاقات عامة ناجحاً؟

يؤدي مدير العلاقات العامة في المنظمة دوراً كبيراً في نجاح إدارة العلاقات العامة في المنظمة أولاً وفي نجاح المنظمة ككل ثانياً، ولكي يحصل على النجاح يجب أن يكون على علم تام بسياسة الإدارة العليا والمشكلات التي تحيط بعمل المنظمة، وأن يكون واعياً لدوره وأهميته ومؤمناً برسالته، وفطناً ومتيقظاً للأحداث التي تدور حول المنظمة بحيث يستطيع اقتناص الفرص لمصلحة المنظمة وخدمة جمهورها بذات الوقت.

لذا فالظروف المحيطة بطبيعة عمله تتطلب منه الحصول على أكبر قدر ممكن من الثقافة بكل ما يقع حوله وبنفسية الجماهير ومعرفة الأساليب والوسائل التي تؤثر فيها، وفي نفس الوقت تؤثر في التنظيمات الإدارية والفنية بحيث ينجح في تأدية مهمته على أكمل وجه وخدمة المؤسسة التي يعمل لمصلحتها؛ لذا يجب أن تتوفر في مدير العلاقات العامة مجموعة من الصفات التي يمكن تقسيمها إلى فئتين:

الأولى: الصفات الشخصية

هي الصفات التي تولد مع الإنسان ويصعب قياسها من خلال الاختبارات العلمية، لكن يمكن أن تعمل التجارب التي يخوضها الفرد خلال حياته على صقلها وتنميتها، ومن أهم هذه الصفات:

1. قوة الشخصية:

الإنسان قوي الشخصية هو الذي يستطيع فرض احترامه على الآخرين بحيث لا يكون عرضة للسخرية أو التهكم تجاهه.

2. الأناقة واللباقة:

من الهام أن يعتني مدير العلاقات العامة بنوعية ملابسه وتصميماتها وألوانها بحيث تضيف إليه صفة الاتزان في الشخصية، كما يجب أن يكون لبق الحديث فيجب أن يُحسِن الإنصات إلى الآخرين والاستماع إلى حديثهم ومحاوراتهم والتأثير فيهم.

3. امتلاك الرغبة في الاستطلاع:

حاجته المستمرة في عمله إلى المعلومات ومتابعة كل الأحداث الجديدة تتطلب منه أن يمتلك حب الاستطلاع والرغبة في اكتشاف كل جديد.

4. الموضوعية:

يجب أن يكون بعيداً في تحليله للموضوعات والأحداث عن نظرته الشخصية والذاتية الخاصة به، بمعنى أنَّه يجب أن يحكم على الأمور بتجرد عن مشاعره.

5. الموهبة والخيال الخصب:

مدير العلاقات العامة ليست وظيفة تقليدية؛ بل هي من الوظائف التي تحتاج إلى الإبداع والبحث عن الأفكار الفريدة والجديدة، كما أنَّه يحتاج إلى أن يتصور نتيجة قراراته على الآخرين قبل اتخاذها وإقرارها.

6. الذوق والإحساس الفني:

إنَّ النشاط الإعلامي الذي يمثل محور عمل وظيفة العلاقات العامة يجب أن يدعمه الذوق والحس الفني لكي يستطيع التأثير في الجمهور وكسب الرأي العام.

7. القدرة على الصبر والمثابرة:

إنَّ نشاط العلاقات العامة ليس من النشاطات السريعة التي يمكن أن ترى نتائجها فور اتخاذ القرار؛ بل هو نشاط بعيد الأمد تتطلب رؤية نتائجه الانتظار لوقت طويل، لذلك يجب أن يتحلى مدير العلاقات العامة بالصبر والقدرة على الاحتمال والمثابرة نحو تحقيق الأهداف.

8. التنظيم:

من الهام جداً أن يكون مدير العلاقات العامة قادراً على تنظيم وقته تنظيماً جيداً، فيستطيع ترتيب الأولويات والفصل بين الأعمال التي يمكن أن تؤجَّل وبين الأعمال التي يجب تنفيذها بسرعة.

شاهد أيضاً: 4 قواعد لبناء علاقات عمل قوية

الثانية: الإعداد العلمي

لأنَّ نشاط العلاقات العامة نشاط إداري وإعلامي؛ فمن الهام أن يكون المدير يمتلك الشهادة العلمية المناسبة، إضافة إلى إلمامه بمجموعة من الموضوعات أهمها:

1. الكتابة واللغة:

يجب أن يكون قادراً على الكتابة والتحدث بلغة إعلامية مؤثرة في الآخرين، كما يجب أن يكون ملماً بالفنون الصحفية كصياغة الأخبار وجمع المعلومات وإجراء المقابلات وغير ذلك.

2. علم الدلالة:

تختلف طريقة الشعوب المختلفة في استخدام بعض الكلمات؛ لذا من الضروري أن يكون ملماً بهذه الاختلافات.

3. علم النفس:

يقوم أساس التأثير في الآخرين على عمل علم النفس؛ إذ يجب على مدير العلاقات العامة معرفة الدوافع الفردية وتحليل سلوكات الأفراد كذلك ومعرفة اتجاهاتهم وكيف يمكن بناؤها وغير ذلك من المجالات المشتقة من علم النفس.

إقرأ أيضاً: ما هو دور الموارد البشرية في تطوير الشركات والمنظمات؟

4. علم الاجتماع:

تعيش المنظمة التي يعمل فيها مدير العلاقات العامة ضمن مجتمع يحتوي على جماعات متعددة لكل منها عاداتها وثقافتها الخاصة بها التي يجب أن تراعيها في نطاق عملها؛ لذا من واجب هذا المدير أن يفهم طبيعة الجماعات التي يتعامل معها لكي يستطيع المواءمة بين عمل المنظمة ورغباتها.

5. الإدارة:

يجب على مدير العلاقات العامة أن يكون على إلمام بعلوم الإدارة ووظائفها من تخطيط وتنظيم ورقابة وتوجيه.

إقرأ أيضاً: 6 أسباب تُفسِّر فشل الاستراتيجيات التي تتبعها المنظمات

في الختام:

تسعى كافة المنظمات اليوم على اختلاف النشاطات التي تقوم بها إلى كسب تأييد عملائها، وتعتمد في ذلك إضافةً إلى كفاءة وفاعلية أعمالها على استخدام العلاقات العامة التي أصبحت واجباً أساسياً من واجبات الإدارة في المنظمات التي تعني في أبسط شكل لها إقامة صلات طيبة بين المنظمة وبين عملائها وجمهورها، واستمرار هذه الصلات بالشكل الذي يضمن تحقيق الرضى والثقة والتفاهم بينهما، فالعلاقات العامة غدت السبيل الوحيد لبقاء أيَّة منظمة مهما كان نوعها وهدفها.




مقالات مرتبطة