العقم عند الرجال والنساء: الأسباب وطرق العلاج

قد يكون من المحبط والمحزن للغاية عدم مقدرتكِ على الحمل في أثناء سعيك إلى إنشاء عائلتك؛ إذ على الرغم من فعل كل ما في وسعك كي تخططي للحمل، كممارسة الجماع بصورة منتظمة، وتتبُّع فترة الإباضة - الأيام التي تسمح للمرأة بالحمل خلال الدورة الطمثية - وتناول الفيتامينات الحملية، فقد لا تتمكنين من ذلك على الفور.



تشرح الدكتورة "شانتيل كروس" (Chantel Cross)، مختصة العقم والغدد الصم الإنجابية في مركز الخصوبة التابع لمركز "جون هوبكينز" (John Hopkins) الجراحي الصحي، عن العوامل التي قد تؤثِّر في قدرتكِ الإنجابية، ومتى ينبغي لكِ طلب المشورة الطبية.

ما هو العقم؟

يُعرَّف العقم على أنَّه عدم القدرة على الحمل والإنجاب؛ إذ تُعَد النساء عقيمات إن لم يحصل الحمل خلال السنة الأولى من الزواج، لمن هنَّ تحت سن 35 عاماً، وخلال الـ 6 أشهر الأولى لمن تبلغ أعمارهنَّ 35 عاماً وما فوق.

تقول الدكتورة "كروس": "تتمكن معظم من النساء من الحمل خلال 12 شهراً الأولى من الزواج"، وتضيف قائلةً: "نوصي بأن يقيِّم الزوجان حالة العقم لديهما لكشف أسبابه وعلاجه، بعد محاولتهما الإنجاب لمدة ستة أشهر وحتى السنة، اعتماداً على عمر المرأة؛ إذ من المرجَّح للغاية وجود مشكلة تمنع الحمل في هذه المرحلة، وإن كنتِ تحاولين الإنجاب في عمر فوق 40 عاماً، فإنَّنا نشجعكِ دوماً على طلب المشورة الطبية من مختص الخصوبة والصحة الإنجابية".

أسباب العقم:

قد يعاني النساء والرجال على حدٍّ سواء من مشكلات صحية تمنعهم من الإنجاب، وربَّما يساعد تقييم العقم على تحديد سببه، وعلى أيِّ حال، يبقى سبب العقم مجهولاً لدى ثلث الأزواج الذين يعانون منه.

العقم لدى النساء:

تتضمن الأسباب الشائعة للعقم عند النساء:

1. انسداد قناتي فالوب:

يُعَد انسداد أو تندُّب قناتي فالوب - جزء من الجهاز التناسلي الأنثوي مهمته نقل البويضة بعد حدوث الإباضة من المبيض باتجاه الرحم، ويحدث الإلقاح فيهما - والذي يمنع النطاف من الوصول إلى البويضة الأنثوية، سبباً شائعاً للعقم.
وقد تزيد إصابتكِ السابقة بالالتهابات الحوضية أو بالأمراض المنقولة جنسياً أو بالانتباذ البطاني الرحمي - مرض حميد يتجلى بوجود أنسجة تشبه بطانة الرحم خارجَ الرحم، لتنمو هذه الأنسجة وتمتد إلى البوقين والمبيضين وتسبِّب الالتهابات والالتصاقات والآلام الحوضية الدورية - من خطورة إصابتكِ بانسداد البوقين.

2. اضطرابات عملية الإباضة:

قد لا تحدث عملية الإباضة لدى النساء بانتظام في بعض الأحيان، وهي العملية التي يطلق فيها أحد المبيضين بالتناوب بويضةً جاهزة للإلقاح.

وقد يكون عدم انتظام الدورة الشهرية أو غيابها الناجم عن اضطرابات الإباضة، دليلاً على الإصابة بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات - مجموعة من الأعراض تنتج عن ارتفاع مستوى هرمون الذكورة الأندروجين عند المرأة، وقد تشمل عدم انتظام الطمث أو انقطاعه وحب الشباب وغيرها من الأعراض - أو اختلال التوازن الهرموني في الجسم، أو التوتُّر والإجهاد، أو الانخفاض الشديد بوزن الجسم، وكذلك يمكن للبدانة أيضاً أن تسبِّب مشكلات في عملية الإباضة.

3. التشوهات الرحمية:

قد تصعِّب بعض الحالات المرضية التصاق البيضة الملقحة أو المضغة بجدار الرحم لحدوث التعشيش وبداية الحمل؛ إذ يمكن للأورام الليفية الرحمية - زوائد غير سرطانية تنمو على جدار الرحم - والأنسجة التندُّبية، والبوليبات في بطانة الرحم، والرحم ذي الشكل المشوَّه، أن تقلل من قدرة البيضة الملقحة على التعشيش في بطانة الرحم، ومن ثم تقلل من فرص حدوث الحمل.

إقرأ أيضاً: العقم النفسي: أسبابه، وأعراضه، وطرق علاجه

العقم عند الرجال:

تتضمن الأسباب الشائعة للعقم عند الرجال ما يأتي:

الاضطرابات المتعلقة بالنطاف أو الحيوانات المنوية:

قد تتضمن الانخفاض في أعداد النطاف ضمن السائل المنوي أو التشوهات في أشكالها، وقد تعاني النطاف أحياناً من ضعف الحركية، ممَّا يعني عدم قدرتها على التحرك بسرعة أو بفاعلية نحو البويضة الأنثوية، وفي حالات نادرة، قد لا تُوجد أيُّ نطافٍ على الإطلاق ضمن السائل المنوي؛ أي حالة انعدام النطاف.

دوالي الخصية:

تُعَد الأوردة المتورمة في كيس الصفن - الكيس الجلدي الذي تتوضع فيه الخصيتان خارج الجسم في المنطقة التناسلية، لأنَّ درجة حرارة الجسم غير مناسبة لإنتاج النطاف ضمن الخصيتين - سبباً شائعاً للعقم عند الرجال؛ إذ إنَّ التورُّم أو الانتفاخ في هذه الأوردة ينجم عن انسدادها، ممَّا يرفع من درجة حرارة كيس الصفن ويعوق نمو النطاف؛ الأمر الذي يؤدي إلى قتلها، ومن ثم فإنَّ دوالي الخصية تؤدي إلى انخفاض تعداد النطاف.

خلل في عملية القذف:

من الحالات المرضية التي تقلل فرص وصول الحيوانات المنوية الطبيعية والصحية إلى البويضة الأنثوية، القذف المبكِّر - انعدام التحكُّم بعملية القذف - والقذف الراجع - رجوع السائل المنوي نحو المثانة داخل الجسم بدلاً من خروجه عبر القضيب - وضعف الانتصاب، والانسدادات في الأقنية الخصوية.

عوامل خطورة الإصابة بالعقم:

تُوجد عدة عوامل للخطورة لدى النساء والرجال والتي تصعِّب حدوث الحمل:

1. العمر:

لا تستطيع المرأة الحمل والإنجاب بعد توقف دورتها الطمثية، والذي يحدث عادة في الأربعينات أو الخمسينات من العمر؛ إذ تُولد النساء مع عدد معيَّن من البويضات يتناقص كلَّما تقدَّمن في السن، بينما ينتج الرجل النطاف ضمن الخصيتين طوال حياته.

2. وزن الجسم:

يمكن لوزن الجسم الزائد أو المنخفض جداً أن يؤثر في الخصوبة عند الرجال والنساء، ولذلك ينبغي السعي للمحافظة على مؤشر كتلة الجسم الطبيعي ما بين 18 و25؛ إذ يُحسب مؤشر كتلة الجسم بتقسيم الوزن مقدَّراً بالكيلوغرامات على مربَّع طول الجسم مقدَّراً بالأمتار، ويُستخدم كمؤشِّر على البدانة أو الوزن المنخفض حسب قيمته.

3. العلاجات السرطانية:

يمكن للطرائق المستخدمة في علاج السرطانات، كالعمليات الجراحية أو العلاج الكيميائي أو العلاج الشعاعي أو العلاج الهرموني، أن تقلِّل من الخصوبة والقدرة على الإنجاب لدى الرجال والنساء المتعرضين لها.

4. الخيارات المتعلقة بنمط الحياة المُتَّبع:

يمكن لشرب الكحول المفرط وتعاطي المخدرات والتدخين أن تؤثر في الخصوبة لدى كِلا الشريكين، علاوةً على ذلك، تنصح السلطات الصحية ومن ضمنها مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (Centers for Disease Control and Prevention)، النساء بالابتعاد عن العادات السابقة خلال الحمل.

5. الإصابة بمشكلات صحية كامنة:

إذ إنَّ الإصابة بالسكَّري والأمراض الكلوية مثلاً، أو التعرض للضغوطات والتوتر المزمن يمكنها أن تضعف الخصوبة وتصعِّب الحمل.

كيفية تأثير العمر في الخصوبة عند النساء:

تشير عبارة "إنَّ ساعتكِ البيولوجية تدق ناقوس الخطر" إلى نافذة الخصوبة لدى المرأة، وتشرح الدكتورة "كروس" ذلك بقولها: "تملك الأنثى عند الولادة ما يقارب المليون بويضة داخل المبيضين، لكنَّها تفقد بصورة طبيعية مئات الآلاف منها بحلول موعد البلوغ، ويستمر فقدان البويضات لدى الأنثى مهما فعلت، إلا أنَّ معدل فقدانها للبويضات يتسارع في عمر 37 سنةً".

تجدر الإشارة إلى أنَّ جودة البويضات المخزنة داخل المبيضين تتدنَّى مع تقدم العمر؛ إذ تشرح الدكتورة "كروس" ذلك بقولها: "تتوقف البويضات التي تُولد معكِ بصورة طبيعية في مرحلة عملية انقسام حمضها النووي، ومن ثمَّ تكمل هذه العملية لتنتقل إلى مرحلة النضج حين تحدث إباضتها خلال الدورة الشهرية بعد 20-40 عاماً.

وكلَّما طالت مدة بقاء البويضات في مرحلة منتصف الانقسام في انتظار أن تحدث إباضتها، ازدادت احتمالية حدوث الأخطاء عند انقسام الحمض النووي داخلها؛ الأمر الذي يؤدي إلى تشكُّل بويضات تملك عدداً خاطئاً من الصبغيات داخل حمضها النووي - تصطف الصبغيات في نواة كل خلية من خلايا الإنسان على شكل أزواج، وتكون مسؤولةً عن الصفات الجسدية للشخص وكذلك عن تحديد جنسه من ذكر أو أنثى - وقد يترتَّب على ذلك عدم القدرة على الحمل، أو حدوث إجهاضات متكرِّرة، أو ولادة طفل مصاب بأمراض وراثية بسبب تشوُّه صبغياته".

والخلاصة، تنخفض جودة البويضات التي تُولد مع الأنثى، كما يقلُّ عددها طوال حياتها، وكذلك يتسرَّع فقدان البويضات في عمر 37 سنةً، ممَّا يزيد صعوبة الحمل لدى المرأة.

ما معنى تقييم العقم؟

قد يتمكن مختص العقم من مساعدتكِ، إن كنتِ تعانين من مشكلاتٍ تمنعك من الحمل، وتتجلى الخطوة الأولى بإجراء تقييم متعدِّد الأوجُه لحالة العقم عند كِلا الشريكين، والذي يتضمن:

  1. الفحص السريري ومراجعة تاريخك الطبي بحذر شديد.
  2. إجراء الفحوص الدموية للتحقق من سلامة الإباضة عند المرأة، وكذلك لقياس مستويات الهرمونات في الدم، وتحرِّي وظيفة الغدة الدرقية، والتأكُّد من عدم الإصابة بأيِّ مرض منتقل بالجنس لدى كِلا الشريكين.
  3. الفحوصات الشعاعية للاطمئنان على حالة الرحم وقناتي فالوب لدى المرأة.
  4. تحليل السائل المنوي لتقييم صحة النطاف لدى الرجل من حيث العدد والشكل.

شاهد بالفديو: 6 أسباب قد تعرّضك للعجز الجنسي

علاج العقم:

تعتمد الخيارات العلاجية على نتائج تقييم العقم؛ فإذا كُشف مثلاً عن وجود مشكلة مرضية تؤثر في الخصوبة، مثل الأورام الليفية أو دوالي الخصية، فقد تُستعاد الخصوبة عن طريق معالجة هذه المشكلة دوائياً أو جراحياً.

وتتضمن علاجات الخصوبة الأخرى ما يأتي:

1. تحريض الإباضة:

يُعَد هذا العلاج مفيداً للنساء اللواتي يعانين من عدم انتظام الإباضة؛ إذ يمكن للأدوية المحرِّضة للإباضة الفموية أو الموضعية أو القابلة للحقن، أن تحسِّن من أنماط الإباضة لدى المرأة، أو قد تحرِّض على إطلاق أكثر من بويضة واحدة شهرياً، ممَّا يزيد احتمالية تلقيح واحدة منها أو أكثر، وبالتالي حدوث الحمل.

2. حقن النطاف داخل الرحم:

وهو عبارة عن وضع النطاف ذات النوعية الجيدة عن طريق قثطرة صغيرة مباشرةً داخل رحم المرأة، وذلك في موعد إباضتها، وبذلك يُستغنى عن الحاجة إلى حركة النطاف وعبورها إلى قناة المهبل كي تتمكن من تلقيح البويضة، ممَّا يزيد من فرص حدوث التلقيح والحمل؛ إذ تُعالج أغلب النساء المصابات بالعقم بالجمع بين تحريض الإباضة وحقن النطاف داخل الرحم.

3. الإخصاب الصناعي في المختبر؛ أي طفل الأنبوب:

يتجلَّى باستخراج بويضة أو أكثر من المبيضين وتلقيحها باستخدام النطاف في المختبر، ومن ثمَّ يختار الطبيب المُضغة التي تملك فرصة نجاحٍ أكبر، ويقوم بحقنها داخل الرحم، وعندها من المحتمل أن تعشش ويحدث الحمل، وتُجمَّد المُضغات المتبقية لتُستخدم بمحاولات لاحقة في المستقبل.

إقرأ أيضاً: العقم والغذاء: كيف يؤثر نظامنا الغذائي على معدل الخصوبة؟

في الختام:

تتميز كل طريقة من طرائق علاج العقم بمخاطرها وفوائدها، كما تختلف كثيراً في تكلفتها وكونها باضعة أو غازية (الإجراءات الطبية الغازية هي العدوانية التي تتطلب إحداث شقوق جراحية في الجسم أو وخزاً بالإبر). تختلف رحلة كل شريكين لتكوين عائلةٍ عن غيرهما من الشركاء؛ لذا على كل شريكين استشارة الطبيب لدراسة الخيارات المتاحة.

المصدر




مقالات مرتبطة