العبودية العقلية: تعريفها وطرق التخلص منها

ثمة مقطع مشهور من سلسلة "ريال مكوي" (Real McCoy) التي عُرِضتْ في الثمانينيات، ويظهر في المقطع زبون جالس في المطعم ينتظرُ قدوم النَّادلة لتأخذ طلبه، ثم تبدو أمارات الغضب على محيَّا النادلة وتسأل بصوت عالٍ: "هل يبدو أحدهم عبداً بالنسبة إليك؟".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "إرين فالكونر" (Erin Falconer)، وتُحدِّثنا فيه عن العبودية العقلية وكيفية التخلُّص منها.

تعرف هذه السيدة أنَّها حُرة لكنَّها بالغت برد فعلها، فيخضع عدد كثير من الأفراد في العصر الحديث للعبودية العقلية، فكما قال الفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو" (Jean Jacques Rousseau): يولَد الإنسان حراً سيد نفسه، ولكنَّك تراه يَجِرُّ سلاسل العبودية في كل مكان"، {يُقصَد بالسلاسل هنا القيود النفسية}.

العبودية العقلية:

الإنسان عبد لنفسه وأهوائها، لكنَّه لا يعي هذه التبعية، ويظنُّ أنَّه ضعيف الإرادة، وهذا اعتقاد خاطئ تماماً.

يقول الفيلسوف الصيني "لاو تزه" (Lao Tzu): "القوي من يسيطر على الآخرين، والعظيم من يسيطر على نفسه، قلَّة قليلة من الناس يسيطرون على أنفسهم".

يميل بعض الأشخاص إلى الالتزام بقيود ومعايير محددة في طريقة تفكيرهم وتصرفهم؛ هذا يعني أنَّ الإنسان أصبح عبداً لعقليته والمعتقدات المقيِّدة التي فرضها على نفسه، وكما قال رجل الأعمال الأمريكي "هنري فورد" (Henry Ford): "تتحكَّم القيود بحياة الفرد عندما يركز عليها ويقتنع بها".

تكمُن المشكلة الحقيقية في أنَّ الإنسان لا يعي عبوديته لهذه القيود الذهنية لأنَّ العقل البشري يفرض عليه رؤية محددة تجاه العالم، ويَصِفُ عالِم النفس "مايكل هول" (Michael Hall) العالم الذي يراه الإنسان على أنَّه مصفوفة شخصية مؤلفة من الإطارات المعرفية والإدراكية التي تمكِّنه من إدراك وفهم العالم من حوله، وهي تشمل جميع الظواهر العقلية من المعتقدات إلى القيم، وتشكّل الوهم الذي يعيش وفقه الإنسان.

يثبت العقل البشري صحة المعتقدات المقيِّدة والاقتناع بها، ويُطلق خبير البرمجة اللغوية العصبية "روبرت ديلتز" (Robert Dilts) على هذه المعتقدات اسم "عوامل الجذب" (attractors’)؛ لأنَّها تجذب البراهين التي تُثبت صِحَّتها.

هذا يعني أنَّ الإنسان يمتلك تصوُّر محدود عن الواقع، وتكمُن المشكلة الحقيقية في أنَّه مقتنع تماماً بمعتقداته ولا يخطر له أن يشكك فيها أو يحللها ويتحقق من صحتها.

يعد عالِم النفس "هول" هذا التطرف للمعتقدات من أوجه الأصولية التي تُستخدَم لتجنيد الإرهابيين والانتحاريين، فتكمن المشكلة في أنَّ المتطرفين لا يتقبلون النقاشات ولا يسمحون لأحد بالتشكيك بمعتقداتهم أو مجادلتهم فيها.

يمنع هذا الموقف الإنسان من التغير والتقدم في حياته، فإذا كنت مقتنعاً بأنَّك عاجز عن التحكم بعقلك أو رغباتك، فهذا يعني أنَّ شعورك بالعبودية نابع من ذاتك وعقليتك.

التخلص من العبودية العقلية:

الإنسان قادر على إجراء محاكمة عقلية موضوعية لأفكاره، ويمكن تعريف مواقع الإدراك المستخدمة في تمرينات البرمجة اللغوية العصبية على أنَّها: قدرة الإنسان على تأمُّل أفكاره وتحليلها؛ وهي ليست مهارة بحدِّ ذاتها، وإنَّما هي جزء من العملية الإدراكية التي منحها الله تعالى للإنسان.

يجهل معظم الأفراد أنَّ ملاحظة أفكارهم وتحليلها تنطوي على عدة عمليات تجعل الفرد صاحب سلطة ونفوذ على عقله وقادر على تحديد الأفكار التي تخدمه، ويحدُث هذا لأنَّ الإنسان يتجاوز مستوى أفكاره ويحللها وفق عقلية ومنظور أسمى وأشمل، ويستفيد من المعرفة والحكمة في التأثير في أفكاره القديمة وصقلها.

يعتقد بعض الأفراد أنَّهم لا يمتلكون الخيار، وهو ما يؤدي إلى شعورهم بالعجز واقتناعهم به.

شاهد بالفديو: 10 عادات مميّزة يتبعها الأشخاص الناجحون في التفكير

آلية التحكم بالعقل:

أنت قادر على التشكيك في المعتقدات التي تظن أنَّها غير قابلة للتغيير أو الجدل عن طريق تحليلها بشكل موضوعي؛ لذلك عليك أن تختار أحد المعتقدات التي تعبِّر عن شخصيتك وتبدو حقيقة واقِعة بالنسبة إليك لكنَّك تكرهها، ثم تبدأ بتحليلها والتشكيك فيها، وتتطلب العملية كثيراً من قوة الإرادة وهي أشبه بالتشكيك بواقعك ووجودك.

ثمة كتاب ممتع يُدعَى "فن البصيرة الروحانية" (Art of Spiritual Discernment)؛ يتحدَّث عن مفهوم الحقيقة في العصر الحديث، ويفتَرِضُ الكتاب أنَّ الحقيقة نسبية، وأعتقِدُ أنَّ هذه الأفكار هي مصدر الفوضى في العالم.

أؤمن بوجود الحقيقة المطلقة التي تُحرر الإنسان من القيود، وأثقُ بأهمية هذه الحقيقة ومدى حاجة البشر إليها، فتساهم هذه الحقائق في حماية الإنسان من الموت، فمن غير المنطقي مثلاً أن تمشي على الطرق السريعة المخصصة للسيارات، وأن تقترب من الأشياء التي تحمل علامة "خطر الموت"، فهذه الحقائق ثابتة ولا تحتمل الجدل.

أنت تستطيع اتخاذ قراراتك الشخصية، ولستَ مضطراً إلى طاعة الآخرين، وأنا لا أدعو إلى التمرد أو العصيان، بل إلى وضع الحدود الشخصية؛ لأنَّ بعض الناس يطلبون منك أن تتغير لكنَّهم بالمقابل يرفضون تغيير أنفسهم من أجلك، كما أنَّني لا أدعو إلى التمرد على القيود الأخلاقية، بل أنا واثق من أنَّ إدراك الفرد لحدوده يتيح له إمكانية التفكير الإبداعي واستثمار إمكاناته وقدراته بِحُريّة.

يتحدث عالِم النفس والمؤلف "إدوارد دي بونو" (Edward De Bono) في كتابه "التفكير الجانبي" (Lateral Thinking) عن عدد من الحالات التي يحتاج فيها المرء إلى وجود الحدود حتى يقوم بعملية إبداعية لم يسبقه إليها أحد.

إقرأ أيضاً: قناعاتنا حول الوقت وتغييرها

في الختام:

الطاقة النفسية ضرورية للتحرر من المعتقدات المقيِّدة للإنسان والتي تمارس عليه العبودية، وفيما يأتي 4 أسئلة تستفزك وتنشط طاقتك النفسية:

  • إلى متى ستستمر بالمطالبة بحقك في العبودية؟
  • إلى متى ستبقى متمسكاً بعقلية العبودية؟
  • لماذا تُصر على التمسك بنقاط ضعفك وافتقارك لضبط النفس؟
  • متى ستتخذ قرارك بتحمُّل مسؤولية قراراتك؟



مقالات مرتبطة