العادات المتدرجة والعادات الثابتة: أيهما أفضل؟

يُوجد منهجان شائعان يمكن اتباعهما عند العمل على الأهداف والعادات. يفضي المنهج الأول إلى إحراز تقدُّم تدريجي؛ إذ تبدأ بسهولة، وتزيد من صعوبة الأمر قليلاً في كل مرة، حتى تتمكن بالنهاية من إنجاز الأعمال الصعبة للغاية عن طريق بذل مجهود أقل بكثير ممَّا سبق.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب الصحفي "سكوت يونغ" (Scott H. Young)، ويحدِّثنا فيه عن اختلاف أنواع العادات، وكيفية استخدام وتسخير كلٍّ منها بما يخدم أهدافنا

بينما ينطوي المنهج الثاني على تقدُّم مستمر ومنتظَم؛ أي إنجاز العمل نفسه مع توقُّع النتائج نفسها في كل مرة؛ إذ ليس الهدف هو التطور والازدهار، وإنَّما المحافظة على قاعدة متينة للعادات.

قد تدفعك مثلاً خطتك التطورية من أجل خسارة الوزن وتنمية اللياقة البدنية، إلى الركض ميلاً واحداً، ثمَّ ميلين، ثمَّ ثلاثة أميال، حتى تشارك في الماراثون بنهاية المطاف، أمَّا العادة الراسخة فهي اختيار هدف منطقي، كالركض مسافة ميلين مثلاً، ومن ثمَّ الالتزام به من دون أيِّ تغيير لفترة طويلة.

أيُّ المنهجين أفضل المتدرج أم الثابت؟

يجب عليَّ الاعتراف بأنَّني لطالما فضلت العادات المتدرجة بالنسبة إلى عديدٍ من الأهداف التي وضعتها لنفسي؛ إذ في بداية الأمر إن لم تكن راضياً عن قدراتك الحالية، فإنَّ التقدم والازدهار هو السبيل الوحيد أمامك، فمثلاً إن كنتَ ترفع ثقَّالات حديد في النادي الرياضي بوزن 2 كيلوجراماً فقط، فمن غير المحتمل أنَّك ستحسِّن قدراتك لترفع 22 كيلوجراماً من دون ممارسة تمارين تطورية بالتدريج.

أضف إلى ذلك أنَّ الاستقرار والركود يُعد شائعاً؛ إذ يُعرَّف التراخي بالتحديات الجسدية والذهنية التي نتعرض لها على أنَّه الاستقرار على روتين اعتيادي، والاستغناء عن تحفيز أنفسنا نحو بلوغ قدراتنا القصوى.

مع ذلك، بدأت مؤخراً بتغيير وجهة نظري؛ وذلك لأنَّني أظنُّ أنَّ العادة الراسخة والمنتظمة غالباً ما تتفوق بنتائجها على العادات المتدرجة، حتَّى وإن كان التطور هو الهدف المطلق.

شاهد بالفيديو: كيف تتخلص من عاداتك السيئة وتطور عادات جديدة

السعي نحو التطور أم تجنُّب الانحدار وفقدان القدرات؟

يتضمن أحد أوجه المقارنة بين العادات المتدرجة والعادات الراسخة المنتظمة، أنَّ العادات المتدرجة تهدف إلى تحقيق التطور والازدهار، بينما تحمي العادات المنظَّمة والثابتة من التراجع وفقدان القدرات؛ إذ عندما تنوي الالتزام بعادة تطورية بالتدريج، فأنت تضع نفسك على طريق النجاح والتحسُّن، ومن المؤكَّد أنَّ تلك التغييرات البسيطة التراكمية ذات الصعوبة المتدرجة سترفع من مستواك وقدراتك، لكن يكمن الجانب السلبي للعادات المتدرجة في صعوبة المحافظة عليها والالتزام بأدائها، فضلاً عن أنَّها ربَّما لا تزداد صعوبتها على نحوٍ موازٍ للتقدم الذي تضيفه إلى العادة؛ لذا قد تبدأ بعادة سهلة تماماً، ومن ثمَّ تجدها بنهاية المطاف غايةً في الصعوبة أو حتى مستحيلة الإنجاز.

لقد مررت بهذه التجربة شخصياً منذ عدة سنوات، حين كنت أتدرب ضمن برنامج لياقة يتَّبع استراتيجية تقتضي بدء التمرين باستخدام أوزان خفيفة، ثم في كلِّ مرة تكمل تمرينك بنجاح، تزيد الوزن المستخدم  بمقدار كيلوجرامين في تمرينك اللاحق، ورغم أنَّني أحرزتُ تقدُّماً بهذه الطريقة، إلا أنَّني أصبحت بسرعةٍ غير قادرٍ على احتمالها.

وبينما كنت مسيطراً على جدول التمارين في البداية، دخلتُ بسرعة في حالة من التعب الجسدي؛ إذ لم يكن جسدي يتعافى من تأثير التمرين السابق قبل الموعد المقرر للتمرين الجديد، وأُرغمت في نهاية المطاف على مغادرة برنامج التمارين، لأنَّ التحسُّن في قوَّتي وقدرتي على احتمال التمارين، يكون أقرب إلى التطور الذي يتخذ شكلاً خوارزمياً أكثر ممَّا يتبع التطور الخطي؛ الأمر الذي يعني أنَّ صعوبة التمارين تزداد أكثر فأكثر، بصرف النظر عن أنَّ الوزن الذي كنت أستخدمه كان يزداد كعاملٍ ثابت.

لذلك تبدو العادات المتدرجة الخاصة بالتمارين الرياضية عند رسم مخطط بياني لها، كأنَّها ذروات ارتفاع حادة متبوعةً بنوعٍ من التغيير - أي الفشل في إكمالها - مع مقدارٍ متغيِّر من الهبوط في المنحنى البياني، يمثِّل الفترة اللازمة لتعافي الجسم قبل أن تتمكَّن أيُّ زيادة متدرجة أخرى من الظهور.

تتعلَّق العادات الراسخة والمنتظمة من ناحية أخرى بالحماية من التراجع وفقدان القدرات الحالية؛ إذ إنَّ الصعوبة لا تزداد خلالها، ومن ثم لا ينتج عنها تقدُّم بالمعدل الأمثل، وفي الجهة المقابلة، نجد فيها معدلاً أقلَّ من التراجع إلى مستوى أخفض من الصعوبة بعد الفشل، وذلك لأنَّ الصعوبة ثابتة أو قد تنخفض قليلاً، ممَّا يجعلك أقلَّ عرضةً للفشل أصلاً.

كنت قد قررت منذ ستة أشهر مضت، اتباع أسلوب مختلف للحصول على اللياقة البدنية؛ إذ أردت تجربة جدول تمارين سهلٍ بأوزان خفيفة، بدلاً من الجدول التصاعدي المكثَّف؛ وقرَّرتُ لذلك تنفيذ خمسين تمريناً للضغط فقط كلَّ يوم، وكان ذلك سهلاً للغاية بالنسبة إليَّ بذلك الوقت، إضافةً إلى أنَّه يمكن تنفيذ تمارين الضغط في أيِّ مكان، وأستطيع ممارستها حتى عندما أكون مسافراً أو مريضاً، وكنت أهدف من ذلك إلى بناء عادة في حياتي يمكن المحافظة عليها بصرف النظر عن مدى انشغالي وتراكم الأعمال، بدلاً من محاولة الضغط على نفسي.

كانت النتيجة من هذه التجربة أنَّه فاتتني ممارستها مرةً واحدة فقط خلال الستة أشهر الماضية، ورغم أنَّ قوَّتي لم تزدد خلالها بالمقدار نفسه الذي حققته عن طريق التمارين التصاعدية المكثَّفة منذ عدة سنوات مضت، إلا أنَّ نتائجها كانت أفضل بكثير من توقعاتي، وقد تبيَّن لي أنَّه في حالتي من الهام للغاية المحافظة على قدراتي وتجنُّب التراجع، أكثر ممَّا يجب عليَّ الضغط على نفسي بغرض التطور والنمو.

إقرأ أيضاً: 6 مبادئ أساسية لتحقيق أهدافك والسعي نحو النجاح

أيُّ نهجٍ عليك اتباعه؟

تُعد العادات المتدرجة أقلَّ استقراراً، لكنَّها تؤدي إلى تطور كبير، وبينما تقودك العادات الراسخة والثابتة إلى القليل من التطور بنهاية المطاف، إلا أنَّها أكثر استقراراً.

يمكن أن تكون العادة المتدرجة أفضل بالنسبة إليك في حال كنت تتوقع قليلاً من التراجع والانحدار، أو أظهرت تركيزاً مطولاً ومستمراً على التطور، وإن بقي هذا الجانب محطَّ اهتمام بالنسبة إليك لأعوامٍ في المستقبل، فيمكنك على الأرجح الاستمرار في ممارسة عاداتك بالتمارين المكثَّفة والتصاعدية، على الرغم من حاجتك إلى البدء من جديد، والتعديل فيها بين الحين والآخر.

بينما يُفضَّل اتباع عادات راسخة ومنتظمة، لتحسين مجالات حياتك التي من النادر أن تصبح أولويةً قصوى بالنسبة إليك، أو عندما تعير اهتماماً أكبر بالتراجع وفقدان القدرات، أكثر ممَّا تهتم بالتطور.

بالنسبة إليَّ، كنت أفضِّل تحسين لياقتي البدنية كعادة ثابتة ومنتظمة أكثر من ممارسة تمارين مكثَّفة تطوّرية؛ ذلك لأنَّها ليست المحور الرئيس في حياتي عادةً، كما أنَّني أخشى السمنة والضعفَ، أكثر ممَّا أهتمُّ بالحصول على لياقة عالية.

إقرأ أيضاً: 9 طرق مثبتة علميَّاً للتخلص من العادات السيئة

في الختام:

ومن ناحية أخرى، يميل تطوير الأمور المحورية في حياتي المهنية إلى كونه عادة متدرجةً ومتطورة، ولا أتمكن غالباً من الالتزام بها إلى الأبد، لكن لأنَّ العمل هو الجزء الأهم في حياتي دوماً، فإنَّ التطور العظيم الذي ينجم عن هذه العادات يذكِّرني بالحاجة إليها، ويدفعني إلى العودة لها كلَّ مرةٍ والتكيُّف معها بوتيرة أكبر.

المصدر




مقالات مرتبطة