الطلاق النفسي: تعريفه، علاماته، أسبابه، وطرق علاجه

نحن نمضي في هذه الحياة راسمين سقف توقُّعاتٍ عالٍ لحالة الزواج، حيث نعُدُّها الحالة التي تُضفِي بهجةً وسروراً وسكينةً وراحةً على قلب الشريكين والعائلة ككل؛ لكن لا نلبث أن نتنازل عن هذه النظرة الإيجابية بفعل ما نراه أمامنا من نماذج زواجٍ فاشلةٍ وخاليةٍ من المشاعر والدفء، فنبدأ الاعتقاد أنَّ توقُّعاتنا السليمة والمنطقية ما هي إلَّا حالةٌ خياليةٌ حالمة، وأنَّ الواقع أمرٌ مختلفٌ.



كثيراً ما نسمع العديد ممَّن اختبروا هذه التجربة يقولون: "الزواج عبارةٌ عن روتينٍ وواجباتٍ لا أكثر"، و"لا توجد حالة من التقارب الروحي بعد الزواج، إذ تشغل مسؤوليات الحياة بال كلٍّ من الزوجين، وتجعلهم في حالةٍ من الواقعية المُفرِطة"، هكذا حتَّى تتحوَّل لدينا حالة القرب المعنوي الجميلة، والاحتواء المطلق في السرَّاء والضرَّاء، والمشاركة الإيجابية في عيش تفاصيل الحياة؛ إلى مجرَّد إكسسواراتٍ إضافيَّةٍ لا معنى لها لحالة الزواج، في حين تختصر كلٌّ من الماديات والواجبات والأولاد الزواج بأسره.

هنا ينشأ لدينا نمطٌ جديدٌ من أنماط الزواج، وهو الزواج الشكلي بلا روحٍ أو مشاعر، حيث تنعدم فيه حالة الحوار العميق والحضن الدافئ، وتسوده حالةٌ من الجمود والرتابة التي تصل إلى النفور في بعض الأحيان. نعم، إنَّه الطلاق النفسي الذي يتحقَّق دون دعوةٍ أو قاضٍ أو أوراق رسمية، ويكون طلاقاً روحيَّاً تغيب فيه المشاركة والحبُّ والحنان والاحتواء.

ربَّما تتساءل: كم عدد الأُسر التي تحيا طلاقاً نفسياً وتدَّعِي السعادة الزوجية، بينما تكون بعيدةً كلَّ البعد عنها؟ كم يُقصِّرالأزواج في سعيهم إلى الوصول إلى حالة الزواج السليم، معتقدين أنَّهم يُحسِنون صنعاً، وأنَّ الشكل الطبيعي للزواج أن يكون بلا روحٍ أو شغف؟ وكم من أزواجٍ ضحُّوا بمتعة البوح الصادق إلى الآخر، والتماس الراحة والسكينة، تحت شعار: "لم يُعد يفهمني"، و"أنا أريده أن يتغيَّر"، و"للأسف، أشعر بوجود حاجزٍ كبيرٍ بيني وبينه"؛ غير واعين إلى أنَّ التغيير يبدأ من دواخلهم؟ إلى أيِّ مدىً تشوَّه مفهوم الزواج في مجتمعنا؟ وإلى أيِّ مدىً أضحت نظرة المجتمع أهمَّ من إحساسنا ومشاعرنا؟

شاهد بالفديو: 6 سلوكيات خاطئة تجنبها حتى تحافظ على زواجك

لقد أصبحنا نرتضي أشكالاً خاطئةً من العلاقات خوفاً من نظرة المجتمع، وحرصاً على سلامة أولادنا؛ متوقِّعين أنَّ حالة الطلاق الفعلي ستدمِّر الأولاد وتُلحِق الضرر بصورتنا الاجتماعية، في حين أنَّ الطلاق النفسي أشدُّ ضرراً بكثيرٍ على جميع الأطراف.

لذا سنخوض سويَّاً في هذا المقال، لنتعرَّف على أسباب وعلامات الطلاق النفسي، وطرائق معالجته.

ما هو الطلاق النفسي؟

إنَّ الأساس في الزواج أن يكون إضافةً جميلةً وغنيةً في حياة الإنسان، بحيث يُضفِي على حياته مزيداً من السعادة والراحة النفسية والاطمئنان والسكينة؛ فعندما يتزوَّج الإنسان من الشريك المناسب، تزداد طاقة الحياة والإنجاز لديه؛ لأنَّ طاقة الحبِّ من أقوى الطاقات في الكون وأشدِّها فاعلية.

في حين يكون الزواج الذي لا يُحقِّق هذه الحالة من الهدوء النفسي، وتطغى عليه مشاعر الفتور والرتابة والنفور؛ زواجاً شكلياً، وهو ما نُطلِق عليه مسمَّى "الطلاق النفسي"، حيث يكون الزوجان مشتركين في الحياة بداعي الواجب، أو من أجل تربية الأولاد، أو التزاماً بعقد القران فيما بينهما؛ لكنَّهما غير مشتركين على المستوى النفسي والروحي.

علامات الطلاق النفسي:

يوجد العديد من العلامات التي تُنذِر بوجود حالة الطلاق النفسي بين الزوجين، ومنها:

1. الهجران:

عندما يميل كلٌّ من الزوج والزوجة إلى النوم في مكانٍ بعيدٍ عن الآخر، مثل أن ينام كلٌّ منهما في غرفةٍ منفصلة.

2. غياب الحوار والدفء:

قد تختفي لغة الحوار بين الزوجين، بحيث لا يتناقشون في تفاصيل حياتهم، ولا يعيرون اهتماماً لخططهم المستقبلية وتطوُّر علاقتهم وشخصيَّاتهم؛ إلى جانب أنَّهم يتعاملون بطريقةٍ جامدةٍ وباردةٍ وخاليةٍ من المشاعر والدفء، ولا يعبِّرون عن حبِّهم بأيِّ طريقةٍ كانت.

3. الانتقادات المستمرة:

قد ينتقد الشريكان بعضهما بعضاً على أصغر الأمور، ويركِّز كلٌّ منهما على سلبيات الآخر دون أخذ إيجابيَّاته في عين الاعتبار؛ بالإضافة إلى اتباع أسلوب التهديد والابتزاز العاطفي، مثل تهديد الزوج لزوجته بالطلاق على الدوام.

كما قد يميل الطرفان -أو أحدهما- إلى استخدام أسلوب التحقير والإهانة، والتقليل من قيمة الآخر، وعدم احترامه.

4. النفور:

قد يبدأ أحد الشريكين بالشعور بالنفور من الشريك الآخر، وعدم القدرة على تقبُّل أمورٍ وتصرُّفاتٍ كان يتقبَّلها في السابق، وقد يصل به الحال إلى القرف من شريكه.

5. غياب المديح والمشاركة:

قد تغيب لغة المديح بين الزوجين، فلا يعود أيٌّ منهما قادراً على إعطاء الآخر مشاعر إيجابيةً راقية، ومشاعر شكرٍ وامتنانٍ وسعادة؛ بالإضافة إلى انعدام رغبتهما في  قضاء الوقت سوياً والمشاركة في نشاطٍ ممتعٍ معاً.

إقرأ أيضاً: 6 علامات تدل على اقتراب العلاقة الزوجيَّة من الطلاق

أسباب الطلاق النفسي وكيفية علاجه:

1. انتظار تغيُّر الآخر:

يختبر الكثير من الناس علاقات زواجٍ بعيدةً عن المستوى الذي يرغبون به، لكنَّهم عوضاً عن الإحساس بالمسؤولية والبدء بالتغيير من ذواتهم، يبدؤون إلقاء اللوم والاتهامات على الطرف الآخر؛ ممَّا يؤدِّي إلى عدم استجابة الطرف الآخر لهم، وإلى عدم الوصول إلى أي نتيجة، هكذا حتَّى ينتهي بهم الحال إلى الاستسلام والطلاق النفسي.

على الطرف المُتألِّم من العلاقة أن يَعِي أهميَّة المبادرة مع الآخر، فقد قال تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}، أي أنَّه إذا تألَّم أحد الطرفين من عدم وجود الحبِّ والحنان في علاقته، فليُبادِر مع الطرف الآخر ويُنفِق حبَّاً واهتماماً وحناناً، وسيرى النتيجة الإيجابية حكماً.

2. فكرة الزواج المشوِّشة:

يعتقد الكثير من الأزواج أنَّ الحالة الصحية للزواج تكمن في غياب المشكلات في المنزل، وفي القيام بالواجبات والمسؤوليَّات الملقاة على عاتق كلٍّ من الزوجين؛ في حين أنَّ الزواج الحقيقي يجب أن يسوده الحبُّ والشغف والمشاعر الإيجابية الرائعة المُحفِّزة على العطاء والإنجاز والاستمرار في الحياة.

يعيش الأزواج حالة طلاقٍ نفسيٍّ نتيجة غياب الرؤية الواضحة للزواج، معتقدين أنَّها الحالة الصحية للزواج.

3. عدم الفهم الحقيقي لمفهوم الحب:

يخلق الكثير من الأزواج المشكلات والضيق النفسي لشركائهم بسبب كونهم متعلِّقين بهم بطريقةٍ مرضية، حيث يعدُّ أحد الشريكين شريكه الآخر مصدر أمانه وسعادته؛ ممَّا يؤدِّي إلى حالةٍ من الاهتمام المبالغ فيه، وحالةٍ من التملُّك السلبي التي تُشعِر الطرف الآخر بالقيود والأسر؛ ممَّا يؤدِّي إلى نفوره، وحصول طلاقٍ نفسي بينهما.

على كلٍّ من الطرفين أن يَعي أن الحبَّ يعني الحرية والمشاركة، وأنَّ حالة التعلُّق يلزمها كسرٌ وتهشيم، كأن يفكِّر الشخص المُتعلِّق أنَّ الطرف الآخر هو إضافةٌ جميلةٌ في حياته، ولكنَّه لا يمثِّل الحياة بأسرها؛ وأن يركِّز على إنجازاته ورسالته في الحياة، عوضاً عن ملاحقته الطَّرف الآخر على مدار الساعة.

4. الخوف:

يستمرُّ الكثيرون في حالةٍ من الطلاق النفسي المؤذي، وذلك خوفاً على أطفالهم أو من نظرة المجتمع، معتقدين أنَّهم بذلك يُحصِّنون أطفالهم من الأذى النفسي الناتج عن الطلاق الفعلي، ويضحُّون في سبيل إسعادهم؛ غير واعين أنَّ وجود الأطفال ضمن عائلةٍ يعيش الطلاق النفسي والروحي بين زوجيها، يعدُّ أكبر أذىً نفسيٍّ لهم، وقد يؤدِّي إلى الكثير من الأمراض والعقد النفسية مستقبلاً؛ فمثلاً: قد تتشوَّه نظرتهم عن الزواج.

على الأزواج مواجهة الموقف والسعي بجدٍّ إلى تحسين الحال، وذلك بأن يبدأ كلُّ طرفٍ التغيير من نفسه؛ وإن وجدوا أنَّه لا مجال للاستمرار في الزواج، فعليهم إذاً الانفصال بطريقةٍ حضارية؛ إذ يعدُّ الانفصال الراقي أفضل بكثيرٍ من الزواج الشكلي الذي يسوده طلاقٌ نفسي، وسيوفِّر عليهم وعلى أولادهم الكثير من الأمراض النفسية.

من جهةٍ أخرى، قد يخاف بعض الأزواج من نظرة الناس عنهم في حال انفصالهم عن شركائهم؛ لذلك تجدهم يستمرون في زواجٍ شكليٍّ مؤذٍ، وهنا عليهم التحرُّر من نظرة الناس؛ لأنَّ ما يهمُّ هو حالتهم النفسية وحالة أولادهم الشعورية، وليس نظرة الناس عنهم، فهم مَن يتألَّمون من العلاقة وليس الناس.

5. عدم الوعي إلى الاختلافات بين الذكر والأنثى:

تختلف الاحتياجات النفسية بين الذكور والإناث، وعلى الزوجين هنا الوعي لهذه الاختلافات، كأن يلتحقوا بدوراتٍ تدريبيةٍ لفهم سيكولوجية الرجل والمرأة، وكيفية التعامل مع كلٍّ منهما.

على سبيل المثال: تعدُّ الثقة من أهمِّ الاحتياجات النفسية للرجل، فإن استشعر أنَّ امرأته لا تثق به، سواءً من خلال كلامها أم تصرُّفاتها؛ فسيشعر حينها بالفتور والملل من العلاقة. في حين يعدُّ الأمان أهمَّ الاحتياجات النفسية لدى المرأة، فإن شعرت المرأة أنَّ زوجها مستهتر، ولا يهتمُّ بأمان بعائلته؛ فستشعر حينها أنَّها في علاقةٍ غير متوازنةٍ وغير ناجحة.

أيضاً، يعدُّ الوضوح من أهمِّ الاحتياجات النفسية للمرأة، فإذا تعامل معها الزوج بغموض؛ فسيكون هناك شرخٌ في العلاقة. كما تعدُّ الحرية من أهمِّ الاحتياجات النفسية للرجل، فعندما تدقِّق المرأة على تصرُّفاته وتقيِّده كثيراً؛ فإنَّها بذلك تخلق حاجزاً بينها وبينه.

6. الانتقاد وعدم التعبير عن المشاعر:

يكتم الكثير من الأزواج مشاعرهم، ويخافون البوح بها؛ ممَّا يؤدِّي إلى حالةٍ من الطلاق النفسي فيما بينهما.

عليهم بدلاً من ذلك الاتفاق على مشاركة بعضهما بعضاً كلَّ المشاعر الإيجابية والسلبية، وتفعيل الحوار العميق فيما بينهما، كأن يقول الزوج لزوجته: "أنا أحبُّكِ كثيراً، لكنَّ تصرُّفكِ لم يكن جيداً. لقد أزعجني، وكنت أتمنَّى لو أنَّك قمتِ بفعل (كذا) لشعرتُ حينها بالسعادة".

من جهةٍ أخرى، على الأزواج تعلُّم التركيز على إيجابيات بعضهما بعضاً، عوضاً عن التركيز على السلبيات؛ فمن شأن ذلك أن يُعمِّق الرابطة فيما بينهما.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعدك على التخلص من الآثار السلبيّة للطلاق

الخلاصة:

هل سترضون لأنفسكم العيش بزواجٍ شكليٍّ لا يمتُّ إلى الإنسانية بصلة، وقاتلٍ للشغف والرومنسية والدفء العائلي؟ أم أنَّكم ستسعون إلى حلٍّ مناسب؟

إمَّا أن ترتقوا بزواجكم إلى مرحلةٍ أكثر عمقاً ونضجاً؛ أو أن تنفصلوا فعلياً وبطريقةٍ راقيةٍ لحفظ ماء الوجه، ولوقف حالة الاستنزاف النفسي الحاصل. تأكَّدوا أنَّكم تستحقُّون أفضل زواجٍ على الإطلاق.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة